يتميز الناقد سمير فريد عن نقاد جيله بأنه ناقد سينمائي حقيقي وأنه يفهم لغة الفن السينمائي وكأنه واحد من أصحاب هذا الفن، وهو نموذج للناقد السينمائي ولم يصل إلي المكانة التي يتبوأها في عالم النقد السينمائي إلا بعد مشقة وعناء من قراءة ومشاهدة وحضور جميع المهرجانات السينمائية العالمية بل انه صاحب فكرة ان تقوم «جماعة السينما الجديدة» بإنتاج فيلم «أغنية علي الممر» وفيلم «ظلال علي الجانب الآخر» وكانت كتاباته من أهم الكتابات التي ساندت هذين الفيلمين في إنتاجهما وفي عرضهما وفي اشتراكهم في كثير من المهرجانات الدولية. وعندما أدرك الصديق هاشم النحاس أنني أصبت بخيبة أمل بعد قراءتي للبحث الذي كتبه الصديق الدكتور محمد القليوبي أراد أن يعوضني فأرسل إلي البحث الذي كتبه سمير فريد عن نفس الموضوع وهو «سينما السبعينات في مصر» وأخبرني بأن سمير فريد قد قام بتحليل هذه الحقبة من تاريخ السينما المصرية خير قيام. يحرص سمير فريد عن اختيار العناوين الضخمة المثيرة لما يكتبه أحيانا ولذلك فانه اختار عنوان «الزمن والتاريخ». مدرسة السينما المصرية وتحت عنوان «مدرسة السينما المصرية» يري سمير فريد ان السينما المصرية منذ بدايتها الحقيقية عام 1933 إلي عام 1963 أنتجت أكثر من ألف فيلم روائي وقامت هذه الأفلام بمنافسة السينما العالمية وحجز مكان لها علي خريطتها، لكنه للأسف لم يخبرنا بالأسباب الفنية التي جعلت لها هذه المكانة، كان عليه مثلا أن يقول وهذا كلام ذكرته في كتابي «يوسف شاهين» بأن من يقارن أفلام يوسف شاهين الأولي وربما العشرة أفلام الأولي من الناحية الفنية يجد أنه يتفوق بشكل واضح في لغته السينمائية عن مخرجي فترة إنتاج هذه الأفلام في الإنتاج الأمريكي أو الأوروبي فقد استطاع يوسف شاهين أن يقدم لغة سينمائية متقدمة بالتعبير بالكاميرا أبعدت أفلامه عن الشكل التقني التقليدي الذي كنا نشاهده في أفلام كبار مخرجي هوليوود، وكانت أفلام صلاح أبو سيف وكمال الشيخ وبركات تتساوي في قيمتها الفنية مع الأفلام الأمريكية والأوروبية في فترة الخمسينات، كان الاختلاف إلي حد ما في الموضوعات فقد كانت السينما المصرية ومازالت تميل إلي الميلودراما، لكن بدرجات وبأشكال مختلفة، ثم ما لبثت أن قامت بمزج الميلودراما بتوجه اشتراكي مسايرة لما حدث في العصر الناصري، والسينما المصرية في ملمح من ملامحها هي سينما منافقة للنظام السياسي الذي تدور في فلكه، ولكن أفضل الأفلام المصرية هي تلك التي تمرد صانعوها علي النظام السائد، فان أفضل أفلام العصر الناصري هي الأفلام التي انتقدت هذا النظام وتعرضت للمنع مثل «ميرامار»، «شيء من الخوف»، «ليل وقضبان»، «زائر الفجر» و«العصفور»، وكانت هذه الأفلام هي الأفضل أيضا من الناحية التقنية ونضيف إليها القليل الذي خلا من السياسة وتناول موضوعات اجتماعية مثل «المستحيل»، «زوجتي والكلب»، «البوسطجي» و«المومياء». السينما الجديدة لست أوافق سمير فريد تماما