لقد تأكد للجميع بعد حديث الصحفى حسنين هيكل الأخير، مع الإعلامية لميس الحديدى، أنه لا يستطيع أن يعيش أو أن يهدأ دون أن يمارس هوايته السيئة والخبيثة في إثارة الشكوك وبث روح التشاؤم واليأس والإحباط من كل شىء يمس واقع مصر ومستقبلها، وهو في هذا إنما يُنفِّث عما في نفسه من غل وأحقاد دفينة ضد كل من تجاهله ماضيًا وحاضرًا، رفض أن يفرض هيكل نفسه عليه من رؤساء مصر الذين أعقبوا عبد الناصر وحتى اليوم.. سواء السادات أو مبارك وحتى السيسى. يخرج علينا هيكل بين حين وآخر، وليلقى بعدة أحجار في المياه، ليس بهدف تحريكها وإنما بهدف تعكيرها وإثارة البلبلة والارتباك في جنبات المجتمع، ثم ينسحب من الساحة بهدوء تاركها تغلى بالاضطراب والقلق على الحاضر والمستقبل، فهذه هي رسالته ومهمته التي كرس لها نفسه وعمره منذ رحيل عبد الناصر الذي كان هيكل كاهنه الأكبر، وهو يعلم جيدا أن ما يفعله لا يخدم سوى أعداء مصر في الداخل والخارج. وربما كان نظام حكم الإخوان الذي لم يستمر أكثر من عام استثناءً في هذا الصدد، حيث استدعاه محمد مرسي فذهب إليه هيكل مهرولًا، وحريصًا على التقاط الصور معه لتنشر في الصحف دليلا على حاجة نظام الإخوان لاستشاراته، كما جالس خيرت الشاطر وغيره من أقطاب الإخوان مستمعا وناصحا، ثم متحدثا مطالبا بمنح الوقت للتجربة الإخوانية وإتاحة الفرصة للحكم الجديد والتعاون معه، ولم يذكر أو يشر من قريب أو بعيد إلى جرائم أو مساوئ حكم الإخوان خلال العام الأسود الذي حكموا فيه مصر، ثم عاد بعد ثورة 30 يونيو ليبيع الإخوان ويهاجمهم، وداعمًا ومساندًا لثورة 30 يونيو، ثم بعد أن استقر الأمر للدولة المصرية بتولى السيسى الحكم وما يلقاه من دعم ومساندة شعبية، عاد هيكل لهوايته القديمة في دق إسفين الفتنة وإشعالها تحت شعار النصيحة المخلصة، داعيا الرئيس السيسى لثورة على نظامه!! هيكل يشكك في نصر أكتوبر رغم تحقيق الهدف السياسي من الحرب بتحرير سيناء بالكامل: لم يكف هيكل عن التشكيك في نصر أكتوبر 1973 منذ إحراز هذا النصر لأول مرة في تاريخ حروب الصراع العربى الإسرائيلى، فبعد توقف إطلاق النار خرج علينا هيكل بمقاله المعتاد في الأهرام (بصراحة) بعنوان "لا هزيمة ولا نصر"، وهو ما أثار غضب جميع رجال الجيش آنذاك وعلى رأسهم المشير الراحل أحمد إسماعيل وزير الدفاع الذي ذهب للرئيس السادات غاضبا وشاكيا، فأزاح هيكل عن رئاسة الأهرام. ومنذ هذا التاريخ لا يكف هيكل في كل فرصة تتاح له عن إثارة الشكوك فيما أحرزه الجيش المصرى من انتصار في حرب أكتوبر، رغم التحديات والمصاعب والمشاكل العديدة التي واجهها الجيش، وتغلب عليها بفضل الله وإرادة الجيش الصلبة والإصرار على ضرورة تحرير سيناء بالقوة لاستعادة الثقة والكرامة مع استعادة الأرض، وهو ما تحقق فعلا بتحقيق الهدف السياسي من حرب أكتوبر، وهو تحرير سيناء بالكامل حتى آخر حبة رمل في طابا في إبريل 1982 من خلال عمل عسكري بطولى، ثم استثماره بمعركة دبلوماسية مشرفة. وإذا كانت هزيمة 1967 - التي ساهم فيها هيكل بما كان يعطيه من مشورات غبية ومهلكة لعبد الناصر - قد تسبب في إحتلال إسرائيل لمناطق في أربعة دول عربية.. سيناء وغزة والجولان والضفة الغربية، فإن هيكل يتجاهل ويتغافل عن حقيقة مهمة وهى أن مصر هي الدولة الوحيدة بين هذه الدول الأربعة التي استعادة أرضها بالكامل، محققة الهدف السياسي من الحرب. والسؤال هنا الذي يجب أن يوجه لهيكل: ألا يعد تحقيق هذا الهدف السياسي الغالى والثمين - ورغم ما صادفه من صعوبات - دليلا كافيا على نجاح قيادات الجيش في التخطيط الإستراتيجى السليم والدقيق للحرب، وما يعنيه هذا التخطيط من عمل تقدير سليم لموقف العدو (إسرائيل) والقوى التي تحميها والممكن أن تتدخل لصالحها أثناء الحرب (الولاياتالمتحدة)، ورسم كل السيناريوهات المتوقعة، بل وأسوأها والتحسب لمواجهتها. ثم حشد كل الإمكانات المادية المتاحة والممكنة لتحقيق الهدف الإستراتيجى للحرب، ووضع الحلول لجميع المشاكل التي واجهتنا، ثم التنفيذ الدقيق من جانب جميع أفرع القوات المسلحة للمهام القتالية التي كلفت بها.. بدءًا باقتحام قناة السويس عنوة، ثم تدمير العدو في مواقع خط بارليف ثم صد هجماته المضادة، واحتلال خط دفاعى