رئيس الوزراء القطرى: إسرائيل غير مهتمة بالتفاوض على وقف إطلاق النار فى غزة    فلسطين.. 5 شهداء بقصف إسرائيلي على منزل في جباليا شمال غزة    تقارير إعلامية: محتجون يصلون إلى مبنى رئاسة الوزراء بالعاصمة الليبية    ترامب لأمير قطر: سيكون هناك عرض جوى بمشاركة أحدث الطائرات    فى فيديو مؤثر.. حسام البدري يشكر الدولة على عودته الآمنة من ليبيا    مصرع لاعب كمال أجسام إثر حادث تصادم سيارتين فى التجمع    سالي عبد السلام ترد على منتقديها: «خلينا نشد بعض على الطاعة والناس غاوية جلد الذات»    محافظ البحيرة توجه بركوب ذوي الهمم بالمجان في أتوبيسات النقل العام    حدث ليلًا| بيان للنقل بشأن محور بديل خزان أسوان وموعد أطول إجازة رسمية في 2025    تحركات برلمانية لفك حصار الأزمات عن أسوان ومستشفيات الجامعة    جدول امتحانات الصف الثالث الابتدائي 2025 بمحافظة الإسماعيلية (رسميًا)    كيف قضى قانون الجديد العمل على استغلال الأطفال وظيفيًا؟    عدد أيام إجازات المرأة وفقًا لقانون العمل الجديد    الجمعة والسبت.. خبير يُحذر من انفجارات شمسية تصل حرارتها للأرض    ترامب: لا أرغب في أن تأخذ المحادثات النووية مع إيران مسارًا عنيفًا    وزير الخارجية الأردني: نأمل أن تكون قمة بغداد فرصة لتعزيز التعاون العربي    سعر التفاح والموز والفاكهة بالأسواق اليوم الخميس 15 مايو 2025    خبير لوائح: من حق الزمالك اللجوء ل الفيفا بسبب أزمة القمة    ريال مدريد يعطل تتويج برشلونة ويهزم مايوركا في الوقت القاتل    منتخب مصر يتصدر جدول ميداليات بطولة إفريقيا للمضمار ب30 ميدالية    قبل موعد اتحاد الكرة بيومين.. الرابطة تدعو الأندية لاجتماع من أجل مناقشة شكل الدوري    خالد بيبو: حمزة علاء تهرب من تجديد عقده مع الأهلي    وصول حسام البدري والفوج الأول من الرياضيين المصريين إلى القاهرة    موعد مباريات اليوم الخميس 15 مايو 2025| إنفوجراف    بعد انخفاضه رسميًا.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الخميس 15 مايو 2025    حجز الحكم على قهوجى متهم بقتل شخص فى أوسيم إلى 13 يوليو    مصرع رجل وزوجته في حادث تصادم سيارتين أجرة ونقل على طريق طنطا- كفرالشيخ    إخماد حريق داخل مصنع فى مدينة 6 أكتوبر دون إصابات    التزموا منازلكم، تشكيل غرفة عمليات بالخارجية لمتابعة التطورات في ليبيا    بسبب كاميرا مراقبة.. اعترافات المتهمين بالتشاجر داخل مسجد بالسلام    ارتفاع شحنات الهواتف الذكية لأمريكا 30% في مارس بسبب المخاوف الجمركية    تعرف على الفائزين في مسابقة "أفضل بحث لشباب الباحثين في مصر"    يضع سياج حول قلبه.. ماذا يخشى برج العقرب في العلاقات؟    العقرب «محامي شاطر» والجوزاء «علاقات عامة».. المهنة المناسبة لشخصيتك حسب برجك الفلكي    تبرعت بمنزلها لتحفيظ كتاب الله بالمجان.. وفاة الشيخة «محاسن» أقدم محفظة قرآن بالمنيا    "أول واحدة آمنت بيا".. محمد رمضان يكشف أهم مكالمة هاتفية في حياته    وفاة الفنان السوري أديب قدورة بطل فيلم "الفهد"    سعر الذهب اليوم وعيار 21 الآن بعد آخر تراجع بمستهل تعاملات الخميس 15 مايو 2025    حكم الأذان والإقامة للمنفرد.. الإفتاء توضح هل هو واجب أم مستحب شرعًا    الكويت: سرطان القولون يحتل المركز الأول بين الرجال والثاني بين الإناث    وكيل صحة الدقهلية يشيد بجهود الآطقم الطبية والإدارية في شربين    ضمن مبادرة الأمراض المزمنة .. "الصحة" تقدم نصائح لمرضى ضغط الدم