بعد22 عاماً من صدور ديوانه الأخير "أشجار الأسمنت" عاد الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي ليصدر ديون طلل الوقت مؤكداً أنه لم يغب عن الشعر قط طوال السنوات الماضية ولم يغب الشعر عنه ولكنه كان يكتب في العموم. لأن الشعر قدرة ولا يستطيع الفرار منه واصفاً إياه بأنه رائع كالحب وقاس كالموت" وقد احتفت ورشة الزيتون بصدور الديوان في احتفالية تحدّث فيها عدد من النقاد وجمهور الشعر في البداية يقول الشاعر شعبان يوسف إن أحمد عبدالمعطي حجازي يعد شاعرا استثنائيا فقد أكد أن الشاعر لا يفلس أو يفني شعره وأثره علي الاطلاق كما ىُعد علامة مميزة بسبب أشعاره المبكرة التي نشرها في مجلتي روزاليوسف وصباح، ديوانه الأول مدينة بلا قلب والذي صدر منذ أكثر من نصف قرن حيث كان عمره 26 عاماً صدر بمقدمة طويلة لرجاء النقاش لفت نظر الخصوم والحداثين في ذلك الوقت ، حجازي مثير للقلق لايلفت النظر بضجيج أو إثارة شكلية وإنما بما يصدره فهو يمثل قبيلة حجازية تعمل في الشعر العربي لأن أثره موجود في مواقف متعددة، ليس مثيرا للقلق في الشعر فقط وإنما فيما يكتبه في جميع المقالات نظراً لثقافته العريضة حيث أسس تيار خاص في كتاباته له توابع ثقافية منذ بدء الكتابة وربما نستعيد قصائده المجهولة أو المنسية قريباً .فقد تغلل حجازي وصلاح عبد الصبور داخل ثقافتنا العربية والاحتفاء بطلل الوقت وصدوره بخط اليد أقل ما يجب. أما الناقد الدكتور محمد عبدالمطلب فأشار أنه لكي يقرأ حجازي لابد أن يفرغ له شهور فهو في نظره يمثل مدينة الشعر وعندما قال عنه حسن طلب في أحد مقالاته انه الشاعر الرائد عاتبه لأنه رائد الريادة وهذا الديوان استغرق إنتاجه عشرين عاماً لأن قصيدة طلل الوقت قد نُشرت بالأهرام عام 1991 وقدكتبت عنها دراسة مطولة في ذلك الوقت حيث جعلتي هذه القصيدة أعيش عالماً مثيراً وظلّت عالقة في ذهني وكلما أعيد النظر فيها أعد دراسة أخري عنها، وعندما أقرأ الديوان أكتشف أنني أمام مرحلة جديدة للشاعر، فديوانه السابق أشجار الأسمنت كتبت عنه دراسة وقد حاولت استعادة هذه الدراسة حالياً لإدراك المرحلة الجديدة لاكتشف أن مراحل حجازي تكاد تكون متواصلة فهو يمتلك بصمة تنتقل معه من ديوان لآخر لأنه صاحب صيغة شعرية نادرة في تاريخ الشعر العربي، لا أجد هذه الصيغة سوي في شعر المتنبي وأمير الشعراء أحمدشوقي، هذه الصيغة تجعل الفرد يهتز من جمالها. قد أخذني هذا الديوان إلي منطلق ثقافي ودفعني لقراءته من زواية معينة، لأن شعر حجازي يحدد المدخل الخاص به وقد وجدت المدخل الثقافي يفرض نفسه علي طلل الوقت وخاصة أن بدايته طللية والطلل عموماً ظهر في الثقافة العربية علي أنه ظاهرة بيئية ثم صعدت هذه الظاهرة لتكون ظاهرة اجتماعية ثم ظهرت لتكون نفسية لأن الراحلين يحنون للمكان وأهله وسرعان ما تحولت لتكون ظاهرة بيئية مقدسة، ويقول أبوسلام أن أول من وقف علي الطلل هو امرؤ القيس حيث وقف يبكي علي الديار وإن كان هو نفسه ذكر أن هناك من سبقه، ولكن السؤال ماالذي يجمع بين هذه التجولات؟