· الستر المادى ، هو أن يتوفر لديك مصدراً أو أكثر للدخل ، بما يتيح لك سد كل احتياجاتك المتكررة ، والتى أصبحت تمثل نمطك الاستهلاكى المعتاد إلى حد الإشباع، وبما يضمن ويؤمن استمرارية هذا الإشباع فى المدى المنظور بالنسبة لك . · أما الستر المعنوى ، فهو كل ما يترتب على المكانة المستمدة من عمل ووظيفة وانتماء لمنظمة ما ، والقيام بدور اجتماعى وثقافى مؤثر ، وبما يتبلور فى النهاية بالشعور بالقيمة والأهمية الذى يصل إلى حد إشباع الاحتياجات النفسية ، وينتهى بتأكيد الذات والإحساس الصادق بالثقة بالنفس . · ومعيار مصداقية الستر المادى ، هو ضمان ثبات واستمرارية تدفق الدخل الذى يضمن استمرارية سد الاحتياجات التى تتطلبها ممارسة النمط الاستهلاكى المعتاد . · بينما معيار مصداقية الستر المعنوى ، هو ضمان استمرارية الدور الذى يقوم به الفرد فى تدعيم الآخرين ، ومدى تأثيره الإيجابى فيهم ، وبما ينعكس فى احترام وتقدير هؤلاء الآخرين للفرد وتقديرهم له ، ومدى إحساسهم بأهميته بالنسبة لهم ، وصولاً إلى تحديد المكانة المناسبة لهذا الدور وللقائم به . · والستر المادى لا زيف فيه ، فإما أنك فعلاً تملك الأموال اللازمة لسد الاحتياجات اللازمة لممارسة النمط الاستهلاكى المعتاد لك ، من خلال ما تشغله من وظيفة أو عمل ما يدر عليك الدخل الذى يحقق هذا الستر المادى ، وإما لا ، فلن يتحقق هذا الستر المادى دون توفر المال . · والعمل كنشاط إنسانى إيجابى وهادف ، وسيلته إعمال العقل من أجل تحقيق إضافة ما لم تكن موجودة من قبل ، لتحقق إشباع ما لفرد ما أو أفراد ما فى مكان عمل ما ، لا تتوقف قيمته ليس على درجة صعوبته ، وقيمة مخرجاته فقط ، ولكن ربما وهو الأهم على مدى ما يمكن أن يحققه من ستر مادى وستر معنوى للفرد القائم به ، وربما أيضاً يسبق الستر المعنوى الستر المادى فى تحقيق قيمة العمل . إلا أنه على الرغم من أن الستر المادى لا يأتى إلا من عائد العمل وتراكم هذا العائد على مدار فترات طويلة نسبياً سواء كان هذا العائد هو عائد عملك أنت ، أو عمل آخرين آل إليك عائد عملهم بالميراث ، فإن الستر المعنوى عائده قد يتراكم لك أنت فقط فى تدعيم مكانتك ، فهو لا يورث إلى الآخرين إلا فى المجتمعات القبلية وغير الناضجة وغير المتقدمة . · وليس صحيحاً أن الإنسان لا يبحث عن الستر المعنوى إلا بعد ضمان الستر المادى ، فهو يبحث عنهما معاً وبالتوازى ، خاصة لو كانت البيئة المحيطة دافعة على الطموح وداعمة للمشاركة الاجتماعية ، وتمنع أو تحد من الفردية ، ولا تسمح بوجود حالتى الرضا السلبى ( القبول عن عجز ) والعجز المكتسب ( الإحجام عن الفعل الحاد ) ، أما إذا كانت مظاهر ومواصفات البيئة المحبطة على العكس من ذلك كانت الدافعية نحو البحث عن الستر المعنوى ضعيفة ، وربما قد تكون غير موجودة ، حيث تتحول كل طاقات العمل على إيجادها إلى طاقات للبحث عن الستر المادى بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة وقد تسبق الطرق غير المشروعة الطرق المشروعة ، وحيث لا يهتم الفرد فى مثل هذه البيئة المحيطة بالستر المعنوى ، بل ربما قد يكون على استعداد بالتضحية به ، بل والقبول بالعرى المعنوى مقابل تدعيم الستر المادى .. بل وربما يتحول الإنسان فى هذه الحالة من إنسان إلى مجرد فرد باحث ليس فقط عن ستر مادى ، ولكن عن ما بعد الستر المادى أى جشع متزايد إلى تحقيق رفاهية مادية غير محدودة ، وممارسة لأنماط استهلاكية مستحدثة ، وجديدة بالنسبة له ، ليس كناتج لعمله أو جهده ، ولكن ربما على حساب استغلال الآخرين .. وحتى لو كان الثمن لهذه الرفاهية هو التضحية بالستر المعنوى بل وربما كما سبق القول قبول العرى المعنوى وعدم الخجل منه . · وفى البيئة المحبطة والمماثل أوصافها لما نعيشه فى بيئتنا الحالية ، يشتد الوعى لدى الغالبية ممن نالوا قسطاً مناسباً من التعليم ليس فقط بالستر المادى ، ولكن بكل ما يؤدى إلى تدعيم وتنمية النمط الاستهلاكى المتميز ، ويكون الستر المعنوى مشتق من هذا النمط الاستهلاكى المتميز ، ومن التفاخر بمظاهر هذا النمط ، ويكون المفهوم الوحيد للعرى المعنوى ليس هو التسلق بمعنى استغلال الآخرين