يقدم المهندس نجيب ساويرس نفسه في الساحة السياسية الجديدة بعد ثورة 25 يناير مدافعا قويا عن مصر كدولة مدنية حديثة لا تخلط الدين بالسياسة مرجعيتها اختيار الشعب، ومن هنا أسس حزب المصريين الأحرار. لقد تمكن من خلال دعمه المادي والإعلامي لحزبه أن يكتسب مكانة في الساحة السياسية تفوقت علي أحزاب قديمة لها وجود علي الأرض منذ عشرات السنوات استطاع من خلال انضمامه لقائمة الكتلة المصرية التي يعتبر حزبه العضو الرئيسي فيها بحيث دائما يشار إلي حزبه فقط كلما ذكرت دون ذكر يذكر لشريكيه حزبي التجمع والمصري الديمقراطي الاجتماعي أن يحصد نسبة عالية من أصوات الناخبين ويحتل المكانة الثالثة بعد الحرية والعدالة، وحزب النور السلفي متفوقا علي حزب عتيق كالوفد واستطاع تقريبا أن يحصد جميع أصوات الأقباط عبر توجيهات لهم لم يحدد بوضوح مصدرها بالتصويت له، وأغلب أصوات المسلمين الرافضين لتحكم التيار الديني في الحياة السياسية والاجتماعية. لكن عندما زار المهندس ساويرس وسط أجواء المعركة الانتخابية ليبيا في السادس من ديسمبر الجاري تبين أن له وجها آخر، التقي هناك أعضاء المجلس الانتقالي ورئيسه مصطفي عبدالجليل المنتمي لجماعة الإخوان المسلمين مهنئا بانتصار الثورة الليبية وقد أعرب رئيسه عن امتنانه للمساعدات التي قدمها نجيب ساويرس للثورة الليبية، دعم ساويرس للثورة الليبية جعل منظمة تدعي «جبهة تحرير ليبيا» تتوعد في بيان لها بقتله مع ثلاثة رجال أعمال آخرين لم تحددهم لأنهم تورطوا في الأحداث التي أدت إلي إسقاط نظام القذافي.. ذكرت فيه أن رجال أعمال مصريين منهم ساويرس كانوا قد اجتمعوا في وقت سابق للثورة الليبية مع معارضين ليبيين بحضور خبراء أمن قطريين وغربيين حيث تم الاتفاق علي دعم شباب مسلحين في ليبيا بشحنات أسلحة. أضاف البيان أن مخطط تحرير ليبيا كان منذ البدء قائما أن يقوم مسلحون في بنغازي بمداهمة ثكنات ليقال بعدها إن الأسلحة التي استعملها المتظاهرون كانت من غنائم الثكنات بينما الحقيقة جاءت من دولة عربية عبر ساويرس. لم ينف أو يؤكد ساويرس تلك التهم لكن قناته الفضائية التي يملكها ذكرت أنواعا من الدعم أخري عندما أذاعت أخبارا صحفية تؤكد دعمه للثورة الليبية عبر خدمات لوجستية عبر شبكة المحمول ساعدت علي اعتراض الرسائل والاستماع إلي المكالمات للقادة الليبيين المنتمين للنظام الليبي السابق واستخدام الهواتف كأجهزة تعقب للشخصيات الليبية، هذا الاستخدام المخابراتي لشركات المحمول أكده موقع ويكيليكس عندما ذكر أن هناك أكثر من 150 منظمة لها قدرات علي استخدام شبكة الهواتف المحمولة والكمبيوتر في التجسس وأن دولا غربية تبيع «نظم مراقبة شاملة» تسهل اعتراض المكالمات والرسائل عبر هواتف المحمول والكمبيوتر بحسب ما نشرته جريدة المصري اليوم بعدد 2011/12/2 . نحن إذن أمام وجهين مختلفين للمهندس نجيب ساويرس أحدهما في مصر يدعم بقوة الدولة المدنية التي تبتعد عن الدين في سياستها وتشريعاتها، والآخر في ليبيا دعم بقوة الثورة الليبية ضد نظام العقيد القذافي واتجاهاتها واضحة بقوة أنها إسلامية بدليل رئيس المجلس الانتقالي مصطفي عبدالجليل ذي الاتجاه الإخواني، والميليشيات المسلحة الليبية التي شاركت حلف الشمال الأطلنطي في القضاء علي نظام القذافي تنتمي إلي التيارات الإسلامية المتطرفة التي تقترب من فكر تنظيم القاعدة.. بل إن عبدالحكيم بن بلحاج قائد المجلس العسكري للثوار ينتمي فعلا لتنظيم القاعدة، وقد سبق له السفر إلي أفغانستان للجهاد عام 1988 حتي عام 1994 ثم عاد إلي ليبيا بعدها حيث قاد الجهاد ضد النظام الليبي بالجبل الأخضر لكن النظام استبق التنظيم بتوجيه ضربة له فغادر ليبيا من جديد وتجول في أكثر من عشرين دولة حتي تم اعتقاله في ماليزيا عام 2004 وأعادوه إلي ليبيا التي ظل معتقلا بها حتي تم الإفراج عنه بعد سبع سنوات مع 214 آخرين في بداية 2011 . كيف يكون الأمر علي هذا الارتباط بين الثورة الليبية والإسلام السياسي علي مستوي رئيس المجلس الانتقالي والقائد العسكري للثوار ويقْدم نجيب ساويرس علي مساعدة تلك الثورة؟ هل يفسر ذلك بأن والده أنسي ساويرس انتقل إلي ليبيا عام 1966 في العهد الملكي عقب تأميم ممتلكاته في مصر في عهد الرئيس عبدالناصر واستطاع أن يزاول نشاطه الرأسمالي بها وظل هناك حتي بعد قيام الثورة الليبية الأولي عام 1969 وتركها في 1975 بعد أن أجرت عدة تأميمات فعاد إلي مصر التي دخلت وقتها عصر الانفتاح مع بداية تحولها إلي العصر الرأسمالي.. فأراد الابن بعد تغير النظام الليبي مع ثورة 17 فبراير أن يستعيد نشاط عائلته الاقتصادي هناك بغض النظر عن طبيعة النظام؟ هل يفسر وجه نجيب ساويرس الآخر علاقته بالولايات المتحدةالأمريكية التي عمل بها في بداية الثمانينات حتي حصل علي الجنسية الأمريكيين وأسس شركة كونتراك الدولية للمقالات مع شركاء أمريكية بولاية فرجينيا ويملك 45% من أسهمها والتي استطاعت أن تحصل علي عقود عديدة تتبع الحكومة الأمريكية ووزارة الدفاع وقامت بإعادة إنشاء الطرق ومنشآت في أفغانستان والعراق، والأمور واضحة للعيان عن الدور الرئيسي لحلف شمال الأطلنطي في إسقاط نظام معمر القذافي. قد نتعجب كيف يقْدم ساويرس علي دعم ثورة توجهاتها إسلامية؟من قبل دعمت أمريكا ثورة يقودها أشخاص كانوا يجاهدون في أفغانستان وينتمون إلي تنظيم القاعدة؟ بل كيف يقْدم معمر القذافي علي الإفراج عن 214 معتقلا من ضمنهم عبدالحكيم بلحاج في أوائل هذا العام لينقضّوا علي نظام حكمه في أقل من شهر. هل مورست ضغوط سياسية خارجية عليه ليفرج عنهم في مخطط كان معروفا سلفا؟.. بل كيف مصطفي عبدالجليل يشغل منصب وزير العدل لمدة أربع سنوات في عصر القذافي منذ عام 2007 حتي قيام الثورة في 17 فبراير لينشق عن العقيد ويصبح رئيس المجلس الانتقالي في بحر أيام بعدها؟ عندما سئل العقيد القذافي في لقاء تليفزيوني في بداية الثورة عليه إذا ما كان الغرب وراءها فنفي قائلا: كيف يقفون وراء تنظيم القاعدة؟.. لأن تفكيره يتوقف عند سطح الأحداث دون عمقها فسقط. ومن ثم هل هذان الوجهان المتناقضان لساويرس يجمعهما شيء؟.. لابد قبل أن نبحث عن إجابة أن ننقب عن الأرضية المشتركة التي تقف عليها قوي الإسلام السياسية والليبرالية، كلاهما يدعمه قوي رأسمالية كبيرة وقوية إحداها مؤسسات وشركات إسلامية تنتمي إلي الشرق والأخري تنتمي إلي الغرب.. برغم التنافس الذي بينهما فإنه إذا ما هدهدهما عدو مشترك يهدد مصالحهما الرأسمالية ستجدهما متحالفين بل قد تجدهما متحالفين دون عدو مشترك إذا كانت هناك مصالح رأسمالية كبيرة تجمعهما.. بما تفسر دفاع أمريكا المستمر عن أنظمة دول بترولية في غاية الرجعية؟ لذلك ليس من المستبعد أن يحدث يوما أن تتحالف قوتا الإسلام السياسي والتيار الليبرالي اللذان يمثلهما حزبا الحرية والعدالة، والمصريين الأحرار برغم صراعهما شديد الوطأة الحالي بينهما حول مدنية الدولة.. كما تحالف الإسلام السياسي وحلف الشمال الأطلنطي وساويرس الليبرالي في ليبيا إذا ما هددت الثورة المصرية مصالحهما الاقتصادية عندما تدرك لا تحقيق لمبادئها حرية كرامة عدالة اجتماعية إلا بالتخلص من النظام الرأسمالي الذي تسبب في تدهور حياة المصريين علي مدي أربعين سنة. بل لعل المعركة التي تدور حول مدنية الدولة ودينيتها يساعد مصالح كلا الطرفين من الاستمرار بإبعاد رؤية الشعب الصحيحة عمن يهدد حياته الكريمة حقيقة من النظام الرأسمالي المستغل الذي نحيا فيه حتي الآن. لذلك لا نتعجب من وجود وجهين مختلفين للمهندس أحدهما ليبرالي حر في مصر والآخر مدعم لتيار ديني قاعدي في ليبيا.