المستشفيات في الحضارات القديمة: الفراعنة تشير بعض الوثائق التاريخية في مصر إلى أن الفراعنة كانوا يستخدمون بعض معابدهم لإيواء وعلاج مرضاهم حوالي سنة 600 ق م الإغريق إن الطبيب الإغريقي الشهير أبوقراط 450 -370 ق. م يعتبر أول من وضع أساسيات معالجة المرضى حيث كان يعالج المرضى في المعابد الإغريقية التي اعتبرت النواة الأولى للمستشفيات الحالية أي أن تلك المعابد كانت تستخدم كدور للعبادة ولإيواء المرضى وعلاجهم وكان يجري فيها العمليات الجراحية وكذالك يتم فيها تعليم الراغبين في ممارسة الطب. بلاد الهند يذكر المؤرخون أن حضارة بلاد الهند شهدت بناء أماكن متواضعة لإيواء المرضى وعلاجهم وإجراء الجراحات فيها منذ العام 600 ق. م وخلال فترة رئاسة الملك (أسوكا) 273-232ق. م أصبحت هناك مستشفيات متطورة في الهند وفقا لمعايير ذلك العصر وكانوا يطلقون عليها مسمى (السيكيستا cikista).
الإمبراطورية الرومانية حرصت الإمبراطورية الرومانية على إنشاء أماكن لإيواء وعلاج المرضى ملحقة بالكنائس المسيحية خلال الفترة 350 -500 م، كما كانت هناك مستشفيات صغيرة لعلاج العسكريين حيث كان يتم نقل المصابين من الجنود في المعارك إلى هذه المستشفيات لتلقى العلاج وغالبا ما كانت تقام قرب الحدود وتبنى من الحجارة والخشب ومزودة بأدوات وأدوية. وفي عهد الإمبراطور قسطنطين 335م بدأ بناء المستشفيات المسيحية.
الإمبراطورية الفارسية أنشأت الإمبراطورية الفارسية مستشفيات في مدنها الرئيسية لعلاج المرضى وكانت تسمى (بيمارستانات) وهي كلمة فارسية تعني دار المرضى، ومن أشهر هذه البيمارستانات بيمارستان جنديسابور، فعندما مرض الخليفة العباسي المنصور سنة 148ه استدعي لمعالجته جورجيوس بن جبريل رئيس بيمارستان جنديسابور.
المستشفيات في العصر الإسلامي: تؤكد الحقائق التاريخية أن المستشفيات التي شيدها العرب المسلمون – لا سيما في دمشق وبغداد والقاهرة- كانت سابقة لزمانها، حيث اتسمت بالتنظيم الدقيق والكفاءة وجودة الخدمة. وكان المستشفى يقسم بناء على أساس علمي طبي إلى أجنحة مفصلة للأمراض المختلفة مثل: قسم أمراض النساء, قسم أمراض العيون, قسم الجراحة, قسم معالجة الحمى وغيرها. كما يضم قسما خاصا لمعالجة الحالات الطارئة. وكان به سجلات وتقارير طبية للمرضى، ومكتبة طبية، حيث كان المستشفى يقوم بدور التعليم أيضا من خلال المكتبة والسجلات والتقارير الطبية
يقول جيسس بينا عن المستشفيات عالية الكفاءة التي شيدها المسلمون في العصر الإسلامي خلال العصور الوسطى "كانت تعد إسهاما رائعا ومتميزا للحضارة وإن المصحات النفسية والعقلية قد أنشأها المسلمون قبل أن تعرفها أوروبا بعشرة قرون"
وعندما نعود إلى التطور التاريخي للمستشفيات في العصر الإسلامي فان " خيمة رفيدة " التي كانت في مسجد رسول الله (ص) تعتبر أول مستشفى ثابت في الإسلام، حيث كانت رفيدة تعالج فيه المرضى ومنهم سعد بن معاذ – رضي الله عنه- حيث أمرها الرسول (ص) أن تشرف على معالجته.
عصر الدولة الأموية كما أقام عبد الله بن الزبير خيمة لعلاج المرضى والمصابين وذلك في المسجد الحرام بعد أن أعلن خروجه على الدولة الأموية. ثم أقام الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك أول مستشفى في الشام لإيواء وعلاج المرضى وذلك عام 88ه كما أقام الحجاج بن يوسف الثقفي في العراق أول مستشفى هناك، وكان المستشفى بسيطا تتوفر فيه صيدلية وأطباء وخدم.
عصر الدولة العباسية أما العصر العباسي فقد شهد ازدهارا كبيرا في الطب والاستشفاء نتيجة لحركة الترجمة الواسعة وانتشار الفتوح الإسلامية وتواصل المسلمين مع الحضارات الأخرى وخاصة الفارسية. أقام هارون الرشيد مستشفى أشرف عليه أطباء فرس مشهورون آنذاك, كما أقام البرامكة مستشفى آخر ثم انتشرت المستشفيات التي أقامها الأهالي حتى وصل عددها في بغداد في العهد العباسي (14) مستشفى كبيرا وكانوا يطلقون عليها اسم بيمارستان أو مارستان.
