علي الرغم من أن الغلاة من تيارين متضادين يقفون علي طرفي نقيض الا أن مربع سيكولوجي واحد يجمعهم علي أرضية الغلو ولا يصدر رفض أحدهما للآخر عن اعتدال ،فالاعتدال موقف وسطي يرفض طرفي النقيض معا لا أحدهما دون الآخر . وقد طالعت مقال الدكتور أحمد راسم النفيس المنشور بجريدة القاهرة في العدد الصادر يوم الثلاثاء 4 أكتوبر علي الصفحة التاسعة بعنوان «مؤتمر الصحوة الإسلامية» والذي استعرض فيه ما جري في مؤتمر الصحوة الإسلامية الذي عقد في طهران حول ثورات المنطقة وذلك من خلال أقوال قائد الثورة الإسلامية (يقصد به المرشد الأعلي للثورة الإسلامية علي خامنئي » مع انتقاد لرجب طيب أردوجان مبعوث الادارة الأمريكية لعلمنة ولبرلة المنطقة والساعي بتفويض من الإدارة الأمريكية لاقناع المصريين بالتخلي عن أوهامهم الاسلامية «بنص كلام الدكتور النفيس» وقد لاحظت في كل ما أورده الدكتور النفيس من أقوال "لقائد الثورة الاسلامية" أن الخطاب موجة للمسلمين والشعوب الإسلامية فقط مثل قوله (أكد قائد الثورة الاسلامية علي الابتعاد عن الأوهام التي يروجها أزلام الغرب في المنطقة ووعودهم الخلابة داعيا الثوار لعدم الوثوق في تلك الوعود والأماني الكاذبة واتباع نهج المقاومة والتأكيد علي وحدة المسلمين أيا كانت مذاهبهم وأعراقهم» أو قوله (ان اسلامية الثورات تعني الحضور الفاعل للشعوب الاسلامية ودورها الحاسم في إدارة شئون بلدانهم دون اتباع الديمقراطية الغربية» وهو خطاب في مجمله يقصي غير المسلمين من أية توصيات أو أفكار مستقبلية مما يخالف الروح العامة للثورات في تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا والتي شارك فيها المواطنون بهويتهم الوطنية لا الدينية ولم يرفع بها شعار ديني واحد الي الآن في تونس وليبيا وسوريا وحتي يوم 11 فبراير علي الأقل في مصر . و خطاب خامنئي هنا يتسق مع خطابه في أعقاب نجاح ثورة 25 يناير والتي اعتبر فيها أن الثورة المصرية امتداد للثورة الإسلامية في ايران في وصاية علي هوية الثورة ومحاولة لتوجية بوصلتها وهوما رفضته كل القوي الوطنية في حينها. والحقيقة أنني كنت أعتقد أن الدكتور النفيس ضد الدولة الدينية في العموم وليس ضد الدولة الدينية الوهابية فقط والا ما معني قوله «زيارة السيد أردوجان لمصر والتي دعا فيها لتأسيس دستور علماني وهي الدعوة التي أغضبت جماعة الإخوان الذين أملوا في زيارة هذا الأخير خيرا بعد أن دفعوا بأعضاء الجماعة الي الشارع مطالبين باقامة خلافة عثمانية جديدة تحت رايته وقيادته» وفي نفس المقال ينتقد محاولات لبرلة وعلمنة المنطقة؟ فكيف يكون الدكتور النفيس ضد الخلافة العثمانية وضد العلمانية في آن؟ وأما عن أردوجان الذي حارت فيه التحليلات فما هو الا رجل دولة يعمل لمصلحة بلاده ووفق ما تقتضيه تلك المصلحة بغض النظر عن حديث الأجندات والمؤامرات والتبعيات ، فأردوجان الحاصل علي شهادة حسن السير والسلوك من قبل عرب النفط وقادتهم الأمريكان - بنص كلام الدكتور النفيس - هو من رفض دخول القوات الأمريكية لغزو العراق من الأراضي التركية لأن البرلمان العلماني الليبرالي رفض ذلك وعلي أردوجان اسلاميا كان أو علمانيا احترام إرادة الشعب ممثلا في نواب لأنها دولة مؤسسات ، وفي السياق ذاته وفي اطار المصالح لا الايديولوجيات فان روسيا التي كانت تقف ضد الغزو غير الشرعي وغير المبرر للعراق هي التي تقف حائلا اليوم ضد قرار من مجلس الأمن ضد النظام الدموي القمعي السوري وما يرتكبه من مجازر بحق أطفال ونساء وشيوخ شعبه وهو ما أتمني ان اراه موضوعا لمقال من مقالات الدكتور النفيس التي يدافع فيها عن المستضعفين في الأرض والشعب السوري لا جدال منهم . ان رفض الدولة الدينية كما اتصوره هو رفض مبدئي لا انتقائي وبغض النظر عن شكل العلاقات المصرية الايرانية والذي يجب أن يكون في الاطار الطبيعي لأننا لسنا في حالة حرب لكن لا يمكن أن يلعب خامنئي دور المنظر للثورات العربية فايران دولة دينية بامتياز فالترشح لرئاسة الجمهورية مشروط بموافقة المؤسسة الدينية بحيث تجري الانتخابات في النهاية بين مجموعة من المرشحين داخل اطار معين والمرشد الأعلي للثورة الاسلامية غير المنتخب شعبيا يتمتع بسلطات واسعة جدا تعلو علي أي كيان منتخب شعبيا ، ومجلس الشوري المنتخب شعبيا يعلوه مجلسان هما مجلس صيانة الدستور المعين من قبل المؤسسة الدينية ومجلس تشخيص مصلحة النظام الممثل للمؤسسة الدينية وللمجلسين الأخيرين الوصاية علي المجلس الأول المنتخب عن طريق مراجعة ما يصدره من قوانين وتشريعات وقبولها أو رفضها وليس هذا في اعتقادي ما تصبو إليه الشعوب العربية التي ثارت علي الديكتاتورية في الأساس وليس من مصلحتها استبدال ديكتاتورية بأخري.