كتب عمرو حسين بالأمس ذكرت وكالة أنباء الشرق الأوسط خبرًا تناقلته كل وكالات الأنباء جاء فيه بالنص (كما نشر بالعديد من وسائل الإعلام بالأمس): "غادر اليوم الأحد، كل من عمرو موسى الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية، والمرشح المحتمل لانتخابات رئاسة الجمهورية، والدكتور محمد البرادعي مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية السابق، والمرشح المحتمل هو الآخر لنفس الانتخابات، إلى الكويت والإمارات على الترتيب، في إطار الجولات التي يقوم بها كل منهما لكسب أصوات المصريين في الخارج". رفض علاء الإجابة وهو يعلم أن ذلك يعني حبسه، ولكنه رأى أن حبسه سيوصل رسالة أقوى بكثير من أى مقالات يكتبها على مدونته الشخصية أو أي إعتراض يسجله عبر تويتر. وبالفعل فالأفعال أعلى صوتًا من الأقوال اتصلت بأحد المصادر المقربة من البرادعي لأستفسر منه عن هذه الرحلة لدبي وكيف سيستغلها لكسب اصوات المصريين هناك (كما جاء نصًا في الخبر) فإذا أن الحقيقة عكس ذلك تمامًا. فالرحلة ليس لها علاقة من قريب أو بعيد بالحملة الإنتخابية. الحقيقة أن د. البرادعي ذهب لدبي بدعوة من الإتحاد العالمي لنقابات المحامين لإلقاء كلمة الإفتتاح في مؤتمرهم السنوي الذي يعقد في دبي ويحضره قرابة السبعة آلاف محامى. أضاف المصدر الذي أثق فيه أن د. البرادعي رفض تمامًا الحديث مع الجالية المصرية عن الإنتخابات أو تحقيق أي مصلحة شخصية من الزيارة على إعتبار أن الزيارة جاءت بدعوة من إتحاد المحامين وليس من الأخلاقيات المهنية أن يستغل الزيارة لتحقيق أي غرض شخصي غير الذي دعي من أجله. تأثرت بتمسك د. البرادعي بالمبدأ بغض النظر عن المصلحة الشخصية ورأيت أن موقفه هذا أبلغ من أي كلام كان سيقوله للجالية المصرية في دبي أو غيرها. ففي هذا الزمن نحن لا نفتقد الأقوال ولكننا نفتقد الأفعال... قبل هذا الموقف بأسبوع إنحنيت إحترامًا وتقديرًا لموقف يسري فودة الذي رفض إستمرار برنامجه في ظل الضغوط التي مورست عليه من المجلس العسكرى. فإيمانه العميق بحرية التعبير والإعلام وإحترامه لنفسه كانا أكبر من مصلحته الشخصية في إستمرار البرنامج. علمًا بأن هذه البرامج علي القنوات الفضائية تمثل مورد الرزق الأول للإعلاميين. وكلنا نعلم ما يدور في هذا العالم من تربيطات مع الأمن والسلطات وما أعلمه عن معظم الإعلاميين للأسف يجعلني أنبهر بتمسك يسري فودة بالمبدأ بغض النظر عن التضحية بمورد رزقه الرئيسى. أعلم أنني لن أفتقد برنامج يسري فودة لأنني منذ ثلاثين عامًا أفتقد إعلاميًا يحترم نفسه ويحترمنا بهذا القدر. كما أنني أوقن أن يسري فودة بهذا الموقف بعث برسالة إعتراض شديدة اللهجة لكل من يريد أن يكمم الأفواه ويقصف الأقلام. أعتقد أنه لو إستمر البرنامج لما إستطاع يسري أن يوصل لنا الرسالة بهذه القوة. وللمرة الثانية أكرر، في هذا الزمن نحن لا نفتقد الأقوال ولكننا نفتقد الأفعال... بالأمس أيضًا قررت النيابة العسكرية حبس الناشط السياسي "علاء عبد الفتاح" 15 يوم على ذمة التحقيق لإتهامه بالتحريض وإتلاف المنشآت العامة خلال أحداث ماسبيرو. وللعلم فعلاء يعمل بالخارج وكان في زيارة لأمريكا حين علم بالإتهام. وكان بمقدوره السفر لأي مكان وعدم العودة خاصةً وهو يجاهر برفض ممارسات المجلس العسكري وأولها المحاكمات العسكرية للمدنيين. مما سمعت بالأمس أن علاء بعد عودته لمصر وتوجهه للنيابة العسكرية رفض الإجابة على أسئلة الضابط المكلف بالتحقيق معه تمسكًا بكونه مدنيًا ومن حقه المثول أمام النيابة العامة إذا كان متهمًا بأي إتهام. رفض علاء الإجابة وهو يعلم أن ذلك يعني حبسه، ولكنه رأى أن حبسه سيوصل رسالة أقوى بكثير من أى مقالات يكتبها على مدونته الشخصية أو أى إعتراض يسجله عبر تويتر. وبالفعل فالأفعال أعلى صوتًا من الأقوال... فى الأسبوع الماضى فكرت أن أكتب مقالى لأعبر عن إنبهارى بموقف يسرى فودة بإعتباره حالة فردية متفردة فى التمسك بالمبادئ، إلا أننى بعد أسبوع فوجئت مموقفى د. البرادعى والناشط علاء عبد الفتاح مما جعلنى أرى أخيرًا الضوء فى آخر النفق المظلم. فأنا أعتقد أنه لا نهضة لأمة إلا بالتمسك بالمبادئ والقيم. وإن أكبر جرائم النظام السابق أنه وضع على قمة الهرم أشخاصًا بلا مبادئ إعتبروا مصر عزبة خاصة بهم. فنشأ جيل كامل لم يرَ أى قدوة فى حياته ولم يعرف معنى التضحية من أجل مبدأ واحد. ولكننا فى أسبوع واحد رأينا القدوة فى الجيل السابق "البرادعى" وجيل الوسط "يسرى فودة" وحتى جيل الشباب "علاء عبد الفتاح". وأتمنى أن يكون هؤلاء هم فقط الجزء الذى نراه من جبل الجليد وأن نرى كل يوم من يتمسك بالقيم والأخلاقيات والمبادئ مهما كلفه الأمر. يخطئ من يظن أننى كتبت مقال لأممتدح د. البرادعى أو يسرى فودة أو علاء عبد الفتاح، فأنا كنت وما زلت وسأكون دائمًا ضد مدح أو ذم أى شخص. ولطالما إعترضت على مقالات تمدح أشخاصًا بعينهم حتى ولو كانوا يستحقون المدح. فأنا أؤمن أننا ليس بيننا أنبياء ولا ملائكة وكل إنسان يخطئ ويصيب. فأنا هنا أمدح الموقف لا الشخص، أردت أن ألقى الضوء على أن هناك بيننا من لا يزال يتمسك بالمبادئ والأخلاقيات حتى ولو كلفه هذا رزقه أو حريته. وأخيرًا أؤكد أن كل يوم بلا برنامج "آخر كلام" هو بناء كامل يضاف لحرية الإعلام وإستقلاليته وكلنا رأينا اللواء إسماعيل عتمان وهو يطالب يسرى فودة بالعودة (فى مكالمة مع ريم ماجد) من موقف الضعيف الذى فضحه غياب يسرى فودة. وكل يوم حبس لعلاء عبد الفتاح سيزيد الضغط على المجلس العسكرى والمشير طنطاوى لإعادة النظر فى محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية. وسيكون حبس علاء حرية لآلاف المحبوسين عسكريًا منذ قيام الثورة...