رئيس مياه المنيا يستقبل لجنة القابضة لمتابعة نسب تنفيذ مشروعات «حياة كريمة»    بين الفيضانات والحصار.. وزيرة التنمية الفلسطينية تكشف حجم الكارثة الإنسانية في غزة    الأمين العام للأمم المتحدة: نقدر التزام الحكومة العراقية بالمضي قدمًا في خطط التنمية    ساديو ماني يقود قائمة السنغال في كأس أمم إفريقيا 2025    فليك يعلن قائمة برشلونة لمواجهة أوساسونا في الدوري الإسباني    ضبط 23 شركة سياحية دون ترخيص لقيام القائمين عليها بالنصب على المواطنين    إصابة 6 أشخاص في حادث تصادم سيارة وتروسيكل بالفيوم    فيديو.. الأرصاد: عودة لسقوط الأمطار بشكل مؤثر على المناطق الساحلية غدا    محافظ الغربية يتابع أعمال كسح مياه الأمطار    ضبط 121 ألف مخالفة متنوعة في حملات لتحقيق الانضباط المروري خلال 24 ساعة    غدا.. إزاحة الستار عن تمثال الملك أمنحتب الثالث في كوم الحيتان بعد 3 آلاف عام من الدفن    رئيس الوزراء يتفقد مشروع إنشاء مستشفى التأمين الصحي الشامل الجديد بالعاصمة الجديدة.. صور    إبراهيم حسن يشيد بإمكانات مركز المنتخبات الوطنية.. ومعسكر مثالي للاعبين    نتنياهو وزيارة القاهرة!    العرجاوي: الغرفة التجارية بالإسكندرية تبحث مع الجمارك و"إم تي إس" ميكنة التصدير    وزارة السياحة: المتحف الكبير يستقبل ضيوفه بصورة طبيعية وعدد الزوار وصل 15 ألفا    هل الجدل حوله يمنح فيلم الملحد إيرادات كبيرة؟    جهاز «شئون البيئة» يترأس وفد مصر فى اجتماع جمعية الأمم المتحدة للبيئة فى نيروبى بكينيا    عدوك الخفي.. انقطاع النفس أثناء النوم يُسرع شيخوخة القلب    صحة دمياط تضرب بقوة في الريف، قافلة طبية شاملة تخدم 1100 مواطن بكفور الغاب مجانا    شعبة المواد الغذائية: زيادة تصل ل 10 جنيهات في أسعار آيس كريم نستلة    حماية المستهلك يحرر 129 محضرا بحملات رقابية بالشرقية    القضاء الإداري يؤجل دعوى الإفراج عن هدير عبد الرازق وفق العفو الرئاسي إلى 28 مارس    محافظ أسيوط يقود مفاوضات استثمارية في الهند لتوطين صناعة خيوط التللي بالمحافظة    الأهلي يواجه الجيش الرواندي في نصف نهائي بطولة إفريقيا لكرة السلة للسيدات    خبراء: لولا مصر لتمت تصفية القضية الفلسطينية.. وتحذيرات من كارثة شتوية    الأعلى للثقافة: الكشف الأثرى الأخير يفتح ملف عبادة الشمس ويعزز القيمة العالمية لجبانة منف    «الست» يحقق 7 ملايين جنيه في أول 3 أيام عرضه بالسينمات    قبل انطلاقه.. النعماني يستقبل نجوم لجنة تحكيم "تياترو الجامعة" سامح حسين ولقاء سويدان    ناقلة نفط فنزويلية صادرتها أمريكا شريان الحياة السرى لكوبا.. ما القصة؟    ارتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات والانهيارات الأرضية بإندونيسيا لأكثر من 1000 شخص    التنمية المحلية: انطلاق الأسبوع التدريسي ال 19 بمركز سقارة غدًا    الصحة: فاكسيرا توقع بروتوكول تطوير المعامل المركزية لضمان جودة الأمصال واللقاحات    المديريات التعليمية: تسجيل استمارة التقدم لامتحانات الشهادة الإعدادية مستمر حتى موعد انطلاق الامتحانات    لخدمة الشباب والنشء.. رئيس الوزراء يؤكد دعم الدولة للمشروعات الثقافية وتنمية الوعي بالمحافظات    أمانة المراكز الطبية المتخصصة تكرّم إدارة الصيدلة بمستشفى الشيخ زايد التخصصي    مواعيد مباريات السبت 13 ديسمبر - بيراميدز ضد فلامنجو.. وليفربول يواجه برايتون    «أسرتي قوتي».. المجلس القومي لذوي الإعاقة يطلق برامج شاملة لدعم الأسر    "عربية النواب": اتصال السيسي وماكرون يعكس التوافق حول حتمية حل الدولتين    تربية بني سويف تنفذ تدريبًا للمعلمين على مهارات المعلم الرقمي    سعر طن الأرز اليوم..... تعرف على اسعار الأرز اليوم السبت 13ديسمبر 2025 فى المنيا    وزيرة التضامن الاجتماعي تلتقي رئيس الطائفة الإنجيلية ووفد من التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي    البيت الأبيض بعد نشر صور جديدة من تركة إبستين: خدعة من الديمقراطيين    الخدمة هنا كويسة؟.. رئيس الوزراء يسأل سيدة عن خدمات مركز طحانوب الطبى    إدراج معهد بحوث الإلكترونيات ضمن لائحة منظمة الألكسو لمراكز التميز العربية    وزيرة التضامن تبحث نتائج المرحلة الرابعة من مبادرة «ازرع» مع رئيس الطائفة الإنجيلية    تشويه الأجنة وضعف العظام.. 5 مخاطر كارثية تسببها مشروبات الدايت الغازية    بيراميدز يتحدى فلامنجو البرازيلي على كأس التحدي    مواقيت الصلاه اليوم السبت 13ديسمبر 2025 فى المنيا.....اعرف مواعيد صلاتك بدقه    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : ولازالت مصطبة عم السيد شاهدة ?!    اسعار الذهب اليوم السبت 13ديسمبر 2025 فى محال الصاغه بالمنيا    "يا ولاد صلّوا على النبي".. عم صلاح يوزّع البلّيلة مجانًا كل جمعة أمام الشجرة الباكية بمقام الشيخ نصر الدين بقنا    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 13-12-2025 في محافظة قنا    إفتتاح مؤسسة إيناس الجندي الخيرية بالإسماعيلية    المشاركون في ماراثون الأهرامات يلتقطون الصور التذكارية في المنطقة التاريخية    هشام نصر: سنرسل خطابا لرئيس الجمهورية لشرح أبعاد أرض أكتوبر    محافظ الدقهلية يهنئ الفائزين في المسابقة العالمية للقرآن الكريم من أبناء المحافظة    ننشر نتيجة إنتخابات نادي محافظة الفيوم.. صور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سمير الفيل.. الحياة حين تصير قصة وندوة و كتابا
نشر في القاهرة يوم 26 - 07 - 2011


وهكذا انطلقت رحلة عذاب ممتعة، لم يكمل السادسة إلا وكانت محلات وورش الموبيليا قد ابتلعته، واخذ يمزق الكارينة (ما يشبه القش الأصفرالذي يحشي به الكنب) ثم انتقل وهو في العاشرة مترقيا إلي درجة بائع أحذية، وهي المرحلة التي كتب عنها فيما بعد مجموعته الرائعة "صندل أحمر " تلك التي احتوت علي موضوع واحد فقط، رؤية للعالم كله من خلال عيني الطفل فلفل، وكان قد أهدي المجموعة إلي (الجزم والصنادل واللكلوك، إلي النعال والشباشب والكعب كباية) كان الفتي ينفذ وصية لم تصله بعد من ناصر، بالمثابرة، وحين وصل العاشرة متفوقا غاية التفوق في دراسته، كان قد أصبح (ابن سوق) في عمله، يستطيع تحديد الزبون