يمكن تلخيص المشروع الإصلاحي للعاهل البحريني حمد بن عيسى آل خليفة، الذي بدأه قبل 15 عاما، في جملة واحدة، هي: نقل التنمية من مستوى الفرد إلى مستوى الجماعة، فالتنمية كان المقصود بها، حتى وقت قريب في ثقافة الدول، تنمية الفرد، ولا زالت بعض دول الخليج تأخذ بهذا المفهوم، الذي بدأت البحرين بتطويره، من خلال تأصيل العمل المؤسسي وجعله المفصل الأهم في الدولة، من خلال المؤسسات المنتخبة وفي مقدمتها مجلس النواب. ومنذ بداية التحول في العام 1999 وحتى اليوم، بعد عقد جلسات مجلس النواب واختيار الهيكل الرئيسي له من رئيس ونائبين، يمكن سرد رؤية القيادة البحرينية، تبعا لتغير الظروف خلال الأعوام الماضية أسواء محليا أم إقليميا أم دوليا، في النقاط التالية: أولا- التخلي عن نظام المحاصصة الطائفية، التي أثبتت التجارب أنها تعمل على تقييد عمل أي مؤسسة عموما، وممجلس النواب خصوصا، حيث تقف عائقا أمام تقدمه، من خلال العراك المستمر بين النواب والحكومة في جانب، وصراع النواب داخل قاعات المجلس في جانب آخر، فقد جاء تشكيل المجلس الجديد، ليدير ظهره تماما لنظام الطائفية، بعد سيطرة المستقلين على مجلس النواب، حيث تم توزيع المناصب القيادية الرئيسية بشكل أبعد ما يكون عن الطائفية، من خلال قناعات النواب أنفسهم واختياراتهم التي فاقت المتوقع من مجلس سيطر عليه المستقلون، حيث كان المتصارعون على رئاسة المجلس نوابا مستقلين، وكان الأمر شبه محسوم لصالح النائب أحمد الملا، مسبقا، رغم محاولة النائب عبدالله بن حويل الدخول على الخط لحصد هذا المنصب، مع وضوح طائفة المترشحين. وأيضا ظلت مجموعة كبيرة من النواب ذوي الخبرة في مجلس النواب، متفرجة على مشهد انتخاب النائب الأول لرئيس مجلس النواب، وتركوا المنصب "المغري" لمترشحين جدد، وشيعة، رغم عدم غلبة الكفة الشيعية في المجلس، إذا ما عرفنا أن التشكيلة النهائية لمجلس نواب 2014 كانت 27 سنياً و13 شيعياً، ومع ذلك ترشح للمنصب الأكثر أهمية بعد رئيس مجلس النواب، النائب الحديث على التجربة البرلمانية علي العرادي، شيعي، والنائب العائد لمجلس النواب علي العطيش، شيعي أيضا، ليفوز بالمنصب العرادي بواقع 22 صوتاً مقابل 18 صوتاً للعطيش، وذلك رغم حداثة تجربة العرادي البرلمانية. أما النائب الثاني للرئيس، فقد انتخب المجلس النائب عبدالحليم مراد، في ظل منافسة أيضا من قبل النائب ذي الخبرة البرلمانية منذ العام 2006 عادل العسومي. وبهذا فإن التشكيلة الجديدة للمناصب القيادية بالمجلس، جاءت متوازنة جدا، ليس باحتكام المحاصصة، ولكن باحتكام مصلحة الوطن فقط، فإذا كان رئيس المجلس مستقلا لا ينتمي لأي خلفية سياسية، فقد جاء نائبه الأول شيعيا، مستقلا أيضا، بينما النائب الثاني، سنيا لكنه من الشخصيات المستقلة أيضا، وحديث العهد بالعمل البرلماني، وهو ما يفرز واقعا جديدا في حياة البحرين يقوم على نبذ الطائفية والاحتكام فقط لمصلحة الوطن. ثانيا- التعاون بين الحكومة والمؤسسات المنتخبة، وهو ما عبر عنه صاحب السمو الملكي