روبير سوليه كاتب وروائي فرنسي لبناني الأصل، ولد في مصر عام 1946، وتعلم في مدارسها حتي نهاية المرحلة الثانوية عام 1962، ثم هاجر إلي فرنسا وهناك درس الصحافة والأدب الفرنسي، وعمل بعد تخرجه بجريدة اللوموند حتي وصل إلي رئاسة القسم الثقافي بها، وهو بالرغم من أصوله اللبنانية، فهو عاشق حقيقي لمصر، ويظهر ذلك واضحا من سلسلة الكتب التي كتبها عن مصر، مثل "مصر ولع فرنسي " و"علماء الحملة الفرنسية " والرحلة الكبري للمسلة " كما أن له رواية منشورة بعنوان "الطربوش " وهي أشبه بسيرة ذاتية له. وأخيرا الكتاب الذي نحن بصدده (قاموس عاشق لمصر ) ولقد صدر عن المركز القومي للترجمة . وهذا القاموس يحتوي علي 144 مقالا عن مصر ذات موضوعات متنوعة، منها ما هو خاص بمصر الفرعونية مثل "توت عنخ أمون " و"رمسيس الثاني " ومنها ما هو قبطي مثل "الأقباط " و"الرهبان " ومنها ما هو إسلامي مثل " الأزهر "و" مآذن القاهرة " ومنها ما هو حديث ومعاصر مثل " حي العباسية " و"جريدة الأهرام " "كما تناول العديد من الشخصيات المؤثرة في التاريخ المصري علي مر العصور مثل " توت عنخ أمون " و"سعد زغلول " و"طه حسين " كما احتوت بعض مواد الموسوعة علي التراث الشعبي المصر مثل "البقشيش" و"مقاهي القاهرة" و"مولد " كما حوت بعض الفنانين مثل " أم كلثوم " و"عمر الشريف " وسوف نحاول في هذا المقال عرض بعض أجزاء من الموسوعة بحسب المساحة المتاحة من المقال . وسوف نبدأ بالفن الفرعوني، حيث قال عنه انه عندما زار شامبيليون معبد الكرنك لأول مرة قال ( نحن في أوربا لسنا إلا سكان مدينة الأقزام في رواية رحلات جيلفر، فلم يتمكن أي شعب قديم أو حديث من إنتاج فن معماري بهذه المقاييس المهيبة السامية وبهذا القدر من الضخامة والعظمة قدر ما فعل المصريون القدماء،فإن عمودا واحدا من أعمدة الكرنك،يعتبر وحده وفي حد ذاته أعظم من الواجهات الأربع للفناء المربع بقصر اللوفر ) . والشعب الذي نجح في بناء معبد الكرنك هو نفسه الذي نجح في حفر ونقوش كتابات هيروغليفية علي قطع صغيرة جدا من الأحجار الكريمة ، وفيما عدا استثناءات نادرة جدا،فأنه يندر أن نجد أمضاء أسم صاحب العمل علي التمثال،فنحن غالبا نعرف أسم الشخص الذي يكلف الفنان بعمل التمثال له، ولا نعرف الفنان نفسه . وعن "معبد أبو سمبل" كتب عنه يقول، ان المستشرق السويسري "يوهان لودفج بروكهارت " قد أعاد اكتشافه في يوم 22 مارس 1814،،وفي عام 1817،نجح العالم الإيطالي "بلزوني " في حفر فتحة صغيرة أعلي البوابة .وعندما زار العالم الفرنسي شامبيليون هذا المعبد قال عنه (يكفي المعبد الكبير وحده في هذا المكان، ليكون هدفا للرحلة إلي النوبة، أنه تحفة ) . وفي ستينات القرن الماضي،تم نقل المعبد من موقعه القديم،تحت إشراف اليونسكو،قبيل بدء تشغيل السد العالي في أسوان، وذلك لتجنب أن تبتلعه مياه البحر المتكونة في النيل بسبب السد العالي، تقرر رفع المعبد إلي مسافة ستين مترا فوق مستواه الأصلي . وعن "الأقباط" قال ان كلمة الأقباط تعني مصريين، فهي في الأصل اختصارا للكلمة اليونانية "إيجبتوس"،المأخوذة من الكلمة الهيروغليفية" حت كا بتاح"،والتي