تختلف إشارات الحزن والكآبة والخمول مع التقدّم في السن، فإن لمحناها عند شخص مسنّأو طاعن في السن يجبألا نتجاهل الوضع ظناً منا أنها حالة عابرة وسرعان ما ستعود الأمور إلى مجراها، لأن مؤشرات الكآبة، وتحديداً إذا ما استمرت وتواصلت، قد تتحول إلى اكتئاب، أما تلك الظاهرة فتختلف للغاية بين الراشد الشاب والراشد المسن، تماماً ما قد نعتبره نحن مجرد اكتئاب، قد يوقع بداية اختلال عقلي عند الشخص المسنّ. الكآبة المستمرة عند المتقدم في السن، قد تُفضي إلى "جنون" أو نوع من الاختلال، وهذا هو الأسوأ؛فقد تراود الشخص أفكاراً انتحارية، مع العلم أن حالة الاكتئاب أو الخمول والحزن، وأحياناً الإحباط، قد لا تظهر جلية للعيان، لكنها من أهم الاضطرابات السلوكية. وعليه، يجب تشخيصها في وقت مبكّر،أولاً بغية اكتشاف موقع الاختلال، وثانياً لتجنُّب أي محاولة انتحار. من الأساسي أن يتنبه الأهل أو المقربون وبأسرع وقت ممكنإلى اي تراجع في الحماس والحيوية أو الاندفاع لدى المسن، حتى اللامبالاة والتكاسل أو الخمول مؤشرات مسبقة قد تنذر ببداية الآلزايمر، وذلك قبل بلوغ مرحلة الجنون أو الخبول. أيضاً، تلك العناصر ال3 هي من أول أعراض الاكتئاب، الذي يمكن ربطه بداء الآلزايمر. أما اضطرابات السلوك فقد تشكّل أول دليل ملموس على خلل في وظيفة الدماغ. مؤخراً، اقترحت المنظمة الدولية لطب النفس الخاص بالمسنّين، تصنيف هذه الاضطرابات في خانة "الأعراض النفسية والسلوكية"،وهي تشمل اضطرابات الإحساس الإدراكي، وماهية أو محتوى الأفكار، والسلوك والمزاج. هذا التصنيف يسمح أيضاً بتسجيل او رصد كل ما يمكن ملاحظته أو مشاهدته من إشارات: عدائية،أو تململ، أو تردد أو ارتباك، أو حركات غريبة خارجة عن المعهود.. وكذلك الأمر في كل ما هو انفعالي عاطفي: قلق، خوف، اكتئاب.. إذاً، عند أدنى مؤشر تراجع أو خلل او اضطراب في السلوك، أو في التفكير،تجب استشارة اختصاصي في المجال، لأن اختصاصيي طب النفس يستعملون مجموعة من الاختبارات النفسية العصبية التي تتناول اللامبالاة والخمول،ويكون ذلك بمنزلة تشخيص محتمل لحالة من الآلزايمر. أما أعراض الاكتئاب؛ من حزن، أو تشاؤم، أو شعور بالذنب، أوتصورات "سوداوية" انتحارية، فهي بداية الجنون، من هنا تأتيأهمية التشخيص المبكّر، لكشف بداية الآلزايمر، والحؤول دون مخاطر الانتحار. أعراض الاكتئاب لدى المسن تمتاز بخصائص سريرية إكلينكية، منها: 1- لا تعبير واضحاً عن الحزن. 2- قلق شديد واضطرابات بارزة في الطبع. 3- خمول سائد. وفي حالة الاكتئابالخفي أو الكامن، قد يتشكي المسنّ من أوجاع متفرقة في الجسم، ومن اضطرابات في الذاكرة من النوع الذاتي، وهنا يوصى بسرعة مراجعة اختصاصي ذاكرة واستذكار، لتقييم الحالة النفسية بشكل دقيقوعميق. كيف يتم تقييم الوظائف الإدراكية؟ تنظّم عملية المعرفة أو الإدراك عادة بحسب أجهزة تشريحية ووظائفية كبرى مختلفة ومستقلة الواحدة عن الأخرى،ويقسم الخبراء هذه الأجهزة إلى نوعين: أجهزة أولية أو بدائية (بصر، وسمع، وحركات..) وأجهزة عليا أو متفوقة؛ جهاز كبير للفهم وإنتاج اللغة. يجدر العلم بأن الأجهزة الإدراكية المعرفية ترتبط بمواقع محددة في الدماغ،وهذا يسمح بتكوين فكرة حول المواقع الدماغية الضعيفة،أو مواقع التلف في حال وجود أي نقص أو عجز في واحدة أو اكثر من هذه الوظائف الإدراكية. إضافة إلى أن كل مرض عصبي تنكسي (الآلزايمر على سبيل المثال) يُظهر نمطاً خاصاً من التلف الدماغي، وبالتالي، التراجع الإدراكي المعرفي، وعليه، من الممكن بناء تشخيص على أسس قياس أو تحديد مواصفات الخلل الإدراكي، هذا الخلل قد يُفصح عنه المريض عفوياً،أو يُخبر به محيط المريض من الأهل أو المقربين، هو يشكل أول مؤشر منذر ببداية مرض تنكسي،لذا يجب توخي أشد تيقّظ خلال مقابلة الطبيب أو الاختصاصي للمسن، حتى ولو كان هذا الأخير يشكو من اضطرابات الذاكرة، فقد يكون هناك أبعاد أخرى، مثل سلوكالخمول، أو اللامبالاة، أو الكسل، أو السأم.. اليوم، وبفضل تقدم التقنيات الطبية والعلمية، تتوفر المعدات المناسبة في المراكز المتخصصة؛ من تحاليل عصبية نفسية محددة وغيرها، وذلك بغية تقييم سلامة وصحة عمل مختلف الأجهزة الإدراكية المعرفية لدى المريض. من جهة أخرى، يسهل على الطبيب العام حتى استعمال بعض الأدوات البسيطة والتي تسمح بوضع التشخيص،وتلك باتت متوفرة وسريعة وسهلة وموحّدة الاستعمال.