لتجنب مضاعفاته    وكيل تموين الإسماعيلية تتفقد صوامع القمح بالقنطرة شرق    محافظ الدقهلية: لن أترك ملفا دون حل وأؤمن بأن الإعلام شريك أساسى فى خدمة المواطن    ريهام عبد الحكيم تأسر قلوب الحضور فى دار الأوبرا بروائع أم كلثوم    الخارجية الأمريكية: ترامب يريد تحسن الوضع الإنسانى المتفاقم فى قطاع غزة    «24 ساعة فاصلة».. بيان مهم بشأن حالة الطقس وتحذير من موجة شديدة الحرارة    القوات المسلحة تنظم زيارة للملحقين العسكريين إلى الأكاديمية وعدد من المشروعات القومية    الرئيس يتابع تنفيذ المشروع القومي لبناء الإنسان    فرنسا: سنعترف بدولة فلسطين لأننا نؤمن بحل سياسي مستدام للمنطقة    أخبار × 24 ساعة.. مجلس الوزراء: رسوم عبور قناة السويس تُحصل بالعملات الأجنبية    ب«3 دعامات».. إنقاذ مريض مصاب بجلطة متكاملة بالشريان التاجى في مستشفى شرق المدينة بالإسكندرية (صور)    «الرقابة الصحية» تشارك بالنسخة الأولى من المعرض العربي للاستدامة    أمين الفتوى يحذر من استخدام المياه في التحديات على السوشيال ميديا: إسراف وتبذير غير جائز شرعًا    هل من حقي أن أطلب من زوجي تعديل مظهره وهيئته؟.. أمين الفتوى: يجوز في هذه الحالة    موعد امتحانات الشهادة الإعدادية العامة الفصل الدراسي الثاني 2024-2025 في البحيرة    دار الإفتاء توضح الأدعية المشروعة عند وقوع الزلازل.. تعرف عليها    براتب 7 آلاف ريال .. وظيفة مندوب مبيعات بالسعودية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



كف القمر.. تحفة سينمائية لم تكتمل
نشر في القاهرة يوم 22 - 11 - 2011


تعجبني مسيرة «خالد يوسف» الفنية منذ بداياته كمساعد إخراج أول ليوسف شاهين ثم مشاركا له في إخراج فيلمه الأخير «هي فوضي» ثم الاستقلال بنفسه والاعتماد علي موهبته وحدها في إخراج أفلام ذات نوعيات مختلفة واتجاهات متناقضة من الفيلم السياسي «العاصفة» إلي الفيلم العاطفي ثم الاجتماعي ثم النضالي إن صح التعبير. وفي كل هذه الأفلام استطاع خالد يوسف أن يبتعد عن تقليد منهج أستاذه وإن كان قد التزم بالتكنيك الذي تعلمه منه وطرق إدارة الممثلين وهذه كانت خبرة كبيرة تتألق بها أفلام «يوسف شاهين» وتعطي كل الممثلين المشاركين في أفلامه هالة خاصة لا نراها في أفلامهم الأخري مع مخرجين آخرين. تراجيديا متميزة لكن ما لم يتعلمه خالد يوسف من أستاذه وهي «خبرة يتمتع بها شاهين بقوة وتأثير» هو استغلال خصائص الميلودراما للانطلاق منها إلي بعد إنساني وفلسفي عام يعطيها أحيانا طابعا تراجيديا متميزا كما في فيلم «العصفور».. مثلا أو «عودة الابن الضال». الميلودراما ظلت ثقيلة في أفلام خالد يوسف عجز عن اعطائها الأجنحة الشفافة التي تمكن شاهين من الصاقها بجسد الموضوع الذي يعالجه فراحت تتخبط علي أرض تشحنها المبالغات أحيانا والمفاجآت الميلودرامية الثقيلة .. وإن كان قد نجح في اعطائها صيغة شاعرية حلوة في فيلم «العاصفة» أول أفلامه وأجملها وأقواها حتي الآن . ثم يأتي استغلاله للجنس كأداة درامية فعالة تعطي لكثير من الأحداث دلالتها.. وتطبع الفيلم بطابع خاص وحار يزيد من نكهتها ومن قابليتها للتأثير علي الجماهير الكبيرة خصوصا في مصر. الجنس كان شفافا شاعريا لدي شاهين ويكفي أن نذكر مشاهده في «فجر يوم جديد» أو في «العصفور» بينما تظل حادة قاسية وأحيانا هجومية إلي حد ما لدي «يوسف» بل أن يزيد منها أحيانا لدرجة المبالغة رغبة منه في «صدم» الجمهور والاستيلاء عليه بالضربة القاضية. كل