بالتضليل فى الصعود الاجتماعى ، وامتلاك مصادر سلبية للقوة نتيجة تحالفات غير أخلاقية ، والكذب المعتمد على الآخرين بأن ما يقدمه لهم هو للصالح العام ، بينما هو فى صالحه فقط ، فى الوقت الذى يعرف الآخرين أنه يكذب ، ويعرف هو أن الآخرين يعرفون أنه يكذب . ولكن يتبلور للعرى المعنوى مفهوم وحيد هو أن يكون نمطك الاستهلاكى متواضع وغير قادر على المنافسة مع من هم فى مستواك ، بل وربما مع من هم أعلى منك ... وعندما يكون هذا هو مفهوم العرى المعنوى ، وعندما يكون المفهوم الوحيد للستر المعنوى هو أن تكون قادراً على المنافسة بنمط استهلاكى متميز .. لا يكون هناك لا تصالح مع النفس ولا تصالح مع الآخرين . · أعرف هذا ليس اليوم ولكن ربما منذ سنوات بعيدة نسبياً ، وعن اقتناع وإيمان فقد حصرت مفهوم الستر المعنوى بالنسبة لى فى أن أنقل ما أعرف ، وما أملك من معارف ومهارات إلى الآخرين بالتواصل معهم عبر كل ما أستطيع من قدرات ، وعبر كل ما يمكن أن يتاح لى من قنوات ، وكما حددت أيضا أن مقدار الأهمية المتزايد لشخصى ومكانتى سيتوقف على ما يمكن أن أقدم من نواتج فكرية قادرة على التأثير فى الآخرين . وبالتالى كنت أضع دائماً التواصل مع الآخرين هو الاختيار الأول .. وأن أحرص على دوام الانتماء لأى منظمة يمكن أن أنتمى إليها فى العقدين الآخرين من حياتى متطوعاً ( بأقل قدر من المال ، الذى أصر على صرفه كبدل انتقال وليس كمكافأة عن عمل أو مشورة أقدمها للجهة التى أنتمى إليها مستشاراً ) من منظور البحث عن الستر المعنوى الذى أسد به حاجتى إلى الأهمية من خلال ما أستطيع أن أقدمه لمن أعمل معهم وبينهم ، من خبرات ومعارف ومهارات ، وكما كنت أنظر إليهم كأبناء قبل أن يكونوا زملاء . إلى أن كان ضرورة تدعيم هذا التواصل بهذا الموقع الالكترونى الذى كان دافعه الوحيد هو الستر المعنوى بتدعيم وتطوير التواصل مع الآخرين ونقل خبراتى إليهم سواء من خلال إطلاعهم على ما هو متاح من خبرات وبرامج فى الموقع ، وما يمكن أن يتاح لهم إذا ما قاموا بالاتصال بى مباشرة ، لأقدم لهم ما يطلبون مما هو موجود فى الموقع وغير متاح الحصول عليه بشكل مباشر ، وذلك ليس لتعذيبهم أو التضييق عليهم أو الحصول على المال ، ولكن لأتواصل معهم ولأبدى استعدادى لهم لتقديم النصح والمشورة ... كل هذا تأكيد للستر المعنوى الذى لا أعرف غير معنى وحيد له بالنسبة لى هو أن أهميتى الحقيقية تكمن وتتبلور فيما يمكن أن أقدمه من دعم معرفى للآخرين ، وفيما أستطيع أن أعلمه لهم . لأنى أعرف أن المؤشر الوحيد للاقتراب من النهاية هو انحسار الستر المعنوى .. والذى تكون أهم الدلائل عليه هو أن لا يقدر الآخرين ما تقدمه متطوعاً ، وأن تطلب منهم بإلحاح أن يصدقوا أنك تبحث عن الستر المعنوى من خلال التواصل الفاعل معهم ، وأن تقدم لهم كل الأدلة الصادقة والحقيقية على واقعية ما تقول وما تفعل ، ومع هذا ينحسر من يبحثون عن ما تعرف رغم محاولتك الجادة تدعيم ما تعرف بكل جديد حتى لا تتخلف عن الجديد وتكون مسايراً لما هو معاصر ، وعندما لا تجد من يأخذ ما تلح على إعطائه للآخرين ، تشعر بالحسرة مرتين الأولى أنك تعرف أن هناك الكثيرين فى حاجة ماسة لهذا العطاء ، والثانية أن مؤشرات انحسار الستر المعنوى قد بدأت فى الظهور السافر ، فيتسرب لديك إحساس بأن النهاية قد اقتربت ، وهو الأمر الذى لا أمنعه ولا يمكن أن أمنعه فهو بيد الخالق ، ولكن لا أحب أن تأتى النهاية دون أن أكون فى كامل الستر المعنوى ، وحتى لو جاءت وكان هناك قصور فى الستر المادى فإنى أقبل به ، ولكن كم ستكون نهاية حزينة عندما تأتى وقد انحسر الستر المعنوى . فأنا أشعر عن صدق جازم أن من يفقدنى الستر المعنوى إنما يقطع أصابع كفى ، ومن يقطع أصابع كفى يورثنى العجز والمهانة ، ومن يقدم لى الستر المعنوى فى هذا العمر إنما يعطينى قبلة الحياة ، ويمد فى عمرى .. لذلك تواصلوا معى واسألونى ، ومن يريدونى متطوعاً لأنقل إليهم خبراتى فإنى لن أتردد أبداً فى أن أقدم لهم خبراتى وكل ما أعرف ، بحثاً عن ستر معنوى أرجو أن لا ينحسر حتى لا تأتى النهاية حزينة . د. محمد كمال مصطفى استشارى إدارة وتنمية الموارد البشرية