تعني منزل روح الإله بتاح، وفيما بعد الفتح العربي،استعملت الكلمة لتشير إلي المصريين الذين لم يتحولوا إلي الإسلام . ويستمر عدد من الأقباط حاليا في دق وشم صليب أزرق صغير علي رسغ اليد، فيما عدا ذلك،فهم لا يختلفون عن مواطنيهم من المسلمين في شيء، وهم يتحدثون باللغة العربية، حيث ان اللغة القبطية لم تعد تستعمل إلا في الطقوس والشعائر الدينية . ويفتخر الأقباط بعصر الاستشهاد ،حتي أنهم أتخذوه بداية لتقويمهم، الذي يبدأ عام 284 م،وهو العام الذي تولي فيه الإمبراطور دقلديانوس سفاك الدماء الحكم، وتحت كلمة "رهبان" كتب يقول، ان مؤسس حياة الرهبنة في مصر هو الأب أنطونيوس (251/356) وقد عاش 105 أعوام، منها حوالي 80 سنة متوحدا في الصحراء الشرقية بالقرب من البحر الأحمر،ثم دخلت الديرية حياة مرحلة أخري مع القديس باخوم ( 286/348 ) الذي أسس ديره في الصعيد بالقرب من نجع حمادي، أول مؤسسة ديرية في العالم بالمعني الحديث، وكلمة راهب باللغات الأوربية (موان/مونك ) للدلالة علي كلمة "راهب " العربية، وهي مأخوذة من الكلمة اللاتينية "موناكوس " التي تختصر إلي "مونو " بمعني أعزب أو إنسانا يعيش وحده . وتبدو الأديرة القبطية حاليا معاهد لحفظ التقاليد الكنسية واللغة والفن القبطي، وتستعمل علوم الحاسب الآلي لهذه الأغراض . ومازال الرهبان يرتدون نفس الرداء منذ القرون الأولي للميلاد،وهو الرداء الأسود،وغطاء الرأس باللون الأسود، وعلي كل ناحية من ناحيتي غطاء الرأس ستة صلبان صغيرة مطرزة، والمجموع 12 صليبا،هو عدد تلاميذ السيد المسيح، ثم يوجد صليب ثالث عشر علي القفا،حيث يوجد المخيخ للتذكير بأن كل الأفكار يجب أن تتقدس بعلامة الصليب . وتحت كلمة "الازهر " كتب يقول انه (منارة الإسلام) وهو تأسس علي يد أسرة فاطمية شيعية في القرن العاشر الميلادي ومنذ حوالي نصف قرن أصبح متاحا فيه دراسة العلوم الحديثة مثل الطب والزراعة، وأي شخص يمكنه دخول الجامع الأزهر، بشرط أن يخلع حذاءه،وهو يتكون من 300 عمود من الرخام،والوظيفة الرسمية للأزهر هو الحفاظ علي التراث الثقافي الإسلامي،وتفسير مبادئ العقيدة ونشرها . أما عن مآذن القاهرة،فلقد كتب يقول انها علي كل الأشكال والألوان، ومن كل العصور، طولوني وأيوبي ومملوكي وعثماني، وهي تتكون من قاعدة مكعبة يعلوها بدن مثمن الأضلاع،يعلوه طابق مستدير،والقمة عادة ما تكون بصلية الشكل، وعندما جاء بيار لوتي إلي القاهرة عام 1900،وصفها بأنها مدينة المساجد حيث قال (في كل مكان ترتفع هذه المآذن بأبدانها المزينة بنقوش الأرابيسك الجميلة المحفورة حفرا بارزا، في تنويعات لا نهاية لها،وللأبدان شرفات صغيرة ترتكز أسقفها علي أعمدة صغيرة ) . وعدد المآذن في مصر كبير جدا، فمنها ما يظهر علي البعد،ومنها ما يعلو رأسك مباشرة، وتقف جميعا كأنها تشير إلي السماء . وإذا ما انتقلنا إلي مصر الحديثة فسنبدأ بمقاله عن جريدة الأهرام باعتبارها أقدم الجرائد اليومية، فلقد تأسست عام 1876 علي يد الأخوين بشارة وسليم تكلا، ولقد اسهمت في تقديم طريقة جديدة للكتابة باللغة العربية،وفي نهاية الخمسينات من القرن الماضي،حولها الرئيس جمال