محافظ سوهاج يتابع انطلاق البرنامج التدريبي "المرأة تقود"    قرار جمهوري بترقية عدد من مستشاري هيئة قضايا الدولة    هام وعاجل من التعليم قبل بدء الدراسة: توجيهات للمديريات    سعر اليورو اليوم الإثنين 18 أغسطس 2025 بختام التعاملات بالبنوك المصرية    محافظ بنى سويف يشهد احتفالية تجهيز 20 عروسا من الفئات الأولى بالرعاية    استقالة رئيس صندوق مصر السيادي السابق من عضوية شركة نايل سات    نزع ملكية أراضي وعقارات لإنشاء محور دار السلام على النيل    الرئيس السيسى: ضرورة البدء الفورى فى عملية إعادة إعمار غزة عقب وقف إطلاق النار    نسف للمنازل وقصف إسرائيلي لا يتوقف لليوم الثامن على حي الزيتون    "العدل": على دول العالم دعم الموقف المصري الرافض لتهجير الفلسطينيين من أرضهم    إندبندنت: احتجاجات تل أبيب الأكبر والأعنف للمطالبة بوقف الحرب على غزة.. صور    اتحاد الكرة يقرر مد فترة قيد القسم الرابع والمراحل السنية وكرة الصالات    رئيس مجلس أمناء الجيزة: البكالوريا تصنع الحافز وتغذي الحلم لدى الطلاب    القبض على سائق توك توك لاتهامه بالسير عكس الاتجاه فى الإسكندرية    حبس المتهمين بالتخلص من جثة صديقهم أثناء التنقيب عن الآثار في الشرقية    مقتل شخص بطلق نارى خلال مشاجرة بسبب خلافات الجيرة فى المحلة    جامعة حلوان تستضيف طلاب الجرافيك من كلية الفنون الجميلة – جامعة المنصورة    الليلة.. عروض فنية متنوعة ضمن ملتقى السمسمية بالإسماعيلية    تعرف على إيرادات فيلم "أحمد وأحمد"    أكرم القصاص: مصر قدمت 70% من المساعدات لغزة وقادرة على تقديم المزيد    البحوث الفلكية: غرة شهر ربيع الأول 1447ه فلكياً الأحد 24 أغسطس    جولة تفقدية لوكيل الطب الوقائى بوحدة طب أسرة دروة بأجا فى الدقهلية    الصحة العالمية تقدم أهم النصائح لحمايتك والاحتفاظ ببرودة جسمك في الحر    طريقة عمل الكريب، أكلة سريعة ومناسبة لأجواء الصيف    رئيس "الجبهة الوطنية": الفرص متساوية في الترشح لانتخابات "النواب".. والشفافية تحكم الاختيار    "ما السبب؟".. رد حاسم من لجنة الحكام على طلب الأهلي بإيقاف معروف    بعثة يد الزمالك تطير إلى رومانيا لخوض معسكر الإعداد للموسم الجديد    الفنانة مي عز الدين تخطف الأنظار فى أحدث ظهور من إجازتها الصيفية    "كان بيطفي النار".. إصابة شاب في حريق شقة سكنية بسوهاج (صور)    "عين شمس" ضمن أفضل 700 جامعة عالميا وفق تصنيف شنغهاي 2025    القومي للاتصالات يفتح باب التقديم في برنامج "سفراء الذكاء الاصطناعي"    أرباح "أموك" للزيوت المعدنية ترتفع طفيفا إلى 1.55 مليار جنيه في 6 أشهر    مقترح برلماني لتعديل مواعيد العمل الرسمية من 5 فجرًا إلى 12 ظهرًا    الجمعة.. ويجز يحيي حفلًا بمهرجان العلمين    حظك اليوم.. تعرف على توقعات الأبراج اليوم الاثنين    الديهي يكشف تفاصيل اختراقه ل"جروب الإخوان السري" فيديو    رضا عبدالعال: خوان ألفينا سيعوض زيزو في الزمالك.. وبنتايج مستواه ضعيف    اليوم.. الأهلي يتسلم الدفعة الأولى من قيمة صفقة وسام أبو علي    بالفيديو.. الغرف التجارية: متابعة دائمة من الأجهزة الرقابية لتطبيق التخفيضات خلال الأوكازيون    في يومها الثالث.. انتظام امتحانات الدور الثانى للثانوية العامة بالغربية    وزيرة التضامن الاجتماعي: