''كارمينا بورانا ''.. مجموعة أغان دنيوية من ألحان «كارل أوُرف» تعرض فوق اكبر مسارح العالم ولها جمهور كبير .. وهي أغان عثر علي مخطوطاتها اللاتينية التي تعود الي القرن الثالث عشر في دير منعزل للرهبان البندكتيين يقع علي إحدي قمم جبال الألب البافارية.. وفي عام 1847 نشر الألماني شميلر تلك المخطوطات بعد أن أسماها ''كارمينا بورانا'' .. وعثر كارل أورف عام 1935 علي نسخة شميلر ونظمها في ثلاثة أجزاء هي : الربيع في الغابة .. في الحانة .. بلاط الحب .. وليقدمها كدراما موسيقية تحمل معانٍ تجاه غدر القدر الذي أخذ شكل الدائرة أو العجلة الطاحونة التي تمحو في طريقها الكثير من الأبرياء. وهناك الكثير من الأعمال الفنية الأخري شغلها القدر وأتعبها لكن ليست كالكارمينا .. ومثال تشكيلي أراه في كيفية إدراك عمل القدر في لوحة الفنان الأمريكي «جاسبر جونز» بعنوان «الهدف» .. اللوحة رسمها الفنان عام 1955 أقام الفنان لوحته الكولاجية المفاهيمية المنتمية لمدرسة «البوب» جامعا فيها التصوير والنحت فوق مسطح واحد.. مقدمة اللوحة تشغل مساحة كبيرة رسم فيها دوائر متداخلة كالمألوفة في التدريب علي إطلاق الرصاص.. وأعلي الدوائر في أقل من عشرين بالمائة من ارتفاع مساحة اللوحة خص شريحة عرضية رسم داخلها أربعة وجوه مستهدفة كأنها عينة بشرية اُختيرت عشوائياً ورغم قصدية القتل في العمل الا ان الاختيار القدري يعمل بقوة في ظل لاهوية شخوصه وجعل الفنان الشكل اللاتمثيلي ايضا للدوائر المشيرة للهدف تدفع للتقهقر كموضوع وكعلامة في تقاطع وتبادل بصري بين الشيء الواقعي المتمثل في الوجوه وبين التجريد - المرتبط بفن الخداع البصري- المتمثل في الدوائر بما جعل سطح اللوحة يستحضر تمثيلين تبادليين.. وهذا جعل اللوحة عُرضة للغموض بصريا لرؤية ذهنية اكتسبت مفهوماً ضمنياً لتوقع فعل عنف. لوحة جاسبر دراماتيكية في التعبير عن رُخص الإنسان كمهفوم .. وبصرياً تدفع بصرنا للتمركز علي القائم العرضي الذي يخفي عيون الوجوه الأربعة ويصيبنا هذا بارتباك اكثر من التركيز علي البؤرة الدائرية الي الأسفل .. والتي توحي ايضاً بالفعل الأوتوماتيكي الحركة للتكوين الدائري الذي انتجته اللوحة كهدف وحتي لاتنشغل العين بما هو خارج الهدف جعل الفنان لوحته أقرب لأحادية اللون «أبيض - رمادي - أخضر» كما لم يلجأ الفنان الي اي درجة من الايحاء بالمنظور ليؤكد ثبوت القرار والرؤية المركزة علي الوجوه ودائرة الاصابة دون اي احتمالية انحراف عن الهدف .. كما اعتمد الفنان الغاء اي مساحة للفراغ للتركيز علي تقديم مشهد موجز مكثف للحدث وتداعياته المفاهيمية لدي المشاهد .. وليجعل جاسبر لوحته " الهدف " لوحة لإطلاق الرصاص كواجهة نقيس عليها قدر عمق الإصابة التي تختبئ وراء المسطح كاختفاء العيون لأربعة من رجال اصطفوا كهدف للقتل في درامية عالية والمدهش أن هذا لم يثر فيهم غضباً أو خوفاً فهناك حالة من الاسترخاء في عظام فك الأربعة في حالة من اللامبالاه كأن ما يحدث هو سلوك لممارسة يومية .. هذه اللوحة مكونة من عدة مواد مختلفة من خشب وأوراق ومواد بلاستيكية وشمع مصهور مزجها الفنان بمادة كاوية وصمغية في درجة حرارة عالية أعطت مزيجا لزجا وبذلك أصبحت شخوص لوحته مجرد شيء مادي ضمن مزيج عضوي ليحكم الخليط تطويقه حول الإنسان داخل الوسيط الكيميائي ليقتل الإنسان مرة أخري بيد لا يعرف هويتها. اللوحة توحي بأن وضع هؤلاء الأربعة سيظل قائما ولتدوم لحظة التوتر قاتلة لا تقل في قسوتها عن عملية القتل ذاتها .. في تهديد أشد قتلاً من القتل الفيزيائي للجسد.