انتهاء أول اجتماعات القائمة الوطنية استعدادا لانتخابات مجلس النواب المقبلة    ألمانيا تعدل توقعاتها للنمو الاقتصادي في 2025 بزيادة طفيفة    مصر تستضيف اجتماعات لوفدين إسرائيلي وفلسطينى    الأهلي يكتفي بثانئية في شباك كهرباء الإسماعيلية في الشوط الأول    وكيل صحة القليوبية يتابع إجراءات الكشف الطبي على مرشحي "النواب"    تامر حسني نجم حفل افتتاح نقابة المهن التمثيلية للمسرح    أبطال فيلم «فيها إيه يعنى؟!» ل«الشروق»: العمل يحمل رسالة إنسانية تناسب الجميع.. ولمسة وفاء للراحل سليمان عيد    اللواء خالد مجاور محافظ شمال سيناء: «أرض الفيروز 2030» مركز لوجيستى وتجارى عالمى    نزال: خطة ترامب تؤجل الاعتراف بدولة فلسطين رغم دعم دول كبرى لها    وكيل صحة شمال سيناء يتفقد القومسيون الطبي العام استعدادا لانتخابات مجلس الشعب    المدير الرياضى للأهلى ل «الأخبار»: احتراف الشحات مرفوض وعبدالقادر يرحب بالتجديد    الشوط الأول| بايرن ميونخ يضرب فرانكفورت في الدوري الألماني    بطلة مصر للسباحة بالزعانف: أحلم بحصد أكبر عدد من الميداليات ببطولة العالم    هامن من التعليم بشأن أجهزة التابلت لطلاب أولى ثانوي    شبورة وسقوط أمطار.. الأرصاد تحذر من حالة الطقس غدًا الأحد    مات والدها فحاولت الانتحار حزنا عليه بالشرقية    افتتاح فرع جديد للخط الساخن لمكافحة الإدمان لأول مرة بالسويس لعلاج المرضى مجانا    لهذا المشروع.. الإسكندرية تفوز بجائزة سيول للمدن الذكية    مركز الزرقا يروي المسطحات الخضراء ويُنعش وجه المدينة الحضاري    "المواجهة والتجوال" يحتفي بانتصارات أكتوبر من سيناء    وزيرة التضامن تتلقى تقريرًا عن جهود الاستجابة لارتفاع منسوب نهر النيل بقرى محافظة المنوفية    «النهر الجديد».. شريان أمل تشقه مصر في زمن المشهد المائي المربك    حزب السادات يدعو لإحياء ذكرى نصر أكتوبر أمام ضريح بطل الحرب والسلام بالمنصة    نائب وزير الصحة يوجه بمعاقبة المتغيبين عن العمل بمركز طب الأسرة بالسنانية في دمياط    أسعار البنزين والسولار السبت 4 أكتوبر 2025    بنك مصر يحذر عملاءه من عمليات الاحتيال الإلكترونى.. ورسائل توعية لحماية سرية البيانات المصرفية    حكومة جنوب إفريقيا: نرحب بالتقدم المحرز نحو اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة    ضبط عدد من قضايا الاتجار غير المشروع بالنقد الأجنبي خلال 24 ساعة    أقوى عرض لشحن شدات ببجي موبايل 2025.. 22،800 UC مجانًا    أمام السيدة انتصار السيسي.. وزير التعليم يعلن قفزة تاريخية للتعليم الفني    طوفان بشري.. مئات الآلاف يتظاهرون في برشلونة ضد الإبادة الجماعية في غزة والاحتلال الإسرائيلي    استقبل تردد قناة صدى البلد دراما 2025 الجديد على نايل سات    انتهاء الشوط الأول بالتعادل السلبي بين طلائع الجيش والجونة    "بداية أسطورية ل Kuruluş Osman 7" موعد عرض الحلقة 195 من مسلسل المؤسس عثمان على قناة الفجر الجزائرية    وزير الخارجية يؤكد أهمية تكاتف جهود أبناء الوطن في الداخل والخارج لدعم المصالح المصرية والدفاع عنها    مواقيت الصلاه اليوم السبت 4 أكتوبر 2025 في المنيا    متحدث فتح: خطة ترامب توقف الإبادة والتدمير وتفتح أفقًا لإعادة إعمار غزة    رئيس الوزراء: صناعة الأدوية والمستلزمات الطبية في مصر صناعة عريقة    أضرار الزيت المعاد استخدامه أكثر من مرة.. سموم خفية    أبرز إنجازات خالد العنانى المرشح لمنصب مدير اليونسكو    غدا احتفالية نقابة الصحفيين بذكرى نصر