نتحدث جميعنا عبر كل الوسائط الإعلامية، وفي كل مواقع العمل السياسي والاجتماعي والثقافي عن ضرورة إتاحة الفرص الحقيقية للشباب للمزيد من العطاء والمشاركة بفاعلية في العمل الوطني، ويبقي سؤال يتردد بأسي: أين هم بعد اندلاع ثورة كانوا في طليعتها، ووقودها المشتعل في كل ميادين الحرية والتحرير ؟ .. والفرص التي أقصد، ليست في اختيار مجموعة محدودة من الشباب تتصدر وجوهها كل الفعاليات الحوارية عبر منتديات سياسية أو برامج تليفزيونية، يستثمرها هؤلاء لصناعة جماهيرية تؤهلهم لدخول البرلمان، وبخلاف ذلك لا استفادة بقدرات جموع الشباب في كل ميادين العطاء والإبداع بعد أن أنجزوا بروعة ما كان يحلم به أجيال كثيرة سبقتهم، وإلي حد قول البعض إن الشعب المصري قام بثورة 1919 ولم يستكملها إلا بثورة 25يناير2011. كنت أتخيل أن تتسارع الجهود، وتمتد الأيادي للعمل الجاد من قبل كل الجهات المعنية ( أهلية / حكومية ) لاستثمار تلك الحالة من الألق والتوهج التي صاحبت مراحل التصعيد الثوري في ميادين التحرير، لماذا لم تبادر المؤسسات الثقافية والإعلامية والتنموية والمدنية الأهلية بالتفاعل البنّاء الذكي مع المبدعين من الشباب .. لم نسمع عن إصدارات صحفية يحررها شباب، لم يفكر اتحاد الإذاعة والتليفزيون في تخصيص قناة للشباب وغيرها من المشاريع التي تتبني هؤلاء من قدموا أشكالاً جديدة للأغنية والأشعار والموسيقي والرسوم والفنون الكاريكاتيرية والجدارية في ميادين الثورة .. لم نجد من يقدم أي مشاريع لحشد الفكر الابتكاري لشباب لديهم رؤي وحلول للعديد من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والطائفية .. لكن تبقي لتجربة ساقية الصاوي تفردها وريادتها منذ إنشائها، وحتي تفاعلها مع المبدعين من شباب الميدان.. منتديات ثقافية، معارض فنية، عروض مسرحية ومهرجانات ومسابقات ثقافية وفنية ..ولعل مهرجان الساقية التاسع للأفلام الروائية القصيرة في الفترة 14/16 فبراير 2012 مثالاً طيباً لدور مؤسسات ثقافية أهلية تستجيب لطموحات شباب مبدع، ويؤكد من نظموا المهرجان أنه يأتي لتأكيد أهم المعاني والقيم التي يركز عليها الفن والإبداع، وأهمها الحرية والكرامة .. ولا شك أن مشاركة جهات عامة ومستقلة وأشخاص وشركات إعلامية وإعلانية في المهرجان بأفلام لها سمة المعاصرة في الفكرة والتناول التقني والجمالي والإنساني بتكثيف لا يقترب من الأشكال التقريرية والتوثيقية قد أثري فعاليات ونتائج المهرجان .. علي سبيل المثال أتوقف عند فيلم "موعد غرامي" سيناريو وإخراج وإنتاج هاني فوزي، وهو صاحب سيناريو الفيلم البديع "بحب السيما" الذي لاقي ممانعة ورفضاً من الرموز الكنسية، وصل إلي حد تنظيم تظاهرة شارك فيها عدد كبير من الكهنة، ليس لسبب غير أن كاتب السيناريو ومخرج الفيلم ومبدعيه قرروا أن يقدموا مجموعة نماذج إنسانية صادقة تصادف أنها مسيحية تعيش في فترة الستينات .. شخوص من دم ولحم ترتكب خطايا وأخطاء ككل البشر وليسوا كالملائكة كما اعتاد كتاب الدراما نحتها سابقاً، وكأنه تقليد فني ملزم للمبدع اتباعه .. "موعد غرامي" يراعي مبدعوه بساطة الفكرة وتميزها فهي غير مستهلكة التناول من قبل، وهو ما ينبغي أن تتسم به أشرطة السينما الروائية القصيرة، نعم هناك سرد تقليدي لكنه لا يصل بالمشاهد إلي درجة الملل نظراً لطرافة العرض الذي ينتهي بما يشبه النكتة المبكية، والفكرة تتناول ببساطة طرح سؤال : هل الحب الحقيقي يسكن بيوتنا التقليدية التي استمر وجودها بشكل يبدو راسخاً ومتيناً أم استمرار ذلك الارتباط ىُكتب له البقاء بفعل آلية الدفع الذاتي والعشرة وتربية الأولاد والانخراط في البحث عن المزيد من الدخل المادي لضمان كرامة العيش والترقي إلي مراكز أعلي ومستويات أفضل ؟ وبالصدفة، وعبر لعبة للزوجة ترسل خطابا للزوج وآخر لأخيها الذي يعيش معهم في عش الزوجية وبنص واحد كتبته علي لسان فتاة تعلن هيامها بالزوج والأخ وتطلب اللقاء عبر «موعد غرامي» في مكان وزمان واحد للزوج والأخ، وعليه يلتقي الزوج والأخ وتنشب معركة بينهما إثر محاولة كل منهما الانفراد بأول " موعد غرامي " .. وتكشف الزوجة لهما سر فعلتها وأنها لم تجد حيلة لإقناعهما للخروج من البيت لتمكينها من تنظيفه ففعلت ما فعلت .. قالتها ضاحكة بينما عيونها تبكي لفداحة اكتشاف هشاشة تلك العلاقة التي تهاوت مع أول تجربة اختبار، بينما تقترب كاميرا المخرج المؤلف من وجه الزوج الذي يعلن أنه ما أحبها يوماً .. فقدان الحب وأسأل المخرج الكاتب: هل كان من الممكن إضافة ما من شأنه دعم فكرة وجود إسقاط يربط بين هشاشة بيت تهاوي لفقدان الحب ونظام دولة تهاوي لفقدان الانتماء الوطني ؟..وأسأله ألم يكن عقد مقارنة بين زمن بداية الزواج وحتي زمن حدوث التهاوي، والربط والمقاربة مع بداية مسئولية النظام ولحظة تهاويه، وعليه لو كان الإشارة إلي استخدام وسائط العصر بديلاً للخطابات التقليدية فيبدو أن بلادة الحياة يمكن أن تجهز عليها أحلام العوالم الافتراضية المتسعة الآفاق، وتكون الخدعة عبر رسائل فيسبوكية مثلاً وصورة مزيفة لامرأة رائعة الجمال؟ في كل الأحوال الفيلم تجربة إبداعية تستحق التحية والتوقف عندها، ويستحق كل من شارك فيه أن تحوز اهتمام وسائل الإعلام بشكل عام، والتوقف بشكل خاص عند أداء الفنانة سلوي محمد علي التي يكفيها الأداء العظيم لمشهد النهاية الصعب لحظة الاكتشاف المحزنة لتهاوي تجربة امتدت لما يقرب من ربع قرن من الزمان .. برافو سلوي.. أفضل ممثل أما الفنان هشام منصور بطل "موعد غرامي" فقد استحق بجدارة جائزة المهرجان لأفضل ممثل، وأري أن الاستحقاق للجائزة جاء متوجاً لرسم الشخصية علي الورق بداية، وتفهم هشام الجيد لأبعاد الشخصية ثانياً، وبالرغم من أنه بالأساس كوميديان فإن الاتجاه للإضحاك لم يجذبه، فلم يلجأ لارتداء ملابس تؤكد أنه موظف تقليدي كالبدلة المخططة موديل قديم نسبياً وحمل الجريدة والبطيخة مثلاً، وأيضاً خلال مشاهد جمعته بزوجته علي الفراش، وكأنه يكتشف لأول مرة صوت شخير زوجته وكل سلوكيات الزوجة التقليدية المتناسية لأنوثتها كانت من الممكن سحبه لمناطق الأداء الأراجوزي المضحك، وقد كان المشهد الأعلي تجسيداً بشكل صادق في لحظة سعادته أنه مازال الرجل القادر علي جذب اهتمام ومشاعر الفتيات في هذه المرحلة العمرية ونداء حلم العودة لعمر تخطاه ومشاعر لم يعشها، وهشام منصور كان رئيس فريق التمثيل بكلية الحقوق في الثمانينات والذي ضم خالد صالح وخالد الصاوي ومحمد هنيدي وخالد طلعت والسيناريست أحمد عبد الله ومجموعة رائعة من المبدعين من نجومنا الحاليين .. جوائز الساقية أعلنت ساقية عبد المنعم الصاوي مؤخراً عن جوائزها لهذا المهرجان، حيث فاز بجائزة أفضل ممثل الفنان هشام منصور عن دوره في فيلم "موعد غرامي"، فيما حصلت علي جائزة أفضل ممثلة الفنانة إيمي عن دورها في فيلم "برد يناير".وقررت لجنة تحكيم المهرجان المكونة من الدكتور سعيد الشيمي مدير التصوير، والدكتور عادل يحيي عميد المعهد العالي للسينما المخرج، والمونتيرة الدكتورة غادة جبارة وكيل المعهد العالي للسينما، ومنحت جوائز لجنة التحكيم كالتالي: جائزة أحسن تصوير حصل عليها عاطف ناشد عن فيلم "القط أبو طاقية حمرا"، وجائزة أحسن مونتاج حصل عليها جورج عادل عن فيلم "عيش"، وجائزة أفضل سيناريو وحوار حصل عليها تامر سامي عزيز عن فيلم "كما في مرآة". فيما جاءت جوائز الساقية كالتالي، حصل علي جائزة الساقية الذهبية فيلم "تامر طار" للمخرج ريمون بطرس غالي، بينما حصل فيلم "41 يوم" للمخرج أحمد عبدالعزيز علي جائزة الساقية الفضية، وحصد فيلم "كواليس" للمخرج كيرلس طلعت أمجد علي جائزة الساقية البرنزية