دعم مصر لقطاع غزة لم يكن وليد أحداث السابع من أكتوبر    أسعار اللحوم اليوم الاثنين 18 أغسطس 2025 في أسواق الأقصر    مؤتمر صحفي مشترك بين وزير الخارجية ورئيس وزراء فلسطين أمام معبر رفح    وفاة شاب صدمته سيارة مسرعة بطريق القاهرة – الفيوم    "الأغذية العالمى": نصف مليون فلسطينى فى غزة على شفا المجاعة    «التعليم» ترسل خطابًا بشأن مناظرة السن في المرحلة الابتدائية لقبول تحويل الطلاب من الأزهر    «متحدث الصحة» ينفي سرقة الأعضاء: «مجرد أساطير بلا أساس علمي»    مدرب نانت: مصطفى محمد يستحق اللعب بجدارة    دار الإفتاء توضح حكم شراء حلوى المولد النبوي والتهادي بها    التعليم تحسم الجدل : الالتحاق بالبكالوريا اختياريا ولا يجوز التحويل منها أو إليها    محافظة بورسعيد.. مواقيت الصلوات الخمس اليوم الإثنين 18 أغسطس 2025    قوة إسرائيلية تفجر منزلًا في ميس الجبل جنوب لبنان    "2 إخوات أحدهما لاعب كرة".. 15 صورة وأبرز المعلومات عن عائلة إمام عاشور نجم الأهلي    دعه ينفذ دعه يمر فالمنصب لحظة سوف تمر    أسفار الحج 13.. من أضاء المسجد النبوى "مصرى"    سامح حسين يعلن وفاة نجل شقيقه عن عمر 4 سنوات    رضا عبد العال: خوان ألفينا "هينَسي" الزملكاوية زيزو    ماكرون: لا أستبعد أن تعترف أوكرانيا بفقدان أراضيها ضمن معاهدة سلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قرأة تحليلية لرواية الكاتبة نهال تجدد «الرومي نار العشق»

يبدو أن سيرة جلال الدين الرومي بما حوته من علاقة شائكة بشمس التبريزي وصلت إلى حدّ العشق، وانتهت بالاختفاء المجهول لشمس التبريزي، ستظل تلهم الكُتَّاب لاستجلاء العلاقة بين المريد والأستاذ، فمن قبل أصدرت الكاتبة التركية أليف شفق روايتها «قواعد العشق الأربعون» أو «عشق» وتناولت فيها عبر مراوحة بين حكاية عزيز وإيلا التخيليّة وحكاية جلال الدين الرومي وشمس التبريزي الحقيقية. وبعد فترة قامت الكاتبة المولودة في فرنسا مورلمفروي بكتابة روايتها «بنت مولانا» وفيها تطرّقت إلى هذه السيرة والعلاقة الملتبسة بين الطرفين. وعلى ذات التيمة التي دارت في العمليْن السابقيْن تدور رواية الإيرانية التي تقيم في فرنسا نهال تجدُّد "الرومي: نار العشق".
تتناول رواية «الرومي: نار العشق» للكاتبة الإيرانية التي تقيم في فرنسا نهال تجدُّد، شخصيتين تاريخيتين هما شمس التبريزي وجلال الدين الرومي. وإن كانت الرواية ليست الأولى التي تتناول هاتين الشخصيتين، فإنه في رواية تجدّد ثمة حضور خاص لشخصيات ارتبطت بمولانا لم تقف عندها الأعمال السابقة التي تناولت شخصيته، فتعطي الكاتبة مساحة سردية لحسام الدين التلميذ والمحاسب في المدرسة الذي يقوم هنا بروي الحكاية بضمير المتكلم باعتباره شاهدا على الأحداث، والشخصية الثانية التي تُعطي لها الكاتبة مساحة لا بأس بها، شخصية صلاح الصائغ الذي كان ينفر منه شمس ودائما يوبخه لعدم نطقه الحروف جيدا، وكان دائما يشكو منه قائلا «إنه يشوشنا» لكن المفاجأة في أنّه سيحتل ذات المكانة التي احتلها شمس لدى مولانا بعد رحيله، ويجعله مرشدا ومعلما للإخوة، وهو الأمر الذي كان مثار تساؤلات الكثيرين، إلى أن يطلعهم مولانا على حقائق لا يعرفونها عن هذا الصائغ الذي ارتبط به واختصه دون سائر التلاميذ بأن أقام عنده هو وضيفه سبعة أشهر.