أكتوبر المجيد    وكيل صحة سوهاج يتابع أعمال لجنة الكشف الطبي للمرشحين المحتملين لمجلس النواب    المتحف المصري بالتحرير يبرز دور الكهنة في العصر الفرعوني    السيسي يتابع توفير التغذية الكهربائية للمشروعات الزراعية الجديدة.. فيديو    " سي إن بي سي": توقعات باستمرار الإغلاق الحكومي الأمريكي حتى 14 أكتوبر وسط تعثر المفاوضات    وكيل الشباب والرياضة بالفيوم يشهد انطلاق الدورة الأساسية رقم 578 للمدربين والإداريين    قوافل طبية وغذائية لدعم الأسر المتضررة من ارتفاع منسوب مياه النيل بدلهمو بالمنوفية    وزير الزراعة يعلن تحقيق الصادرات الزراعية المصرية 7.5 مليون طن حتى الآن    الرعاية الصحية ببورسعيد بعد إجراء جراحة دقيقة: التكنولوجيا الصحية لم تعد حكرا على أحد    موجة انتقادات لاذعة تطارد محمد صلاح.. ماذا فعل النجم المصري؟    ما حكم من لم يقدر على الوضوء لأجل الصلاة؟.. الإفتاء توضح    ننشر أسماء المرشحين للفردى والقائمة للتحالف الوطني ببنى سويف للانتخابات البرلمانية 2025 (خاص)    هالة عادل: عمل الخير وصنع المعروف أخلاق نبيلة تبني المحبة بين البشر    بينهم طفلان.. 6 شهداء في قصف الاحتلال غزة وخان يونس    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 4-10-2025 في محافظة قنا    موعد انخفاض أسعار الطماطم في الأسواق.. الكيلو وصل 35 جنيه    دار الإفتاء توضح: حكم الصلاة بالحركات فقط دون قراءة سور أو أدعية    وزير الخارجية يثمن الدعم الفرنسي للمرشح المصري لرئاسة اليونسكو خالد العناني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قرأة تحليلية لرواية الكاتبة نهال تجدد «الرومي نار العشق»

يبدو أن سيرة جلال الدين الرومي بما حوته من علاقة شائكة بشمس التبريزي وصلت إلى حدّ العشق، وانتهت بالاختفاء المجهول لشمس التبريزي، ستظل تلهم الكُتَّاب لاستجلاء العلاقة بين المريد والأستاذ، فمن قبل أصدرت الكاتبة التركية أليف شفق روايتها «قواعد العشق الأربعون» أو «عشق» وتناولت فيها عبر مراوحة بين حكاية عزيز وإيلا التخيليّة وحكاية جلال الدين الرومي وشمس التبريزي الحقيقية. وبعد فترة قامت الكاتبة المولودة في فرنسا مورلمفروي بكتابة روايتها «بنت مولانا» وفيها تطرّقت إلى هذه السيرة والعلاقة الملتبسة بين الطرفين. وعلى ذات التيمة التي دارت في العمليْن السابقيْن تدور رواية الإيرانية التي تقيم في فرنسا نهال تجدُّد "الرومي: نار العشق".
تتناول رواية «الرومي: نار العشق» للكاتبة الإيرانية التي تقيم في فرنسا نهال تجدُّد، شخصيتين تاريخيتين هما شمس التبريزي وجلال الدين الرومي. وإن كانت الرواية ليست الأولى التي تتناول هاتين الشخصيتين، فإنه في رواية تجدّد ثمة حضور خاص لشخصيات ارتبطت بمولانا لم تقف عندها الأعمال السابقة التي تناولت شخصيته، فتعطي الكاتبة مساحة سردية لحسام الدين التلميذ والمحاسب في المدرسة الذي يقوم هنا بروي الحكاية بضمير المتكلم باعتباره شاهدا على الأحداث، والشخصية الثانية التي تُعطي لها الكاتبة مساحة لا بأس بها، شخصية صلاح الصائغ الذي كان ينفر منه شمس ودائما يوبخه لعدم نطقه الحروف جيدا، وكان دائما يشكو منه قائلا «إنه يشوشنا» لكن المفاجأة في أنّه سيحتل ذات المكانة التي احتلها شمس لدى مولانا بعد رحيله، ويجعله مرشدا ومعلما للإخوة، وهو الأمر الذي كان مثار تساؤلات الكثيرين، إلى أن يطلعهم مولانا على حقائق لا يعرفونها عن هذا الصائغ الذي ارتبط به واختصه دون سائر التلاميذ بأن أقام عنده هو وضيفه سبعة أشهر.
