بدا من الواضح أن هناك قوتين متعارضتين يتحدثان نيابةً عن الشعب التونسي في السباق لأول انتخابات حرة تجري في البلاد من أجل انتخاب مجلس وطني تأسيسي.. وهما الإسلاميون متمثلون في "حزب النهضة"، والعلمانيون متمثلون في "الحزب الديمقراطي التقدمي". وقد اختار كلا الفريقين ترديد نفس الشعار الذي يبدأ ب "الشعب يريد" علي غرار شعار التونسيين كافة في بداية ثورتهم ضد نظام بن علي. البعض يري أنه اختبار لما سمّي ب"الربيع العربي" برمته، فإما أن تنجح "ملهمة الثورات" بالامتحان أ يكسب المبشرون ب"خريف كئيب" رهانهم. البعض الآخر يقول إنه لا شيء سيبقي علي حاله بعد الانتخابات، فيحتفظ بتفاؤل التغيير فقط، بغض النظر عن النتائج... أما الشعور الغالب عند التونسيين فقد طغت عليه حيرة مؤرقة: تنافس عشرة آلاف مرشح في 1600 لائحة لأكثر من مائة حزب علي 217 مقعداً أمر قد يحير شعوباً مارست العمل الديمقراطي منذ نشأتها، فكيف الحال بالنسبة إلي الخارجين للت إلي الحرية بعد أعوام من الديكتاتورية وحكم الحزب الواحد؟ وفي بداية عملية فرز الأصوات ذهبت التوقعات إلي فوز حزب النهضة (المماثل للإخوان المسلمين في مصر) بنسبة تتراوح ما بين 22 إلي 30 % من الأصوات، وفقاً للعديد من استطلاعات الرأي. وه ما سيضمن لحزب النهضة فوزاً صريحاً في نظام التصويت بالأغلبية، وهذا ه سر ميل تونس إلي نظام التصويت النسبي. لكن باعتباره أكبر الأحزاب السياسية، فإن حزب النهضة سيضع بصمته بلا شك علي المشهد السياسي التونسي. النتائج أظهرت حصول حركة النهضة الإسلامية علي نح 40% من الأصوات، يليها "حزب المؤتمر من أجل الجمهورية" بنح 15% ثم "التكتل من أجل العمل والحريات" بنسبة تصل إلي 12%، فيما كانت المفاجأة الكبري بحصول "العريضة الشعبية" - وهي قوائم انتخابية مستقلة- علي نح 10%.. غير أن المفاجأة التي أسفرت عنها نتائج هذه الانتخابات، هي تراجع حضور الحزب الديمقراطي التقدمي التونسي برئاسة المحامي أحمد نجيب الشابي، إلي جانب تحالف "القطب الديمقراطي الحداثي"، ويتألف التحالف من 11 حزباً سياسياً يسارياً وقومياً، أبرزها حركة التجديد (الحزب الشيوعي سابقاً) والحزب الاشتراكي اليساري وحزب الطليعة العربي الديمقراطي وحزب العمل الوطني الديمقراطي والجبهة الشعبية الوحدوية. وأقرّت هذه القوي العلمانية بالهزيمة، قائلة إن الجماعات اليسارية بحاجة إلي إعادة تقييم موقفها وعليها أن تتحد. وهذا يعني حصول حزب النهضة علي أربعين في المائة من الأصوات، و60 مقعدا علي الأقل في المجلس التأسيسي المقبل المؤلف من 217 عضوا... إذن وقعت الواقعة وسيحكم الإسلاميون تونس بعد أن كانت دولة ذات نظام جمهوري ليبرالي.. فهل ستسير مصر علي خطي شقيقتها في كل شيء؟ لقد استلهمت مصر ثورتها من تونس، حتي شعار "الشعب يريد اسقاط النظام" وبنفس النغمات، حتي حين استقالت حكومة الغنوشي في تونس استقالت حكومة شفيق في مصر، وكأن الثوارات تسير علي مبدأ (انسخ / ألصق) Copy and Past !! والسؤال الملح الآن هل سنطبق نفس المبدأ في الانتخابات؟ هل سيفوز الإسلاميون بنصيب الأسد في أول انتخابات برلمانية مصرية بعد ثورة 25 يناير؟ سبق وأن عشنا خمس سنوات «2005 _ 2010» في ظل أغلبية إخوانية (88 مقعدا) ولم نر كرامات للإخوان بل تحالفوا مع أعدائهم لأن المهم ه المقاعد و"البرستيج"، والآن دخل إلي الحلبة فصيل إسلامي جديد وه "السلفيون" فماذا ل وصلوا إلي الحكم في مصر؟ تأثير وصول السلفيين إلي الحكم في مصر سيحدث تغييرات كبيرة في ثلاث زوايا مهمة للغاية هي تغييرات سياسية تغييرات اجتماعية أخيراً تغييرات اقتصادية . أولا: التغييرات السياسية السلفيون لا يؤمنون بالديمقراطية لأن الديمقراطية من وجهة نظرهم حرام، فهي عبارة عن تذكرة قطار ذهاب بلا عودة أ الذهاب إلي صناديق الاقتراع لمرة واحدة فقط. ولذلك فهم سينقلبون علي الديمقراطية التي أوصلتهم للحكم سيطبقون ما يسمي بنظام "الإمامة" الذي يحكم فيه الإمام مدي الحياة من يختار الإمام لجنة تُسمي "لجنة أهل الحل العقد" تلك اللجنة مكونة من كبار شيوخ السلفية الذين يعرفون الشرع سيختارون بالتأكيد الصالح للبلاد من وجهة نظرهم فلا يترك حق الاختيار للعامة في أحسن الظروف سيتم طرح اسمين للعامة يختار هذين الاسمين لجنة أهل الحل العقد ليختار العامة واحدا منهما. والسلفيون لا يعترفون بالأحزاب فالأحزاب من وجهة نظرهم حرام لأنها تبث الفرقة بين المسلمين لذلك سيتم إلغاء الأحزاب. وهذا ه السيناري المتوقع حدوثة سياسياً في حال وصول السلفيين للحكم . وهذه التغييرات السياسية لن ترضي حوالي 25% من الشعب المصري الذي يبحث عن الحرية يتوق إلي الديمقراطية . ثانياً: التغييرات الاجتماعية سيتم إلغاء دور المرأة نهائياً في المجتمع من خلال فرض النقاب منع المرأة من العمل منعها من قيادة السيارات مما سيقضي علي دور المرأة نهائيا في مجتمع يتعدي فيه عدد الأسر التي تعولها المرأة أكثر من 50% من عدد الأسر المصرية . كذلك سيتم إغلاق دور السينما والأندية غيرها من أماكن الترفيه . كما سيتم فصل الشباب والشابات في الجامعات. ثالثاً: التغييرات الاقتصادية وهي الأهم في كل ما سيطرأ علي مصر من تغييرات نظراً للظروف الاقتصادية التي يمر بها المجتمع المصري. فالمجتمع المصري الذي يقع أكثر من 50% منه تحت مستوي خط الفقر 20% عند مستوي خط الفقر لا يهمه سوي الوضع الاقتصادي فالعامل الاقتصادي ه الأهم في مصر حالياً. السلفيون لا يملكون رؤية اقتصادية واضحة أ أي برنامج اقتصادي كل ما يروجوه في برنامجهم ه تطبيق شرع الله علي حد قولهم رغم احترامي للشريعة فمصر تطبق الشريعة، ولكن من وجهة نظرهم لا تطبقها لأنهم يتعاملون مع الشريعة النصوص الإسلامية علي أنها نصوص جامدة هذا ليس موضوعنا الآن. ولأن السلفيين لا يملكون أي رؤية اقتصادية فهم يسوقون لأنفسهم دينياً عن طريق إصلاحات دينية كما يقولون أن هذه الإصلاحات الدينية ستهبط علينا بخيرات السماء هذا كلام غير واقعي غير منطقي. وعلي هذا فقد انتهي الربيع العربي بخريف أسقط كل أوراق التوت لنبقي عرايا تحت شمس حارقة وعلي رمال ساخنة يحكمنا فيها المتأسلمون!