اختتم مخيم يقظة فكر الثاني "إعمال العقل.. أدوات ومفاهيم وقيم" أعماله, بحضور أكثر من 150 شاب وفتاة من 12 دولة عربية, وعدد من المفكرين والمحاضرين؛ منهم د. سيف الدين عبد الفتاح, ود. طه جابر العلواني, ود. أحمد الريسوني, ود. مسفر القحطاني, ود. علي العمري, ود. علي أبو الحسن, ود. جاسر عودة , ود. مصطفى حجازي, ود. عبد الحليم زيدان, وم. هاني المنيعي, وم. وائل عادل, قدموا أكثر من 50 ساعة من المحاضرات وورش العمل والعروض التوضيحية والفنية والفلكية. احتوى المخيم الذي عقد في فندق موفنبيك مدينة الإنتاج الإعلامي بالقاهرة, بين 9 إلى 15 سبتمبر الجاري, على جانب معرفي؛ مداخل تأسيسية أكاديمية معرفية ومهاراتية يُراعى فيها المزج بين العلمية والفاعلية التطبيقية, وعلى حلقات نقاشيّة وورش عمل؛ للتدريب على المحتوى المعرفي, وإسقاطاته على الواقع المحيط, وعلى برامج وأنشطة متنوعة (ترفيهية)؛ للتقارب بين المشتركين وتبادل الخبرات بينهم, والمعايشة بين المفكرين والمشاركين. التفكير السَّفني قدّم مستشار رئيس جمهوري مصر العربية, ورئيس مجلس أمناء “يقظة فكر", د. سيف عبد الفتاح, محاضرات تحت عنوان “علاقة الفكر بالقيم.. استراتيجية التفكير السَّفَني", تعرّض فيها لعلاقة الفكر بالقيم، وذكر أنه يجب التوقف عند “مجتمع السفينة" وحركته وقدراته وخريطة حاجاته وتحدياته، مجتمع السفينة يجب أن يستحضر كل المعانى التى تتعلق بركوب السفينة معا وما يقتضيه ذلك من التفكير والتدبير والتغيير والتأثير وفق منطق السفينة. وأكد د. سيف على وجوب أن تُظلل العلوم والمعارف والأفكار والممارسات بمظلة القيم الخيِّرة, من أجل أن يعلو الشأن وتستقيم الحالة, وقال: “نحن نحتاج قوة القيمة وليسَ قيمة القوة ، فقوتنا في القدرة على تحويل الكثرة إلى قيمة حقيقية.. لسنا كغثاء السيل, فنظام القيم يجب أن يكون حاضرًا في كل شيء نُريد أن تؤسسه حتى نضمن له النجاح والقوة والاستمرار". وأشار عبد الفتاح إلى أنه من أسمى القيم التي تحفظ شئون الحياة “التوحيد والعدل والحرية"، وبها تشكل جدار سميك يقي من أي تهديد, فلا بد من تحويل القيم إلى إجراءات على أرض الواقع وإلا تموت". إنّ مقاصد الشريعة يتم حفظها وحمايتها في إطار منظومة القيم التي نحن بحاجة إلى تفعيلها وتحويلها إلى إجراءات. إنسان القيم وحلّق د. علي أبو الحسن, دكتور والمرشد في الصحة نفسية, بالمشاركين في عدد من المحاضرات بعنوان “فلسفة وإنسان القيم والأخلاق", جاء فيها “يقولون الوفرة قانون الكون, وهذا يعنى أن الكون مليء بالعطايا", “حين يرتبك المعنى, يرتبك الإنسان", وبين أن “الأصل فى الخُلق, أنه أقرب إلى الفطرة", وأن “بناء فلسفة الأخلاق يكون بالعمق الوجداني", وأن “حب النفس بحق, أطهر أنواع الحب.. فتعلم أن تحب نفسك لنَفسك". وقال: “تقبّل التضاد فالانسجام والتناغم قطعة من الجنة وشعور التقبل مع النفس هو شعور جناتي شعره ابن القيم فقال: أنا جنتي في صدري", “الانسان له طريقان “الوعي والحب"، فالوعي يلتقي بفيزياء الإنسان والحب يلتقي بكيمياء الإنسان", “عِش مع نفسك انسانًا استباقيًا". وأمَّ وخطب د. علي المشاركين في صلاة الجمعة, متحدثًا عن ظهور وعي الفرد والأمة في أبسط الأمور وليس في عظيمها فقط, وضرب على ذلك مثالًا ب"كيفية وضع المصلي حذاءه عند صلاته", وطلب بعد