علي ما قاله بالنسبة لفيلم «المومياء»، لكني أوافقه علي ان التجديد في السينما المصرية تأخر عن السينما الجديدة في البرازيل واليابان وأوروبا الشرقية وسينما ما بعد الواقعية الجديدة في إيطاليا، لكن تأثير الحركات السينمائية الجديدة بدأت ملامحه في الظهور في منتصف الستينات عندما عاد بعض المخرجين الذين درسوا السينما في أوروبا وأمريكا فنري التأثير في فيلم «المستحيل» وفيلم «البوسطجي» اللذين أخرجهما حسين كمال في فترة الستينات وفي الفيلم الروائي القصير «دنيا» الذي أخرجه خليل شوقي في حين كان شادي عبدالسلام يعد لإخراج فيلمه «المومياء» فقد خرج علينا سعيد مرزوق بفيلم «زوجتي والكلب» مستوحيا موضوع «عطيل» لكن بشكل معاصر وبلغة سينمائية عالية بحيث نستطيع بكل ثقة ان نجد له مكانا بين رواد التجديد في أوروبا وبالطبع كان تأثره كبيرا بالموجة الجديدة في فرنسا، لكنه التأثر المبدع. النظام الشيوعي أوافق سمير فريد علي رفض كثير من المخرجين المبدعين في أوروبا الشرقية للنظام الشيوعي وأري ان ايزنشتين وكونتسيف وبارادجانوف وتاركوفسكي تحايلوا علي الرقابة لإبداع ما عندهم من فن حقيقي ولذلك لجئوا في رأيي إلي التاريخ والكلاسيكيات في الأدب والأساطير فهذه أشكال فنية يستطيع الفنان ان يتخفي خلفها ويختلف الناس في تفسيرها. لكني لست معه عندما يقول: «إن سينما القطاع العام لم تكن متسقة إلا مع عدد قليل جدا مع المخرجين وصناع السينما مثل صلاح أبو سيف وتوفيق صالح، لأن ذلك يتناقض مع ما سبق أن قاله بأن: «في ظل القطاع العام في مصر وعلي سبيل المثال أخرج عاطف سالم «1927- 2002» الذي لم نعرف عنه أية اهتمامات سياسية «ثورة اليمن» عام 1966، وأخرج حسام الدين مصطفي «1926- 2002» الذي كان أول سينمائي في مصر يذهب إلي إسرائيل بعد توقيع المعاهدة «جريمة في الحي الهادئ» عام 1967 الذي يدين الحركة الصهيونية وإخراج كمال الشيخ «1918- 2004» اليميني المحافظ «المخربون» عام 1967 في الدفاع عن الاشتراكية والقطاع العام» وأنا أري أن أسوأ أفلام صلاح أبو سيف هي التي قدمها في القطاع العام وكذلك بالنسبة لتوفيق صالح وأن أفضل أفلام حسام الدين مصطفي وحسن الإمام ومحمود ذو الفقار هي التي قدموها في القطاع العام. تدهور القطاع العام أما بالنسبة للهجرة السينمائية التي بدأت في أواخر الستينات والعام الأول والثاني من السبعينات إلي سوريا ولبنان وتركيا فانها لم تحدث إلا عندما تدهور حال القطاع العام بعد أن تركه صلاح أبو سيف وعندما تولي عبدالحميد جودة السحار رئاسة مؤسسة السينما حاول الرجل إصلاح ما أفسده من جاءوا قبله وكان من حسن حظه أن أتي علي رأس وزارة الثقافة وزير يعشق السينما وهو يوسف السباعي فسانده مساندة قوية وأعاد جوائز السينما وأعاد الطيور المهاجرة إلي مصر مرة أخري، وأصبحت السينما منذ أوائل السبعينات جزءاً مهما من الثقافة وتألفت بعض الجمعيات السينمائية وبدأ شباب السينما المتعطش لكل ما هو جديد