افتتحت الدورة 54 لبينالي فينيسيا يوم 4 يونية 2011، تحت عنوان "الأضواء" ILLUMINATIONS ، وقد تباري فنانو الدول المختلفة في عرض أحدث إبداعاتهم من الفنون البصرية المعاصرة، وحسب ما كتبه النقاد زوار العرض، فإن غالبية المعروضات طبعت بطابع الحداثة واستخدام الخامات غير التقليدية، كما وأن جزءًا كبيرا منها يقع في نطاق الفن المفاهيمي الذي يعتمد في الأساس علي الفكر والمفهوم، وبالتأكيد فإن جانبا من زوار العرض سيصنفون تلك الأعمال ضمن دائرة اللامعقول. لكن اللامعقول حقيقة كان هو قيام قوميسيرة البينالي السيدة بيتسي كوريجرBice Curiger باختيار ثلاث لوحات لفنان فينيسيا المشهور في القرن السادس عشر، تينتوريتو Tintoretto (1518 - 1594) ، لتعرضها وسط الحشد الهائل من الأعمال الحداثية التي تعج بها قاعات العرض. وفقا لتصريحات السيدة/ كوريجر، فإنها تري أن تينتوريتو يعد نموذجا مثاليا للفنان الذي يكسر قواعد عصره ويحيد عنها، ولذا فهو يعتبر قدوة للفنانين الشباب في وقتنا المعاصر، وتقول ان إعادة قراءة أعمال تينتوريتو توضح تمرده علي النمط الذي كان سائدا في أواخر عصر النهضة، وتكشف تعمده الخروج عن المألوف في زمانه، بمثل ما فعله الجريكو في اسبانيا، لقد كان معاصرو تينتوريتو يعتمدون علي المنظور للإيحاء بالبعد الثالث كوسيلة لمحاكاة دقيقة للطبيعة، ولكنه علي الرغم من استخدامه لنفس قواعد المنظور إلا أنه تعمد المبالغة فيها ليكسب اللوحة صبغة غير واقعية، يحيد بها بعض الشيء عن محاكاته للواقع المرئي، ويصور واقعا خاصاً بها، كما وأنه استخدم الأضواء في لوحاته بشكل مغاير عما اعتاده فنانو عصره، مثال لذلك إعطاؤه السماء أضواءً برتقالية كما في لوحة " سرقة جثمان القديس سان ماركو" فأضفي علي اللوحة تعبيرا مؤثرا يجتذب المشاهد، أضف إلي ذلك تعمده الخروج عن النمط السائد في وقته، فعلي سبيل المثال نجده يعطي لوحته "العشاء الأخير" مضمونا جديدا، فجاءت مختلفة كلية عن جميع التكوينات النمطية السابقة سواء تلك التي اتبعها ليوناردو دافنشي أو آخرين ممن سبقوه، وذلك من ناحية تنسيق عناصر اللوحة أو من ناحية استخدامه للضوء عنصرا مشعا من داخلها. لقد هدفت مسز كوريجر إلي لفت انتباه فناني عصرنا الحاضر إلي تينتوريتو كرمز للتحرر من الانقياد للتقاليد المعتادة والموروثة وعدم التقيد بها، كما كشفت عن أن تينتوريتو لم يقع في خطأ تقليد الآخرين.، واعتبرت تلك رسالة لفناني عصرنا الحاضر، إذ لاحظت أن كثيرا منهم صار يستسهل تقليد واستنساخ وتكرار ما ينجزه زملاء آخرون سواء من ناحية الموضوعات أو الأفكار والأساليب. بقي أخيرا أن نسجل أن القوميسيرة اختارت فنانا من فينيسيا القديمة كضيف شرف للبينالي كي تؤكد أهمية إيجاد رابط بين ما تعرضه والمدينة التي تستضيف العرض، فقد لاحظت من خلال متابعتها للبيناليهات السابقة تباعد الصلة بين ما هو معروض والمدينة التي يقام بها العرض. يا تري هل تنجح قوميسيرة الدورة الرابعة والخمسين لبينالي فينيسيا (2011) في تحريض الأجيال الشابة علي الاستمرار في التمرد وكسر القواعد والتحرر منها، وفي نفس الوقت عدم فقد الصلة بين ما يعبرون عنه والمكان الذي يعرضون فيه؟ ربما .......إن الحديث عن ابرز معروضات البينالي الحالي وأجنحته يحتاج إلي وقت أطول ومساحة أوسع، قد تتاح في مقالات لاحقة، خاصة وأن البينالي سيستمر مفتوحا حتي 27 نوفمبر 2011 .