بعد أيام تستقبل صناديق انتخابات مجلس الشعب أصوات الناخبين، ممن حرصوا علي اختيار ممثليهم ونوابهم، لكن هل يكون أدباؤنا وشعراؤنا من زوار صناديق الانتخاب؟ وما موقفهم كأدباء ومثقفين إزاء المشاركة السياسية بشكل عام ..تواصلنا مع عدد من الروائيين والشعراء، منهم من رفض الحديث، وفضل ان يكون حديثه لوسائل الاعلام فقط فيما يخص اعماله الادبية أو مقالاته، ومنهم من رأي عدم جدوي الحديث في هذا الامر من الاساس، ومنهم من امتنع حتي عن ابداء اسباب رفض الحديث.. في المقابل كان هؤلاء من شاركونا الحوار.. يحكي لنا الروائي يوسف القعيد فيقول" انضممت لحزب التجمع في بداية حياتي، ثم اكتشفت ان الاديب هو حزب قائم بذاته، وان انتماء الكاتب أكبر واشمل وهو الانتماء للمجتمع، والمفكر الانجليزي الحائز علي نوبل برتراند راسل، كانت له مواقف معروفة في مناهضة وادانة حرب فيتنام، ونجيب محفوظ كان حريصاً علي الادلاء بصوته في الانتخابات" . لكن هل يملك القعيد بطاقة انتخابية؟؟ نعم لكنه مسجل في لجان قريته بايتاي البارود في البحيرة، ولهذا يقول" ربما لو تم نقل اسمي الي دائرتي في مدينة نصر، اتشجع أكثر علي المشاركة في الانتخابات، بدلا من الاضطرار للسفر ، ومن المرجح أن أذهب في انتخابات الرئاسة. لكن هل هذا هو السبب الوحيد لعدم مشاركة القعيد؟ لا.. فهو يري أن هناك عاملا اخر وهو عدم الثقة في الانتخابات وجدواها، ويضيف" اعتقد انه حتي يكون الناخب المصري ناخبا حقيقيا فلا بد أولا من سد الاحتياج، علي الاقل تحقيق الحد الأدني من العدل الاجتماعي ، وثانيا القضاء علي الامية، وطالما ان هذين العاملين غير متوفرين فلن تكون هناك عملية انتخابية حقيقية، في ظل شراء الاصوات، وعدم قدرة الناخبين الاميين علي الاختيار". أشار القعيد أيضا الي نقطة مهمة وهي المفهوم المغلوط لوظيفة عضو مجلس الشعب، فالناس يعتبرونه وسيلة للحصول علي الموافقات علي طلبات التعيين والعلاج وغيرها من قبل الوزراء ، اي انه يحرص علي تكوين علاقات مقربة من الوزراء ،" فكيف اذن يراقبهم ويوجه لهم النقد وهي مهمته الاساسية؟ لن يجرؤ" . لكن القعيد غير راض عن موقفه هذا من عدم المشاركة وقال " ان نجلس في مقاعد المتفرجين فهذه محنة ". عن مشاركة المثقفين في انتخابات مجلس الشعب، يتذكر القعيد الاديب عبد الحكيم قاسم عندما رشح نفسه في اوائل التسعينات، ولم يتحمل وأصيب بجلطة ووافته المنية، ويضيف" نجيب محفوظ عندما عرضوا عليه الترشح رفض، لكن في المقابل اتذكر فكري اباظة وكلامه في جلسات المجلس الموثقة في المضابط". القعيد مع ذلك أكد أنه حريص علي حضور انتخابات نقابة الصحفيين ،واتحاد الكتاب، ونقابة السينمائيين، حيث يشعر فيها بمزيد من الشفافية، ويحضر أحيانا حتي انتهاء فرز الأصوات واعلان النتائج. الروائي ابراهيم اصلان هو الاخر لم يشارك منذ زمن طويل في أي انتخابات، وقال هناك عزوف عام عن الانتخابات، لم يعد هناك وعي لدي الناس لتقييم المرشحين بشكل حقيقي، من جهة اخري هناك تكالب بوسائل غير مشروعة علي مقاعد المجلس، من بلطجة ورشاوي، فكيف يمثلني واحد من هؤلاء؟؟، لم تعد هناك وجوه لها دورها الاجتماعي والسياسي أو موضع ثقة ،وسأذهب للانتخابات عندما اجد مجلسا حقيقيا للشعب يعبر عنا، ولابد ان يعي الناس هذه المرة الدرس ويعطوا اصواتهم لمن يستحق"، ففي المجلس الأخير، كانت هناك فضيحة نواب العلاج علي نفقة الدولة الذين سافروا لتركيب شعر واجراء عمليات التجميل، وقبلهم كان هناك نواب القروض، وغيرهم، فلماذا اذهب وأتكبد كل هذا العناء ؟؟ لكنه أكد" ربما لو وجدت من يستحق سأشارك". كان لأصلان بطاقة انتخابية ايام دراسته الجامعية في عهد جمال عبد الناصر، ثم ضاعت ولم يستخرج غيرها، وذلك لأنه يري أن هناك احساسا عاما بانه لن يتغير شيء سواء ادلي بصوته ام لا ، ومع الوقت فقد حماسه، فضلا عن وجود بعض المشاكل في اللجان وفي عملية التصويت فيقول" قد اذهب الي لجنة فلا أجد اسمي واظل أتنقل بين اللجان المختلفة دون جدوي، والامر لا يستحق هذه المشقة". الروائية سلوي بكر لا تملك بطاقة انتخابية وتري أن المرشحين الان عبارة عن "عصابات منظمة" تتسابق علي المجلس، وتضيف" لا أجد اي مرشح يمكن ان يمثلني، او يمثل قناعاتي، ولهذا فالبعد غنيمة، وما يحدث هو ألعاب غير نظيفة، تضر بمصالح الوطن في النهاية ، والمعارضة والحزب الحاكم اصبحا وجهين لعملة واحدة. والمواطن العادي مستغل من ناحية احتياجته، والغلاء الشديد، ونحن كمثقفين بعيدون عنه تماما، ومستبعدون، فلايسمعنا أو يرانا وكلامنا سواء أن دعوناه للمشاركة أم امتنعنا عنها لا يؤثر فيه، لأنه في النهاية يبحث عن مصلحته الخاصة حتي ولو كانت آنية ووقتية". الشاعرة فاطمة ناعوت استهلت حديثها قائلة" رغم ايماني البالغ بالحياة السياسية المصرية بوجه عام وبأهمية ما ستسفر عنه الانتخابات التشريعية المقبلة، الا أنني لم انجح خلال سنوات عمري في تكوين خيوط ثقة بيني وبين الحكومات المتعاقبة مما يجعلني لا أثق في نزاهة الانتخابات ومن ثم اشعر بعبثية ان أدلي بصوتي لا نتخب من لن يتم انتخابه، وبالتالي أكتفي بالمشاهدة من وراء لوح زجاجي شأني شأن كثيرين من مواطني مصر الذين لا يشعرون بانتمائهم الحقيقي للدولة المصرية رغم انتمائي العميق لتراب مصر"، ولهذا تري ناعوت أنها تحتاج لما يدعم ثقتها، ورغم أنها تعلم انها ترتكب خطأ بعدم المشاركة، لكنها في الوقت ذاته تري أن صوتها غال". اما الروائي يوسف الشاروني فيري ان مهمته الاجتماعية تتجسد فيما يكتبه ، وأنه كأديب وقصاص ينفعل بما يحدث في مجتمعه ثم يعبر عنه من خلال الابداع، ويعمل علي توصيل رسالته من خلاله. الشاروني شارك في انتخابات الشعب في عهد جمال عبد الناصر، لكنه الان في موقع المراقب والملاحظ، وقد اتفق مع ابراهيم اصلان علي وجود مشاكل اثناء التصويت من نوعية عدم العثور علي اسمه والاضطرار للبحث عنه في لجنة اخري وما يمثله ذلك بالنسبة له من ارهاق واستنفاد للجهد والوقت. الروائية والشاعرة سهير المصادفة تعتقد ان البطاقة الانتخابية يجب ان تذهب الي المواطن حيث مكان عمله لأنه لن يذهب اليها، تماماً مثلما يتم استخراج بطاقة الرقم القومي، وتساءلت هي الاخري "من يمثلني؟؟" وتضيف" دائما الانتلجنسيا المصرية لها اراء مختلفة عن السائد، وأعتقد أن من يرشح نفسه لانتخابات مجلس الشعب يجب ان يكون له باع طويل في العمل السياسي ليكون جديرا بالاختيار، الان توجد ردة أصولية، والنتائج ستكون غير تلك التي نتوقعها ونرغب فيها، والمواطن اصبح منسحقا تحت وطأة لقمة العيش". سهير المصادفة نفت أن يكون المثقفون منعزلين سياسيا ، بل " لهم اتجاهات معروفة ويعبرون عنها ،وانما يتملكهم الاحباط واليأس". الروائي ابراهيم عبد المجيد ليس لديه بطاقة انتخابية منذ هزيمة 1967 وعن هذا الامر يقول" لست مهتما، ولايوجد من يستحق، لكني ألوم نفسي ولست راضيا عن هذا الوضع" لكن عبد المجيد يعتقد انه ربما عندما يكتب مقالا أو رواية يكون قد ادي واجبه ناحية مجتمعه، وهو ينصح الاجيال الجديدة بألا تحذو حذوه، ففي النهاية يجب ان يقوم المواطن بدوره،والأجيال الشابة هي المستقبل أما هو وجيله فيري أنهم أكثر تفكيرا وحنينا للماضي. وعندما سألناه اذا كان متابعا للنواب المرشحين لدائرته أجاب" بصراحة لا أعلم حتي ما هي دائرتي ، ولا أعلم من هو نائبي، فأنا لم احتاجه ولم يسأل هو عني كناخب، لا أحد يعلم شيئا عن الاخر"!. الروائي مكاوي سعيد هو تقريبا الاديب الوحيد ممن تواصلنا معهم من يحرص علي المشاركة في الانتخابات، ويقول" علينا ان نشارك جميعا، ثم نحكم اذا ما كانت الانتخابات فاشلة ام مجدية، واذا لم تشارك فهذا غيرمنصف سواء لك او لغيرك. مكاوي اكد أنه عندما يفصح عن وجهة نظره تلك يقتنع عدد كبير بكلامه، وهو يعتقد ان الشباب هم الاهم، وهم من يجب ان نحرص علي اقناعهم. وهو يقر بأن المثقفين غير مقتنعين بجدوي هذه العملية برمتها، بل حتي انهم لا يشاركون في انتخابات اتيليه القاهرة او اتحاد الكتاب، ربما نوعا من التكاسل. ومكاوي أكد ان اهتمامه بالمشاركة السياسية بدأ منذ الجامعة، اما عن انتماء المثقف السياسي فيري ان انتماءه يجب أن يكون للمجتمع ويكون مستقلاً عن كل الانشطة السياسية والتيارات لأنه يمثل حزبا أكبر هو المجتمع.