عن تعبير "قتل بحثا" الذي قتله الكتاب استخداما هذا الكليشيه الشهير ''قتل بحثا'' كثيرا ما يتصدر الموضوعات المطروحة علي الساحة، سواء كانت اجتماعية أو سياسية أو أدبية.. إلخ، وقد يأتي في الخاتمة أو في الوسط، المهم أنه يأتي ولهذا دلالته بل دلالاته. أولي هذه الدلالات أن الكاتب في بعض الأحيان يلجأ له كنوع من الاعتذار عن إفلاسه والاضطرار للكلام في موضوع قتل بحثا وفي تلك الحالة غالبا ما يكون الكليشيه المذكور مفتتحا للكلام، وقد يلجأ الكاتب لهذه العبارة للإيحاء بأن لديه الجديد رغم أن الموضوع ''قتل بحثا'' وبأنه آت بما لم تستطعه الأوائل. وقد يلجأ لها الكاتب في بعض الأحيان أي العبارة للالتفاف حول موضوع لايريد الخوض فيه إما لعدم الإحاطة الكاملة به من قبل الكاتب أو اجتنابا لمحاذير ما سواء دينية أو سياسية، وهاهنا تظهر سطوة الرقيب الوثن الماثل في الأذهان فيحتال الكاتب بهذه العبارة معتمدا علي فطنة القارئ في استدعاء كل خبراته حول الموضوع القتيل. ومن الدلالات شديدة المرارة لهذه العبارة ما توحي به من اليأس في بعض الأحيان فتصبح بديلا عن الإشارة لأن الكلام لم يعد مجديا حيث لا فائدة ترتجي بعد أن قتل الموضوع بحثا؛ والأمرّ منها الاتهام المضمر للمتلقي بألا جدوي من الكلام أو الحوار لأنه إلي الآن لم يفهم ولم يع، إن فهم فهو سريع النسيان ولا يتعلم من التاريخ وأنه دائم التكرار لنفس الأخطاء، أو بعبارة أخري ''علم في المتبلم يصبح ناسي''، فأي جدوي إذاًً من طرح موضوع قتل بحثا؟! وقد يلجأ الكاتب لهذا الكليشيه اختصارا للوقت والمساحة، ولو دققت النظر ستجده يتكرر أكثر ما يكون لدي كتاب الأعمدة اليومية وفي المقالات المختصرة لا تلك المقالات المطولة التي لا يفيد كاتبها الاختصار وهو الملزم بحشو المساحة وإن اضطر لتفسير الماء بالماء! وهي مأساة يعانيها المتعاملون مع الصحف والمطبوعات الدورية بدءا من الكاتب والمحرر وانتهاء بالقارئ الذي يلهث بين السطور بحثا عن الجديد فيجد أو لا يجد، لكن قبل أن تأخذك الشفقة بالقارئ أو بنفسك اعلم أنه كثيرا ما يكتسب مناعة ضد هذه الحيل التي يلجأ لها الكتاب وأنه صار مدربا علي التعامل معها. فمنهم من يتصفح الجريدة من آخرها ومنهم من يقرأ المقال من منتصفه قبل أن يقرر هل يتم قراءته أم لا، ومنهم من يعرف متي يطوي الجريدة أو يفرش بها مائدته بمجرد التصفح الخاطف لها. وهكذا نري اتفاقا خفيا بين الجريدة والقائمين عليها وبين المتلقي وهو القارئ، فقد يقرأها ، كلها أو بعضها أو تكون له فيها مآرب أخري تعوض ما يدفعه فيها ولا تذهب جنيهاته هباء. أما السمة الرئيسية للمواضيع المقتولة، فهو عدم وجود حل جذري وحاسم لها، إما لاستحالته أو انعدامه من الأصل، فتصبح مثل القضية المقيدة ضد مجهول، تثير التحدي من حين لآخر، ثم يغلق ملفها مجددا لعدم ظهور جديد يفيد القضية. وليبق ملفها جاهزا للفتح كلما استدعت الحاجة، ولنا في ملفات المرأة وحقوق الإنسان والفتنة الطائفية أو بنبرة مخففة الاحتقان الطائفي وغيرها الكثير مثلا وعبرة في تلك الشئون التي قتلت بحثا، فهي تفتح وتغلق وفقا للإرادة السياسية التي غالبا ما تحرص علي التلاعب في أحراز القضية، كي يبقي الملف معلقا لا هو مفتوح ولا هو بالمغلق، ولكنه دوما تحت الطلب. هاهنا