تتكرر كل عام عندما يقترب شهر رمضان المبارك ويعقبه ما يسمي «بمهرجان الإعلام العربي» بعض الإجراءات من قبل المسئولين عن التليفزيون في مصر وذلك فيما يتعلق بالدراما التليفزيونية. وتعود هذه الإجراءات خاصة التي تتعلق بعرض الدراما التليفزيونية في شهر رمضان إلي الفترة القصيرة التي تولي فيها الدكتور ممدوح البلتاجي مسئولية وزارة الإعلام فكان أول ما فعله هو تعيين مستشار فني له واختار لهذه المهمة أديبا بارزا وأحد كتاب الصحافة. اقترح هذا الكاتب الأديب تكوين لجان يكون أفرادها من خارج العاملين في مبني التليفزيون أو بمعني أدق من خارج وزارة الإعلام حيث تكون مهمتها اختيار المسلسلات الدرامية التليفزيونية التي يصح عرضها علي شاشات قنوات التليفزيون المصري وقد سار علي نفس الدرب الوزير الحالي أنس الفقي واتبع هذه الإجراءات نفسها. وفي الحقيقة فإن هذه الإجراءات لا توحي بالحصافة أو عمق الرؤية أو حسن التدبير أو الثقة في اختيار كبار العاملين في التليفزيون ولكن هذه الإجراءات كما يعتقد الوزير أو الشخص الذي يليه في المكانة وهو رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون.. أنها تعفي الوزارة من المسئولية الخطيرة وهي اختيار المسلسلات التليفزيونية وعرضها علي شاشات القنوات التي يعتقدون أنها متميزة بين شاشات قنوات التليفزيون المصري وبقية التليفزيونات العربية. لجان التحكيم ويتكرر هذا الأمر كما سبق وإن ذكرت في دورات «مهرجان الإعلام العربي» من أجل اختيار الأعمال التي تستحق جوائز هذا المهرجان ولكنهم يقسمون الأعمال أو المسلسلات الدرامية التليفزيونية إلي ثلاثة أنواع وهي: التاريخي - الكوميدي - الاجتماعي، وأعتقد أنهم ربما يضيفون نوعا آخر وهو المسلسل الصعيدي الذي يتنامي حجمه عاما بعد عام وبدأ الكتاب والمخرجون والممثلون يتجهون ناحيته بعد أن نجح في تقديمه الكاتب المبدع محمد صفاء عامر ولا تختلف لجان فحص الأعمال المقدمة الي المهرجان عن لجان فحص أعمال رمضان فهم تقريبا نفس الشخصيات ويتقاضون نفس الأجر سوي أنهم يضيفون إلي أعضائها عددا من أفراد الدول العربية المشاركة في المهرجان. والملاحظ أن هذه اللجان يتم أمرها تماما مثلما يتم في أي وزارة تريد أن تدرأ الشبهات عن نفسها في بعض الأمور المالية أو الإدارية وكأن الأعمال الفنية لا تخرج عن هذا النطاق. فليس في وزارة الإعلام مسئولون عن هذا الفن وليس لديهم الخبرة بأصول هذا الفن وقيمته الفنية وفيما يصلح منه أو لا يصلح.. أو بمعني آخر ليس هناك من يستطيع أن يفرق بين الجيد من العمل الدرامي التليفزيوني وبين الضعيف أو السيئ منه والعجيب أن هناك من يتولون المناصب القيادية البارزة في قطاعات إنتاج هذا الفن مثل صوت القاهرة وقطاع الإنتاج ومدينة الإنتاج الإعلامي حيث تقوم هذه القيادات بإنتاج العديد من الأعمال وقد يصل إنتاجهم كل عام إلي الأربعين مسلسلا دراميا ورغم ذلك فإن وزير الإعلام أو رئيس اتحاد الإذاعة والتليفزيون لا يثق أحد منهما في هذه القيادات في عملية اختيار أعمال رمضان ويأمران بتكوين لجان من أفراد آخرين علي اعتبار أن هؤلاء الأفراد هم النقاد والخبراء التي تأتي أحكامهم هي الصواب بعينه ويفهمون في أصول هذا الفن أكثر من الذين يعملون في إنتاجه عندهما. عدم موضوعية والملاحظ أن اختيارات هذه اللجان تأتي مخيبة للظنون الفنية السليمة وتنم عن جهل أو أذواق متواضعة أو عدم موضوعية وفي كثير من الأحيان لا يؤخذ بآراء هذه اللجان رغم أن أمرها يرأسه رجل يتسم بسمة الثقافة وخاصة الثقافة الدرامية ودقة