كتب أ. د. خالد عبد القادر عودة إننا نرفض رفضا تاما التصريحات الشفهية لرئيس الحكومة الإنتقالية ووزير الداخلية السابقين بتحويل جهاز مباحث أمن الدولة إلى جهاز أمن وطنى يختص بمكافحة الإرهاب دون صدور قانون من المجلس الإعلى للقوات المسلحة يحدد مهام الجهاز الجديد وأهدافه وأسلوبه فى العمل، ودون تعريف معنى الإرهاب أوالجرائم التى تدخل تحت هذا المعنى. إن دول العالم لم تتفق حتى اليوم على معنى الإرهاب وإن كان المترادف هو الإسلام عند كثير من دول العالم عامة وعند مباحث الأمن الوطنى (أمن الدولة سابقا) خاصة. إن هذا التصريح يمثل إلتفافا حول مطالب الشعب وإجهاضا لثورة الشعب المصرى التى قامت ضد نظام القهر والتنكيل والتعذيب. إن الشعب لن يرضى بديلا عن حل هذا الجهاز إلا بالشروط الاتية التى نقدمها إلى مجلس الشعب القادم أولا: أن يتم تعريف معنى الإرهاب وجرائم الإرهاب وعقوبات هذه الجرائم فى إطار جرائم الإفساد فى الأرض التى أقرتها الشريعة الإسلامية منذ أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان بعد إعادة توصيف هذه الجرائم بما يضمن إدخال الجرائم العصرية التى ترتكب ضد الإنسانية تحت النص الكريم: ( إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِى الْأَرْضِ فَسَاداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ )(المائدة: من الآية33) فجرائم الحرابة لا تقتصر على قطع الطريق كما يظن البعض، وإنما تشمل كل فعل من الأفعال يمس أمن واستقرار المجتمع، أو يهدد سلامة أفراده، أو يحول دون استقامة معيشتهم. لذا فإن كل من يعمل على إشاعة القتل بين الناس بغرض الإرهاب أو الترويع أو التطويع أو الاستبعاد ، أو يمارس البلطجة المسلحة بغرض الترويع أو إخافة السبيل أو السلب أو منع الأفراد من ممارسة حقوقهم أو أعمالهم، أو يلجأ إلى خطف الأفراد بغرض التهديد أو الابتزاز أو التسخير أو الإتجار بهم أو بأعراضهم أو بأعضائهم الحيوية، أو يقوم بتعذيب الأفراد أو اغتصاب النساء أو هتك العرض المتكرر، أو يرتكب عملا من أعمال السطو المسلح على الأموال الخاصة أو العامة، أو يعمل على تدمير أفراد المجتمع أو بعضهم، تدميرا ماديا أو معنويا من خلال نشر المخدرات، أو نشر الميكروبات أو الفيروسات، أو إفشاء الزنا، أو اللواط، أو تسميم الماء أوالغذاء أو الهواء، أو إطلاق الغازات السامة، أو دس المتفجرات فى الأماكن والمحال العامة أو فى دور العبادة ، أو تدمير البنية التحتية أو تعطيلها، أو الإضرار بموارد البلاد الطبيعية من أنهار وقنوات وترع وشلالات ومساقط مياه وآبار وخطوط نقل البترول والغاز الطبيعى ومحطات الطاقة، أو يتلف عمدا مرافق عامة أو خطوط إتصالات أو مواصلات السكك الحديدية أو مترو الأنفاق أو قناطر أو سدود أو مطارات أو موانىء بما يؤدى إلى الإخلال بحياة او معيشة أفراد المجتمع – فإنه يكون فى هذه الحالة مرتكبا لجريمة من جرائم الإفساد فى الأرض، ومستحقا لعقوبة تترواح بين الإعدام والسجن مدى الحياة. ويستوى فى هذه الجرائم أن يكون الفاعل أو المحرض لها مسلما أو غير مسلم. فعقد الإسلام يوجب عصمة دماء وأعراض المسلمين فيما بينهم، كما يمنح عقد الذمة وعهد الأمان نفس