عبدالناصر إلي جريدة شبه رسمية للدولة، كما احتضنت في داخلها مجموعة كبيرة من صفوة الكتاب في مصر مثل توفيق الحكيم، نجيب محفوظ، لويس عوض .... الخ . وتتميز الأهرام بوجود جمهور كبير من الطبقات الشعبية من قرائها،كما انها تحتضن في داخلها تشكيلة متنوعة من وجهات النظر المختلفة من الإسلاميين إلي أكثر دعاة العولمة حماسا . ولقد تميزت الأهرام بوجود مركز للأبحاث ودار للنشر،كما قدمت جريدتين أسبوعيتين إحداهما باللغة الإنجليزية (الأهرام ويكلي ) والأخري بالفرنسية ( الأهرام إبدو) . وعن الزعماء المصريين كتب عن سعد زغلول فذكر في بداية المقال العبارة التي قالها عنه نجيب محفوظ ( في المنزل الذي تربيت فيه،كان اسم سعد زغلول يذكر كما لو كان اسما لأحد الآلهة ) ولد عام 1856، حفظ القرآن في كتاب القرية، ثم المدرسة الازهرية، والتقي في جامعة الأزهر باثنين من كبار مصلحي عصره، هما جمال الدين الأفغاني، ومحمد عبده . عمل محاميا لفترة، قبضت عليه السلطات البريطانية عام 1883 بتهمة اشتراكه في أنشطة وطنية مخربة،وأفرج عنه بعد أربعة أشهر، بدأ في التردد علي صالون الأميرة نازلي، وهناك تعرف علي العديد من الشخصيات العامة، ذهب إلي فرنسا وهناك حصل علي دبلوم القانون من جامعة باريس، وفي عام 1906 أصبح وزيرا للمعارف، وفي عام 1910 أصبح وزيرا للحقانية، وفي عام 1918 ذهب هو واثنان من زملائه لمقابلة المندوب السامي البريطاني للمطالبة باستقلال مصر،،فنفاه الانجليز إلي جزيرة مالطة، فتندلع نيران الثورة في مصر، فيعود المنفيون من منفاهم، ثم سافروا إلي باريس لعرض القضية المصرية علي مؤتمر فرساي، ثم ينفيه الانجليز للمرة الثانية إلي جزيرة سيشل، ثم يعود من منفاه في مارس 1923، وفي عام 1924 أصبح رئيسا للوزراء، ثم رئيسا لمجلس النواب حتي وفاته في أغسطس 1927، ويدفن في ضريح مبني علي الطرازين الفرعوني والإسلامي . أما عن طه حسين فلقد كتب عنه يقول أنه رجل حرم من نعمة البصر، لكنه لم يتوقف لحظة والحدة عن محاربة الظلاميين، ولد في الريف من أسرة بسيطة، لكنه فقد بصره في سن الرابعة تقريبا، سافر إلي القاهرة لاستكمال تعليمه في الأزهر، ثم التحق بالجامعة الأهلية عام 1908، وحصل علي درجة الدكتوراه عن "أبي العلاء المعري " ثم حصل علي منحة إلي فرنسا، فسافر إلي هناك ليدرس في جامعة مونبليه، ويحصل علي الدكتوراه الثانية في ابن خلدون، ثم عاد إلي مصر ليعمل في التدريس في كلية الآداب،ولقد كتب العديد من المقالات التاريخية والأدبية والتربوية والدينية . وكتب العديد من الكتب غير أن أشهر كتبه هو سيرته الذاتية "الأيام " .كما ترجم راسين وفولتير من الأدب الفرنسي، وسوفوكليس من الأدب اليوناني، وهو يري أن مصر تستمد منابعها من ثلاثة مصادر : الحضارة الفرعونية، الحضارة الإسلامية، الحضارة الأوربية الحديثة . كما كتب عن "أم كلثوم" فقال عنها انه علي الرغم من وفاتها منذ فترة طويلة (1975 ) إلا أن أغانيها مازالت تثير خفقات القلوب، ومازالت تحتل المكان الأول في قائمة المبيعات، ومازلنا نجد مقاطع من بعض أغانيها في الحكائين الشعبين، فهي باختصار مازالت تعيش في العقول والقلوب .