لقاء الخلوة
ليست أهمية رواية «الرومي نار العشق» الصادرة عن منشورات الجمل بغداد، وبترجمة خالد الجبيلي، في أنها تتحدث عن أشخاص تجاهلتهم المرويات التي اتخذت من الرومي موضوعا لها وفقط، وإنما في أنها مروية من شخص كان على صلة وثيقة بمولانا وبشمس أيضا، بل كان حاضرا في الكثير من المواقف التي يرويها من منظور شاهد العيان، إنّه حسام الدين جلبي حسن بن محمد بن حسن، الذي ذكر في سيرته أن «مولانا عشقه»، وأيضا هو الذي كتب كتاب مولانا «المثنوي»، كما كان شاهدا لحظة دخول مولانا وشمس إلى الحجرة وخلوتهما التي استمرت 40 يوما وهي الخلوة التي نتج عنها 50 ألف بيت من الشعر الصوفي، على الرغم مما قيل عن هذا اللقاء الحاسم، الذي كشف فيه الراوي تفاصيل عن شخصية الرومي وعلاقته بالكشف، وأيضا كيف تجلى الله له ولشمس، وهو الأمر الذي تكرر مع الصائغ الذي تجلى له الله في الحمام. كما أن هذا القرب وتلك المكانة اللذين تميز بهما حسام، جعلاه يفسر الكثير من الرباعيات التي قالها مولانا ويوضح مناسباتها، فالنص يحتوي على الكثير مِن هذه الأشعار الموزعة في سياقات متعددة تكشف مناسبات القول ودوافع التأليف.
الرواية تنقسم إلى ثلاثة كتب وهي عبارة عن حكايات مروية من شخص كان على صلة وثيقة بمولانا وبشمس أيضا ويُعلن الراوي شاهد العيان والحاضر في النص عن ذاته داخل النص، بهذه الصيغة «أنا حسام الدين محاسب المدرسة» وفي الجزء الأخير (الخاتمة) توضح الكاتبة لماذا لجأت إلى اختيار هذه الشخصية لسبر أغوار شخصية مولانا. وعبر هذا الموقع المتميز يرصد الراوي التغيرات التي طرأت على شخصية مولانا بعد قدوم شمس، وما تبعها من حالة الملل والقلق التي انتابت تلاميذه والتي وصلت إلى وصف شمس «بالتافه ومجهول النسب» كما ورد عن اليوناني علاء ذريانوس الذي أنقذه مولانا من القتل فصار واحدا من المريدين، بالإضافة إلى حالة الغيرة التي تحولت إلى كراهية من علاء الدين ابن مولانا وهو ما أفضى إلى أن يرفض مولانا الصلاة عليه، ولا يزور قبره إلا عندما زار قبر صلاح الصائغ، وعندها فقط غفر له، وطالب الآخرين بأن يغفروا له.
كما يروي السارد عن أثر رحيل شمس على مولانا والبيت، فعلى مدار عام «هيمن صمت مطبق، ولم يسمع قرع الدفوف وغابت البهجة عن النفوس وتوقفت جلسات الموسيقى والسماع»، أما مولانا فقد كان ارتباطه بالحياة يكمن في الأمل في أن يوافيه أحد بأي معلومات عن شمس، ومن أثر الغياب تحول الرومي الحليم «إلى شخص نزق، برِم، سريع الغضب، لقد أصبح شمس التبريزي نفسه». وهذا الموقع الذي احتله حسام بقربه من مولانا، ساعده على أن يقدِّم تفاصيل دقيقة وردت عن شخصيتي شمس ومولانا.
كرامات مولانا
توزِّعُ الكاتبة الحكاية عبر ثلاثة كتب وخاتمة، الأول بعنوان «كتاب شمس التبريزي» وهو أكبر الأقسام، حيث يأتي في تسع وحدات معنونة بعناوين تحمل صيغة مجازية وبعضها شطور من أبيات لمولانا نفسه، أو جمل قالها مولانا أو شمس في سياقات مختلفة، والكتاب الثاني بعنوان «كتاب صلاح الدين» ويحتوى على أربع وحدات، أما الكتاب الأخير فعنونه ب “كتاب حسام الدين” ويشغل هو الآخر أربع وحدات، أما الخاتمة فهي عن سيرة الكتابة حيث تعلق المؤلفة عن النص، وكيف طاردها حتى كتبته، ولماذا جعلت الروي على لسان حسام.
