تستجيب معظم التهابات الجهاز البولي في الغالب للعلاج, ما لم تكن هناك أسباب رئيسية تؤدي إلى تكرار هذه الالتهابات. وأهم هذه الأسباب وجود انسداد (obstruction) في الجهاز البولي. ويمكن تقسيم أسباب الانسداد إلى: 1- أسباب خلقية: وتشمل تضيق فتحة مجرى البول (meatal stenosis), وتضيق عنق المثانة, وتضيق الحالبين, وتضيق الموصل الحويضي الحالبي (pelviureteric junction). 2- أسباب مكتسبة: وتشمل وجود حصيات في مجرى الجهاز البولي, والالتهابات المتكررة التي ينتج عنها تضيق (stricture) في الجهاز البولي. تؤدي هذه الانسدادات أو التضيقات, سواء مكتسبة أو خلقية إلى الركود البولي (urinary stasis) خلف التضيق وبالتالي تكرار الالتهابات والتضخم مثل موه الحالبين (hydroureter) وموه الكلى (hydronephrosis), وذلك يؤدي إلى ضمور في الأنسجة وقصور في وظائف الكلى وارتفاع في ضغط الدم لتكون النهاية هي الفشل الكلوي. ويعتمد تأثير وجود التضيق في إحداث المضاعفات على درجة التضيق وقربه من الكلى; فكلما كانت درجة التضيق أشد كان التأثير أسرع وكلما كان أقرب للكلى كان الضرر على الكلى أسرع. وأكثر الأماكن شيوعاً بالنسبة للتضيق في الجهاز البولي هي الفتحة الخارجية لمجرى البول غير أن بعدها عن الكلى يقلل التأثير بدرجات مختلفة حسب درجة تضيق فتحة مجرى البول حيث يبدأ التأثير على مجرى البول ثم المثانة ثم الحالبين ثم الكلى. وتبدأ ملاحظة هذا العيب الخلقي في الأطفال عن طريق الأهل نظراً لوجود بعض الأعراض غير الطبيعية المصاحبة للتبول مما سنعرض له في المناقشة. وقد تتأخر ملاحظة تلك الأعراض إلى المرحلة التي يبدأ فيها المريض بالشكوى وملاحظة تلك الأعراض. غير أن الأمر يختلف بالنسبة لأصحاب الإعاقة العقلية خاصة إذا تأخر التشخيص في المراحل الأولى عن طريق الأهل حيث يوجد عدم قدرة على التعبير بالشكل الصحيح لتلك الأعراض أو لوجود بعض الاضطرابات السلوكية التي تؤدي إلى بعض الصعوبة أثناء الفحص السريري وخاصة فحص الجهاز البولي التناسلي. وفي هذه الحالة نتعرض لإحدى هذه الحالات التي يوجد بها سبب خلقي في فتحة مجرى البول أدى إلى بعض المضاعفات نظراً لتأخر التشخيص. * تقرير الحالة (case report): ذكر عمره 32 سنة ولد لأبوين لا توجد صلة قرابة عائلية بينهما وكان حمله طبيعيا, غير أنه ولد ناقص النمو (7 أشهر), وقد تم وضعه في الحضَّانة (incubator) لمدة شهر ونصف مع العلم بأن جميع إخوانه وأخواته بحالة صحية جيدة ولا توجد بينهم ولا بين أفراد العائلة حالات إعاقة مماثلة. ومنذ دخوله دار التأهيل للرجال وهو يجد صعوبة في التحدث, مع عدم القدرة على التعبير والشكوى بصورة مفهومة. ويعاني كذلك من اضطرابات سلوكية وعدم استقرار حركي, لكنه يتحكم في البول ويعتمد على نفسه في التبرز. وأثناء الفحص الروتيني لوحظ وجود التهابات متكررة في تحليل البول مع علاجها عدة مرات بالمضادات الحيوية ولكنها كانت تعاود الظهور مرة أخرى بعد فترة قصيرة, مما أدى إلى البحث عن سبب هذه الالتهابات المتكررة بعمل بعض الفحوص الطبية بجانب الفحص السريري, حيث وجد بالفحص السريري تضيقاً حاداً في فتحة مجرى البول (pinhole meatal stenosis), بالإضافة إلى وجود مبال تحتاني حشفي (glandular hypospadias) وهو غير مختون (uncircumcised), وقد تم عمل أشعة عادية وبالصبغة لمعرفة مدى الضرر الناتج عن ذلك التضيق. وكانت النتيجة كالتالي: لا توجد حصيات أو تكلسات في الأشعة العادية, بينما أظهرت أشعة الصبغة وجود تضخم في المثانة وتغير في شكلها بالإضافة إلى وجود