يشاهد سينما لم يكن يشاهدها في أوروبا الشرقية والغربية وذلك عن طريق أسابيع الأفلام وأنشطة المكاتب الثقافية فأخذ ينهل الكثير من إبداعات سينمائية جديدة وغيرهم مما لا تسعفني الذاكرة الآن علي حصرهم وهضم بعض شباب السينما من المصريين إبداعات هؤلاء المخرجين فخرجت إلينا في السبعينات إبداعات حسين كمال وسعد مرزوق وأشرف فهمي وعلي عبدالخالق ثم تبعهم بعد ذلك العديد من المبدعين الجدد. إرهاصة سينمائية لابد أن يفهم سمير فريد وغيره ان سينما الستينات كانت إرهاصة لسينما السبعينات حيث فيها الأنواع السينمائية، أما إذا كان يري ان سينما الثمانينات التي دائماً ما يطلق عليها سينما الواقعية الجديدة فليست هذه ميزة فقد كانت هناك أفلام في الأربعينات والخمسينات يمكن أن نصنفها تحت هذا الاتجاه، وإذا كانت أفلام الثمانينات تسير في هذه الاتجاه فقد سارت متأخرة ولم تواكب التقدم فان الواقعية الجديدة في إيطاليا انما نشأت بحكم الظروف التي اقتضتها الحرب بعد تدمير الاستوديوهات والخروج للتصوير في الشوارع والبيوت واستخدام أناس من العامة لتمثيل بعض الأدوار. تدور معظم هذه الأفلام في موضوعات تشاؤمية وأنه لا أمل ويجب البحث عن مخرج وإلا فان المأساة سوف تحيق بالجميع، وقد تجاوز أعلامها بعد ذلك هذا الاتجاه مثل فيسكونتثي وبتروجيرمي وفيلليني وحتي دي سيكا، أما إذا كانت الواقعية الجديدة في مصر قد حدثت في الثمانينات فقد كانت هي الأخري لها ظروفها، كان القطاع العام هو الذي يملك الاستديوهات التي كانت تمتلئ بالموظفين وكان المسئول عن مؤسسة السينما من حين لآخر يقوم برفع إيجار الاستديوهات والمعدات بحيث لجأ منتجو القطاع الخاص وليس المخرجين إلي فكرة التصوير في البيوت والشوارع والأماكن الحقيقية ومقاطعة بناء الديكورات، فلم يكن هذا نتيجة فكر سينمائي جديد أو حتي أيديولوجي وانما كان مجرد فكر رأسمالي، أما الموضوعات التي عالجتها أفلام هذه الفترة فلم تكن تختلف كثيرا عن الأفلام التي سبق إنتاجها في حقب سابقة، كانت أفلام الثمانينات تختلف في أنه تم تصويرها في أماكن حقيقية فلم تكن واقعيتها في استغلال المكان دراميا بحيث تنبع المأساة ولم نر تحليلا علميا للواقع كما فعل علي سبيل المثال صلاح أبو سيف في أفلامه «لك يوم يا ظالم»، «ريا وسكينة»، «الفتوة»، «بداية ونهاية» و«شباب امرأة» رغم انه قام بتصوير هذه الأفلام داخل الاستديوهات. يقول سمير فريد: «وجاءت سينما الواقعية الجديدة في الثمانينات بكل ألقها ومحاولاتها في العودة بالسينما إلي ملاحقة تيارات التجديد في العالم»، وهذا في رأينا رأي مبالغ فيه، فإن المتأمل لأفلام هذه الحقبة نجد أنها لا تختلف في تقنيتها كثيرا بل انها لم تصل إلي مستوي تقنية سعيد مرزوق أو حسين كمال ولا تكاد ان تختلف عما يفعله كمال الشيخ أو بركات أو سعد عرفة والاختلاف إلي حد ما فقط في اختيار بعض الموضوعات التي تسببت طريقة معالجتها في خسارة الشركات التي أنتجتها، بل