لقاء الخلوة
ليست أهمية رواية «الرومي نار العشق» الصادرة عن منشورات الجمل بغداد، وبترجمة خالد الجبيلي، في أنها تتحدث عن أشخاص تجاهلتهم المرويات التي اتخذت من الرومي موضوعا لها وفقط، وإنما في أنها مروية من شخص كان على صلة وثيقة بمولانا وبشمس أيضا، بل كان حاضرا في الكثير من المواقف التي يرويها من منظور شاهد العيان، إنّه حسام الدين جلبي حسن بن محمد بن حسن، الذي ذكر في سيرته أن «مولانا عشقه»، وأيضا هو الذي كتب كتاب مولانا «المثنوي»، كما كان شاهدا لحظة دخول مولانا وشمس إلى الحجرة وخلوتهما التي استمرت 40 يوما وهي الخلوة التي نتج عنها 50 ألف بيت من الشعر الصوفي، على الرغم مما قيل عن هذا اللقاء الحاسم، الذي كشف فيه الراوي تفاصيل عن شخصية الرومي وعلاقته بالكشف، وأيضا كيف تجلى الله له ولشمس، وهو الأمر الذي تكرر مع الصائغ الذي تجلى له الله في الحمام. كما أن هذا القرب وتلك المكانة اللذين تميز بهما حسام، جعلاه يفسر الكثير من الرباعيات التي قالها مولانا ويوضح مناسباتها، فالنص يحتوي على الكثير مِن هذه الأشعار الموزعة في سياقات متعددة تكشف مناسبات القول ودوافع التأليف.
الرواية تنقسم إلى ثلاثة كتب وهي عبارة عن حكايات مروية من شخص كان على صلة وثيقة بمولانا وبشمس أيضا ويُعلن الراوي شاهد العيان والحاضر في النص عن ذاته داخل النص، بهذه الصيغة «أنا حسام الدين محاسب المدرسة» وفي الجزء الأخير (الخاتمة) توضح الكاتبة لماذا لجأت إلى اختيار هذه الشخصية لسبر أغوار شخصية مولانا. وعبر هذا الموقع المتميز يرصد الراوي التغيرات التي طرأت على شخصية مولانا بعد قدوم شمس، وما تبعها من حالة الملل والقلق التي انتابت تلاميذه والتي وصلت إلى وصف شمس «بالتافه ومجهول النسب» كما ورد عن اليوناني علاء ذريانوس الذي أنقذه مولانا من القتل فصار واحدا من المريدين، بالإضافة إلى حالة الغيرة التي تحولت إلى كراهية من علاء الدين ابن مولانا وهو ما أفضى إلى أن يرفض مولانا الصلاة عليه، ولا يزور قبره إلا عندما زار قبر صلاح الصائغ، وعندها فقط غفر له، وطالب الآخرين بأن يغفروا له.
كما يروي السارد عن أثر رحيل شمس على مولانا والبيت، فعلى مدار عام «هيمن صمت مطبق، ولم يسمع قرع الدفوف وغابت البهجة عن النفوس وتوقفت جلسات الموسيقى والسماع»، أما مولانا فقد كان ارتباطه بالحياة يكمن في الأمل في أن يوافيه أحد بأي معلومات عن شمس، ومن أثر الغياب تحول الرومي الحليم «إلى شخص نزق، برِم، سريع الغضب، لقد أصبح شمس التبريزي نفسه». وهذا الموقع الذي احتله حسام بقربه من مولانا، ساعده على أن يقدِّم تفاصيل دقيقة وردت عن شخصيتي شمس ومولانا.
كرامات مولانا
توزِّعُ الكاتبة الحكاية عبر ثلاثة كتب وخاتمة، الأول بعنوان «كتاب شمس التبريزي» وهو أكبر الأقسام، حيث يأتي في تسع وحدات معنونة بعناوين تحمل صيغة مجازية وبعضها شطور من أبيات لمولانا نفسه، أو جمل قالها مولانا أو شمس في سياقات مختلفة، والكتاب الثاني بعنوان «كتاب صلاح الدين» ويحتوى على أربع وحدات، أما الكتاب الأخير فعنونه ب “كتاب حسام الدين” ويشغل هو الآخر أربع وحدات، أما الخاتمة فهي عن سيرة الكتابة حيث تعلق المؤلفة عن النص، وكيف طاردها حتى كتبته، ولماذا جعلت الروي على لسان حسام.