هذه المزايا والعيوب نجدها واضحة ناصعة في فيلمه الآخر «كف القمر» الذي كثّف فيه خالد يوسف رؤياه السينمائية ومنهجه ووصل به إلي أقصي درجاته. جحيم المدينة الفيلم يروي رحلة خمسة أشقاء صعايدة من قريتهم الصغيرة بعد مقتل أبيهم الذي اكتشف كنزا أثريا ولكن جشع التجار أردي به للاستحواذ علي ما وجده .. واضطرت الأم «وفاء عامر» إلي تربية أبنائها الخمسة ثم دفعهم إلي الهجرة إلي القاهرة هربا من انتقام قد يلحق بهم أو لضرورات مواجهة الحياة. الفيلم يروي مصير وأقدار هؤلاء الخمسة.. في جحيم المدنية التي تحاول اختراقهم أو تناديهم كنداهة يوسف إدريس لتلقي بهم في الهاوية. لا أدري لماذا خطر علي ذهني فورا ومنذ بداية الأحداث فيلم الإيطالي فسكونتي «روكر وأخوته» الذي يروي أيضا هجرة أربعة اشقاء من صقلية الفقيرة إلي مدينة ميلانو الشمالية لكن هذه المرة برفقة أمهم ليواجهوا بكل ما يملكون من أصالة وبراءة وكبرياء ريفية مخاطر مدنية تلتهمهم من الداخل واحدا إثر الآخر بل ان التشابه يمتد أيضا إلي حب أحدهم للفتاة التي يرتبط بها أخوه. ولكن كل الأبعاد السياسية والاجتماعية والنفسية الرائعة التي وضعها فسكونتي في تحفته الكبيرة هذه قد غابت تماما عن سيناريو «كف القمر» الذي شارك خالد يوسف في كتابته إلي جانب كاتبه الأصلي «ناصر صلاح الدين». تصوير خلاب بداية كف القمر مغرية وشديدة الجمال أضفي عليها الديكور الرائع والتصوير الخلاب لأمير التصوير في مصر رمسيس مرزوق سحرا لا يقاوم خصوصا المشاهد الليلية التي يضيئها نور القمر.. وتبدو فيها بيوت الصعيد البيضاء وكأنها لوحة مرسومة بأصابع رسام عبقري مليئة بالظلال والإيحاء والشاعرية. كاميرا مرزوق والحركة الذكية التي خلقها خالد يوسف في هذه المشاهد الأولي هيأتنا وفتحت شهيتنا واسعة إلي ما سنراه بعد ذلك خصوصا أن القماشة التي وعدنا بها قماشة مدهشة وتدخل في صلب وضمير المجتمع المصري المعاصر. كيف سيواجه الأشقاء الخمسة «تحول» المدنية وهل ستقوي إرادتهم الريفية الصلبة علي مقاومة إغرائه. وهكذا يطوف بنا الفيلم ببراعة ليوزع الأعمال علي الإخوة الخمسة كل حسب إمكانياته وحسب الظروف التي يواجهها أو التي تقع في متناول يده وبالطبع فإن الكل يأتمر بإرادة الشقيق الأكبر «ذكري» الذي أوصته أمه بأن يكون الراعي والمسئول عن أخوته. وعوضا عن أن يغوص السيناريو في قاع المدنية وأن يمسك بأحشائها وأن يعرضها علينا عارية من دون مساحيق من وجهة نظر هؤلاء «الأبرياء الملتحمين» يقع الفيلم في أحداث ميلودرامية متشابكة ويرتبك الإيقاع ويضطر الممثلون إلي رفع الصوت لكي يعبروا عما يدور في أعماقهم. يقع الأخ الأوسط ويلعب دوره حسن الرداد متفوقا بأدائه علي إخوته الأربعة وإن جنح أحيانا شأن الباقين إلي رفع الصوت واختيار الأداء المسرحي العالي النبرة للتعبير عن غضبه أو تمرده أو اندفاعه يقع في حب فتاة تعمل في اتيليه متواضع ويدرك بعد قليل أنها عشيقة شقيقه الأكبر ولن يتم كشف هذه الحقيقة إلا في الجزء الأخير من الفيلم.. كما يقع الأخ أكثرهم براءة «ياسين» ويؤدي دوره هيثم زكي في محاولة جادة منه لتسلق السلالم يعوقه دائما تلعثمه في الأداء .. وتساعده براءة تقاسيم وجهه لكن لا ينجح في تقديم المستوي المقنع والمؤثر الذي وصل إليه في مسلسله التليفزيوني «دوران شبرا» الذي حقق له جماهيرية كبيرة يستحقها. فتاة لعوب وتنجح «جومانا مراد» في دور العاملة التي يعشقها الشقيقان بتقديم صورة حية لفتاة لعوب أجبرتها ظروف حياتها القاسية علي أن تسير في طريق الشوك. أداء مقنع وسلس وشديد الرقة والجرأة معا حققت فيه «جومانا» نصرا نسائيا حقيقيا وقفت علي مستوي واحد مع نجمتين كبيرتين تتقاسمان أدوار البطولة .. وفاء عامر في دور الأم التي نراها في مراحل عمرية مختلفة تؤدي أحيانا في نمطية واحدة دورا شاقا يتطلب مجهودا خرافيا..