الصلاة أن يعانق كل من في القاعة بعضهم, مما كان له أعظم الأثر على نفوس المشاركين, حيث “أذابت الجليد, وجعلت علاقات المشاركين كالحديد, وأضافت جوًا جديدًا", وذلك حسب تعبير بعض المشاركين. المنهج القرآني وقال د. طه جابر العلواني, رئيس جامعة العلوم الإسلامية والاجتماعية بفرجينيا, في محاضرة بعنوان “معالم المنهج القرآني": “نحن أصحاب خطاب عالمي بالقرآن الكريم, يجب أن لا نتأخر أكثر، لأننا سنُسأل ولا نريد أن نكون من أصحاب (بئس حاملي القرآن أنتم), فالقرآن المجيد أنزله الله تعالى ليكون القائد لنا في عملية الاستخلاف، يعطينا وسائل هداية تجعلنا قادرين على السير الآمن, فإذا استطعنا أن ننزل القرآن على قلوبنا، ونجعله يجري فينا مجرى الدم, نكون قد اتبعنا المنهج النبوي في الحياة لنصل إلى بر الأمان". وأكد د. العلواني, في محاضرته خلال اليوم الثاني من مخيم يقظة فكر, الذي يعقد تحت عنوان “إعمال العقل.. أدوات ومفاهيم وقيم", على أن الفهم الصحيح للحياة يجب أن يكون بكلتا العينين، لا بواحدةٍ على حساب أخرى, كي لا يختل الميزان وتنحدر الأمة أكثر. إنَّ رابطة الحب بينك وبين الله ينبغي أن تنمو، فبدل من أن تجعل علاقتك بالله علاقة خوف, اجعلها علاقة حب متبادلة وابتسم, فمن أرادَ أن يكون من المطهرين ليعرج إلى علياء القرآن الكريم ويستمتع في تدبره ويتعلم كيف يكتشف معانيه فعليه أن يزيل ران قلبه". وأضاف: “إنَّ التيسير الإلهي وتنزيله للقرآن من عليائه ليكون في متناول عقلك، أكبر نعمة من نعم الله عز وجل, فغير مسموح لأي منا، أن يأتي للقرآن وهو محمل بأي أفكار فلسفية أو فقهية ويسقطها على القرآن ليؤول الآيات وفق ما في نفسه". إن التأليف بين القلوب عمل رباني، فإذا اعتصمنا بحبل الله بصدق، ألف الله بين قلوبنا. التفكير المقاصدي وكان موضوع محاضرة د. أحمد الريسوني, الخبير المتخصص في المقاصد الشرعية والقواعد الفقهية، “منهج التفكير المقاصدي"، وهو عنوان يبين أن المقاصد الشرعية هي الأغراض والأهداف التي من أجلها شرع الله أحكام دينه وأمرنا بالعمل بها، وبين أنه على كل مجتهد أن يكون عالما بالمقاصد الشرعية من الأحكام. فالتفكير المقاصدي يجب أن يعمل به في شتى المجالات العلمية والعملية، فهو جزء من المنهج الأصولي العام، يحكمه خمسة قواعد فقهية؛ الأولى (الأمور بمقاصدها)، والقاعدة الثانية (المقاصد بمراتبها)، والقاعدة الثالثة (الأمور بمآلاتها)، والرابعة (المقاصد بأدلتها), والقاعدة الخامسة (ثبات المقاصد ومرونة الوسائل). الوعي الحضاري عرّف د. مسفر القحطاني, مؤسس مشروع الوعي الحضاري, ورئيس قسم الدراسات الإسلامية بجامعة الملك فهد للبترول والمعادن, الوعي في محاضرته التي كانت بعنوان “الوعي الحضاري", بأنه: “هو الفهم الأعلى الذى يجعل الإنسان يفهم مراد الفكرة من كل جوانبها, ويتسبب مع الأيام فى رفع قيمة الفكرة, فتصبح وعيًا لأنها تنعكس لا إراديًا على إدراكه وسلوكه". وقال: “الإسلام حرر العقول من فكر الأديان المحرفة، ليجعل الإنسان يصل إلى الصواب من خلال تحكيم العقول والتفكر في خلق الله, فالنهوض لا بد وأن يسبق بوعي حضاري, فالأساس الأول لتنفيذ مشروعات حضارية هو الوعي السليم, إن الوعي لا يكون وعيًا إذا ظل في إطار الأفكار ولم ينطبع على السلوك لا إراديًا". وذكر أنّ من مواصفات الوعي