لقبت بملكة الإغراء واحتكرت هذا اللقب وإلي الآن، علي الرغم من اعتزالها السينما منذ ما يزيد علي العقود الثلاثة قدمت للسينما المصرية ما يربو علي السبعين فيلما منذ ظهورها في فيلم "غزل البنات" إخراج أنور وجدي عام 1949 ككومبارس صامت، وحتي آخر أفلامها "حياتي عذاب" عام 1979 مشوار طويل من العطاء والتفاني وحب السينما، وأدوار متنوعة أثبتت في كل منها أنها الجديرة بلقب "الفنانة الشاملة" هند رستم تشكل في حد ذاتها ظاهرة فنية فريدة في عالم السينما المصرية والعربية علي حد سواء، ولم تستطع أي من قريناتها انتزاع لقب "ملكة الإغراء" لا في حياتها أو بعد رحيلها، فهي التي تفردت بلا منازع في أداء نوعية خاصة بالغة الصعوبة من الأدوار التي لاتقدم عليها سوي فنانه وهبها الله ملكة التقمص وتلقائية الآداء والحضور علي الشاشة وأمام الكاميرات وتحت الأضواء المبهرة، وعلي الرغم من أن أدوارها تعددت وتنوعت وتباينت تباينا كبيرا، إلا أنها عرفت بملكة الإغراء أو "مارلين مونرو الشرق"، لكن أي إغراء قدمت هند؟ وأي إغراء تقدمه الأخريات؟ ملكة الإغراء شتان بين الاثنين، قدمت هند رستم الإغراء الذي ترفَّع عن العرض أو العري الجسدي الرخيص الخاوي من المعني أو الفعل الدرامي، علي الرغم من امتلاكها لقوام ممشوق تتوافر له كل مقاييس الجمال الجسدي ووجه مفرط النعومة والوجاهة وتركيبة ارستقراطية جاءت محصلة الجذور التركية وخفة الدم المصرية، فهي بنت مصرية إسكندرانية جدعة، واسم كبير في عالم السينما المصرية، لقبت بملكة الإغراء واحتكرت هذا اللقب وإلي الآن، علي الرغم من اعتزالها السينما منذ مايزيد علي العقود الثلاثة، وعلي الرغم من محاولات العشرات من نجمات السينما عندنا انتزاع هذا اللقب أو الحصول عليه، لكن باءت كل محاولاتهم بالفشل، وتربعت هند رستم علي العرش دون منازع، وظني أنها استحقت عن جدارة هذا اللقب، ولن تناله من بعدها ممثلات اخريات، فشتان بين من يمتلكن موهبة الأداء التمثيلي وبين من دخلن السينما بالواسطة أو بالصدفة أو بضربة حظ أو بتقديم تنازلات أو عربون محبة.. أو ممن يعتمدن علي جمال الجسم والحركات المبتذلة ودغدغة حواس جمهور المراهقين بالإثارة المفتعلة ومشاهد العري الرخيص الساذجة والمجردة من المعاني أو الإيحاءات التي تخدم دراما الفيلم. غزل البنات قدمت هند رستم للسينما المصرية مايربو علي السبعين فيلما منذ ظهورها في فيلم "غزل البنات" اخراج أنور وجدي عام 1949 ككومبارس صامت، وحتي آخر أفلامها "حياتي عذاب" عام 1979، والذي اعتزلت بعده السينما لتبقي علي صورتها الرائعة في أذهاننا والتي ظلت علي بهائها حتي رحيلها، ولتميزها في الأداء وخفة ظلها وجمال ملامحها، سعي مخرجونا الكبار لأن تكون بطلة أفلامهم، تلك الأفلام التي شكلت بدورها علامات في تاريخ هؤلاء المخرجين.. عملت مع "يوسف شاهين" في أول أفلامه "بابا أمين" عام 1950، وبعد ثمانية أعوام قدم لها الفيلم المتوهج دائما "باب الحديد" عام 1958 في دور من أشهر وأقوي