وكيفية التعامل معه، فإن كان ريفيا، استفزه بقوله (مع السلامة يا أستاذ، المحل اللي جنبنا فيه بضاعة تنفعك، ماهو كل برغوت علي قد دمه) يعود الفيل لذكريات الطفولة، تلك التي كان يعيشها بكيانه، يقرأ بشراهة، ويذهب للسينما، ويصيف في رأس البر القريبة من بلده دمياط، ويعود لصديقه محمد علوش ليكتبا معا بدايات ما كانا يظنانه شعرا، كان شقيا وكان المعلمون يسامحونه لأنه " يتيم " فإنه شقي ولا يحضر المنقلة ولا "البرجل"، ولا يحفظ سورة البقرة ويكتفي بسورة " ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل " كما يقول قد تجرأ ذات يوم وأخذ كراسة شعره لصاحب مطبعة طيب في دمياط، طالبا منه طبع كتابه، لكن الحاج نصار - صاحب المطبعة - اعتذر لهما، ومنح كل منهما قرشا كاملا بصور الملك فاروق. سنوات الغلب والغناء تخرج في مدرسة المعلمين العليا، الأول علي الجمهورية، فقر الأسرة لم يترك له اختيارا، فقنع بالتدريس بمدرسة الإمام محمد عبده الابتدائية بدمياط، لتبدأ رحلة غناء الذات في الظهور، كان أثناء الدراسة قد بدأ يكتب مسرحيات يمثلها زملاؤه، ويشترك في مسابقة الملاكمة ، ومسابقة الوثب، وبدأت رحلته مع الشعر، وكتب مخطوط ديوان " المطبعة " عام 1996م وطبع بشكل بسيط، وزينته رسوم الفنان السيد الخميسي الذي صار بعد ذلك أستاذا بكلية التربية بدمياط. ثم توالي صدور دواوينه : " الخيول " سنة 1982، " ندهة من ريحة زمان " سنة 1991، "ريحة الحنة "، سنة 1998، " نتهجي الوطن في النور "، أبريل سنة 2000، وأخيرا " سجادة الروح"، مايو سنة 2000. لكنه ذات يوم أرسل قصصه للدكتور عبدالقادر القط، ونشرها له في إبداع بدون سابق معرفة، وحين التقاه في مؤتمر العقاد بأسوان، وسمع منه القصيدة، همس للدكتور سمير سرحان قائلا: هذا سارد ممتاز .. في مسألة السرد بجوار أشياء كثيرة جدا يجيدها سمير الفيل، يحتل السرد المقام الأعلي لديه، لكنه عمل فترة جيدة بالصحافة الأدبية بالسعودية، وكتب عدة مسرحيات، وكتب عشرات الأغنيات لأعمال مسرحية مهمة، منها مثلا «خشب الورد» لعلي سالم، له عدة كتب تحوي لقاءات مع كتّاب معروفين وغير معروفين، وهذه فضيلة أخري مهمة وأساسية في شخصيته، انحيازه المطلق للواعدين، ومساندته الدائمة لعشرات الكتّاب والشعراء، موهبة واضحة جدا في شخصيته، حيث يشكل مؤسسة ثقافية حقيقية متكاملة، بداية من تشجيع الكاتب الشاب، ثم توجيهه بيسر وحنو، ثم الاهتمام به ومساعدته علي نشر أعماله، ثم السعي بهذه الأعمال للمناقشة عبر مؤتمرات.. إلخ وبجوار سمير الفيل في دمياط جيش من المبدعين المخلصين ربما نتذكر منهم محسن يونس وفكري داود، ومحمد شمخ ومحمد مختار، وناصر العزبي ومحمد علوش وعشرات غيرهم نعود لسردياته، وقد أصدر الأعمال السردية الآتية : رواية "رجال وشظايا، ". خوذة ونورس وحيد، " قصة قصيرة "، أرجوحة " قصة قصيرة ". كيف يحارب الجندي بلا خوذة ؟