الموضوعية في أحكامه وهو الدكتور فوزي فهمي والمشكلة ليست في الدكتور فوزي فهمي لكن فيمن يأتي بهم الرجل من أعضاء لهذه اللجان فإن الغالبية منهم ليس لديهم من الثقافة في مجال الفن التليفزيوني إن لم يكن في مجال الفن بوجه عام وليس لديهم موضوعية الدكتور فوزي فهمي وهنا تحدث الكارثة. والمتأمل لكل ما يحدث في المناسبة الأولي أي اختيار أعمال رمضان لا يستطيع أن يقاوم الشك والريبة في أن العملية التي تقوم بها وزارة الإعلام مع أعضاء هذه اللجان هي أشبه بالرشوة وذلك لشراء أقلامهم التي يملئون بها الصحف والمجلات بالقذف أو المدح حسب مصالحهم الخاصة أو أن هناك هاجسا لا بل علي ما يبدو يقينا بأن وزير الإعلام أو رئيس «اتحاد الإذاعة والتليفزيون» لا يثق كل منها فيمن يعملون عندهما ممن يشرفون علي قطاعات الإنتاج وينتجون كل عام هذا العدد الضخم من الدراما التليفزيونية. إنجازات الشريف وأن ذلك علي العكس في عهد وزير الإعلام الأسبق صفوت الشريف كان يحرص كل الحرص علي ألا يخرج هذا الأمر من وزارته ويعتمد اختيارات العاملين عنده بل إنه كان يزهو بهذه الاختيارات.. وفي الواقع إذا رجعنا إلي الوزراء لوجدنا أن هذا الرجل قد تم في عهده إنجاز أو إنتاج أفضل الأعمال في مجال الدراما التليفزيونية التي كانت تغزو بقوة واقتدار كل المحطات التليفزيونية العربية ولم يتجاسر أي صوت عندنا أو في البلدان العربية أن يقول إن الدراما السورية أو الخليجية تصل حتي مستواها بمستوي الدراما التليفزيونية المصرية ولم يلجأ الرجل إلي اللجان التي يشوب بعض أفرادها الكثير من الشوائب وربما أبرزها الجهل بأصول هذا الفن الدرامي الجديد الذي أصبح في الواقع من أصعب الفنون وأعقدها وربما أصبح أصعب من الفن السينمائي الذي تمخض منه وأصبح عملاقا لا يدانيه أي فن آخر بالنسبة لعلاقته بالجماهير فكما سبق وأن أشرنا بأن المسلسل الدرامي التليفزيوني الناجح قد يصل عدد مشاهديه في وقت واحد إلي أكثر من مائتي مليون في حين أن الفيلم السينمائي المصري مثلا لو نجح في عرضه الأول نجاحا ساحقا فلن يتعدي عدد مشاهديه عن المليون ولو حدث هذا لأثري المنتجين السينمائيين ثراء فاحشا. الفنون الحديثة الدراما التليفزيونية تعتبر في مصر والبلاد العربية كما سبق وأن ذكرت في أكثر من موضع من الفنون الحديثة أو القريبة العهد وربما لا يتجاوز عمرها عن نصف قرن أي أن هناك الملايين من الناس عاصروا مولدها وما زالوا علي قيد الحياة وللأسف فإن الإحاطة بأصول هذا الفن اقتصر علي القليل جدا من الكتاب.. جاء بعضهم من الحقل السينمائي والبعض كان يعد نفسه لاقتحام الفن السينمائي فقوبل بالفشل فقرر أن يقتحم مجال هذا الفن.. وتسلل أيضا إلي هذا الفن الوليد بعض الأدباء الذين كانوا في مبدأ حياتهم أو خطوا بعض الخطوات في مجال الأدب وبعض الذين كانوا يكتبون للمسرح باقتدار ولم يحاول معظم هذه النوعيات من الكتاب أن يدرس تقنيات هذا الفن أو حتي يتعرف علي النماذج الأجنبية الجيدة وذلك لسببين السبب الأول عدم وجود الكتب التي تتناول أصول هذا الفن بالدراسة وضرب الأمثلة وذلك لأن كلها باللغات الأجنبية ونادرا ما تأتي إلي مصر ولم يتم ترجمة سوي كتابين عن أصول التمثيلية التليفزيونية وقد أصبح الكتابان لا قيمة لهما الآن بعد تطور الدراما التليفزيونية في العالم أما السبب الثاني أن التليفزيون في مبدأ إرساله كان شحيحا في عرض المسلسلات التليفزيونية الجيدة لأنه لم يكن يملك إلا القليل منها وكانت كمسلسلات أجنبية تخضع لرقابة صارمة ولذلك منعت الرقابة في