أنّه لا يحتمل العنف ولا يقبل الإكراه، بل يحتمل المناقشة العلمية واستدعاء البراهين والحجج العقلية, وأنه ينعكس على الوجود الخارجي للذات ولا يمكن أن يبقى قابعًا في الذهن". وتحدث عن معنى الاستخلاف, وقال أن “عمارة الأرض مقصد من مقاصد الوجود الإنساني ومقصد من مقاصد الشريعة، فالإنسان عبد لله وعامرٌ للأرض, فكلمة (خليفة) تعني عبادة الله عز وجل، وأن تكون عاملًا على هذه الأرض وإلا أصبح ما عليها فاسدًا. وعن التراث الفكري, قال د. مسفر: “نحن نمتلك ثروة فكرية وفقهية تجعلنا سادة وأوائل, لا تبّعًا وفي ذيل الأمم ولكننا لم نستغل هذه الثورة حق الاستغلال, ففقه العمران من فروض الكفايات، وهي فروض تهدف إلى تحويل المجتمع الإسلامي إلى مجتمع قوي وناهض". وبين القحطاني أنّ “أمة شاهدة لا بد وأن تكون عالمة", وتساءل “هل يمكن أن تكون أمة شاهدة ويملؤها الفقر والضعف والتبعية والفساد!". السنن الإلهية وتحدث د. جاسر عودة, الأستاذ المشارك ببرنامج السياسة العامة في كلية الدراسات الإسلامية بمؤسسة قطر في الدوحة, في محاضرة بعنوان “اصطحاب السنن الإلهية في التفكير المستقبلي", حول اطراد السنن الإلهية, وذكر من تلك السنن, سنة الوحدة, والرتق أو التواصل, والزوجية في البشر, والزوجية في الحيوانات, والزوجية في كل شيء, والتنوع الطبيعي, والتنوع الديني, والتوازن, والعدل, والجزاء, والدورات – في البشر, ودورة الحياة والموت, ودورة حياة النبات, ودورة الماء, ودورات الفلك, والتداول أو دورة الحضارات, والرزق, والتغيير, والنصر, والابتلاء, والتجاذب. أدوات التفكير وقدم د. عبد الحليم زيدان, خبير في التدريب الإداري والتطوير المؤسسي, محاضرة تحت عنوان “مدخل لموقع القيم من نسق بناء النهوض الحضاري", تحدث فيها حول المبادرات التقديمية, والفراغ الكامن والإبداع المبادر, كما تناول المنظور التأسيسي لصناعة المفاهيم والمهارات والآداب. ونصح د. زيدان المشاركين بألا يخرجوا من المخيم وقد بنوا أنفسهم فقط, بل يجب أن يعم الفكر وينتشر ويصبح ثقافة عامة ويتوسع ويتطور ويعم فائدته, ونصحهم بأن “ينتقلوا بالعلاقات التي نشأت فيما بينهم من مرحلة الأخُوة إلى مرحلة الصداقة التي هى أعلى مرتبة", و"ألا يكتفوا بالفرح وإظهار الإعجاب بما قُدّم في المخيم, بل أن يفكّروا كيف ينشروا الفكر, وكيف يجعلوا الأفكار ثقافة مجتمع, بالإضافة إلى إعادة بث الوعي وضخ الفكر وصناعة الثقافة", وفي نهاية المخيم, أنشد “قالوا لنا حان الوداع", فقال: “هل بعد هذا نفترق؟ لا لا لن نفترق.. هل بعد هذا نبتعد؟ لا لا لن نبتعد". وبيَّن م. هاني المنيعي, مدير الأبحاث والتطوير في مجموعة شركات الإبداع, أن دورة حياة الأفكار تمر بخمسة مراحل, الالتصاق, والانطلاق, والانتشار, والاندثار, والانحسار, وتحدث في المحور الأول الذي جاء تحت عنوان “التصاق الأفكار" عن كيفية عرض الفكرة, وبيَّن أن كلمة “التصاق" تحتوي على هي اختصار لست كلمات؛ ا = استعمل المشاعر الإيجابية, وتجنب السلبية, كذلك استخدم الاهتمامات الشخصية, ل = لتكن مفاجئة, فاستخدم أدوات إثارة الفضول لدى المستمع لك, واستخدم أيضًا التلميحات, ت = تأكد من المصداقية, ص = صياغة متينة, فتجنب الأفكار المجردة, ا = استخدم البساطة, وقدم جوهر الفكرة, كأنك تتحدث إلى شخص في مصعد, ق = قوة القصة. أما