«كنتُ أسعي إلي الفضيلة كي نتمكن من ممارسة حريتنا علي نحوأفضل. كنتُ أومن ببلد يخص الجميع.. يضم الجميع.. مهما كان جنسهم أوعرقهم أودينهم أوعقيدتهم» (الحكيم سينيكا- في رواية كرسي الرئاسة- للمبدع كارلوس فوينتس) . هل ما حدث يوم 6/5/2011 من اعتداء علي كنيستين في إمبابة وقتل 12وإصابة 232إنسانا مصريا (حتي يوم 8) أمرجديد؟ أم هو فصل من مسلسل الكراهية الذي تتبناه الأصولية لهدم روح السلام والاستقرار بين شعبنا ؟ أليس من حق الشباب أنْ يذكره الإعلام والتعليم بما حدث في عام 1972حيث أحداث الخانكة والزاوية الحمراء.. إلخ، والتي راح ضحيتها المئات علي خلفية التعصب الديني؟ إمبابة: من سبتمبر1991: إبريل 2011 في سبتمبر1991حدثتْ مجزرة شبيهة بما حدث في إبريل 2011 كان وراءها طغيان اللغة الدينية التي تحض علي كراهية كل مختلف مع الأصوليين الإسلاميين. عقب أحداث إمبابة الدامية التي حدثتْ في 11سبتمبر91، كتب أ. حسين أحمد أمين مقالا بعنوان (إمبابة.. لوحتان) ذكرفيه أنه يخشي علي مستقبل ابنه في مناخ الثقافة السائدة. فهو في المدرسة يعلمونه أنّ المسيحيين كفار، وعندما يعود إلي البيت (يجلس إلي تليفزيون صفوت الشريف فيسمع الشيخ الشعرواي يقول إنه لاينبغي لمسلم أنْ يتخذ قبطيا صديقًا له. ويسمع الشيخ الغزالي يقول إنّ الأقباط دائمًا يخونون مصر كلما تهدّدها أو اجتاحها غزو أجنبي . فإذا كان هذا هو ما يسمعه الطفل من نجوم التليفزيون الدينيين ، فما هوانطباعه عندما ينظرمن النافذة فيري الغوغاء يحرقون الكنيسة المواجهة لبيتنا ويهتفون أنّ عملهم سيرضي الله ورسوله) واختتم مقاله قائلا (سيكون من الصعب علىّ وعليك أنْ نحميه من كل هؤلاء المتكاتفين في اعتدائهم علي عقل هذا الطفل الصغيرلىُشوّهوه) (الأهالي 2/10/91)، لم يكن أ. حسين أمين مبالغًا لأنّ التليفزيون كان يستضيف الأصوليين المروجين للغة التكفير، إذ إن صفوت عبدالغني (قائد الجناح العسكري لتنظيم الجهاد) أكد علي تكفير شهيد الفكر فرج فودة ونسب ذلك إلي بعض أئمة الإسلام ذكرمنهم الشيخ عطية صقر، مع مراعاة أنّ الشيخ المذكورصاحب برنامج تليفزيوني ثابت (الأهالي 17/6/92). أما الشيخ الشعرواي فأكد علي أنّ المسيحيين كفرة ويجب أنْ يدفعوا الجزية (مجلة آخرساعة 18/4/90) وبعد أنْ أطاح الثوار بالرئيس المخلوع ، كانتْ هدية الفضائيات والأرضيات لشعبنا إعادة الشيخ الشعراوي من قبره . وعندما قتلتْ الجماعات الإسلامية عددًا كبيرًا من جنود وضباط الشرطة كتب أ. فهمي هويدي أنّ (هذا الحادث أفرز ردود أفعال في جميع أنحاء الجمهورية. استهدفتْ تمشيط قطاعات واسعة من شباب الجماعات الإسلامية ، طالتْ أكبرعدد من الملتحين السائرين في الشوارع ومصادرة عدة مئات من الدراجات البخارية.. إلخ (أهرام 13/3/92)، أي أنّ أ. هويدي كان يتمني مكافأة القتلة وليس القبض عليهم. في سعير هذا التضليل الإعلامي لم تكن مفاجأة أنْ يقتبس الأصوليون في مدينة ديروط الآية الكريمة (وقاتلوهم حتي لاتكون فتنة ويكون الدين كله لله) مكتوبة علي (بوستر) يشقه سيف من المنتصف بشكل رأسي والمقبض من أسفل والآية علي جانبي البوستر (روزاليوسف 29/6/92) وفي المنيا فرضتْ الجماعات الإسلامية الجزية علي المسيحيين وتم إعدام 40مسيحيا رفضوا دفع الجزية (الأهالي 19/3/97) ولغة التكفيرليس لها نهاية إذْ تم تكفيرالشيخ الغزالي والشيخ الشعراوي والمفتي ورجال الأزهر. وكانت فتوي التكفيرمصحوبة بإهدارالدم (روزاليوسف 30 نوفمبر92) أما قائمة العنف فتطول مرورًا بالمجزرة التي حدثتْ في شهرهاتور/ نوفمبر97 في معبد حتشبثوت وراح ضحيتها أجانب لاذنب لهم إلاّعشقهم لحضارة جدودنا ومصريين (مدنيين وعسكريين) إلي هدم كنيسة صول بعد الثورة. كارثة الاعتماد علي الأسلوب الأمني أحسن المجلس العسكري عندما أسرع بالقبض علي المتهمين في أحداث إمبابة الأخيرة وأنه لاتهاون مع