تتضمن الكتب الثلاثة إلى جانب علاقة هذه الشّخصيات بمولانا، الكثير من التفاصيل عن كرامات مولانا وفيوضاته عندما تحدّث معه جسده، وكذلك الأشجار، وأيضا عندما مات حمزة عازف الناي وذهب إليه برفقة حسام الذي يشهد على الواقعة، ثم سمع الجميع صوت الناي، وأيضا قصته مع الشيخ ناصر الذي كان يشوه صورته وعندما سمع مولانا منه ما يقول «صاح فيه وأنت أيها اللوطي كيف تختار؟»، وانتهى الأمر بناصر الشيخ العارف إلى أن يعيش في أسوأ حي في قونية، يبحث عن شخص يرضي شهوته بأجر، ومنها أيضا المومس التي صارت مِن أشد المريدات ولها بمولانا وأغلقت بيتها وحررت الفتيات منه وتركت البيت نهبا للصوص. كما تروي الكاتبة مشاهد عذبة متناغمة مع إيقاع رقصة السماع التي بدأ يتعلمها مولانا، كما تكشف عن دلالة رقصة السماع وما تتضمنه من رمزيات حيث اختيار اللون الأبيض في إشارته للكفن، والدوران الذي بمثابة «صلة الوصل بين السماء والأرض» للراقص، وما تبعه من تبدل الأوضاع واستبدال المكتبة بالآلات الموسيقية.
لا يغفل الراوي وهو يسرد وفقا لتواريخ زمنية تمتد إلى تبريز مسقط رأس شمس وتعلمه على يد أُستاذ يدعى حائك السلال، ورحلة بحثه عن أستاذ يرى فيه شيئا لم يره شيخه أو أي إنسان آخر، مرورا برحلته إلى الأناضول ولقائه بالأستاذ الرومي وما تخلل الرحلة من أحداث وصولا إلى وفاة مولانا، الأحداث السياسية الموجعة التي حدثت خلال الفترة التي التقى فيها القطبان وما تخللها مِن ظُهور التتار وحروبهم ضد الإسلام، فيذكر أن رحيل شمس من بلدته بلخ كان أولا بسبب تهديدات المغول لبلاده واحتلالها، وعندما قدم إلى قوينة والتقى بمولانا كانت تحركات المغول وحوادثهم في كل مكان، ويكشف الكتاب عن نوع من التواطؤ بين الحكام وقادة المغول، «كنوع من المحافظة على مدنهم من الدمار».
تأثير الثقافة الفارسية واضح على الكاتبة ذات الجذور الفارسية، لكنها تختلف نهال تجدّد عمّن تناولوا العلاقة بين الرومي وشمس، في أنها تورد المنابع الفكرية لكل منهما وتقدم الكثير من العبارات الخاصّة بهما ومجادلاتهما، بل إن الجمل الحوارية التي دارت على ألسنة الشخصيات جُمل حقيقية مُستقاه مِن أعمالهم، وهو ربط بين حضور هذه الأعمال داخل النص بطريقة لافتة.

يبدو أن سيرة جلال الدين الرومي بما حوته من علاقة شائكة بشمس التبريزي وصلت إلى حدّ العشق، وانتهت بالاختفاء المجهول لشمس التبريزي، ستظل تلهم الكُتَّاب لاستجلاء العلاقة بين المريد والأستاذ، فمن قبل أصدرت الكاتبة التركية أليف شفق روايتها «قواعد العشق الأربعون» أو «عشق» وتناولت فيها عبر مراوحة بين حكاية عزيز وإيلا التخيليّة وحكاية جلال الدين الرومي وشمس التبريزي الحقيقية. وبعد فترة قامت الكاتبة المولودة في فرنسا مورلمفروي بكتابة روايتها «بنت مولانا» وفيها تطرّقت إلى هذه السيرة والعلاقة الملتبسة بين الطرفين. وعلى ذات التيمة التي دارت في العمليْن السابقيْن تدور رواية الإيرانية التي تقيم في فرنسا نهال تجدُّد "الرومي: نار العشق".
تتناول رواية «الرومي: نار العشق» للكاتبة الإيرانية التي تقيم في فرنسا نهال تجدُّد، شخصيتين تاريخيتين هما شمس التبريزي وجلال الدين الرومي. وإن كانت الرواية ليست الأولى التي تتناول هاتين الشخصيتين، فإنه في رواية تجدّد ثمة حضور خاص لشخصيات ارتبطت بمولانا لم تقف عندها الأعمال السابقة التي تناولت شخصيته، فتعطي الكاتبة مساحة سردية لحسام الدين التلميذ والمحاسب في المدرسة الذي يقوم هنا بروي الحكاية بضمير المتكلم باعتباره شاهدا على الأحداث، والشخصية الثانية التي تُعطي لها الكاتبة مساحة لا بأس بها، شخصية صلاح الصائغ الذي كان ينفر منه شمس ودائما يوبخه لعدم نطقه الحروف جيدا، وكان دائما يشكو منه قائلا «إنه يشوشنا» لكن المفاجأة في أنّه سيحتل ذات المكانة التي احتلها شمس لدى مولانا بعد رحيله، ويجعله مرشدا ومعلما للإخوة، وهو الأمر الذي كان مثار تساؤلات الكثيرين، إلى أن يطلعهم مولانا على حقائق لا يعرفونها عن هذا الصائغ الذي ارتبط به واختصه دون سائر التلاميذ بأن أقام عنده هو وضيفه سبعة أشهر.