العصمة لغير المسلمين المقيمين والمستأمنين، مقابل إلتزامهم بنفس الواجب تجاه المسلمين. كما لا يغير من تكييف الجريمة كون الفاعل رجلا أو امرأة طالما كان الفاعل بالغا، عاقلا، شأنها فى ذلك شأن جرائم الردة ونقض العهد. وهذا هو ما اجتمع عليه فقهاء الأمة، فيما عدا رواية عن أبى حنيفة، ورأى لأبى يوسف (شرح فتح القدير ابن الهمام ، بدائع الصنائع الكاسانى). كما لا يؤثر فى العقوبة اختلاف الباعث أو الغرض من الفعل لأن الجريمة تنسحب آثارها على أفراد المجتمع جميعا، وإنما يؤثر فقط فى العقوبة نوع الجريمة وهذا هو رأى جمهور الفقهاء. ويسوى أبو حنيفة بين أنواع القتل وأداة القتل فلا يشترطون المحدد، وبناء عليه يستوى أن يكون القتل بسلاح أو بمتفجرات أو بمخدر أو عن طريق نشر الميكروبات أو النفايات أو السموم أو من خلال التعذيب أو الاغتصاب (التشريع الجنائى الإسلامى عبد القادر عودة). كما لا يغير من تكييف الجرم أن يكون الفاعل شخصا عاديا أ ومسؤولا، حاكما أو محكوما. فقد اتفق المالكية ( كذلك ابن حزم ) فى أن كل من أخاف السبيل على أى نحو من الأنحاء، وبأى صورة من الصور، يعتبر محاربا مستحقا لعقوبة الحرابة، ويشمل ذلك جبابرة الحكام الظلمة الذين يسلبون أموال الناس، ويستحلون دماءهم، ويستبيحون أعراضهم. ويستنبط من هذا أن جميع جرائم التعذيب والقتل التى يمارسها شخص مسؤول ضد العامة من الناس بقصد إرعابهم أو لأخذ اعتراف أو مال، تعد كلها من قبيل جرائم الحرابة. كما تقع المسؤولية الجنائية فى جرائم الحرابة على كل من باشر الفعل بنفسه، أو تسبب فيه، أو أعانه على ذلك، أو حضر المباشرة ولم يباشر بنفسه، أو أمد الجانى بالعون المادى أو الأدبى. وهذا هو رأى جمهور الفقهاء (الفقه على المذاهب الأربعة الجزيرى ، المُحلى ابن حزم). أما جرائم الخيانة فتشمل كل قول أو فعل علنى يسخر من الذات الإلهية أو يسب الرسل، أو أو يحط من شأن عقائد المواطنين، وكل عمل أو فعل متعمد من شأنه تقسيم مصر إلى دول منفصلة سياسيا، أو عزل مساحات منها خارج نطاق السلطة الوطنية، وكل عمل أو فعل يؤدى إلى إنهيار الوحدة الوطنية بين المسلمين والأقباط إلى حد الإقتتال، أو إنهيار البنوك والمصارف أو إفلاسها، أو إنهيار البورصة المصرية، أو إنهيار قيمة العملة المحلية مما يترتب عنه إختلال الإقتصاد الوطنى، أو إنهيار الأمن كإنسحاب الشرطة من الشوارع ، أو إنهيار الدفاع عن الوطن كإنسحاب الجيش من ميدان الحرب. كما يعتبر مرتكبا جريمة الخيانة كل من أتلف وثائق لطمس جرائم إرتكبت فى حق المواطنين، أو لإخفاء سرقات عامة لأموال الدولة،. كذلك كل من سعى عمدا لدى دولة العدو أو تخابر معها بقصد القيام بأعمال عدائية ضد الشعب أو القوات المسلحة المصرية، أو إلتحق بالقوات المسلحة لدولة العدو أو شارك معها طوعا أو بأجر فى عملياتها الحربية أو فى تطوير منظومتها الحربية بقصد التفوق وإلحاق الهزيمة بمصر، أو سهل دخول العدو إلى البلاد أو إستيلاءه، على المقومات والمواقع العسكرية أو المدنية للبلاد أو أتلف أسلحة أو ذخائر أو مؤنا حربية أو قواعد عسكرية وغير ذلك مما أعد لتحصين وحماية البلاد وتتراوح عقوبات جرائم الخيانة والخيانة العظمى من السجن