المحور الثاني فجاء تحت عنوان “انطلاق الأفكار", وبين أنه من اجل هذه الانطلاقة فإنه لابد من “أشخاص محوريين, ومجموعات وشبكات, وتطوير السوق, وعبور الهوة". وكان “انتشار الأفكار" هو عنوان المحور الثالث, وشرح فيه بالتجربة المعروضة في أفلام فيديو كيفية انتشار الأفكار, وقارنها بما تشبهه أثناء انتشارها, وذكر أن هناك ما يدعى “فيروس الأفكار", وشرح نظرية الاحتراق والاختراق, ومعادلة الانتشار للأفكار, ومتغيرات انتشار الأفكار, وخطواتها, قام المهندس المنيعي بعمل عدد من التدريبات أثناء الدورة, على الألوان, والأسئلة المثيرة, المحفزة للعقل. وقدم د. مصطفى حجازي, الخبير الدولي في مجال الاستشارات الاستراتيجية وحوكمة الكيانات الاقتصادية والاجتماعية, محاضرة بعنوان “التفكير الاستراتيجي", كما أدار م. وائل عادل, صاحب سلسلة زلزال العقول, ومدير القسم الإعلامي لأكاديمية التغيير, ورشة عمل, تحت عنوان “خديعة العقول: الرموز التضحية التاريخ الأيدلوجيا المعرفة". رحلة إلى المعزّ وخلال المخيم, أجرى عدد من المشاركين مزادًا للتبرع للشعب السوري, مقابل علم سوريا الموقّع عليه من المشاركين في المخيم, كما خرج المشاركون في رحلة إلى شارع المعز والمسجد الأزهر, قادهم وأرشدهم فيها المهندسان والباحثان بالعمارة الإسلامية, أحمد عمر ومحمد الفندي, تعرّف فيها المشاركين على أسس العمارة الإسلامية, مطلعين على بعض من آثار القاهرة الإسلامية. وأظهر المشاركون في المخيم العديد من المواهب والإضافات التي أثرت العمل وأكسبته بعدًا تفاعليًا, حيث قدمت فاطمة بدران قصيدة بعنوان “أقصى يغيب ولا يغيب", وقدم علي سليم, من لبنان, نشيد “مش هنفارق", كما أنشد أحمد الكريري, أنشودة “سوف نبقى هنا", وقال: تشرفتُ بكم جميعًا يا آلَ يقظة فكر, زادكمُ اللهُ هيبةً وجمالًا وجعل لقاءَنا وإياكم غير منقطع". وفي تعليقها على المخيم, قالت فداء عويسات: “تمنحنا الحياة فرصًا عظيمة, ومخيم يقظة فكر من أجملها", وقال يوسف هنريش, نيابة عن الوفد الليبي: “تشرفنا بلقائكم جميعا, ونتقدم شاكرين لإخواننا في يقظة فكر على مجهودهم الرائع والجبار في سبيل يقظة الأمة". وقالت جود الشريف: “حين تَأذن الشمس بالأفول, وتقارب لحظات النهار من الرحيل, يعم الكون حزن للوداع وترقب لنهار جديد هي أيام من فرح, أيام من متعة وفائدة, أيام تحليق وتخلق وترق ويقظة, بأسى نرقبها ترحل ونريد أن نستمتع بها للرمق الأخير, والطعم الأخير هو ما يستقر في الذهن. جزيتم خيرًا يا رواد يقظة فكر. يا من سهرتم وتعبتم وبذلتم. من لكم كل دعاء بكل فرحٍ وفرجٍ ورضا وسعادة ونهضة وكل ما تتمنون وتطلبون. ولكم رفاقي المشاركين أمنيات بأيام سعيدة ونهضوية وكتب لنا لقاءً بكم في القدس محررة على أيديكم وبعقولكم النيّرة". الجدير بالذكر أن مخيم يقظة فكر الثاني, الذي حضره شباب من فلسطين وليبيا والجزائر والأردن والعراق والسعودية واليمن والسودان ومصر ودولًا عربية أخرى, كان قد حضر حفل افتتاحه عدد من رجالات الفكر والثقافة, منهم الشاعر عبد الرحمن يوسف, والإعلامي علاء بسيوني, وعضو حركة مصر القوية د. مصطفى كمشيش, والمدرب حسام الحديني, والداعية شريف شحاتة, والمستشارة الاجتماعية د. فيروز عمر, والناشط د. وائل الزغبي, والبرلماني د. وليد الكحكي, ورجل الأعمال عمرو القاضي.