استطيع ان أقول إن هناك أفلاما لحسن الإمام تطور فيها تطورا كبيرا وأن تأثيرها في الجمهور كان أقوي بكثير ولذلك لم يحقق مخرجون مثل خيري بشارة ومحمد خان وعاطف الطيب وداود عبدالسيد نجاحا كبيرا في معظم أفلامهم، ولذلك فأنا أجد أن اصطلاح الواقعية الجديدة.. كبير عليهم. حركة التمرد إن الشيء الجدير بالذكر والذي كان من الأولي ان يركز عليه سمير فريد هو حركة التمرد بين المخرجين من الشباب في السبعينات والثمانينات وقاموا بتناول موضوعات كان الفضل فيها لظهور كتاب سيناريو جدد، ولذلك فان الفكر هو الذي كان يحرك معظم المخرجين من الشباب وليس مجرد التقنية الفنية، كانت التقنية الفنية في تلك الفترة في أمريكا وأوروبا قد تقدمت تقدما كبيرا بحيث أصبح الفارق بيننا وبينهم منذ ذلك الوقت شاسعا ولم نستطع ان نلحق بهم في هذا المجال إلا بالتقليد أحيانا وليس بالإبداع. ثم ما يلبث سمير فريد أن يقول إن سينما السبعينات ظهرت في ظل التمويل النفطي للأفلام بشروطه القاتلة للسينما وكل إبداع، بل ان أهميتها كانت في قدرتها علي مقاومة شروط التمويل والثقافة التي بدأت تسود في مصر والعالم العربي مع بداية عصر البترودولار. هذا كلام لا وجه له من الصحة تماما، كان الموزعون الأساسيون الذين يشترون أفلام السينما المصرية منذ نشأتها حتي أوائل التسعينات من القرن العشرين قد انحصروا في لبنان والأردن وسوريا أحيانا ولم يكن لهم أية علاقة بالنفط، ومع ذلك كانوا يعملون حسب النمط الأمريكي الذي يعتبر النجم السينمائي هو أهم عناصر الفيلم، ووضعوا قائمة النجوم ترتبهم في درجات وبأثمان لا يحيدون عنها مهما كانت الظروف. أذكر أنني قمت بكتابة بعض أفلام قام بتمويلها منتج سعودي لم يتدخل في أي شيء مثل فيلم «انحراف» المقتبس عن مسرحية «عربة اسمها الرغبة» وأخرجه تيسير عبود وفيلم «لعدم كفاية الأدلة» الذي أخرجه أشرف فهمي وقامت لجنة المهرجانات بترشيحه لمهرجان موسكو وإخراج خيري بشارة فيلمه «أمريكا شيكا بيكا» أيضا من إنتاج أحد البتروليين وللأسف لا أذكر الآن بقية الأفلام ولكني أذكر ان منتجيها الخليجيين لم يملوا أية شروط وربما كانت هذه الأفلام من أفضل أفلام السينما في هذه الفترة، هناك فيلم من إنتاج بترولي تذكرته أيضا هو فيلم «مدافن مفروشة للإيجار» من إخراج علي عبدالخالق. عندما تحدث سمير فريد عن أفلام حرب أكتوبر الروائية فاننا نتفق معه في أن أهم هذه الأفلام هو فيلم «الرصاصة لا تزال في جيبي» الذي أخرجه حسام الدين مصطفي وكتبه رأفت الميهي وإحسان عبدالقدوس وهما اثنان من كبار الكتاب لا نشك في وطنتيهما ولا في اتجاههما الاشتراكي وليقل الناصريون ما يقولون بعد ذلك فان كلامهم صرخة أو حرث في بحر. عندما نقارن بين ما كتبه سمير فريد عن الموضوع المطروح وبين ما كتبه الدكتور القليوبي ندرك أن سمير فريد انما كتب كتابة ناقد حصيف شاهد جيدا ما يكتب عنه ولم يحاول ان يتعالي في أسلوبه في واد كما فعل الدكتور القليوبي.