تجدنا في بلادنا.. بلاد العرب.. منقسمين علي أنفسنا لفريقين، فريق منا يتوافق وهو متردد مع الرأي العام العالمي في جهوده لمقاومة الإرهاب الناجم عن التعصب.. والآخر يرفض حتي السماع لأي قول يمت بصلة لتلك الجهود. إرهاب فكري وكلا الفريقين يقعان تحت ضغط خفي وأخطر من الإرهاب الإجرامي ذاته وهو الإرهاب الفكري في ثقافتنا خوفا كان أو جهلا، وتجدهم عن قصد قد أهملوا تلك البركة التي يتوالد فيها ومنها يرقات الإرهاب نتيجة لعلوم التعصب الأعمي.. تلك العلوم التي تتطور فيما بعد لطور الاكتمال الكامل لتصبح هذه اليرقة المشبعة بعلوم التعصب والكراهية إنسانا مكتمل النمو الجسماني فقط، قاصر الفكر والعقل، عدوا للحياة والإنسانية معا.. يكره حتي الرفاهية والترف ويعادي كل ما هو محيط به حتي أهله وناسه. تلك البركة.. هي الإرهاب الفكري والأخلاقي والذي يحتوي معظم ثقافتنا وفكرنا بين جنباته، انه الإرهاب اليومي الذي يمارسه اغلب الناس علي اختلاف انواعهم ومذاهبهم، ارهاب يكاد لا يترك احدا إلا شمله، ارهاب يخنق الحياة في الانسان ويسلب منها كل ما هو جميل، ارهاب يحول الناس الي عبيد تفتخر بتلك العبودية، مجرد قطعان تجتر بكل سلام وهدوء ما تأكل من علف ثقافي يقتل الابداع ويدمر الثقة بالنفس ويحطم الاعتماد علي العقل ويشيع حكما عاما بإلزامية التعصب والجهل والتخلف. هذا التعصب الأعمي هو إرهاب فكري تربوي تأسيسي متحكم عن بعد في الأخلاقيات العامة والسلوك الجمعي باعتباره منهاج حياة، هذا الإرهاب الفكري هو ذاته نواة للارهاب الذي نحياه الآن.. والذي نما بطريقة أميبية متعددة الخلايا، وبمعني أوضح هو أولي مراحل تمهيد الطريق لتحويل نشء طاهر بريء لا يعي من أمور دنياه طبيعته الإنسانية ليتحول فيما بعد إلي طبيعة عدوانية حيوانية، ليشبوا فيما بعد باعتقاد شبه إيماني راسخ بكراهية كل من يخالفه تعصبه ومن يخالفهم الرأي أو الملة.. ولو بالشبهات. وماذا فعلت أوروبا؟ إلي أن وصل هذا التعصب لقطع صلة الأرحام بين الأخوة ولو من خلال مباراة لكرة قدم أليس كذلك ؟؟ !!لكن الأمريتطلب منا العمل بمقولة الفيلسوف الألماني "عمانوئيل كانط"" أعملوا عقولكم أيها البشر ". يرتبط اسم الفيلسوف الألماني عمانوئيل كانط، الذي يعتبره البعض بمثابة أكبر فيلسوف عرفته أوروبا منذ قرنين علي الأقل، ارتباطا وثيقاً بندائه الشهير الذي استهله بعبارة " أعملوا عقولكم أيها البشر "، الذي يعد من أهم شعارات حركة التنوير الأوروبية التي أعادت الاعتبار إلي سلطة العقل وأوليته، علاوة علي تأكيدها علي ضرورة احترام فردية كل إنسان واستثمار تنوع المواهب البشرية بعيداً عن الإرث الجماعي التقليدي ( ناقش هذه العبارة عزيزي القارئ وقارن بين ما نحن عليه وبين أهل الغرب الذين عملوا بهذه العبارة.. واستنتج الفرق بنفسك) هذه الصيحة عبرت بشكل واضح عن النقلة النوعية التي شهدتها أوروبا آنذاك في القرن الثامن عشر في عصر التنوير. ( راجع بنفسك وعبر العديد من الوسائل عن ماهية ذلك التقدم ؟؟ وأين موقعنا منه ؟؟ تقدم تراه العين ويسعد به القلب وتحسه وتستشعره باقي الحواس) وعلي هذا النحو ساهم كانط في تبديد غياهب ظلام العصور الوسطي التي كانت محيطة بالعقول ( تخيل عزيزي القارئ أن يصل بنا الأمر من شدة الاحتياج للعقول الرزينة المدبرة أنه وجب علينا أن نستورد تلك العقول لإدارة مصالحنا، ومشاريعنا.. بعدما صرنا نعيش ونتعايش ما هو أفظع من تلك العصور الغابرة.. ولك أن تسأل من يهمه الأمر فيما يحدث الآن علي الساحة العربية لمجرد متابعة مباراة رياضية لكرة القدم بين فريقين من الأخوة العرب.. لماذا ؟؟) ولكانط مقولة عن التنوير لو عملنا بها لكنا في وضع مختلف عما نحن عليه الآن يقول عن التنوير: " إنه خروج الإنسان عن مرحلة القصور العقلي وبلوغه سن النضج أو سن الرشد " ويقصد هنا بالقصور العقلي أنه "التبعية للآخرين وعدم القدرة علي التفكير الشخصي أو سلوك السلوك الرزين في الحياة أو اتخاذ أي قرار بدون استشارة الشخص الوصي علينا ألم يكن هذا واضحاً وجلياً فيما حدث من أحداث لمجرد متابعة موقف ترفيهي رااياضي المفترض فيه الترويح عن النفس.. مجرد مباراة لكرة قدم ؟؟ ولا نعلم من حولها من مجرد مباراة رياضية ترفيهية إلي معركة شبه حربية تتطلب الأخذ بالثأر، وتخللها كر وفر وهجوم ودفاع ومناورات إعلامية ومطالب سياسية وتهديد أسر وترويع آمنين وتشريد عاملين وطرد سفراء وسحب آخرين وهجوم غير مبرر علي ممتلكاتنا وأهالينا وبلادنا. التعصب والفلسفة في اعتقادي أن المتهم الأول.. هو التعصب ألم تكن معي عزيزي القارئ في هذا الاعتقاد ؟؟ فمن يحاول تتبع أحوالنا وأحوال من بجوارنا يري بأم عينه بالونا منتفخا بهواء التعصب الذي شاب كل أمور حياتنا بدءا من المجالات الرياضية وصولا ً للدينية والسياسية.. يكاد هذا البالون أن ينفجر من شدة ضغط خليط التعصب المملوء به ويحيط من حوله بدخان هوائه الذي يكتم الأنفاس ومن هذا المنظور حاولت جاهدا البحث عن مبرر لما يحدث ولم أجد غير متهم فريد من نوعه يدعي التعصب الأعمي.. الذي نتناول جرعات يومية منه.. لذا جئت بصرخة كانط التنويرية لنقول سويا لأولادنا وأبنائنا أمل مستقبل أمتنا وبلادنا أعملوا عقولكم أيها البشر! لتكن لكم الجرأة علي استخدام عقولكم! فلا تتواكلوا بعد اليوم ولا تستسلموا للكسل والمقدور والمكتوب، تحركوا وانشطوا وانخرطوا في الحياة بشكل إيجابي متبصر، فالله زودكم بعقول وينبغي أن تستخدموها ". والمقصود هنا أجساد وأبدان تتحرك بموجب العقول.. وليس أجسادا فقط تتحرك بموجب التعصب والعصبية والجهل والتخلف.. وليتنا كما قلت تعلمنا من فلسفته وأخذنا كغيرنا بآرائه.. لكن من أين لنا بعلوم الفلسفة وهي نقيضة علومنا وكاشفة عيوبنا.. كرهناها بموجب كرهنا لعلوم العلم والتعليم وبغضنا للثقافة التنويرية.. وابتعدنا عنها لمخالفتها أحد أهم قواعد تراثنا وهي إعدام العقل وانعدامه.. فكانت النتيجة التي لايخطئها مبصر أن تمادت بنا حالة سحابة الدخان الذي يعمي الأبصار ليصل التعصب بإهدار حق الإنسانية ولو بسبب مباراة لكرة قدم . وانطلاقا من مفهوم كانط الذي يري أن تحقيق السلام لن يتم إلا عبر تغيير الإنسان وتربيته أخلاقياً بهدف جعل الحرب أمراً مستحيلاً. نعود إلي أبنائنا ونقول لهم: استمعوا واعقلوا فلن تستطيع منع الناس من الكلام أو الفعل أو ردته.. ولكن ما تستطيعه هو إدراك معاني الكلام والمقصود بالفعل وردته.. وهنا للعقل أهمية.