عملية الإنتاج السينمائي هي العمود الفقري للسينما وأساس صناعة الهيكلة السينمائية التي تعتبر من أهم مصادر الدخل القومي المصري بعد القطن مباشرة بالإضافة إلي أن السينما هي مقياس حضارة أي دولة والمرآة الشفافة التي تعكس ثقافة الشعوب بمختلف مستوياتها وجنسياتها وتؤرخ الظروف والأحداث السياسية والاجتماعية. كان الإنتاج السينمائي يتراوح ما بين 40 إلي60 فيلماً سنوياً ما بين الأفلام الكوميدية والغنائية والأكشن والاستعراضية والاجتماعية من خلال جهات إنتاجية متعددة كالقطاع العام، وجهاز السينما والعديد من شركات ومؤسسات الإنتاج ولكن في الآونة الأخيرة تقلص الإنتاج وكنا نأمل في إنتاج سينما غزيرة بعد الثورة ولكن ازداد الأمر سوءاً وحدث العكس حتي أصبحت شركات الإنتاج لا تتعدي أصابع اليد الواحدة. إلي متي سيظل الإنتاج السينمائي في اضمحلال هكذا؟ وكيف يستعيد عافيته؟ هروب جماعي في البداية تحدثنا المنتجة والفنانة إسعاد يونس:انكمشت حركة التوزيع الداخلي والخارجي حتي وصلت للاندثار وكانت شركات الإنتاج تعتمد علي تسويق المنتج الداخل والخارج وبسبب التقنيات والتكنولوجيا الحديثة التي تعمل علي توصيل كل الجديد إلي الجماهير بمنازلهم من خلال مواقع عديدة مقابل اشتراك زهيد يدر بالملايين علي أصحاب المواقع ويكبد خسائر فادحة للمنتجين نتج عن ذلك هروب شركات الإنتاج من هذه العملية الخاسرة وارتفعت نسبة البطالة بانقراض العمالة الفنية المتخصصة وبالتالي تقلص الإنتاج وهذه المشكلة مازالت سائدة. علاقات غير صحية يشير يوسف شريف رزق الله رئيس جهاز السينما إلي طبيعة النظام السابق وعلاقته غير الصحية التي تفرضه علي العمل مما أزاح المسئولية من قيادته السينمائية وكان علي أثر ذلك عدم وجود حافز أو تشجيع علي الإجادة والابتكار وفقد المبدع السينمائي استقلاليته وبالتالي فقد المنافسة التي كانت بين المؤسسات وشركات الإنتاج المختلفة وحل محلها الترهل في عملية الإنتاج. أضرار فادحة يستطرد الحديث المخرج علي عبدالخالق بقوله: وكانت تتدخل الدولة أحياناً لوقف إنتاج فيلم ما لأسباب سياسية أو اجتماعية وقد حدث مثلاً ببعض الأفلام التي كانت تحدد أسباب هزيمة سنة 1967 وهذا بسبب خسائر لدي شركات الإنتاج التي بدأت في تنفيذ الأعمال ودفعت عرابين للفنانين وأصحاب أماكن التصوير وتأجير كاميرات وهكذا مصاريف أخري وكم تضرر أصحاب شركات إنتاج من هذه السيطرة والهيمنة التي لم تكن من صنع شخص وإنما كانت عصابة النظام السابق المنتشرة في كل مكان ابتداء من جهاز الرقابة مرورا بجهاز أمن الدولة ووزارة الداخلية والخارجية وانتهاء بالمصنفات الفنية وهذه الآليات التي فرضت علي صناعة السينما علي مدي سنين وسنين وصلت إلي ما نحن فيه الآن ولكن الأمل مازال موجوداً في الفترة القادمة. غوغائية الثورة يري المخرج هاشم النحاس: الثورة قامت من أجل هدم القديم وبناء الجديد وعادة عقب كل ثورة تحدث غوغائية لا ينبغي أن نحكم عليها الآن فمثلاً بعد ثوة 23 حدثت انتفاضة فنية كان علي