لقاء الخلوة
ليست أهمية رواية «الرومي نار العشق» الصادرة عن منشورات الجمل بغداد، وبترجمة خالد الجبيلي، في أنها تتحدث عن أشخاص تجاهلتهم المرويات التي اتخذت من الرومي موضوعا لها وفقط، وإنما في أنها مروية من شخص كان على صلة وثيقة بمولانا وبشمس أيضا، بل كان حاضرا في الكثير من المواقف التي يرويها من منظور شاهد العيان، إنّه حسام الدين جلبي حسن بن محمد بن حسن، الذي ذكر في سيرته أن «مولانا عشقه»، وأيضا هو الذي كتب كتاب مولانا «المثنوي»، كما كان شاهدا لحظة دخول مولانا وشمس إلى الحجرة وخلوتهما التي استمرت 40 يوما وهي الخلوة التي نتج عنها 50 ألف بيت من الشعر الصوفي، على الرغم مما قيل عن هذا اللقاء الحاسم، الذي كشف فيه الراوي تفاصيل عن شخصية الرومي وعلاقته بالكشف، وأيضا كيف تجلى الله له ولشمس، وهو الأمر الذي تكرر مع الصائغ الذي تجلى له الله في الحمام. كما أن هذا القرب وتلك المكانة اللذين تميز بهما حسام، جعلاه يفسر الكثير من الرباعيات التي قالها مولانا ويوضح مناسباتها، فالنص يحتوي على الكثير مِن هذه الأشعار الموزعة في سياقات متعددة تكشف مناسبات القول ودوافع التأليف.
الرواية تنقسم إلى ثلاثة كتب وهي عبارة عن حكايات مروية من شخص كان على صلة وثيقة بمولانا وبشمس أيضا ويُعلن الراوي شاهد العيان والحاضر في النص عن ذاته داخل النص، بهذه الصيغة «أنا حسام الدين محاسب المدرسة» وفي الجزء الأخير (الخاتمة) توضح الكاتبة لماذا لجأت إلى اختيار هذه الشخصية لسبر أغوار شخصية مولانا. وعبر هذا الموقع المتميز يرصد الراوي التغيرات التي طرأت على شخصية مولانا بعد قدوم شمس، وما تبعها من حالة الملل والقلق التي انتابت تلاميذه والتي وصلت إلى وصف شمس «بالتافه ومجهول النسب» كما ورد عن اليوناني علاء ذريانوس الذي أنقذه مولانا من القتل فصار واحدا من المريدين، بالإضافة إلى حالة الغيرة التي تحولت إلى كراهية من علاء الدين ابن مولانا وهو ما أفضى إلى أن يرفض مولانا الصلاة عليه، ولا يزور قبره إلا عندما زار قبر صلاح الصائغ، وعندها فقط غفر له، وطالب الآخرين بأن يغفروا له.
كما يروي السارد عن أثر رحيل شمس على مولانا والبيت، فعلى مدار عام «هيمن صمت مطبق، ولم يسمع قرع الدفوف وغابت البهجة عن النفوس وتوقفت جلسات الموسيقى والسماع»، أما مولانا فقد كان ارتباطه بالحياة يكمن في الأمل في أن يوافيه أحد بأي معلومات عن شمس، ومن أثر الغياب تحول الرومي الحليم «إلى شخص نزق، برِم، سريع الغضب، لقد أصبح شمس التبريزي نفسه». وهذا الموقع الذي احتله حسام بقربه من مولانا، ساعده على أن يقدِّم تفاصيل دقيقة وردت عن شخصيتي شمس ومولانا.
