روج نظام الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك في الداخل والخارج لمقولة مفادها انه خط الدفاع الأخير ضد سطوة وسيطرة وهيمنة وجبروت الإخوان المسلمين وانهم البديل الجاهز للوثوب إلي قمة السلطة في حالة غياب مبارك وحزبه عن الساحة السياسية. والحقيقة أن مبارك سار علي خط سلفه السادات بالكربون وليس باستيكة في طريقة تعامله مع الإخوان المسلمين، فهو وإن قمعهم سياسياً وأغلق الأبواب والمنافذ وكل المداخل المؤدية إلي الحكم أمامهم واعتقلهم إن تعدوا الحدود الا انه أطلق لهم العنان ومطلق الحرية في السيطرة علي عقول الناس في الشارع بل إنه وضع العراقيل أمام التيارات الفكرية والحزبية الأخري وحال بينها وبين الوصول للجماهير فأصبح الشارع للأخوان والسلطان لمبارك وآله وصحبه. ادعي النظام أن جماعة الإخوان محظورة رغم وجود مقار لها ومرشد عام يتحدث علناً باسمها وما أبشع ما تحدث به مرشدون كثيرون. فالأستاذ مصطفي مشهور أعلن أن المسيحيين يجب أن يدفعوا الجزية ويمنعوا من الالتحاق بالجيش وهي مقولة عنصرية تعرض من يتفوه بها في أي مجتمع ديمقراطي للعقوبة. والأستاذ مهدي عاكف يجاهر بأنه يقبل أن يحكم مصر مسلم ماليزي (هل خجل أن يقول صراحة مسلم قرشي) ولكن يرفض أن يرأسها مصري غير مسلم ويضيف "طز في مصر" فيضرب بعرض الحائط قيم المواطنة ويرتد عن مصريته ولا يحاسبه أحد رغم أن الانتماء للوطن في الدولة الحديثة مطلق بينما الانتماء للدين نسبي. فهل ردد المرشدون الراشدون أقوالهم غير الرشيدة آمنين مطمئنين لأنه ليس علي المحظور حرج؟ النظام والتعليم والإعلام أظن وليس كل ظن بإثم أن نظام مبارك لم يهتم إلا بمصلحته ولم يفكر إلا في كيفية الالتصاق الأبدي بكرسي العرش. فلو كان يعنيه أحوال البلاد والعباد ولو أراد حقا درء خطر الإخوان و الأصوليين لركز علي إصلاح أوضاع التعليم الحكومي وكان بإمكانه أن يحدث به ثورة تنقل مصر الي مصاف الدول المتقدمة خاصة أنه أتيحت له 30 عاماً وهي فترة كافية جداً لتربية أجيال مثقفة متسامحة تمتلك عقلا ناقداً للموروث ومتفتحة المسام لكل التيارات الفكرية وقادرة علي فرز الغث من السمين ولم يكن هذا يحتاج لميزانية ضخمة. لكن النظام وقف يتفرج وربما يشجع علي انهيار التعليم الذي ينتج مواطناً جاهلاً يردد الهراء الذي تشربه كالببغاء وسهل الانقياد مهيأ للهتاف لقامعه بطول العمر والبقاء وفدائه بالروح والدم. لم يحرك النظام ساكناً والاخوان يسيطرون علي كليات التربية والمدرسين يفرضون الحجاب علي بنات لم يبلغن المحيض ويمنعون تحية العلم والمناهج الدراسية تعج بما يؤجج الفتنة الطائفية ويروي بذور التطرف والتعصب في نفوس البراعم الصغيرة. كما صال وجال المتطرفون في وسائل الاعلام الحكومية المقروءة والمرئية يروجون للدجل والشعوذة والخرافات التي استوطنت عقول الناس وأصبحوا يتنفسونها مع الهواء الذي يدخل صدورهم بينما غاب المفكرون والمثقفون الليبراليون عن وسائل الاعلام المرئية