أدوارها، فمن منا لايبهره دور "هنومة" بائعة البيبسي وفاتنة باب الحديد.. قدمت مع "صلاح أبو سيف" أصعب تجاربه في السينما وهو فيلم "بين السما والأرض" عام 1959 في دور ممثلة، وفيلم "لا أنام" عام 1957 في دور "كوثر"، وعلي نفس النمط قدمت دورها الحقيقي كنجمة سينمائية كبيرة في فيلم "إشاعة حب" عام 1960 إخراج فطين عبد الوهاب، ومع "عز الدين ذو الفقار" قدمت "رد قلبي" عام 1957 أشهر الأفلام التي تقدم في المناسبات الوطنية، في دور "كريمة". كوميديا عائلية لخفة ظلها وبساطة أدائها قدمت "هند رستم" مجموعة من أفلام الكوميديا التي يتواصل عرضها تليفزيونيا بين الحين والآخر والتي تلقي قبولا كبيرا من البيت المصري ومشاهدتها بلا خجل أوحياء، مع المخرج "فطين عبد الوهاب" قدمت: "ابن حميدو" عام 1957 في دور عزيزة خطيبة الباز أفندي ساقط التوجيهية، وفيلم "إشاعة حب" عام 1960 في دورها الحقيقي كنجمة سينمائية، و فيلم "الأخ الكبير" عام 1958 بعيدا عن الكوميديا في دور "روحية" الراقصة اللعوب. ومع المخرج "أحمد بدرخان" قدمت الفيلم الموسيقي "سيد درويش" عام 1966 في دور "جليلة" أمام الفنان "كرم مطاوع"، كما قدمت الفيلم الغنائي أيضا "الخروج من الجنة" عام 1967 من إخراج "محمود ذو الفقار" أمام الموسيقار "فريد الأطرش"، ومع المخرج "عاطف سالم" قدمت فيلم "صراع في النيل" عام 1959 أمام النجمين: رشدي أباظة و عمر الشريف، ومع مخرج "الأكشن" حسام الدين مصطفي قدمت فيلم "كلمة شرف" عام 1972 أمام الملك "فريد شوقي" في دور إنساني كبير بعيدا عن الرقص والإغراء، ولعل أبرز محطات هذه الفنانة الكبيرة تلك التي كانت مع مخرج الروائع "حسن الإمام" الذي قدم لها في البداية فيلم "عواطف" عام 1958، ثم مجموعة من الأفلام التي تشكل علامات متميزة في تاريخها السينمائي، ولعل أشهرها: فيلم "شفيقة القبطية" عام 1963، فيلم "امرأة علي الهامش" عام 1963 أيضا، و فيلم "الراهبة" عام 1965 . كذلك قدمت للمخرج "حسن الصيفي" فيلم "فطومة" عام 1961 . أدوار متنوعة مشوار طويل من العطاء والتفاني وحب السينما المصرية، وأدوار متنوعة أثبتت في كل منها أنها الجديرة بلقب "ملكة الإغراء" ونزيد عليه "الفنانة الشاملة" التي أدت العديد من الشخصيات المتباينة، لكن في كل منها كانت "هند رستم" عملاق الأداء السهل الممتنع، وكاريزمة السينماالمصرية بملامحها الفاتنة وجمالها الأخاذ.. وهي القائلة بعد ثورة 25 يناير العظيمة: "الثورة يجب أن تطال الفن أيضا"، والتي قرأت الفاتحة علي أرواح الشهداء، وطالبت بتقديم أعمال بعيدة عن الإسفاف والابتذال بعد الثورة ... إنها هاوية ركوب الخيل وممارسة السباحة والمغرمة بتربية الكلاب، بعد أن ابتعدت عن السينما منذ ثلاثين عاما، وبعد رحيل زوجها الثاني الدكتور محمد فياض عام 2008، عاشت حياة الوحدة الكئيبة، وتجرعت مرارة عالم الجحود الذي آثرت أن تخرج منه مرفوعة القامة وعزيزة النفس بكبرياء وشموخ، لتظل في القلوب فنانة جميلة ومحبوبة قلما يجود الزمن بمثلها.