، "قصة قصيرة، ظل الحجرة "رواية "، انتصاف ليل مدينة "، مجموعة قصصية "، شمال .. يمين "، مجموعة قصصية، مكابدات الطفولة والصبا،" مجموعة قصصية، صندل احمر، مجموعة قصصية وميض تلك الجبهة، رواية قبلات مميتة، قصص، هوا بحري، قصص.. هذا الولع بالسرد يأتي مع شعوره بأنه يعيش من خلال السرد حياة أخري، يتمني لو صار راقصا للباليه، ولأنه لا يستطيع، فليفعل ذلك من خلال السرد، هو تربي علي كتابات جيل عبقري، التقط من كل كاتب أميز ما فيه، يقول (في العربية توقفت أمام نجيب محفوظ الأستاذ بحق، وتأثرت بلغة عبدالحكيم قاسم، وبعذوبة يحيي حقي،وبانسياب الجملة عند ابراهيم أصلان، وباحتشاد الحكي الشعبي لدي خيري شلبي، وفي تناول عوالم القرية عند سعيد الكفراوي، وبفرادة الطيب صالح، وبترددات هدي بركات، وبرقة مالك حداد المترجم عن الفرنسية، وبعوالم الأسطورة عند ابراهيم الكوني، وبثقل التاريخ عند عبدالرحمن منيف وصولا إلي زيد مطيع دماج وأضرابه. احتاج مقالا كاملا لسرد الجوائز التي حصل عليها سمير الفيل في كل مجالات الإبداع : الشعر والقصة والرواية والمسرح والغناء .. لكن حضوره الثقافي المتألق أكثر اهمية من كل هذه الجوائز. حياة أخري أخيرا ها أنت يا عم سمير فوق الستين تمرح كما تشاء، لا يتذكر كثيرون معجزتك الكبري، تواجدك اللافت علي الشبكة العنكبوتية، و"توقيعاتك " عليها، يقول مثلا (بعد الضغط والسكر .. ابتلانا الله بوزير داخلية لا بيحل ولا بيربط) ويقول (كل رئيس مصري لقب يعرف به، فمثلا جمال عبدالناصر الزعيم الثوري، والسادات الرئيس المؤمن، فما هو لقب حسني مبارك المقترح ؟ ويقول (ثمة أناس يسعون لمنح السلطة لمن يقيدهم ويسلب إرادتهم ويفرض عليهم الوصاية إلي الأبد..) أسأل العم سمير عن الزوجة، أم شادي، فيقول (تعرفت عليها في ظروف بهيجة حوالي سنة 1978 إذ كنت أحضر فرح واحد من أصدقائي الذين تعرفت عليهم في نادي السينما وله اهتمامات ثقافية هو محمد أبوطايل. رأيت فتاة ترتدي ثوبا من القطيفة لونه بنفسجي، وكانت تضع وردة من نفس اللون قرب العنق . تأملات ملامحها، وأعجبتني الوردة، وتمت الخطوبة بنجاح عظيم حيث كنت في رتبة " مفلس قدير"، وبعد ثلاث سنوات حدث الزواج. أمرأتي ذكية، ومدبرة، وهادئة حفيدتي نور فهي آنسة عصرية عمرها ثلاث سنوات تميل لأفلام الكارتون والأغاني الخفيفة وهي ذكية وناقدة بامتياز وكثيرا ما تعاكسني فلو سألها أحد الحضور: فين جدك؟ تشير لجدتها وتبص لي بصة ذات مغزي وتغرق في الضحك. منذ أسابيع صدر كتاب (سمير الفيل : أنشودة نورس وحيد) كان الكتاب الذي شرفت بإعداده تحية من احبابه الكثيرين للعيد الستين للرجل، تطوع الناشر بتحمل جزء كبير من تكلفة الطباعة تقديرا لسمير الفيل، وشارك فيه كثير من كتاب الوطن العربي المتصلين بالإنترنت، في آخر زيارة له بمنزله، وكنا صحبة كبيرة، أعد لنا بنفسه الشاي وقدم الفاكهة والحلويات، وأسر لي - بشكل شخصي - بوجود لحم وكوسة، فقلت له : لولا أنها كوسة.. وضحكنا. سمير عنقود الكبرياء ومشكاة الطيبة، وقنديل الوداد ، طفل الوجود الجميل القديس في حبه للآخرين، في عطائه الخرافي النبيل، سمير الفيل المبدع الذي يسكب في كافة كتاباته قدرا عجيبا من الشجن يليق بفتي مبكر اليتم مثله، طبيعة ترسخت فيه، هو شجي وحده، ضحوك مع الآخرين.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.