يظهر دور حملة المباخر من المسبحين بحمد الأنظمة والمستفيدين من بقائها، فيتم إعادة طرح القضايا وبعثها من قبورها وهي في الأغلب ذات طابع ديني، والحشد لها وكأنها قضية الساعة وغالبا ما يكون الحل المطروح مستفزا ومثيرا للجدل، وهو المطلوب. وقد لا يكون المطروح شأنا دينيا فيكون حينئذ شأنا تاريخيا ذا صبغة سياسية لا يمكن تغييره، ويتم عندئذ توجيه الناس لتقويم هذا الشأن والانقسام حوله بدلا من تقويم الوضع الراهن بمعطياته والنظر إلي الخطوات التالية، السادات وعبد الناصر وخطاياهما ودورهما التاريخي هما المثالان الأبرز في تلك الأحجية التي لا حل لها في الملاهي السياسية، ويبقي الحجاب وعمل المرأة هما الأبرز في الملاهي الدينية والتي قد تتفرع وتتفاقم حتي تصل إلي رضاع الكبير وتحليل أكل لحوم الجن وغيرهما من فتاوي الصلاة حاملا قربة فساء. وليس بعيدا ما حدث في شم النسيم والذي يحدث كل عام من إثارة الجدل حول الاحتفاء به وتحريمه والعيب كل العيب علي من يترك زوجته الفاضلة ''المنتقبة'' تشم الهواء! وما أثير حول رفع الهلال مع الصليب واعتباره ممالأة ''للنصاري'' وتحريمه، ولو علم هؤلاء دينهم حق معرفته لأدركوا ألا رموز في الإسلام، وأن الهلال ليس رمزا ولا قداسة له لدي المسلم. وبالمثل تلك القضية التي تتم إثارتها قبيل كل عيد للمسيحيين والاحتشاد لتحريم وتكفير تبادل التهاني، متناسين أن طعامهم حل لنا وطعامنا حل لهم، ومتناسين أن الإسلام أباح للمسلم الزواج بكتابية، فهل المطلوب منه أن يسب لها الدين هي وحماته ليلة العيد جزاء وفاقا لزواجها به؟ ومن عجب العجاب ألا تسمع لهؤلاء صوتا حين تهنئ الدولة الجارة الصهيونية اللدودة بأعيادها مثل عيد رأس السنة العبرية، أحلال للصهاينة حرام علي الإخوة الأقباط من مسيحيي مصر؟! وبالعودة لصدر المقال حول المواضيع التي قتلت بحثا، أجدني مضطرة للاكتفاء ببعض الفلاشات السريعة في موضوع أحداث ماسبيرو والتي شكلت مناخا مناسبا لها، منها تصريحات صفوت حجازي وطعنه لأعراض الثوار واتهامه لهم بارتياد شقة في العجوزة لأغراض الفسق والمجون قبيل وقفة الأقباط الاحتجاجية، مما يستدعي الفيديو الشهير لذلك الذي يقول: ''يعني ايه ليبرالية؟ يعني امك ما تلبسش حجاب''، وبالتالي فكل مدافع عن حقوق الأقباط هو ليبرالي زنديق أمه سافرة، وجل هدفه أن ينشر الفكر الليبرالي للتمتع بالخمر والنساء بل والمثلية الجنسية وزواج المسلمة بالمسيحي؛ ولمحة أخري حول رد خالد منتصر المتهم بعداوته لكل ما هو مسلم ولكل ما هو في صالح الإسلام ونصرته، فلو تصفحت الردود علي الموقع الإليكتروني لوجدت إرهابا فكريا واستعدادا لاعتناق كل المحرمات من خوض في الأعراض واغتياب الثوار لا لشيء إلا استبعاد ما قد يحمله رد خالد منتصر وغيره من الكتاب من وجاهة أو لا يحمله، فالمطلوب هو الاستبعاد لكي يتم الانفراد بالعقول، لذا لم يكن عجيبا أو مستغربا أن يندفع المغيبون نحو مظاهرة الأقباط لنصرة الجيش والإسلام وارتكاب كل ما نهي عنه الرسول عليه الصلاة والسلام من عدوان علي أهل الذمة، فلا هم جعلوا منهم أهل ذمة فمنحوهم الأمان الكافي، ولا جعلوا منهم مواطنين ذوي حقوق واجبة النفاذ. أما إعلامنا المصري وفساده ودوره المحرض لصالح الحكم العسكري والفلول... فقد ''قتل بحثا''.