ويمكن تصنيف المستشفيات في العهد العباسي على النحو الآتي: أولاً: المستشفيات الثابتة 1) المستشفيات الكبيرة ( البيمارستانات): كان المسلمون يختارون مواقع خلابة لإقامة مستشفياتهم وأكثرها أقيم على ضفاف نهري دجلة والفرات. فلقد شيد بيمارستان السيدة أم المقتدر على نهر دجلة في عام 306 هجرية. بيمارستان المقتدر على نهر دجلة في نفس العام. وفي عام 317 هجرية شيد عضد الدولة البيمارستان العضدي على نهر دجلة وهناك البيمارستان النوري في دمشق الذي بني سنة 459 هجرية. و البيمارستان المنصوري في القاهرة، ومارستان المنصور أبي يوسف في مراكش، ومارستان مكةالمكرمة.
وكانوا يهتمون بجمال مناظر البيمارستانات ويستخدمون الزخارف والنقوش والنوافير والأشجار لتجميلها. كان المسلمون يقسمون المستشفى إلى قسمين أحدهما للرجال والآخر للنساء، والي قاعات كل منها مخصص لعلاج معين، فهناك قاعة للتجبير وأخرى للمنومين، وثالثة للجراحة، ورابعة للمجانين. يضم المستشفى صيدلية يشرف عليها صيدلي متخصص في تركيب الأدوية ويعاونه مساعدون وخدم, ويتوفر في الصيدلية كمية كافية ومتنوعة من الأدوية, ومخزن لتخزين العقاقير. كذلك يضم المستشفى مكتبة بها كتب تتناول أمور الطب والعقاقير والأدوية. وكثيرا ما يوقف بعض المسلمين كتبهم لصالح مكتبات المستشفيات، وخير مثال على ذلك الملك نور الدين زنكي الذي أوقف عددا كبيرا من الكتب الطبية وغير الطبية في البيمارستان الذي أنشأه في القاهرة، أما سبل تمويل البيمارستانات فيتم عن طريق المقتدرين وما أوقف لها، وهناك أوقاف كثيرة رصد ريعها للنفقة على البيمارستانات.
2) مستشفى المدرسة: أقام المسلمون مستشفيات في المدارس الكبيرة مثل المدرسة المستنصرية، تتولي هذه المستشفيات علاج العاملين بالمدرسة من مدرسين وطلاب وخدم وغيرهم. وتضم المستشفى صيدلية بها أدوية وعقاقير ويتم تركيب الدواء حسب طلب الطبيب.
3) مستشفى السجن: انشأ المسلمون في العهد العباسي مستشفيات في السجون تتولى علاج المسجونين فيها وكذلك العاملين فيها، ولقد قام وزير الخليفة المقتدر ويدعى علي الجراح بإنشاء مستشفيات في السجون بعد أن زارها وساءه ما كان عليه حال المسجونين.
ثانياً: المستشفيات المتنقلة: 1) مستشفى السبيل: وهى المستشفيات التي ترافق قوافل الحجاج في ترحالهم من العراق والشام إلي بيت الله الحرام والمشاعر المقدسة، وتكون مزودة عادة بالأدوية والعقاقير والأطباء والممرضين بهدف علاج المحتاجين من المشاركين في هذه القوافل. يمول هذه المستشفيات المحسنون الذين كانوا يتسابقون للمساهمة في هذه النفقات. وتعود جذور هذه المستشفيات إلى أيام معاوية بن أبي سفيان الذي أوفد الطبيب أبا الحكم الدمشقي ليشرف على ابنه يزيد ابن معاوية ومن معه في القافلة المتجهة إلى الحج، وكان مع الطبيب الدمشقي مساعدون وممرضون وأدوات وغير ذلك.
2) المستشفى المحمول: وهي المستشفيات التي تنتقل إلي المناطق النائية تعالج المرضى والمصابين وتزودهم بالأدوية التي يحتاجونها. ويرجع تاريخها إلى عهد الخليفة المقتدر العباسي. . . حيث قام وزيره علي الجراح بإنشاء مستشفى محمول يتنقل حيث الحاجة من مكان إلى آخر. 3) مستشفى الجيش: وقصد بها البيمارستانات التي ترافق الجيوش. ويكون بها طبيب أو أكثر ومساعدون وصيادلة وخدم ومعهم أدوية وأدوات وعقاقير. ثالثاً: مستشفيات العزل: 1) دور المجذومين: وتعود جذورها إلى عهد الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك الذي خصص دورا خاصة لمرضى الجذام في الشام، وكذلك أقام عامله في العراق الحجاج بن يوسف الثقفي دور خاصة لعزل وعلاج المجذومين.
2) دور المجانين: لقد رفق المسلمون بحال المجانين واعتنوا بهم وعملوا على دراسة حالتهم ومعالجتهم، وأقاموا دورا لإيوائهم ومعالجتهم من قبل أطباء يعملون بها ومعهم صيادلة وخدم. ومن هذه المستشفيات مستشفى القاهرة الذي شيده صلاح الدين الأيوبي، ودار المجانين في دمشق.
ومن أبرز سمات مستشفيات العصور الإسلامية ما يلي: اختيار موقع بيئي صحي مناسب لإقامة المستشفى. وجود مستشفيات عامة وأخرى متخصصة. الاهتمام بنظافة بيئة المستشفى الداخلية. التركيز على جودة الرعاية الطبية المقدمة للمرضى. تنظيم مزاولة مهنة الطب والصيدلة عن طريق الترخيص بواسطة الامتحان.