وغادة عبدالرازق التي لعبت دور «جميلة» التي تحب ذكري أكبر الأشقاء ولكن أهلها يجبرونها علي الزواج بغيره، وبعد فشل هذا الزواج يرمونها في مستشفي للأمراض العصبية كي يمنعوها من الارتباط بحبيب قلبها الذي يعود مطالبا بها ويتزوجها في المصحة التي ارسلوها إليها بعد أن يقوم بواجب الثأر من قتلة أبيه ولكن أهل جميلة يختطفون أم ذكري كرهينة ليجبروه علي إعادتها إليهم وهذا ما يفعله ذكري راضخا رغم حمل جميلة منه !! ميلودراما ثقيلة مليئة بالثغرات ابعدتنا تماما عن الفكرة الأساسية التي كان يجب أن ينهض عليها الفيلم، والتي لم تعط أي فرصة لغادة عبدالرازق لإظهار قدرتها. مغامرات الإخوة لا أريد الخوض في تفاصيل مغامرات الإخوة الخمسة لأنه من الواضح أن الفكرة كانت جاهزة في رأس الكاتب لمسلسل تليفزيوني تتشعب فيه الأحداث والشخصيات وليس لفيلم سينمائي مكثف يعالج موضوعا شديد الحساسية وشديد الخصوصية، وهذا ما أوصلنا إلي هذه الدرجة من التفكك الدرامي الذي لم تستطع مهارة خالد يوسف وتكنيكه العالي المستوي من رأب صدعه والذي يراهن عليه مثلا في أكثر مشاهد الفيلم سينمائية وتأثرا وهو مشهد استغلال ذكري لأخيه الذي يعمل بائعا جوالاً في عربة صغيرة حيث يخفي أسفل عربته السلاح الذي يتاجر به وتقبض شرطة الأمن علي البائع الجوال ويصادرون العربة ويكاد الأخ يقع في ورطة كبيرة، ينجح ذكري بنفوذه في إنقاذه منها في هذه المشاهد البديعة تجلت قدرة خالد يوسف السينمائية وإيقاعه السريع كنبضات القلب وقدرته علي رسم البعد الاجتماعي والسياسي للأحداث ولو سار الفيلم كله علي هذا المنهج وهذه الوتيرة لوجدنا أنفسنا أمام فيلم خارق للعادة تفخر به سينمانا سنوات طويلة. الحس المكاني الحس المكاني المتميز للمخرج والذي ساعده مدير تصوير عبقري أعطي الفيلم نبرة جمالية مؤثرة في كثير من المشاهد واختيار الأماكن الخارجية الشديدة الذكاء والشديدة الجدة إلي جانب الديكورات الداخلية أعطت الصورة رونقا مستمرا وسحرا لا يقاوم. ولكن دوران الشخصيات في دوائر مقفلة واضطرارهم إلي رفع الصوت والصراخ أحيانا لكسر الجمود الدرامي الذي هيمن علي السيناريو أفقد الكثير من تأثر هذا السحر السينمائي الذي برع فيه كل من خالد يوسف ورمسيس مرزوق. المادة التي عمل عليها المخرج تؤهلها لأن تكون مادة تليفزيونية مثيرة نظرا لكثرة الشخصيات وتشعب الأحداث وهذا يبرر في رأيي عدم القدرة علي الإمساك «بخيط أريان» ليقودنا في متاهات الفيلم رغم المادة الثرية الأصلية التي كان يجب أن تكون الموضوع الرئيسي الذي يشغل بال خالد يوسف خصوصا من خلال اهتماماته الثورية الأخيرة عوضا عن التركيز علي تجارة الحشيش والدعارة والأبواب المقفلة وصراع الأخين علي فتاة ساقطة. «كف القمر» كان يمكن أن يكون تحفة سينمائية حقيقية لو لم يبتعد عن هدفه الأساسي ولو أعطي المخرج اهتماما أكثر بأداء ممثلين ولو عرف كيف يمسك بقوة في تسلسل مشاهده ومنطقية أحداثها وأدرك بحساسيته المعروفة وحسه الموسيقي متي يجب رفع اللهجة ومتي يجب خفضها.. وأن ما يشكل قوة ضاربة في التليفزيون قد يسبب نكسة مؤسفة في السينما.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.