كرامات مولانا
توزِّعُ الكاتبة الحكاية عبر ثلاثة كتب وخاتمة، الأول بعنوان «كتاب شمس التبريزي» وهو أكبر الأقسام، حيث يأتي في تسع وحدات معنونة بعناوين تحمل صيغة مجازية وبعضها شطور من أبيات لمولانا نفسه، أو جمل قالها مولانا أو شمس في سياقات مختلفة، والكتاب الثاني بعنوان «كتاب صلاح الدين» ويحتوى على أربع وحدات، أما الكتاب الأخير فعنونه ب “كتاب حسام الدين” ويشغل هو الآخر أربع وحدات، أما الخاتمة فهي عن سيرة الكتابة حيث تعلق المؤلفة عن النص، وكيف طاردها حتى كتبته، ولماذا جعلت الروي على لسان حسام.
تتضمن الكتب الثلاثة إلى جانب علاقة هذه الشّخصيات بمولانا، الكثير من التفاصيل عن كرامات مولانا وفيوضاته عندما تحدّث معه جسده، وكذلك الأشجار، وأيضا عندما مات حمزة عازف الناي وذهب إليه برفقة حسام الذي يشهد على الواقعة، ثم سمع الجميع صوت الناي، وأيضا قصته مع الشيخ ناصر الذي كان يشوه صورته وعندما سمع مولانا منه ما يقول «صاح فيه وأنت أيها اللوطي كيف تختار؟»، وانتهى الأمر بناصر الشيخ العارف إلى أن يعيش في أسوأ حي في قونية، يبحث عن شخص يرضي شهوته بأجر، ومنها أيضا المومس التي صارت مِن أشد المريدات ولها بمولانا وأغلقت بيتها وحررت الفتيات منه وتركت البيت نهبا للصوص. كما تروي الكاتبة مشاهد عذبة متناغمة مع إيقاع رقصة السماع التي بدأ يتعلمها مولانا، كما تكشف عن دلالة رقصة السماع وما تتضمنه من رمزيات حيث اختيار اللون الأبيض في إشارته للكفن، والدوران الذي بمثابة «صلة الوصل بين السماء والأرض» للراقص، وما تبعه من تبدل الأوضاع واستبدال المكتبة بالآلات الموسيقية.
لا يغفل الراوي وهو يسرد وفقا لتواريخ زمنية تمتد إلى تبريز مسقط رأس شمس وتعلمه على يد أُستاذ يدعى حائك السلال، ورحلة بحثه عن أستاذ يرى فيه شيئا لم يره شيخه أو أي إنسان آخر، مرورا برحلته إلى الأناضول ولقائه بالأستاذ الرومي وما تخلل الرحلة من أحداث وصولا إلى وفاة مولانا، الأحداث السياسية الموجعة التي حدثت خلال الفترة التي التقى فيها القطبان وما تخللها مِن ظُهور التتار وحروبهم ضد الإسلام، فيذكر أن رحيل شمس من بلدته بلخ كان أولا بسبب تهديدات المغول لبلاده واحتلالها، وعندما قدم إلى قوينة والتقى بمولانا كانت تحركات المغول وحوادثهم في كل مكان، ويكشف الكتاب عن نوع من التواطؤ بين الحكام وقادة المغول، «كنوع من المحافظة على مدنهم من الدمار».
تأثير الثقافة الفارسية واضح على الكاتبة ذات الجذور الفارسية، لكنها تختلف نهال تجدّد عمّن تناولوا العلاقة بين الرومي وشمس، في أنها تورد المنابع الفكرية لكل منهما وتقدم الكثير من العبارات الخاصّة بهما ومجادلاتهما، بل إن الجمل الحوارية التي دارت على ألسنة الشخصيات جُمل حقيقية مُستقاه مِن أعمالهم، وهو ربط بين حضور هذه الأعمال داخل النص بطريقة لافتة.

يبدو أن سيرة جلال الدين الرومي بما حوته من علاقة شائكة بشمس التبريزي وصلت إلى حدّ العشق، وانتهت بالاختفاء المجهول لشمس التبريزي، ستظل تلهم الكُتَّاب لاستجلاء العلاقة بين المريد والأستاذ، فمن قبل أصدرت الكاتبة التركية أليف شفق روايتها «قواعد العشق الأربعون» أو «عشق» وتناولت فيها عبر مراوحة بين حكاية عزيز وإيلا التخيليّة وحكاية جلال الدين الرومي وشمس التبريزي الحقيقية. وبعد فترة قامت الكاتبة المولودة في فرنسا مورلمفروي بكتابة روايتها «بنت مولانا» وفيها تطرّقت إلى هذه السيرة والعلاقة الملتبسة بين الطرفين. وعلى ذات التيمة التي دارت في العمليْن السابقيْن تدور رواية الإيرانية التي تقيم في فرنسا نهال تجدُّد "الرومي: نار العشق".