التليفزيون المصري عرض الكثير من المسلسلات الجيدة. لجان الفحص وكما حدث بالنسبة لكتاب الدراما التليفزيونية حدث هذا أيضا للأسف بالنسبة للذين أقحموا أنفسهم في الكتابة عن هذا الفن ورأينا النتائج السياسية في اختياراتهم عندما يشتركون في عضوية لجان فحص أعمال رمضان وتقييمها ففي هذه اللجان تظهركل المساوئ التي لا يجب أن تسيطر علي ناقد العمل الفني من الجهل وعدم المعرفة وعدم الموضوعية وتكثر الاتصالات من جانب أصحاب الأعمال وتكثر الوعود ويتنامي الإحساس بالبارانويا عن البعض منهم والتحيز الشديد لبعض العاملين في هذه المسلسلات من الممثلين والكتاب والمخرجين وعلي حسب علمي أن كل لجنة تتكون من ثلاثة أفراد وكل لجنة تشاهد حوالي ستة أو سبعة مسلسلات فهل يمكن مهما بلغت عبقرية هؤلاء الثلاثة أن يجيزوا عملا يراه الملايين من الناس أو يحجبوا عملا كان سيراه مئات الملايين من الناس وهذا بالفعل ما يحدث في نتائج هذه اللجان فالأعمال التي يختارونها ينصرف الناس عن مشاهدتها أضف إلي ذلك أن الأعمال التي يفرضها كبار المسئولين في الإعلام التليفزيوني وهي التي يتولي بطولتها كبار النجوم وذلك دون مشاهدة مسبقة بل يسعون إلي شرائها بأكبر الأسعار سعيا وراء الإعلانات التي تتهافت علي مسلسلات النجوم وفي النهاية يفاجأ الجمهور بأن هذه المسلسلات هي أسوأها. إقبال جماهيري والغريب أن هؤلاء المسئولين وهؤلاء أعضاء لجان الفحص أو الاختيار أنهم لا يدركون أن السماء أصبحت تمتلئ بالقنوات التي تعرض الدراما التليفزيونية وتشتري بأسعار تنافس أسعار التليفزيون المصري وتتمتع بإقبال جارف من الجماهير الذين انصرفوا عن مشاهدة قنواتهم المصرية وذلك لسوء التنسيق فلم تعد تلائم أوقاتهم يكفي أن يعود المرء إلي بيته في أي وقت ويفتح جهاز التليفزيون ويبحث بين القنوات حتي يجد ما يصبو إليه ولذلك تحظي الأعمال الدرامية التليفزيونية الجيدة حقيقة بإقبال الجماهير وللأسف فإن هذه الأعمال قد لفظها السادة أعضاء اللجان فهل نامت أعينهم لابد أن يدرك الجميع أن الجمهور هو جزء مهم من العمل الفني فإذا كان العمل الفني كاتبا ومخرجا وممثلا فلابد أن نضيف إلي الجمهور ومن ينكر ذلك فهو ليس له أية دراية بنقد التليفزيون أو السينما والناقد الجيد هو الذي يستطيع أن يجيب عن أهم سؤالين بالنسبة للعمل السينمائي والعمل التليفزيوني وهما: لماذا نجح هذا العمل مع الجماهير؟ ولماذا انصرفت الجماهير عن هذا العمل؟ نتائج مضحكة أما بالنسبة لنتائج ما يسمي بمهرجان الإعلام العربي فيما يخص الدراما التليفزيونية فقد جاءت للأسف مضحكة خاصة عندما قاموا بتقسيم الأعمال إلي تاريخية وكوميدية واجتماعية فهم لم يصلوا حتي الآن إلي تعريف كل نوع من هذه الأنواع واختلطت الأمور وظهر أيضا فيما يعرف بالتوازن السياسي، والتوازن السياسي يعني بالنسبة لديهم أن تخرج كل دولة عربية مشتركة في المهرجان مبسوطة ولديها الحماس في الاشتراك في العام القادم ولكي يتحقق هذا التوازن فلابد أن يضرب المسئولون عن المهرجان عرض الحائط بأي قيمة فنية في الأعمال المقدمة وحظيت أعمال لم يشاهدها الجمهور العربي أو شاهد أجزاء منها ثم انصرف عنها، أما الأعمال الدرامية التليفزيونية التي حظيت بإعجاب مئات الملايين من المشاهدين واكتسح نجاحها بقية المسلسلات الخائبة فقد تم تجاهلها وامتد الحقد والغيرة والمصالح إلي نفوس بعض أعضاء اللجان الذين سبق وأن نوهنا بمستواهم الثقافي وأخرجوا هذه الأعمال الكبيرة في التصفية وفضلوا عليها أعمالا هزيلة وعلي المقرض أن يضرب رأسه في الحائط.