تتضمن الكتب الثلاثة إلى جانب علاقة هذه الشّخصيات بمولانا، الكثير من التفاصيل عن كرامات مولانا وفيوضاته عندما تحدّث معه جسده، وكذلك الأشجار، وأيضا عندما مات حمزة عازف الناي وذهب إليه برفقة حسام الذي يشهد على الواقعة، ثم سمع الجميع صوت الناي، وأيضا قصته مع الشيخ ناصر الذي كان يشوه صورته وعندما سمع مولانا منه ما يقول «صاح فيه وأنت أيها اللوطي كيف تختار؟»، وانتهى الأمر بناصر الشيخ العارف إلى أن يعيش في أسوأ حي في قونية، يبحث عن شخص يرضي شهوته بأجر، ومنها أيضا المومس التي صارت مِن أشد المريدات ولها بمولانا وأغلقت بيتها وحررت الفتيات منه وتركت البيت نهبا للصوص. كما تروي الكاتبة مشاهد عذبة متناغمة مع إيقاع رقصة السماع التي بدأ يتعلمها مولانا، كما تكشف عن دلالة رقصة السماع وما تتضمنه من رمزيات حيث اختيار اللون الأبيض في إشارته للكفن، والدوران الذي بمثابة «صلة الوصل بين السماء والأرض» للراقص، وما تبعه من تبدل الأوضاع واستبدال المكتبة بالآلات الموسيقية.
لا يغفل الراوي وهو يسرد وفقا لتواريخ زمنية تمتد إلى تبريز مسقط رأس شمس وتعلمه على يد أُستاذ يدعى حائك السلال، ورحلة بحثه عن أستاذ يرى فيه شيئا لم يره شيخه أو أي إنسان آخر، مرورا برحلته إلى الأناضول ولقائه بالأستاذ الرومي وما تخلل الرحلة من أحداث وصولا إلى وفاة مولانا، الأحداث السياسية الموجعة التي حدثت خلال الفترة التي التقى فيها القطبان وما تخللها مِن ظُهور التتار وحروبهم ضد الإسلام، فيذكر أن رحيل شمس من بلدته بلخ كان أولا بسبب تهديدات المغول لبلاده واحتلالها، وعندما قدم إلى قوينة والتقى بمولانا كانت تحركات المغول وحوادثهم في كل مكان، ويكشف الكتاب عن نوع من التواطؤ بين الحكام وقادة المغول، «كنوع من المحافظة على مدنهم من الدمار».
تأثير الثقافة الفارسية واضح على الكاتبة ذات الجذور الفارسية، لكنها تختلف نهال تجدّد عمّن تناولوا العلاقة بين الرومي وشمس، في أنها تورد المنابع الفكرية لكل منهما وتقدم الكثير من العبارات الخاصّة بهما ومجادلاتهما، بل إن الجمل الحوارية التي دارت على ألسنة الشخصيات جُمل حقيقية مُستقاه مِن أعمالهم، وهو ربط بين حضور هذه الأعمال داخل النص بطريقة لافتة.

يبدو أن سيرة جلال الدين الرومي بما حوته من علاقة شائكة بشمس التبريزي وصلت إلى حدّ العشق، وانتهت بالاختفاء المجهول لشمس التبريزي، ستظل تلهم الكُتَّاب لاستجلاء العلاقة بين المريد والأستاذ، فمن قبل أصدرت الكاتبة التركية أليف شفق روايتها «قواعد العشق الأربعون» أو «عشق» وتناولت فيها عبر مراوحة بين حكاية عزيز وإيلا التخيليّة وحكاية جلال الدين الرومي وشمس التبريزي الحقيقية. وبعد فترة قامت الكاتبة المولودة في فرنسا مورلمفروي بكتابة روايتها «بنت مولانا» وفيها تطرّقت إلى هذه السيرة والعلاقة الملتبسة بين الطرفين. وعلى ذات التيمة التي دارت في العمليْن السابقيْن تدور رواية الإيرانية التي تقيم في فرنسا نهال تجدُّد "الرومي: نار العشق".