تتناول رواية «الرومي: نار العشق» للكاتبة الإيرانية التي تقيم في فرنسا نهال تجدُّد، شخصيتين تاريخيتين هما شمس التبريزي وجلال الدين الرومي. وإن كانت الرواية ليست الأولى التي تتناول هاتين الشخصيتين، فإنه في رواية تجدّد ثمة حضور خاص لشخصيات ارتبطت بمولانا لم تقف عندها الأعمال السابقة التي تناولت شخصيته، فتعطي الكاتبة مساحة سردية لحسام الدين التلميذ والمحاسب في المدرسة الذي يقوم هنا بروي الحكاية بضمير المتكلم باعتباره شاهدا على الأحداث، والشخصية الثانية التي تُعطي لها الكاتبة مساحة لا بأس بها، شخصية صلاح الصائغ الذي كان ينفر منه شمس ودائما يوبخه لعدم نطقه الحروف جيدا، وكان دائما يشكو منه قائلا «إنه يشوشنا» لكن المفاجأة في أنّه سيحتل ذات المكانة التي احتلها شمس لدى مولانا بعد رحيله، ويجعله مرشدا ومعلما للإخوة، وهو الأمر الذي كان مثار تساؤلات الكثيرين، إلى أن يطلعهم مولانا على حقائق لا يعرفونها عن هذا الصائغ الذي ارتبط به واختصه دون سائر التلاميذ بأن أقام عنده هو وضيفه سبعة أشهر.
لقاء الخلوة
ليست أهمية رواية «الرومي نار العشق» الصادرة عن منشورات الجمل بغداد، وبترجمة خالد الجبيلي، في أنها تتحدث عن أشخاص تجاهلتهم المرويات التي اتخذت من الرومي موضوعا لها وفقط، وإنما في أنها مروية من شخص كان على صلة وثيقة بمولانا وبشمس أيضا، بل كان حاضرا في الكثير من المواقف التي يرويها من منظور شاهد العيان، إنّه حسام الدين جلبي حسن بن محمد بن حسن، الذي ذكر في سيرته أن «مولانا عشقه»، وأيضا هو الذي كتب كتاب مولانا «المثنوي»، كما كان شاهدا لحظة دخول مولانا وشمس إلى الحجرة وخلوتهما التي استمرت 40 يوما وهي الخلوة التي نتج عنها 50 ألف بيت من الشعر الصوفي، على الرغم مما قيل عن هذا اللقاء الحاسم، الذي كشف فيه الراوي تفاصيل عن شخصية الرومي وعلاقته بالكشف، وأيضا كيف تجلى الله له ولشمس، وهو الأمر الذي تكرر مع الصائغ الذي تجلى له الله في الحمام. كما أن هذا القرب وتلك المكانة اللذين تميز بهما حسام، جعلاه يفسر الكثير من الرباعيات التي قالها مولانا ويوضح مناسباتها، فالنص يحتوي على الكثير مِن هذه الأشعار الموزعة في سياقات متعددة تكشف مناسبات القول ودوافع التأليف.
الرواية تنقسم إلى ثلاثة كتب وهي عبارة عن حكايات مروية من شخص كان على صلة وثيقة بمولانا وبشمس أيضا ويُعلن الراوي شاهد العيان والحاضر في النص عن ذاته داخل النص، بهذه الصيغة «أنا حسام الدين محاسب المدرسة» وفي الجزء الأخير (الخاتمة) توضح الكاتبة لماذا لجأت إلى اختيار هذه الشخصية لسبر أغوار شخصية مولانا. وعبر هذا الموقع المتميز يرصد الراوي التغيرات التي طرأت على شخصية مولانا بعد قدوم شمس، وما تبعها من حالة الملل والقلق التي انتابت تلاميذه والتي وصلت إلى وصف شمس «بالتافه ومجهول النسب» كما ورد عن اليوناني علاء ذريانوس الذي أنقذه مولانا من القتل فصار واحدا من المريدين، بالإضافة إلى حالة الغيرة التي تحولت إلى كراهية من علاء الدين ابن مولانا وهو ما أفضى إلى أن يرفض مولانا الصلاة عليه، ولا يزور قبره إلا عندما زار قبر صلاح الصائغ، وعندها فقط غفر له، وطالب الآخرين بأن يغفروا له.