الأمير خليفة بن سلمان آل خليفة، لدى زيارته مجلس النواب، بالتأكيد على العمل سويا وبجهد مشترك للحفاظ على الريادة والتنافسية البحرينية في المجالات المختلفة، مؤكدا ان الحكومة مثلها مثل مجلس النواب تواصل جهودها لتحسين الوضع المعيشي والخدماتي للمواطنين وواثقة من دعم النواب لها في هذا التوجه، حيث يبرز هذا جيدا حرص سموه، من خلال مبادرته بزيارة المجلس مبكرا، على تعزيز الشراكة الوطنية والديمقراطية وكل ما يوثق التعاون بين السلطتين التنفيذية والتشريعية. ثالثا ترسيخ مفهوم الوطن للجميع، وهو المفهوم الذي تعبر عنه كل خطوات القيادة البحرينية، سواء من خلال دمج كافة شرائح المجتمع في المؤسسات المنتخبة وغير المنتخبة، أو من خلال حوار التوافق الوطني، أو من خلال إيمان الحكومة نفسها بهذا المفهوم، وهو ما عبر عنه صاحب السمو الملكي رئيس الوزراء، خلال زيارته مجلس النواب، بأن "الوطن للجميع وأن تنميته مسؤولية مشتركة لذا تحرص الحكومة على توثيق تعاونها مع مجلس النواب لتعزيز ازدهاره وتعظيم مكاسب شعبه، فالبحرين عبر تاريخها واجهت أعتى التحديات ودرأت كافة المخاطر التي واجهتها بقوة واحدة وهي وعي الشعب وتلاحم صفوفه"، مضيفا أنه "لا خوف على البحرين طالما استمر شعبها في التمسك بوحدته الوطنية خاصة وأن شعور العائلة الواحدة بين أفراد مجتمعنا البحريني يجعلنا أكثر قدرة على المحافظة على لم الشمل، ولا ينبغي أن نسمح لأي ثغرة ينفذ من خلالها من يريد أن يفرق بيننا أو يخلفنا عن مسيرتنا ، وعلينا جميعاً أن نخدم هذا الشعب الطيب الكريم الذي حبانا الله به بكل طاقاتنا وإمكانياتنا". ولم يفت رئيس الوزراء طلب الدعم من مجلس النواب، بالنظر إلى وقوف البحرين على أعتاب مرحلة جديدة من مراحل العمل الوطني، وأيضا بالنظر إلى المتغيرات الاقتصادية العالمية والتحديات الأمنية التي يحاول البعض فرضها على البحرين، الأمر الذي طالب حياله رئيس الوزراء السلطة التشريعية بمساعدة الحكومة في سن التشريعات التي تقوي الاقتصاد وتساعد جهود الحكومة في القضاء على الإرهاب، موضحا بشكل كامل بأن الحكومة، "لن تضيق من الرقابة النيابية على هذه الأمور فهم ممثلي الشعب الذي يطمح العيش بأمن وامان". رابعا- كون المواطن هو حجر الأساس في منظومة التنمية، فليس معنى نقل التنمية من مستوى فردي إلى مستوى جماعي، إهمال الفرد، حيث أوضح جلالة الملك، خلال كلمته بمجلس النواب، في افتتاح دور الانعقاد الاول من الفصل التشريعي الرابع، أهمية الخدمات التي تقدمها وزارات الدولة ومؤسساتها، وتطوير القطاعات الخدمية مثل التعليم والصحة والإسكان، وقد توقف جلالته عند الملف الإسكاني لما لهذا الملف من أهمية كبرى، فقد تحدث جلالته عن إنشاء 40 ألف وحدة سكنية في المدة المحددة مع تطوير باقي الخدمات، لافتا إلى ضرورة التعاون بين السلطتين، التشريعية والتنفيذية، لإنجاز تلك المشاريع في مواعيدها المحددة، مشيرا، في السياق ذاته، إلى أهمية العناية بالشباب والناشئة الذين يشكلون قطاعاً عريضاً من المجتمع.