تتناول رواية «الرومي: نار العشق» للكاتبة الإيرانية التي تقيم في فرنسا نهال تجدُّد، شخصيتين تاريخيتين هما شمس التبريزي وجلال الدين الرومي. وإن كانت الرواية ليست الأولى التي تتناول هاتين الشخصيتين، فإنه في رواية تجدّد ثمة حضور خاص لشخصيات ارتبطت بمولانا لم تقف عندها الأعمال السابقة التي تناولت شخصيته، فتعطي الكاتبة مساحة سردية لحسام الدين التلميذ والمحاسب في المدرسة الذي يقوم هنا بروي الحكاية بضمير المتكلم باعتباره شاهدا على الأحداث، والشخصية الثانية التي تُعطي لها الكاتبة مساحة لا بأس بها، شخصية صلاح الصائغ الذي كان ينفر منه شمس ودائما يوبخه لعدم نطقه الحروف جيدا، وكان دائما يشكو منه قائلا «إنه يشوشنا» لكن المفاجأة في أنّه سيحتل ذات المكانة التي احتلها شمس لدى مولانا بعد رحيله، ويجعله مرشدا ومعلما للإخوة، وهو الأمر الذي كان مثار تساؤلات الكثيرين، إلى أن يطلعهم مولانا على حقائق لا يعرفونها عن هذا الصائغ الذي ارتبط به واختصه دون سائر التلاميذ بأن أقام عنده هو وضيفه سبعة أشهر.
لقاء الخلوة
ليست أهمية رواية «الرومي نار العشق» الصادرة عن منشورات الجمل بغداد، وبترجمة خالد الجبيلي، في أنها تتحدث عن أشخاص تجاهلتهم المرويات التي اتخذت من الرومي موضوعا لها وفقط، وإنما في أنها مروية من شخص كان على صلة وثيقة بمولانا وبشمس أيضا، بل كان حاضرا في الكثير من المواقف التي يرويها من منظور شاهد العيان، إنّه حسام الدين جلبي حسن بن محمد بن حسن، الذي ذكر في سيرته أن «مولانا عشقه»، وأيضا هو الذي كتب كتاب مولانا «المثنوي»، كما كان شاهدا لحظة دخول مولانا وشمس إلى الحجرة وخلوتهما التي استمرت 40 يوما وهي الخلوة التي نتج عنها 50 ألف بيت من الشعر الصوفي، على الرغم مما قيل عن هذا اللقاء الحاسم، الذي كشف فيه الراوي تفاصيل عن شخصية الرومي وعلاقته بالكشف، وأيضا كيف تجلى الله له ولشمس، وهو الأمر الذي تكرر مع الصائغ الذي تجلى له الله في الحمام. كما أن هذا القرب وتلك المكانة اللذين تميز بهما حسام، جعلاه يفسر الكثير من الرباعيات التي قالها مولانا ويوضح مناسباتها، فالنص يحتوي على الكثير مِن هذه الأشعار الموزعة في سياقات متعددة تكشف مناسبات القول ودوافع التأليف.
الرواية تنقسم إلى ثلاثة كتب وهي عبارة عن حكايات مروية من شخص كان على صلة وثيقة بمولانا وبشمس أيضا ويُعلن الراوي شاهد العيان والحاضر في النص عن ذاته داخل النص، بهذه الصيغة «أنا حسام الدين محاسب المدرسة» وفي الجزء الأخير (الخاتمة) توضح الكاتبة لماذا لجأت إلى اختيار هذه الشخصية لسبر أغوار شخصية مولانا. وعبر هذا الموقع المتميز يرصد الراوي التغيرات التي طرأت على شخصية مولانا بعد قدوم شمس، وما تبعها من حالة الملل والقلق التي انتابت تلاميذه والتي وصلت إلى وصف شمس «بالتافه ومجهول النسب» كما ورد عن اليوناني علاء ذريانوس الذي أنقذه مولانا من القتل فصار واحدا من المريدين، بالإضافة إلى حالة الغيرة التي تحولت إلى كراهية من علاء الدين ابن مولانا وهو ما أفضى إلى أن يرفض مولانا الصلاة عليه، ولا يزور قبره إلا عندما زار قبر صلاح الصائغ، وعندها فقط غفر له، وطالب الآخرين بأن يغفروا له.
كما يروي السارد عن أثر رحيل شمس على مولانا والبيت، فعلى مدار عام «هيمن صمت مطبق، ولم يسمع قرع الدفوف وغابت البهجة عن النفوس وتوقفت جلسات الموسيقى والسماع»، أما مولانا فقد كان ارتباطه بالحياة يكمن في الأمل في أن يوافيه أحد بأي معلومات عن شمس، ومن أثر الغياب تحول الرومي الحليم «إلى شخص نزق، برِم، سريع الغضب، لقد أصبح شمس التبريزي نفسه». وهذا الموقع الذي احتله حسام بقربه من مولانا، ساعده على أن يقدِّم تفاصيل دقيقة وردت عن شخصيتي شمس ومولانا.