أثرها أفلام بها إرشاد وتوجيه جاد وكم كان الدعم والرعاية القومية لكبار ومثقفي مصر بذاك الوقت ولذا اتسمت هذه الفترة بثراء الإنتاج السينمائي المتميز المتنوع وفتحت السينما آفاقاً جديدة للسينمائيين المصريين واحتضنت مواهب جديدة من خريجي المعهد العالي للسينما ومن خارجه وتوفير فرص عمل لعشرات المخرجين الجادين والآلاف من العاملين بصناعة السينما واستقطاب كل ذي خبرة سينمائية وكانت سينما بها مضمون وهدف وفاعلية في نشر الوعي الوطني والقومي والاجتماعي وهكذا ستعود السينما في المرحلة المقبلة والحكم الآن علي الإنتاج السينمائي يعتبر ظلما للسينما لأننا مازلنا نعيش أحداث الثورة. مناخ الحرية يندهش الفنان عزت العلايلي من ندرة الإنتاج السينمائي بمصر التي لها الريادة والتاريخ السينمائي الذي له السبق بين أشقائها العرب ويقول هذه كارثة بكل المقاييس كم تحدثت عنها من قبل في جميع وسائل الإعلام المختلفة وأعتقد أن المناخ مهيأ الآن بما فيه من حرية بجميع مستوياتها ويشجع مبدعي ومحبي مصر علي الإنتاج والإبداع وكل فنان مصري لديه استعداد أن يشارك لتستعيد السينما المصرية مكانتها وريادتها المتعارف عليها. إعادة بناء تقول النجمة والمنتجة إلهام شاهين: لابد من تحقيق العلاقات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والنفسية السليمة داخل المجتمع أولاً وتطعيم الأعمال الأدبية بالواقع من خلال سينما لها قيمة وفكر يعيد بناء هيكلة الشخصية المصرية كما حدث من قبل في أفلام مثل: «الأيدي الناعمة، طريد الفردوس، ليلة الزفاف، الخروج من الجنة، بين القصرين، القاهرةالجديدة، القاهرة 30، الطريق» وأفلام لا تعد ولا تحصي وهكذا. ندرة الإنتاج تعلل الإعلامية هالة سرحان بقولها: اضطراب أحوال السينما في تلك الفترة نتيجة لعدم وضوح الرؤية وموقف الدولة من المؤسسات السينمائية فلابد من ترتيب البيت السينمائي أولاً من الداخل وتنقيته من شوائب الاحتكار بكل مكان واستعادة السوق التقليدية للفيلم المصري التي انكمشت نتيجة عوامل سياسية وضغوط إنتاج عربية من الدول الشقيقة ضد الإنتاج المصري كل هذه الأمور لابد من إعادة النظر فيها. تغيرات سياسية يختتم نقيب السينمائيين مسعد فودة بقوله: التغيرات السياسية والاجتماعية التي تعيشها مصر الآن تفرض أفلاماً محدودة ذات نوعية خاصة تناسب المتغيرات المتلاحقة ومعظم شركات الإنتاج تخشي علي مصالحها والجميع ينتظر انتهاء الانتخابات واستقرار الأمور والنظم الجديدة التي بمقتضاها وضع النقط علي الحروف. الخلاصة - ترتيب البيت السينمائي من الداخل وتنقيته من شوائب الاحتكار. - وضع آلية لصناع السينما علي ضوء الوقائع الاستراتيجية فور ظورها. - غلق المواقع التي تعرض الأعمال الجديدة بقانون رادع. - عودة المسئولية والاستقلالية للمتخصصين السينمائيين دون تدخل أي جهة أخري.- استقطاب كل موهبة سينمائية ذات هدف وفاعلية. - ضرورة تخطيط سينمائي مسقل بذاته بعيداً عن بيروقراطية وسياسة لجان وزارة الثقافة لعدم ضياع المسئولية.