الخارجين علي القانون. هذا شيء طيب لايمكن إنكاره. ولكن سيظل مسلسل العنف والكراهية بين أبناء أمتنا المصرية مستمرًا وستقع أحداث دامية أخري طالما أنّ الثقافة السائدة (تعليم وإعلام.. إلخ) لم تبدأ مرحلة (النضال الفكري) لمقاومة الأصولية الدينية بشقيها الإسلامي والمسيحي. إذْ لابد من إعادة النظر في الإعلام الذي يستضيف رجال (ونساء) الدين (مسلمين ومسيحيين) عقب كل مجزرة بتصورمريض أنهم (المرهم الشافي) لصديد الاحتقان الديني. في حين أنهم يبيعون نفس البضاعة القديمة التي لم تنجح في وقف النزيف. وعلي هذا الإعلام أنْ يتخلص من (أميته) الثقافية ويعرف (إنْ كان لايعرف) أنّ في مصرعلمانيين وليبراليين يختلفون عن مدعي الليبرالية الضيوف الدائمين في الميديا. أما التعليم فهو الدواء الحقيقي لوكانتْ (المناهج) مع العصرنة وترسيخ قيم المواطنة وليس العودة إلي كهوف الماضي. في طفولة أولادي درسوا (عادل يلعب بالكرة) فجاء الأمريكان في عهد د. فتحي سرور ليكون الدرس (عمريلعب بالكرة) تغيير يراه البعض شكليا رغم التعصب العنصري البارز في تغيير الاسم من رمز مشترك (عادل) إلي (عمر) كتمييز للعروبة والإسلام . كما يقرّر علي الأطفال هذا السؤال (ما عقوبة الكافر؟) (الصف الثالث الإعدادي 2001) وفي التعليم الأزهري يدرس التلميذ (يمنع الذمي من أخذ المعدن والركاز (الموارد الطبيعية) بدارالإسلام. كما ىُمنع من الإحياء بها ، لأنّ الدار للمسلمين وهو دخيل فيها) وفي باب (مبطلات الصلاة) يدرس (تُكره الصلاة في الأسواق وفي المزبلة ونحوها وفي الكنيسة وهي معبد النصاري والبيعة وهي معبد اليهود ونحوهما من معابد الكفر. وقال صلي الله عليه وسلم (لعن الله اليهود والنصاري اتخذوا قبورأنبيائهم مساجد) (كتاب الإقناع في حل ألفاظ أبي شجاع- الصف الأول الثانوي الأزهري عام 97/1998 ص 232، 355 ونفس النصوص وجدتها مطابقة في طبعة العام الدراسي 2002/ 2003) هذا ما يتعلمه تلاميذ المعاهد الأزهرية ، التحريض المباشر ضد الديانة المسيحية. وإذا علمنا عدد طلبة تلك المعاهد أدركنا حجم الكارثة. ففي العام الدراسي 94/95وصل العدد إلي مليون وستين ألف تلميذ وفق إحصاء الجهازالمركزي للتعبئة العامة والإحصاء- نقلا عن أ. علاء قاعود- نحو إصلاح علوم الدين- مركزالقاهرة لدراسات حقوق الإنسان عام 2000ص 68،73) . الانتماء الوطني الدولة العصرية لا تعني إعلاء شأن العلم وتطبيقاته فقط، وإنما لابد من ترسيخ قيمة الولاء للوطن. فإذا اقتنع المسئولون بأننا أبناء أمة واحدة ولسنا (عنصرىْ الأمة) كما تقول الثقافة السائدة البائسة، فلابد أنْ تكون البداية في المدرسة ، فيجلس التلميذ المسلم بجوارالمسيحي في حصة (الأخلاق) تكون هي البديل عن حصة الدين، وفيها يتم تدريس آيات من القرآن العظيم وآيات من الأناجيل الكريمة التي تحض علي حب الخير وحب الأسرة والوطن.. إلخ، مع نماذج من أقوال بوذا الذي قال (إذا مررتَ علي شجرة فلا تقطف كل ثمارها.. أترك بعضها للطيرالمهاجر وللإنسان العابر). وكونفوشيوس الذي قال: (أحب لغيرك ما تحبه لنفسك) ونماذج من أقوال حكماء مصر القديمة مثل الحكيم (آني) الذي قال في وصيته لابنه (إذا دخل عليك إنسان أكبرمنك سنًا يجب أنْ تقف له حتي لوكنتَ أعلي منه منصبًا) وقال أيضًا (إذا كنتَ قد تعلمتَ شيئًا فأين أنت من بحور المعرفة) فهل يقبل المسئولون التحدي بتغيير برامج الإعلام ومناهج التعليم ، هذا التحدي ىُساعد علي وأد مسلسل العنف الدموي. أما إذا اعتمدنا علي المواجهة الأمنية فقط (ماذا فعل إعدام سيد قطب وستة آخرين؟ هل توقف مسلسل التكفير؟ أم ظهرت أكثرمن جماعة تكفيرية بعد سيد قطب) أوالاعتماد علي ما يسمي رجال (ونساء) الدين ، فإنّ حلقات العنف لن تتوقف طالما ظلتْ الثقافة السائدة ترفض الاعتراف بالمعني العلمي لحقوق المواطنة التي لا تُفرق بين إنسان وإنسان إلاّبعمله وليس بديانته.