كرامات مولانا
توزِّعُ الكاتبة الحكاية عبر ثلاثة كتب وخاتمة، الأول بعنوان «كتاب شمس التبريزي» وهو أكبر الأقسام، حيث يأتي في تسع وحدات معنونة بعناوين تحمل صيغة مجازية وبعضها شطور من أبيات لمولانا نفسه، أو جمل قالها مولانا أو شمس في سياقات مختلفة، والكتاب الثاني بعنوان «كتاب صلاح الدين» ويحتوى على أربع وحدات، أما الكتاب الأخير فعنونه ب “كتاب حسام الدين” ويشغل هو الآخر أربع وحدات، أما الخاتمة فهي عن سيرة الكتابة حيث تعلق المؤلفة عن النص، وكيف طاردها حتى كتبته، ولماذا جعلت الروي على لسان حسام.
تتضمن الكتب الثلاثة إلى جانب علاقة هذه الشّخصيات بمولانا، الكثير من التفاصيل عن كرامات مولانا وفيوضاته عندما تحدّث معه جسده، وكذلك الأشجار، وأيضا عندما مات حمزة عازف الناي وذهب إليه برفقة حسام الذي يشهد على الواقعة، ثم سمع الجميع صوت الناي، وأيضا قصته مع الشيخ ناصر الذي كان يشوه صورته وعندما سمع مولانا منه ما يقول «صاح فيه وأنت أيها اللوطي كيف تختار؟»، وانتهى الأمر بناصر الشيخ العارف إلى أن يعيش في أسوأ حي في قونية، يبحث عن شخص يرضي شهوته بأجر، ومنها أيضا المومس التي صارت مِن أشد المريدات ولها بمولانا وأغلقت بيتها وحررت الفتيات منه وتركت البيت نهبا للصوص. كما تروي الكاتبة مشاهد عذبة متناغمة مع إيقاع رقصة السماع التي بدأ يتعلمها مولانا، كما تكشف عن دلالة رقصة السماع وما تتضمنه من رمزيات حيث اختيار اللون الأبيض في إشارته للكفن، والدوران الذي بمثابة «صلة الوصل بين السماء والأرض» للراقص، وما تبعه من تبدل الأوضاع واستبدال المكتبة بالآلات الموسيقية.
لا يغفل الراوي وهو يسرد وفقا لتواريخ زمنية تمتد إلى تبريز مسقط رأس شمس وتعلمه على يد أُستاذ يدعى حائك السلال، ورحلة بحثه عن أستاذ يرى فيه شيئا لم يره شيخه أو أي إنسان آخر، مرورا برحلته إلى الأناضول ولقائه بالأستاذ الرومي وما تخلل الرحلة من أحداث وصولا إلى وفاة مولانا، الأحداث السياسية الموجعة التي حدثت خلال الفترة التي التقى فيها القطبان وما تخللها مِن ظُهور التتار وحروبهم ضد الإسلام، فيذكر أن رحيل شمس من بلدته بلخ كان أولا بسبب تهديدات المغول لبلاده واحتلالها، وعندما قدم إلى قوينة والتقى بمولانا كانت تحركات المغول وحوادثهم في كل مكان، ويكشف الكتاب عن نوع من التواطؤ بين الحكام وقادة المغول، «كنوع من المحافظة على مدنهم من الدمار».
تأثير الثقافة الفارسية واضح على الكاتبة ذات الجذور الفارسية، لكنها تختلف نهال تجدّد عمّن تناولوا العلاقة بين الرومي وشمس، في أنها تورد المنابع الفكرية لكل منهما وتقدم الكثير من العبارات الخاصّة بهما ومجادلاتهما، بل إن الجمل الحوارية التي دارت على ألسنة الشخصيات جُمل حقيقية مُستقاه مِن أعمالهم، وهو ربط بين حضور هذه الأعمال داخل النص بطريقة لافتة.

يبدو أن سيرة جلال الدين الرومي بما حوته من علاقة شائكة بشمس التبريزي وصلت إلى حدّ العشق، وانتهت بالاختفاء المجهول لشمس التبريزي، ستظل تلهم الكُتَّاب لاستجلاء العلاقة بين المريد والأستاذ، فمن قبل أصدرت الكاتبة التركية أليف شفق روايتها «قواعد العشق الأربعون» أو «عشق» وتناولت فيها عبر مراوحة بين حكاية عزيز وإيلا التخيليّة وحكاية جلال الدين الرومي وشمس التبريزي الحقيقية. وبعد فترة قامت الكاتبة المولودة في فرنسا مورلمفروي بكتابة روايتها «بنت مولانا» وفيها تطرّقت إلى هذه السيرة والعلاقة الملتبسة بين الطرفين. وعلى ذات التيمة التي دارت في العمليْن السابقيْن تدور رواية الإيرانية التي تقيم في فرنسا نهال تجدُّد "الرومي: نار العشق".