إلى الإعدام بحسب جسامة الجريمة والنتائج المترتبة عنها وزمن إرتكابها (زمن السلم أو زمن الحرب) ومركز مرتكبها أو المحرض عليها ثانيا: ان لايعمل فى جهاز الأمن الوطنى أى من أفراده المتهمين بالتعذيب أو الخطف أو القتل أو السرقة، وعلى أن يتم إعادة تأهيل العاملين به وفحصهم نفسيا بمعرفة أخصائيين فى الطب النفسى ثالثا: أن يحظر تماما إستقلال جهاز الأمن الوطنى عن جهاز الشرطة العام وأن يتم إخضاعه للإشراف المباشر لمديرى الأمن كل بحسب محافظته، وعلى أن يكون مدير الأمن مسئولا مسئولية مباشرة عن أى تجاوز من أفراد هذا الجهاز، وأن يكون وزير الداخلية مسئولا مسئولية غير مباشرة. رابعا: أن يحظر حظرا تاما التنصت على هواتف المواطنين أو مراقبتهم بأى من وسائل المراقبة فى منازلهم الخاصة إلا بناء على قرار إتهام مقدم من النائب العام إلى محكمة الجنايات المختصة مشفوع بأدلة مادية غير مرسلة تثبت أن المنزل الخاص قد تحول إلى منزل عام يعد للشروع فى إرتكاب أى من جرائم الإفساد أو الخيانة المنصوص عليها أو إيواء المتهمين بهذه الجرائم. وعلى أن يصدر قرار المحكمة بالإجماع. خامسا: أن يحظر على ضباط جهاز الأمن الوطنى التقدم مباشرة إلى النيابة العمومية بطلب الموافقة على التنصت أو المراقبة أو الضبط أو التفتيش، وإنما يتم ذلك من خلال مدير الأمن المختص بعد فحص الأدلة المقدمة من ضباط الجهاز، وأن لايتم إتخاذ اى إجراء بالضبط أو التفتيش أو الحبس إلا بعد موافقة المحامى العام المختص بعد فحص ودراسة الأدلة المقدمة من مدير الأمن وإستجواب مقدمى الأدلة، ويحظر على النيابة المختصة إصدار قرار بالضبط أو التفتيش دون وجود دليل مادى، مع عدم الإعتداد بأى تقارير مرسلة مقدمة من ضباط الجهاز، وأن يقوم مدير الأمن المختص بإخطار وزير الداخلية بما تم من إجراءات. سادسا: فيما عدا حالات التلبس تتم جميع إجراءات الضبط والتفتيش بحضور ممثل النيابة العمومية ولايكتفى بوجود تصريح من النيابة، وعلى أن يتم تسليم أهل المتهم صورة من تصريح النيابة مبينا به إسم مأمور الضبط وتاريخ الضبط وبيان المحرزات المضبوطة. ولايجوز التحقيق مع المتهم بمعرفة ضباط الجهاز ، فمسئولية الجهاز تنقضى بتقديم أدلة الإتهام إلى النيابة العمومية التى تتولى بمعرفتها إصدار الأمر بالضبط والتفتيش والتحقيق مع المتهم . كما لايجوز التحقيق مع المتهم او إصدار قرار من النيابة بحبسه او تجديد حبسه إلا فى حضور محامى المتهم، وإن لم يوجد تقوم النيابة بإنتداب محامى من نقابة المحامين، وأن يكون الحبس أو التحفظ فى مكان آمن معلوم خارج الجهاز، وأن يتم إخطار أهل المتهم أو محاميه بصورة من قرار النيابة مبينا به قرار الإتهام ومكان الحبس ومدته سابعا: أن يتم تسمية جهاز الأمن الوطنى "جهاز مكافحة جرائم الخيانة والحرابة " تلافيا لحساسيات لفظ الإرهاب ثامنا: أن يقوم مسئولى جهاز الأمن الوطنى بتقديم تقارير سنوية عن إنجازات الجهاز فى المحافظات المختلفة مع توصياتهم إلى مديرى الأمن الذين يتولون تقديمه بعد مراجعته إلى وزير الداخلية. وعلى وزير الداخلية تقديم تقرير سنوى بإنجازات الجهاز وتوصياته فى أنحاء الجمهورية إلى مجلس الشعب فى أول دوراته السنوية