بالتأكيد هو إحساس الفقد لذلك ظل الوقوف علي الطلل حاضراً في القصيدة العربية حتي يومنا هذا لأنه كلما شعر الشاعر بالفقد لابد أن يكتب عن الطلل، والطلل هنا حداثي به الأشجار والطيور ، وأضاف عبدالمطلب بأن قصيدة طلل الوقت تعد من عيون الشعر العربي وأن هناك مدخلاً آخر للديوان وهو أن صاحبه أصبح مغرقاً في الحضارية والإنسانية وانفتحت شهيته علي العالم كله وأول هذا الانفتاح كان علي الخطاب القرآني وهنا نجد أن هذا الديوان قد غاير كل دواوينه، وآخر ديوان أشجار الأسمنت استدعي القرأن الكريم 6مرات وهنا استدعاه 22 مرة وحجازي يقرأ النص القرآني بوعي جمالي لذلك نجح في توظيفه ببراعة مدهشة في ديوانه حتي أننا لانفرق بين النص القرآني والشعري كما أن بالديوان استدعاء نفسيا. من جانبه أضاف الشاعر والناقد حسن طلب بأن عودة حجازي للشعربعد عقدين من الزمن تذكره بعودة الشاعر الفرنسي "فول باليري" بعد فترة طويلة اقتربت من غياب حجازي ولكنه عاد بقصيدة رائعة ، وأكد أنه قرأ قصائد الديوان متفرقة قبل أن تنشر ولكن قراءتها متكاملة في ديوان واحد توحي بأكثر ماكانت توحي به وهي منفردة وأظن ان عودته للشعر بداية لصدور قصائد أخري جديدة، وقد اكتمل الديوان علي نحو بطيء وأختتم بقصائد عن الثورة مثل إرادة الحياة والطغاة ولكن هذا الموقف الثوري ليس جديدا علي الشاعر فهو موقف أصيل حيث قال قبل أربعين عاماً" قل لا هنا فربما تقولها في أكثر من موقف". نلاحظ أن المدينة تعود لتصبح بطلاً من جديد لكن تلك التي كانت في ديوانه الأول منذ خمسين عاماً لم تعد هي المدينة الموجودة هنا في طلل الوقت ولم يعد الأمر تقابل مكانين معاً في زمن واحد ولكن الجديد هو أن المدينة دخلت في نسيج يربطها ببعد آخر وهو الزمان حيث إنه بعد أساسي لا نستطيع أن نفهم المدينة بغيره . ولكن المشكلة أن الجهل غلب علي العقل والظلام تغلب علي النور. قد اختتم حجازي الندوة بقوله إن الثورة أعادته للكتابة الراهنة وليس الشعر فحسب فقد أجلستني أمام الورق لكي أنظم الشعر ولكنني لم أغب عن الشعر قط ولم يغب عني ولاشك أن عشرين عاماً كثيرة من أجل ديوان واحد وأتمني أن يجد القارئ في هذا الديوان عوضاً عن تلك الفترة الماضية، ولكن أنا الآن وأي شاعر آخر مثلي صارت له هذه الخبرة في كتابة الشعر يستطيع أن يجلس ليكتب، الشاعر القادر المجرب يستطيع أن يستدعي الشاعر ويجلس ويقول سوف أكتب قصيدة فيكتب إن لم يكن اليوم فغدا غير أنني ومن ناحية أخري أفضل كتابة القصيدة إلا إذا فُرضت علي بمعني لاأستطيع أن أتجنبها كأنها قدر رائع عنيف ممتع. لكن كما في التوراة "المحبة قاسية كالموت" فإن الشعر إيضاً رائع كالحب وقاس كالموت ولكن بعض الأحيان لا مفر منه .ومن جهة أخري كنت أتمني أننا لوعشنا ظروفاً ملائمة تسمح للشاعر أن يتفرغ للشعر وللكاتب أن يكتب ولكننا عشنا ومازلنا في ظل ظروف قاسية مضطرون أن نكتب رأينا، فأنا مضطر أن أكتب مقالاتي الأسبوعية بالأهرام لسببين أولهما أخلاقي وهو مواظبة لهذا الواجب والآخر مادي وأحمد الله أنه في السنوات التي كان فيها النظام السابق ولايزال يرشي الكتّاب لم نكن منهم، لذلك ظللنا وسنظل نعتمد علي أقلامنا، فقد ظلّ العقاد يعيش من قلمه حتي وفاته. (يضم الديوان عددا من القصائد كُتبت بخط اليد ومصحوبة برسوم للفنان التشكيلي وجيه وهبة، وقد صدر عن الهيئة العامة للكتاب حيث يحتوي علي 16قصيدة كتبها الشاعر ومنها "طلل الوقت، أيام أمي:سارق النار، النور، الظلام، إرادة الحياة، الطغاة، نحت، الخامسة مساءً، لك الخلود، نحت، شفق علي سور المدينة والكروان)