تتناول رواية «الرومي: نار العشق» للكاتبة الإيرانية التي تقيم في فرنسا نهال تجدُّد، شخصيتين تاريخيتين هما شمس التبريزي وجلال الدين الرومي. وإن كانت الرواية ليست الأولى التي تتناول هاتين الشخصيتين، فإنه في رواية تجدّد ثمة حضور خاص لشخصيات ارتبطت بمولانا لم تقف عندها الأعمال السابقة التي تناولت شخصيته، فتعطي الكاتبة مساحة سردية لحسام الدين التلميذ والمحاسب في المدرسة الذي يقوم هنا بروي الحكاية بضمير المتكلم باعتباره شاهدا على الأحداث، والشخصية الثانية التي تُعطي لها الكاتبة مساحة لا بأس بها، شخصية صلاح الصائغ الذي كان ينفر منه شمس ودائما يوبخه لعدم نطقه الحروف جيدا، وكان دائما يشكو منه قائلا «إنه يشوشنا» لكن المفاجأة في أنّه سيحتل ذات المكانة التي احتلها شمس لدى مولانا بعد رحيله، ويجعله مرشدا ومعلما للإخوة، وهو الأمر الذي كان مثار تساؤلات الكثيرين، إلى أن يطلعهم مولانا على حقائق لا يعرفونها عن هذا الصائغ الذي ارتبط به واختصه دون سائر التلاميذ بأن أقام عنده هو وضيفه سبعة أشهر.
لقاء الخلوة
ليست أهمية رواية «الرومي نار العشق» الصادرة عن منشورات الجمل بغداد، وبترجمة خالد الجبيلي، في أنها تتحدث عن أشخاص تجاهلتهم المرويات التي اتخذت من الرومي موضوعا لها وفقط، وإنما في أنها مروية من شخص كان على صلة وثيقة بمولانا وبشمس أيضا، بل كان حاضرا في الكثير من المواقف التي يرويها من منظور شاهد العيان، إنّه حسام الدين جلبي حسن بن محمد بن حسن، الذي ذكر في سيرته أن «مولانا عشقه»، وأيضا هو الذي كتب كتاب مولانا «المثنوي»، كما كان شاهدا لحظة دخول مولانا وشمس إلى الحجرة وخلوتهما التي استمرت 40 يوما وهي الخلوة التي نتج عنها 50 ألف بيت من الشعر الصوفي، على الرغم مما قيل عن هذا اللقاء الحاسم، الذي كشف فيه الراوي تفاصيل عن شخصية الرومي وعلاقته بالكشف، وأيضا كيف تجلى الله له ولشمس، وهو الأمر الذي تكرر مع الصائغ الذي تجلى له الله في الحمام. كما أن هذا القرب وتلك المكانة اللذين تميز بهما حسام، جعلاه يفسر الكثير من الرباعيات التي قالها مولانا ويوضح مناسباتها، فالنص يحتوي على الكثير مِن هذه الأشعار الموزعة في سياقات متعددة تكشف مناسبات القول ودوافع التأليف.
الرواية تنقسم إلى ثلاثة كتب وهي عبارة عن حكايات مروية من شخص كان على صلة وثيقة بمولانا وبشمس أيضا ويُعلن الراوي شاهد العيان والحاضر في النص عن ذاته داخل النص، بهذه الصيغة «أنا حسام الدين محاسب المدرسة» وفي الجزء الأخير (الخاتمة) توضح الكاتبة لماذا لجأت إلى اختيار هذه الشخصية لسبر أغوار شخصية مولانا. وعبر هذا الموقع المتميز يرصد الراوي التغيرات التي طرأت على شخصية مولانا بعد قدوم شمس، وما تبعها من حالة الملل والقلق التي انتابت تلاميذه والتي وصلت إلى وصف شمس «بالتافه ومجهول النسب» كما ورد عن اليوناني علاء ذريانوس الذي أنقذه مولانا من القتل فصار واحدا من المريدين، بالإضافة إلى حالة الغيرة التي تحولت إلى كراهية من علاء الدين ابن مولانا وهو ما أفضى إلى أن يرفض مولانا الصلاة عليه، ولا يزور قبره إلا عندما زار قبر صلاح الصائغ، وعندها فقط غفر له، وطالب الآخرين بأن يغفروا له.