كما يروي السارد عن أثر رحيل شمس على مولانا والبيت، فعلى مدار عام «هيمن صمت مطبق، ولم يسمع قرع الدفوف وغابت البهجة عن النفوس وتوقفت جلسات الموسيقى والسماع»، أما مولانا فقد كان ارتباطه بالحياة يكمن في الأمل في أن يوافيه أحد بأي معلومات عن شمس، ومن أثر الغياب تحول الرومي الحليم «إلى شخص نزق، برِم، سريع الغضب، لقد أصبح شمس التبريزي نفسه». وهذا الموقع الذي احتله حسام بقربه من مولانا، ساعده على أن يقدِّم تفاصيل دقيقة وردت عن شخصيتي شمس ومولانا.
كرامات مولانا
توزِّعُ الكاتبة الحكاية عبر ثلاثة كتب وخاتمة، الأول بعنوان «كتاب شمس التبريزي» وهو أكبر الأقسام، حيث يأتي في تسع وحدات معنونة بعناوين تحمل صيغة مجازية وبعضها شطور من أبيات لمولانا نفسه، أو جمل قالها مولانا أو شمس في سياقات مختلفة، والكتاب الثاني بعنوان «كتاب صلاح الدين» ويحتوى على أربع وحدات، أما الكتاب الأخير فعنونه ب “كتاب حسام الدين” ويشغل هو الآخر أربع وحدات، أما الخاتمة فهي عن سيرة الكتابة حيث تعلق المؤلفة عن النص، وكيف طاردها حتى كتبته، ولماذا جعلت الروي على لسان حسام.
تتضمن الكتب الثلاثة إلى جانب علاقة هذه الشّخصيات بمولانا، الكثير من التفاصيل عن كرامات مولانا وفيوضاته عندما تحدّث معه جسده، وكذلك الأشجار، وأيضا عندما مات حمزة عازف الناي وذهب إليه برفقة حسام الذي يشهد على الواقعة، ثم سمع الجميع صوت الناي، وأيضا قصته مع الشيخ ناصر الذي كان يشوه صورته وعندما سمع مولانا منه ما يقول «صاح فيه وأنت أيها اللوطي كيف تختار؟»، وانتهى الأمر بناصر الشيخ العارف إلى أن يعيش في أسوأ حي في قونية، يبحث عن شخص يرضي شهوته بأجر، ومنها أيضا المومس التي صارت مِن أشد المريدات ولها بمولانا وأغلقت بيتها وحررت الفتيات منه وتركت البيت نهبا للصوص. كما تروي الكاتبة مشاهد عذبة متناغمة مع إيقاع رقصة السماع التي بدأ يتعلمها مولانا، كما تكشف عن دلالة رقصة السماع وما تتضمنه من رمزيات حيث اختيار اللون الأبيض في إشارته للكفن، والدوران الذي بمثابة «صلة الوصل بين السماء والأرض» للراقص، وما تبعه من تبدل الأوضاع واستبدال المكتبة بالآلات الموسيقية.
لا يغفل الراوي وهو يسرد وفقا لتواريخ زمنية تمتد إلى تبريز مسقط رأس شمس وتعلمه على يد أُستاذ يدعى حائك السلال، ورحلة بحثه عن أستاذ يرى فيه شيئا لم يره شيخه أو أي إنسان آخر، مرورا برحلته إلى الأناضول ولقائه بالأستاذ الرومي وما تخلل الرحلة من أحداث وصولا إلى وفاة مولانا، الأحداث السياسية الموجعة التي حدثت خلال الفترة التي التقى فيها القطبان وما تخللها مِن ظُهور التتار وحروبهم ضد الإسلام، فيذكر أن رحيل شمس من بلدته بلخ كان أولا بسبب تهديدات المغول لبلاده واحتلالها، وعندما قدم إلى قوينة والتقى بمولانا كانت تحركات المغول وحوادثهم في كل مكان، ويكشف الكتاب عن نوع من التواطؤ بين الحكام وقادة المغول، «كنوع من المحافظة على مدنهم من الدمار».
تأثير الثقافة الفارسية واضح على الكاتبة ذات الجذور الفارسية، لكنها تختلف نهال تجدّد عمّن تناولوا العلاقة بين الرومي وشمس، في أنها تورد المنابع الفكرية لكل منهما وتقدم الكثير من العبارات الخاصّة بهما ومجادلاتهما، بل إن الجمل الحوارية التي دارت على ألسنة الشخصيات جُمل حقيقية مُستقاه مِن أعمالهم، وهو ربط بين حضور هذه الأعمال داخل النص بطريقة لافتة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.