بالذات التي تلعب دوراً جوهرياً في توعية شعب به نسبة أمية مرتفعة. فكم مرة في عهد النظام السابق رأينا أحمد عبد المعطي حجازي أو جابر عصفور أو طارق حجي أو خالد منتصر أو وسيم السيسي أو مراد وهبة أو أي من الراحلين العظام فرج فودة أو زكي نجيب محمود أو فؤاد زكريا في التلفاز الحكومي. النظام ارتدي العمة دأب النظام السابق علي طلب الفتوي من المشايخ في أمور علمية لا صلة لعلماء الدين بها وأحياناً هزلية. ومن أشهر الفتاوي العلمية قانون زراعة الأعضاء من المتوفين حديثاً الذي أفتي بعدم جوازها الشيخان الراحلان الشعراوي وجاد الحق علي جاد الحق ومازال هذا القانون الحيوي الذي يحتاجه الملايين من المصريين لم يقر بعد. وكثيراً ما نافس رجال النظام السابق الأصوليين في الغوغائية وقد تجلي هذا مثلاً حين هاجم الدكتور فتحي سرور رئيس مجلس الشعب المنحل الاستاذ فاروق حسني وزير الثقافة الأسبق لمجرد أنه أعلن رفضه لحجاب المرأة. والنظام السابق أبقي خانة الديانة في البطاقة ليظل الدين يافطة وبادج يعلقه المواطن علي صدره أينما ذهب ولم يجرؤ أحد علي الاقتراب من المادة الثانية من الدستور بالتعديل وليس بالإلغاء رغم آراء مستنيرة كثيرة طرحت في هذا الصدد. أيضاً لم يفعل النظام مادة المواطنة في الدستور ويصدر قوانين تجرم التمييز بين المواطنين علي أساس النوع أو اللون أو الطبقة أو المعتقد فيقرر مستشارو مجلس الدولة تعليق تعيين المرأة ولا يراجعهم أحد. كما أن النظام جبن أن يجرم النقاب رغم الجرائم التي ارتكبت من تحت الخيمة السوداء. ولكل ما سبق أري أنه لو حكم الاخوان او السلفيون مصر مستقبلاً فلن تكون الثورة التي أزاحت نظام مبارك هي السبب بل سيكون مبارك هو المسئول الرئيسي والغائب الحاضر في هذه الكارثة وايضاً المجلس الأعلي للقوات المسلحة إن لم يوقفهم عن حدهم. وقد صدق شاعرنا الكبير أحمد عبدالمعطي حجازي حين قال ان الأصوليين كانوا يحكمون مصر من خلف الكواليس في عهد مبارك. وبالطبع ستكون الكارثة أفظع و اشنع إن حكموا من علي خشبة المسرح. فأنا لا أتصور مصير مصر إن تصدر الصورة الشيخ محمد حسان رجل البر والتقوي والاحسان وحامي حمي الوحدة الوطنية من الإسكندرية إلي أسوان وأعتقد أن وقتها لن ينفع البكاء علي اللبن المسكوب والعقل المسلوب. وأختم كلامي بالسؤال الذي ألقاه العظيم فرج فودة في وجوه دعاة الدولة الدينية وهو : أعطونا نموذجاً لدولة دينية متقدمة في وقتنا الحاضر وأفحمونا؟ والذين سيعودون بنا الي الماضي المجيد مطالبين باستنساخه أطالبهم بالقراءة المتأنية لكتب التاريخ المليئة بالقصص عن الخلفاء عاشقي الغلمان ومدمني الشراب والذين يهددون من علي منبر الرسول بالمدنية بضرب عنق من يأمرهم بطاعة الله ونحن لن نقبل أن يحكمنا نماذجا من هؤلاء لأننا لم نعد رعية بل مواطنين أحراراً في مجتمع حديث قد تصيب فينا امرأة ويخطئ الحاكم الذي لو وجدنا فيه اعوجاجاً لقومناه بالديمقراطية فإن فشلنا في تقويمه خلعناه.