كمية كبيرة من البول بعد فيلم التفريغ مع تضخم بسيط بالحالبين وهذا يخالف الوضع الطبيعي (شكل 1). شكل (1) " أ " : تضخم بالكلى والحالبين والمثانة شكل (1) "ب" : أشعة بعد التفريغ توضح كمية كبيرة من البول في المثانة مع تضخم في جدار المثانة وقد تم إجراء عملية للمريض عند سن 29 لتوسيع مجرى البول بدون إجراء عملية الختان بدرجة تسمح دخول قثطرة مقاس 14 "فرنش" (f). وبعد سنة من إجراء العملية تم عمل أشعة مع اصبغة مرة أخرى وكذلك أشعة صاعدة على قناة مجرى البول والمثانة (ascending urography) عن طريق القثطرة حيث أظهرت الأشعات وجود تحسن في شكل جدار المثانة والحالبين وكذلك عدم وجود بقايا بول في المثانة بعد عملية التفريغ (شكل 2). وتمت متابعة المريض بواسطة عمل تحليل البول والتصوير بفائق الصوت وكانت النتائج سلبية. شكل (2) " أ " : أشعة صاعدة للمثانة شكل (2) " ب " : لا يوجد بول بالمثانة بعد عملية التفريغ *المناقشة: يعتبر تضيق فتحة مجرى البول (meatal stenosis) من أكثر أنواع العيوب الخلقية في الجهاز البولي شيوعاً في الأولاد حديثي الولادة; حيث تبلغ النسبة 5% من كل الأطفال الذين يراجعون عيادات المسالك البولية. وربما كان هذا التضيق عيباً خلقياً أو نتيجة لعامل مكتسب. وأهم سبب للعوامل المكتسبة هي حالات الختان. وتتمثل الأعراض المرضية المصاحبة لهذا الضيق في التهابات البول المتكررة ومن الممكن أن تؤدي تلك الالتهابات إلى تقرحات في مجرى البول نتيجة ركود البول خلف التضيق (stenosis) وضعف في تيار البول (weak stream) وكذلك آلام في القضيب (urethral pain) أثناء التبول كما يسبب التنقيط البولي أثناء التبول. هذا من الناحية السريرية, أما من الناحية الباثولوجية فإن تضيق مجرى البول يؤدي إلى تضخم (hypertrophy) في جدر المثانة. وزيادة عدد الخلايا وتضخم في العضلات والأنسجة الليفية في المثانة. ويؤدي كل هذا إلى زيادة الضغط في المثانة بشكل نسبي, مما يسمح بالتغلب على المقاومة الناشئة من ضيق مجرى البول. وإذا استمر الوضع على ذلك فترة طويلة فمن الممكن أن ينعكس ذلك على فتحتي الحالبين في المثانة فيؤدي إلى موه الحالبين (hydroureter) الذي من الممكن أن يؤدي بعد ذلك إلى تضخم في الكليتين (موه الكلى: hydronephrosis). ورغم أن هذا الاحتمال بعيد المدى نظراً لاعتماده على درجة التضيق وسرعة تأثيره على الكلى وخاصة في وجود الالتهابات البولية (utis) فإن ذلك وارد الحدوث. وفي هذه الحالة التي نعرض لها فإن كون المريض معاقاً عقلياً وغير قادر على التعبير بالشكل الصحيح. ولما سبق ذكره من أعراض مرضية, وكذلك تأخر اكتشافه بواسطةالأهل في مرحلة الطفولة فقد أدى إلى وجود بعض المضاعفات, مثل وجود التهابات بولية متكررة, أو وجود بول متبق في المثانة (residual urine) بعد عملية التفريغ كما هو موضح بالأشعة قبل العملية, بالإضافة إلى وجود عيب خلقي آخر, وهو المبال التحتاني الحشفي ولم تجر له عملية ختان (لاستبعاد العوامل المكتسبة). كل هذا يرجح أن هذا العيب الخلقي تأخر تشخيصه إلى أن حدثت تلك المضاعفات. وبعد إجراء العملية التي ربما لو لم تتم فمن الممكن أن تؤدي إلى ضمور في الأنسجة وقصور في وظائف الكلى مما سيؤدي إلى عدم جدوى العملية. الخلاصة: يجب الاهتمام بالفحص السريري للجهاز البولي التناسلي للمريض المعاق عقلياً ولو كان هناك بعض الاضطرابات السلوكية التي تؤدي إلى بعض الصعوبة في الفحص قبل الاعتماد على الفحوصات الطبية من أجل استبعاد وجود عيوب خلقية أو مكتسبة في الجهاز البولي التناسلي.