خالد حافظ من الفنانين الواعدين في جيل الوسط .. يتعايش في سلام مع ذاته أولا.. ثم مع هويته كمصري عربي ، ولكنه خارج ذلك التطفل الشديد من ثقافات مجاورة علي حساب الخصوصية الثقافية المصرية، لوحاته تشهد علي قناعاته التاريخية لتلك الهوية المتجذرة. هذا الفنان دائم التأرجح بين متضادات كثيرة منها ما كان عليه الاختيار بينها بلا رجعة ومنها ما يتواءم معها ويمارسها بحب. خالد تخرج طبيبا سنة 1992 وتخصص في أمراض الجلدية والتناسلية وأمراض الذكورة .. وكان السادس علي دفعته وعين معيدا.. ولكنه قرر الاستقالة وعدم التأرجح بين العلم والفن الذي كان قد قرر احترافه أثناء دراسته للطب.. عرض خالد منذ 2001 في عدد من البيناليات والمتاحف العالمية وله مقتنيات في خمسة متاحف في العالم من ضمنها مجموعة «ساتشي» للفن المعاصر في العالم. درس بالفنون الجميلة «قسم حر» علي يد الفنانين الراحلين «حامد ندا» و«زكريا الزيني» حين التحق بالكلية سنة 1983 تصادف إلغاء الموديل العاري .. وكان الطلبة القدامي يتمسكون بتلك الدراسة الأكاديمية التي تحض علي التجويد علي أسس سليمة لعلم التشريح مع التمرين المستمر لإتقان النسب المتناسقة ثم سرعة إنجاز الاسكتش في التحركات السريعة للموديل سواء كان رجلا أو امرأة .. وهذه السرعة مهمة لاكتساب خبرة للإمساك بأي حركة سريعة قد تصادفنا ونسلجها في لوحات قادمة هو مثل السجل بالنسبة للفنان خاصة حين ينجذب الفنان إلي المفردات أو الاشكال أو الهياكل التي تكون محور لوحاته. فطرة.. ثقافية سياسية فطر «خالد» علي تجرع السياسة والتعامل في اطرها .. ويجد أنها جزء في نسيج الحياة حتي الفن.. «نعم فمن يقدم فنا في عصرنا هذا في إطار خارج الفلك الذي يدور فينا وندور فيه.. اجتماعيا، واقتصاديا، وعقائديا .. يعد خارجا عن المنظومة الحياتية وقد لامست السياسة حياتنا اليومية» هكذا يقول خالد وهو أحد أبناء الضباط الذين كانوا ضمن ثورة 1952 عاش فترة «الدين السمح» حين التحق بالحضانة وكان يحضر حصة الدين المسيحي دون البوح بأنه مسلم - عمره 4 سنوات- وحفظ «أبانا الذي في السماوات» وبات يرددها في البيت .. وأهله يضحكون في بساطة ويجد أنه في نهاية الأمر مصر لها خصوصية ثقافية .. وفكرة الشأن الديني لم يكن عنصرا في صناعة الأزمة .. ويعتقد حتي الآن .. أن هناك وئاما شعبيا وإنسانيا .. وهناك أيضا أيادي مخربة غامضة الهوية!! والمشروع الفني الذي تبناه خالد حافظ هو فكرة محاولة استكشاف شرائح هذه الثقافة المصرية وقد يقترب من اللغة كآلية ويجد أن اللغة المصرية تحوي مقومات فارسية ويونانية وإيطالية وتركية زيادة علي لغات استعمار ولغات الهجرة .. والتي كانت تنم عن ثقافة «كوزمبوليتان» - تجمع حضارات- والحضارة المصرية الوحيدة التي تستوعب كل ذلك في بوتقتها ولا تلفظه. في سياق ... ملحمي استقراء لوحة من لوحات خالد حافظ يتطلب الكثير من التمهل والتوحد مع حلمه هو .. وخياله أيضا ثم مع تلك الخلفية أو «الفرشة» الثقافية والتاريخية .. والتطور التكنولوجي .. والاجتماعي .. ثم ذلك التطور الحثيث للحياة اليومية. أما ما يخص خالد بشكل شخصي فهو التصاقه بتطور التقنيات الفنية العالمية. لوحاته ترنو إلي الملحمة.. زخم باذخ يقوم بمسح للتاريخ حتي يومنا هذا يلف كعصرنا الاستهلاكي في ذلك الحس الإعلاني في أجزاء منها لكن علي استحياء شديد .. فهو جزء طفيف من «كل» في سياق «الحكي» في لوحتين لآلهة العصر .. وكل منهما 5م*2م . وقد عالج الفنان وقدمها في إطار أكاديمي كلاسيكي بحت أجاد في إظهار مثالية الجسد البشري في رجاله وقد ارتدي بعضهم رأسا «لابن آوي» يتقدمون في مشية عسكرية بذلك التشريح المثالي للجسم العاري في استعلاء وزهو واضح «القوة» ويتحلق من طرفي اللوحة قاعدة حجرية تجلس عليها فتاتان ذوا اجساد مثالية وترتديان قناعا لقطة «بست» الفرعونية مما يوحي بالسيطرة التي تدور حولها أيديولوجيات العصر الحديث.. المرأة ، الإغراء، وجود التسيد والنظر من أعلي، ولكنه تمثال رابض موجود كائن يلاحظ ولا يشارك، كائن عصري ثابت فوق قاعدته صامت ثاقب .. متسربل بقناع ما ، تاج البقرة أيبيس أو رأس قطة أو لبؤة ثم تجدها في وضع إعلاني عارية - مثل طائر عابر- والرجال في جزء من الخلفية يحملون السلاح.. ولكنهم جزء من حافظ وكأنهم اللغة الهيروغليفية القديمة، انها تفاصيل دقيقة ومكررة .. ومنتشرة، وكل تأثير تشكيلي في هذه الملحمة له مدلول تاريخي أو عصري يشير لدراسة لونية متمكنة يستخدمها الفنان في حرية كاملة وتلقائية مبهرة تضيف وتؤكد هذا العمق اللوني بخبطات قوية مترعة بلمسة الفرشاة.. واهتم خالد برسوم الحيوانات خاصة الأسد واللبؤة والبقرة الحلوب وقد برزت في الخلفيات معني السدي واللحمة التي تشكل نسيج الحياة. ويعلق خالد: «حين التحقت بالقسم الحر بالفنون الجميلة كان نوعا من التحدي الذاتي أني أقدر أرسم وبجدارة وأسيطر علي حركة الجسم العاري الذي وظفته بثقة في لوحاتي .. فأنا لا أرسم البورتريه ولكني استفدت من الرسوم الحركية - الاسكتشات وطبقتها في لوحاتي، في شكل حواديت أرويها وأقمم الكولاج حين تستدعيه «الغريمة».. وعندي هاجس ذاتي وهي فكرة أن الهوية هويتي المصرية متضامنة مع هويتي «كخالد»