في ظل الأجواء القاتمة المشحونة بالقلق والتوتر من مستقبل مجهول تطل علينا بواعث الأمل لتطلق الثورة بعضا من الإيجابيات التي قد لا تبدو واضحة علي سطح الواقع المصري ولكنها تبدو بصورة أشد تألقا علي الساحة التشكيلية التي ترسم حالة من التفاؤل كرد فعل مقاوم لكل رموز السلبية المتخلفة. تفتتح قاعة الفنون «جاليري مصر» في ظل هذه الأجواء لتثبت للجميع ان الفن هو المعيار الحقيقي لنهضة الأمة وتقدمها وان روائع الإبداع قد نبتت في ظل الألم والمعاناة. يعتبر «جاليري مصر» إضافة جديدة للفن والفنانين وهو يقع في منطقة الزمالك شارع ابن زنكي أمام مقر اتحاد كتاب مصر بشارع حسن صبري لذلك فانه ينضم لقائمة القاعات الفنية التي يشتهر بها حي الزمالك. يشارك في إدارة هذا الجاليري الفنان محمد طلعت الذي يقوم بدور مهم في حقل تسويق الفن. يبدأ افتتاح الجاليري بعرض لمجموعة من الفنانين المصريين المعروفين هم: محمد الفيومي، صلاح حماد في مجال «النحت» وفي مجال التصوير، إبراهيم الدسوقي، عصام معروف، عادل السيوي والتي تعرض لهم حاليا وفي نفس الوقت قاعة المسار ضمن مجموعة من الفنانين، ويشارك رضا عبدالرحمن في التصوير أيضاً، وهدي لطفي تشارك بتصوير وكولاج وعاطف أحمد في مجال التصوير والفوتوغرافيا، ثم آمال قناوي فوتوغرافيا ويسترعي انتباه المشاهد أعمال كل من محمد الفيومي وصلاح حماد وتتميز أعمال الفيومي بالواقعية لتنطوي علي مفهومه للشكل الإنساني وارتباطه بالجذور المصرية فالأجسام عند الفيومي بدينة ومع ذلك هي تصيغ قيم جمالية تنفي الجانب السلبي للبدانة كملمح من سمات الشقاء، وهو يعرض تمثال من خامة البرونز لفلاح بدين يجلس في وضع معقود الذراعين والشكل الآخر لامرأة بدينة «كيداهم» في وضع الجلوس تستند بذراعها علي القاعدة ويصيغ من خلال أشكاله الخطوط المنحنية والدائرية التي تعبر عن احساسه بالحركة الداخلية للأشكال الإنسانية وهو يبرز بعض تفاصيلها من ملامح الوجو وحتي أصابع القدم التي تعبر عن الطبقة الكادحة ورغم ذلك تظل «كيداهم» رمزا للأنوثة والجمال المصري. ونقف عند أعمال صلاح حماد من خامة البرونز لنلتقي بقيم جمالية تجمع بين البناء الهندسي الرصين الذي يجسد حالة الشموخ والكبرياء وبين الحس الموسيقي الذي يعكس رقة الأشكال رغم قسوة الزوايا التي يجسد من خلالها الضوء علاقات جديدة عند رؤية الشكل من زوايا متعددة. وننتقل لأعمال التصوير وإبراهيم الدسوقي ولوحتان من أعماله التشخيصية التي تعبر عن مفهوم كلاسيكي جديد وهو يصور امرأة في وضع الوقوف «زوجة الفنان» من زاويتين مختلفتين وتنتج زوايا أخري من خلال حركة الظل الذي يصنع خطا يمثل البعد الثاني والألوان باردة كالأبيض ومركبة تحمل درجات البني المغلق التي تصل بنا إلي البيج الضبابي المفلتر مستخدما الرمادي في منطقة الوجه والجسم عموما ليختزل اللحظة الزمنية في مساحة الفراغ التي تجسد للعين حالة السكون في حين تعبر زوايا الجسد عن الحركة التي تم تثبيت الزمن عندها في لحظة معينة ليستوقفها وهي من أهم سمات المدرسة الواقعية الفوتوغرافية. وننتقل لعصام معروف الذي يظهر هذا الموسم بصورة مكثفة وهو يستخدم الألوان الأكريليك بحس رومانسي تعبيري، ويعرض عادل السيوي ثلاثة أعمال «تربيبتك» إنتاج 2011 بخامات لونية مختلفة يسيطر عليها اللون الأصفر الأوكر أو الغامق والسطح عند السيوي يحمل أبعادا متعددة وأحجاما صغيرة في قالب إعلاني تتداخل فيه العناصرالمرتبطة بتاريخ مصر ومازالت مستمرة حتي الآن مثل شعار «كليوباترا» وشعار «جروبي» والإيقاع صاخب بشكل عام لا تستقر فيه العين علي موضع محدد. وتأتي أعمال رضا عبدالرحمن في إطار يحمل داخله ملامح الشكل المصري القديم واختيار الوضع الأمثل للجسد حيث يبدو الوجه من الجانب والجسد من الأمام ويقوم رضا ببعض إجراءات الطباعة من خلال وضع العناصر المفرغة فوق مجموعة الألوان لينشأ بذلك حيز جديد غير مهتم بالأبعاد وهو يستلهم أعماله أحيانا من بعض القصص القديمة كقصص الأنبياء. ويعرض عاطف أحمد عملين «للمولوية» من التصوير المعالج بالكمبيوتر والفوتوغرافيا الذي اشتهر بتميزه فيهما والمولوية فرقة راقصة صوفية منشأها تركيا وتركت تأثيرها في البلاد العربية التي وقعت تحت الاحتلال العثماني ويرتدي الراقص الزي الأبيض وهو عبارة عن قميص وتنورة بالحزام العريض الأسود وليعتلي رأسه طربوش طويل أحمر أو أصفر أو أخضر وهم في ذلك يشبهون فرق الذكر الصوفي في مصر، ويعرض عاطف لوحة لراقص في وضع واقف لحظة سكون مع شريط مزخرف بالوحدات الإسلامية واللوحة الثانية في حالة حركة وهي الرقص وتلعب حركة التنورة الدائرية التي هي جزء من حركة الكون دورا مهما في الإيحاء بالبعد الفلسفي للمولوية. وأخيرا هدي لطفي تعرض عمل تصوير وكولاج عن ثورة 25 يناير تستخدم فيه صور وجوه الشهداء وتقوم بتركيبها علي أجسام ترتدي الزي العسكري المصري وهم يحملون أجهزة اللاسلكي وكأنهم مازالوا علي اتصال بشعب مصر من عالمهم الاخر وتبدو الأشكال في وضع منتظم وتعتمد علي تكرار الشكل في عدة صفوف تحمل إيقاع المارشات العسكرية تمتزج بابتسامات الشهداء البريئة الصافية لتشعر أنهم يعيشون بيننا بأرواحهم وان علينا اتجاههم عهداً في استكمال مشوارهم الذي لم ينته بعد.