«الصحف الخبرية انتهت، والمستقبل للصحافة الاستقصائية، ويجب التعامل مع الصحف باعتبارها صناعة تدار علي أسس احترافية ومهنية» هذا ما أكده هشام قاسم استشاري الاتحاد العالمي للصحف، أثناء حواره مع «القاهرة»، كما تحدث عن المشروع الجديد الذي يجري تنفيذه الآن لتأسيس دار نشر صحفية وبدأ حديثه قائلاً: التجربة قائمة علي تأسيس شركة مساهمة حقيقية، نصيب المساهم فيها لا يتجاوز 10%، وأغلبية المساهمين نسبتهم لا تتجاوز 2% أو 3%، وذلك من خلال دراسة جدوي، تم إعدادها علي أسس علمية، وبذلك يكون هناك عدد كبير من المساهمين، وليس مجرد عدد محدود من رجال الأعمال، وتتحول الصحيفة للتعبير عن مصالحهم، فأخشي من خروج الإعلام من يد الدولة إلي رجال الأعمال الذين أطلق عليهم «الإقطاعيين الجدد»، وتتكرر في مصر تجربة روسيا وبعد عدة سنوات نجد أن عددًا محدودًا من رجال الأعمال يشكل الرأي العام في مصر، أما علي مستوي العمل الصحفي فستكون نقطة البداية، من خلال غرفة الأخبار المدمجة، التي سوف تضخ الأخبار وفقًا لقواعد تكنولوجية ومهنية متطورة، وتغذي الصحيفة. ما المقصود بغرفة الأخبار المدمجة؟ - خلال العشر سنوات الماضية مع تزايد استخدام شبكة الإنترنت والفضائيات، أصبحت الصحف لا تستطيع مجاراة هذين الوسطين في سرعة نقل الخبر، بدأت الصحف تخسر الكثير من قرائها، وإيرادات إعلاناتها نتيجة لانخفاض التوزيع، لذلك اتجهت الصحف إلي إنشاء مواقع علي شبكة الإنترنت، لكي تستعيد القراء، وتستفيد من إعلانات يتم نشرها علي مواقع إخبارية بالأساس، وليس لديها صحف ورقية، من هنا جاءت فكرة «غرفة الأخبار المدمجة»، تعتمد علي فريق عمل مدرب علي استخدام وسائل التكنولوجيا الحديثة، فأدوات الصحفي الآن هي الكمبيوتر المحمول، وآلة تصوير فيديو، وجهاز تسجيل، ويستخدم الصحفي هذه الأدوات في نقل وإرسال الخبر من موقع الحدث، ويتم رفعه علي الموقع، بالتالي يستطيع هذا الموقع منافسة الفضائيات، هذا بالإضافة إلي خدمة رسائل الموبايل، ويكون دور الصحيفة المطبوعة في اليوم التالي تقديم القيمة المضافة علي الخبر، من خلال الصحافة الاستقصائية. أغلب التجارب الصحفية في مصر بدأت بالمطبوعة الورقية ثم تلي ذلك إنشاء مواقع علي الإنترنت، فلماذا تبدأ بإنشاء الموقع، وهل مثل هذه المواقع الإخبارية تجذب المعلن في مصر بما يحقق مكاسب لها؟ - متوسط الإيرادات من الإنترنت عالميا 15% ولا تزال ال 85% الباقية من الصحف الورقية، ما أحاول وأسعي إلي تقديمه من خلال دار النشر الصحفية التي اعتزم تأسيسها هي تقديم خدمات إعلامية عبر وسائط متنوعة، وذلك من خلال فريق عمل مدرب، ولديه مهارات مهنية، وتكنولوجيا عالية، وتكون غرفة الأخبار هي القاعدة الأساسية التي يتم البناء عليها، ويقدم هذا الموقع خدمة خبرية للوسائط الإعلامية الأخري. هل تستهدف بيع هذه الأخبار عبر اشتراكات للدخول علي الموقع؟ - فرض اشتراكات علي الموقع تتم علي نطاق محدود للغاية مثل «وول استريت» و« الفاينانشيال تايمز»، وتجربة «مردوخ» في تحديد اشتراكات أدت إلي انخفاض شديد في عدد زوار الموقع، وهو يعتزم الآن إلغاءها. ماذا عن السياسة التحريرية للصحيفة الورقية التي تعتزم إصدارها؟ - هي صحيفة يومية، تعتمد علي الصحافة الاستقصائية، التحليل الخبري، فانتهت الآن من الصحافة العالمية نشر أخبار أمس في الصحف الورقية دون أي قيمة مضافة، لأن الخبر المجرد أصبحت تتناوله بمجرد حدوثه وسائط إعلامية متعددة (تليفزيون- مواقع علي شبكة الإنترنت)، وبالتالي ينتظر القارئ من الصحيفة المطبوعة في اليوم التالي أن تضيف له الجديد عما شاهده بالأمس. هل يمكن أن تجد الصحافة الاستقصائية رواجًا في السوق الصحفية المصرية، وكيف يكون لدينا هذا النوع من الصحافة مع غياب تداول المعلومات؟ - الصحافة الاستقصائية ليست «البعبع» كما يروج لها، بل علي العكس أن التحقيق الاستقصائي محدد الموضوع، ويتناوله من جميع جوانبه بعمق وتحليل، ويمكن الاستعانة بأكثر من صحفي في إعداد التحقيق، ويمكن إنتاج أكثر من تحقيق في نفس الوقت. في الآونة الأخيرة نظمت مؤسسات مختلفة معنية بقضايا الإعلام، دورات تدريبية حول الصحافة الاستقصائية، ولم ينعكس ذلك علي المواد الصحفية، ما تفسيرك لهذا؟ - عدم انعكاس برامج التدريب علي الصحف مرتبط بالقائمين علي اتخاذ القرار في هذه الصحف، فعندما يعود الصحفي من التدريب لا يجد فرصًا للتطبيق، فيضطر إلي تعليق شهادة التدريب علي الحائط، ويرجع هذا إلي اعتقاد الكثير من القيادات الصحفية أن إحداث أي تغيير أو تطوير يمثل تهديدًا لوجودها، أو لافتقاد هذه القيادات للقدرات المهنية التي تمكنها من مواكبة هذا التطوير، فمن الضروري أن تكون هناك إرادة من القيادات وصناع القرار في الصحيفة من أجل التطوير وإدراك لأهمية البرامج التدريبية. ماذا عن أساليب وطرق الإدارة للمؤسسة التي تعتزم تأسيسها؟ - تم تجميع أكثر من 50% من رأس المال، هذه النسبة تمثل مصاريف لتأسيس، أو النسبة الأخري التي جاري جمعها تمثل رأس المال العامل، فأي صحيفة تحتاج 48 شهرًا قبل أن تقوم بتغطية مصاريفها، في المصري اليوم التي كنت أتولي عملية تأسيسها وإدارتها، استطعت أن أصل إلي نقطة التعادل بين الإيرادات والمصروفات بعد عشرين شهرًا، وفي موازنة هذه المؤسسة الجديدة حددت فترة 24 شهرًا حتي أصل لنقطة التعادل، وتبلغ قيمة الميزانية 30 مليون جنيه. هذه ليست المرة الأولي التي تعلن فيها عن تأسيس دار نشر صحفية، فسبق لك خوض تجارب أخري لم تكتمل، ما الأسباب؟ وما توقعاتك لنجاح هذه التجربة؟ - استقلت من المصري اليوم في نوفمبر 2006، وكنت في احتياج شديد لإجازة، أخذت بالفعل إجازة لمدة ثلاثة أشهر، بعد هذه الإجازة بدأت أفكر في تأسيس دار نشر جديدة، وكان الأمر يتطلب التحضير الجيد، والاطلاع علي التطورات التي حدثت علي مستوي العالم، ومنها تجربة «غرفة الأخبار المدمجة»، خاصة أن الصحافة القائمة علي الخبر انتهت علي مستوي العالم تقريبًا، بفعل التطورات التي ذكرتها في بداية حديثي، وهذا كان يتطلب مني تنظيم زيارات إلي مؤسسات صحفية علي مستوي العالم من أجل التعليم، واكتساب الخبرة، وكان ذلك علي مدي عامين، من فبراير 2007 إلي يناير 2009، بعد ذلك تبلور المشروع أمامي، وبدأت أبحث عن مقر، ودخلت في مفاوضات طويلة مع نقابة الصحفيين، لتأجير دور في مبني النقابة، لكن الاتفاق لم يتم واستغرق هذا عدة شهور، في يناير 2010 تلقيت عرضًا من مؤسسة دار الهلال لتأجير مقر في المؤسسة واستمرت المفاوضات حتي 28 إبريل الماضي، وبعد كل هذا المجهود للبحث عن مقر، توصلت في مايو الماضي إلي اتفاق مع صاحب عقار في وسط البلد وتم تأجير طابقين، وأجريت اتصالات مع المستثمرين، لاستكمال المشروع، وسوف نتقدم خلال الأيام القادمة بأوراق هذه الشركة إلي مصلحة الشركات، ومع صدور أول عدد للصحيفة سوف يتضمن أسماء جميع المساهمين في الشركة. هل تم تحديد موعد صدور الصحيفة؟ - لا أقدم علي هذه الخطوة إلا بعد الانتهاء من كل الإجراءات الإدارية والمهنية، وبمجرد أن أطمئن أني قادر علي الخروج بالصحيفة سوف أتقدم للمجلس الأعلي للصحافة. هل تتوقع حصولك علي الموافقة من المجلس الأعلي للصحافة؟ - هذا الكلام المتعلق بعدم حصولي علي الموافقة يردده أصحاب الصحف الجديدة، وشباب حكاوي القهاوي، ويرددون شائعات لا أساس لها من الصحة حول اختياري لفريق العمل، والتعاقد معهم، وكل ما أقوم به الآن مجرد طرح عروض علي صحفيين لشغل المناصب القيادية (رئيس التحرير ومديري التحرير) ولكن لا توجد اتفاقات نهائية حتي الآن، أما باقي فريق العمل من رؤساء أقسام ومحررين سوف يتم الإعلان لاستقبال الراغبين في العمل، ويتم الاختيار وفقًا لمعيار الكفاءة المهنية، دون أي اعتبار للعلاقات الشخصية. المجلس الأعلي لا يمنع منح التراخيص الآن ولا يوجد غير مجلة الزهور، ولا أعتقد أن هذا سوف يحدث معي، وأود أن أذكر أن أول حوار مع الرئيس مبارك في صحيفة خاصة كان مع «المصري اليوم» وكنت العضو المنتدب آنذاك، فضلاً عن أن كل ما أود تقديمه هو صحافة المعلومات التي تستند علي الحرفية والمهنية، فلست «صحفي شبيح»! ماذا تقصد بصحفي «شبيح»؟ - أي صحفي يشن هجومًا علي أحد دون توافر المعلومات، ويتعمد إشعال الحرائق، يوجد صحفيون أبعد ما يكون عن المهنية، وللأسف هذه مشكلة كبيرة في الصحافة بمختلف أشكالها، فهذا معروف للجميع، فالمساجلات، والمعارك بين الصحفيين، والتي تصل في بعض الأحيان إلي التخوين، دون تقديم أي معلومة ماذا نطلق عليها؟!! ما تقييمك لتجربة الصحافة الخاصة في مصر؟ - عودة الشركات المساهمة للعمل في الصحافة كان بداية الإصلاح، ونحن الآن في مرحلة التحول ووارد أن يحدث أخطاء ولا يمكن الحكم علي التجربة إلا بعد مرور 10 أو 15 سنة، وخلال هذه الفترة يكون هناك صناعة صحافة بكل عناصرها، وتكون هناك منافسة حقيقية، وهذا غير متوافر الآن، فلدينا ثماني دور نشر قومية، تخسر خسائر كبيرة ومع ذلك مستمرة في السوق، وتجد الدعم من مؤسسات الدولة المختلفة، وهذا يخلق مناخًا بعيدًا تمامًا عن المنافسة، والتجويد، والتطوير، بينما الجدوي الاقتصادية والسياسية تشير إلي ضرورة تصفية خمس مؤسسات قومية، ودخول القطاع الخاص سوف يجعل هناك معيارًا واحدًا هو الكفاءة، علي المستوي المهني والإداري. بما تفسر عمليات الدمج لمؤسستي داري التعاون والشعب الأولي مع الأهرام والأخبار، والثانية مع الجمهورية؟ - بداية للتصفية، الحل الصحيح لهذه المؤسسات هو بيع الأصول الثابتة، المعاش المبكر، ولا تصلح للخصخصة لأن الأصول الثابتة تقدر بمبالغ ضخمة، يمكن شراؤها من قبل شركات عقارية كبري، فضلاً عن الارتفاع الضخم في القوي البشرية. في تقديرك ما ميزانية صحيفة يومية، وقوتها البشرية؟ - أعددت ميزانية تقدر بثلاثين مليون جنيه، وتحتاج الصحيفة اليومية من 80 إلي 100 صحفي، وذلك يحدد وفقًا لعدد ساعات العمل وإجازات فريق العمل، وطبيعة محتوي المطبوعة، وليست تقديرات عشوائية، تشكل عبئًا علي الصحيفة فيما بعد، وتهدد استمرارها.