كما يروي السارد عن أثر رحيل شمس على مولانا والبيت، فعلى مدار عام «هيمن صمت مطبق، ولم يسمع قرع الدفوف وغابت البهجة عن النفوس وتوقفت جلسات الموسيقى والسماع»، أما مولانا فقد كان ارتباطه بالحياة يكمن في الأمل في أن يوافيه أحد بأي معلومات عن شمس، ومن أثر الغياب تحول الرومي الحليم «إلى شخص نزق، برِم، سريع الغضب، لقد أصبح شمس التبريزي نفسه». وهذا الموقع الذي احتله حسام بقربه من مولانا، ساعده على أن يقدِّم تفاصيل دقيقة وردت عن شخصيتي شمس ومولانا.
كرامات مولانا
توزِّعُ الكاتبة الحكاية عبر ثلاثة كتب وخاتمة، الأول بعنوان «كتاب شمس التبريزي» وهو أكبر الأقسام، حيث يأتي في تسع وحدات معنونة بعناوين تحمل صيغة مجازية وبعضها شطور من أبيات لمولانا نفسه، أو جمل قالها مولانا أو شمس في سياقات مختلفة، والكتاب الثاني بعنوان «كتاب صلاح الدين» ويحتوى على أربع وحدات، أما الكتاب الأخير فعنونه ب “كتاب حسام الدين” ويشغل هو الآخر أربع وحدات، أما الخاتمة فهي عن سيرة الكتابة حيث تعلق المؤلفة عن النص، وكيف طاردها حتى كتبته، ولماذا جعلت الروي على لسان حسام.
تتضمن الكتب الثلاثة إلى جانب علاقة هذه الشّخصيات بمولانا، الكثير من التفاصيل عن كرامات مولانا وفيوضاته عندما تحدّث معه جسده، وكذلك الأشجار، وأيضا عندما مات حمزة عازف الناي وذهب إليه برفقة حسام الذي يشهد على الواقعة، ثم سمع الجميع صوت الناي، وأيضا قصته مع الشيخ ناصر الذي كان يشوه صورته وعندما سمع مولانا منه ما يقول «صاح فيه وأنت أيها اللوطي كيف تختار؟»، وانتهى الأمر بناصر الشيخ العارف إلى أن يعيش في أسوأ حي في قونية، يبحث عن شخص يرضي شهوته بأجر، ومنها أيضا المومس التي صارت مِن أشد المريدات ولها بمولانا وأغلقت بيتها وحررت الفتيات منه وتركت البيت نهبا للصوص. كما تروي الكاتبة مشاهد عذبة متناغمة مع إيقاع رقصة السماع التي بدأ يتعلمها مولانا، كما تكشف عن دلالة رقصة السماع وما تتضمنه من رمزيات حيث اختيار اللون الأبيض في إشارته للكفن، والدوران الذي بمثابة «صلة الوصل بين السماء والأرض» للراقص، وما تبعه من تبدل الأوضاع واستبدال المكتبة بالآلات الموسيقية.
لا يغفل الراوي وهو يسرد وفقا لتواريخ زمنية تمتد إلى تبريز مسقط رأس شمس وتعلمه على يد أُستاذ يدعى حائك السلال، ورحلة بحثه عن أستاذ يرى فيه شيئا لم يره شيخه أو أي إنسان آخر، مرورا برحلته إلى الأناضول ولقائه بالأستاذ الرومي وما تخلل الرحلة من أحداث وصولا إلى وفاة مولانا، الأحداث السياسية الموجعة التي حدثت خلال الفترة التي التقى فيها القطبان وما تخللها مِن ظُهور التتار وحروبهم ضد الإسلام، فيذكر أن رحيل شمس من بلدته بلخ كان أولا بسبب تهديدات المغول لبلاده واحتلالها، وعندما قدم إلى قوينة والتقى بمولانا كانت تحركات المغول وحوادثهم في كل مكان، ويكشف الكتاب عن نوع من التواطؤ بين الحكام وقادة المغول، «كنوع من المحافظة على مدنهم من الدمار».
تأثير الثقافة الفارسية واضح على الكاتبة ذات الجذور الفارسية، لكنها تختلف نهال تجدّد عمّن تناولوا العلاقة بين الرومي وشمس، في أنها تورد المنابع الفكرية لكل منهما وتقدم الكثير من العبارات الخاصّة بهما ومجادلاتهما، بل إن الجمل الحوارية التي دارت على ألسنة الشخصيات جُمل حقيقية مُستقاه مِن أعمالهم، وهو ربط بين حضور هذه الأعمال داخل النص بطريقة لافتة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.