بعمق 20كم، وهو ما نجحت قواتنا في تحقيقه بامتياز، حتى إنه وحتى آخر لحظة قبل وقف إطلاق النار.. لم تستطع القوات الإسرائيلية أن تخترق رأس كوبرى أي من الفرق الخمسة التي احتلت رءوس الكبارى شرق القناة من بورسعيد شمالا وحتى ميناء الأدبية جنوبا. - ومما يؤكد نوايا هيكل القديمة والحديثة في تضليل وتحطيم معنويات رجال القوات المسلحة والشعب، أنه نشر عقب هزيمة 1967 وفى عهد عبد الناصر مقالة تحت عنوان "تحية للرجال" أعرب فيها عن صعوبة عبور قناة السويس ومقاتلة الإسرائيليين شرقها وذلك بزعم تعدد مشاكل الحل العسكري، والبحث عن خيارات سياسية أخرى، هذا رغم الشعار الذي رفعه عبد الناصر آنذاك "ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة"، إلا أن هدف هيكل كان تيئيس الشعب والجيش معا من الحل العسكري، ولكن الله تعالى أخاب فأله، وأمكن لرجال الجيش أن يقتحموا القناة، ويدمروا خط بارليف عليها، وذلك رغم كل المشاكل والعراقيل التي واجهتهم. لذلك فإن هيكل يرمى من وراء مقولته في حديثه الأخير عن حرب أكتوبر "لا نعرف كيف بدأنا ولا كيف انتهينا".. تشكيك شباب مصر الموجود اليوم ولم يعاصر هذه الحرب، في كل ما تحتفل به الدولة والشعب في ذكرى انتصار حرب أكتوبر، وتشتيت أذهانهم عن حقيقة هذا النصر والانتقاص من قيمة ما تم تحقيقه في هذه الحرب من إنجازات، وإثارة الشبهات حول العسكرية المصرية، وهو ما يجب أن يحاسبه عليه القضاء العسكري لما يسببه كلامه من بلبلة وتحطيم للروح المعنوية، ويدل في نفس الوقت عما في نفسه من أحقاد وكراهية ليس للرئيس الأسبق لمبارك فقط، ولكن لكل المؤسسة العسكرية المصرية، ناهيك عن عدم مبالاته بالأمن القومى المصرى. هيكل يعيّرنا بالثغرة رغم اعتراف شارون بتكبده 500 قتيل فيها: - ومما يثير الاشمئزاز من كلام هيكل أنه يعيرنا بالثغرة التي أحدثها العدو غرب القناة، والتي اعترف كيسنجر بقدرة قواتنا على تصفيتها، وحقيقة قصتها لمن لا يعرفها أن شارون حاول عدة مرات العبور بفرقته غربا مساء يوم 14 أكتوبر وطوال يوم 15 مستغلا الفجوة التي لم تغطها قوات بين الجيشين الثانى والثالث شرق البحيرات، وبعد أن تدفقت أسلحة الجسر الجوى الأمريكى على القوات الإسرائيلية في العريش، وكانت تنقل فورًا إلى خطوط القتال الأمامية.. وكان أخطرها الصواريخ المضادة للدبابات من الجيل الثانى TOW، والتي تسببت في إيقاف تطوير هجوم قواتنا المدرعة شرقا، فضلا عن وسائل الحرب الإلكترونية التي تسببت في تحييد وسائل دفاعنا الجوى الأرضية، بما أجرته من إعاقة إلكترونية مستمرة على محطات رادار الصواريخ أرض/جو سام 2، 3، 6. ويعترف شارون أمام لجنة تحقيق (أجرانات) عندما سألته عن سبب عدم انسحابه من الثغرة تنفيذا لأوامر القيادة الإسرائيلية في هذا الصدد، بعد أن تفاقم حجم الخسائر الإسرائيلية غرب القناة، أجاب شارون: "لقد تكبدت 500 قتيل، مما إضطرنى لتغيير قادة السرايا ثلاث مرات، والانسحاب تحت ضغط النيران المصرية كان يعنى مضاعفة حجم هذه الخسائر". - وإذا كان هيكل في حديثه الأخير قد نقل عن كيسنجر تحذيره لوزير الخارجية المصرى من ضربات جوية مسبقة لإسرائيل قبل الحرب بساعات.. وهو ما كانت القيادة المصرية متحسبة له جيدا، فلماذا لم يشر إلى جانب مهم آخر من مذكرات كيسنجر.. قال فيها إن جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل آنذاك أيقظته فجر يوم 10 أكتوبر بعد بدء الحرب بأربعة أيام وهى مذعورة وتصرخ "لقد فقدنا حتى الآن 450 دبابة و120 طائرة ونخشى أن نفقد سيناء"، فرد عليها كيسنجر "أنا أخشى أن تفقدوا إسرائيل نفسها". وأمرت جولدا مائير بنشر 13 صاروخ أريحا مسلحة برءوس نووية في النقب تحت سمع وبصر الأقمار الصناعية الأمريكية، في رسالة ابتزاز للرئيس الأمريكى نيكسون في حالة تأخره عن إقامة الجسر الجوى والبحرى الأمريكى لإنقاذ إسرائيل بعد استفحال خسائرها، وهو ما استجاب له نيكسون فعلا، وظهر في هبوط طائرات النقل الأمريكية في مطار العريش حاملة الأسلحة والمعدات والذخائر بعد إعادة تموينها بالوقود في جزر الآزور البرتغالية بالمحيط الأطلنطى؟! ولماذا لم يشر هيكل أيضا لحديث السادات مع كيسنجر في أسوان من أن القوات المصرية التي حاصرت القوات الإسرائيلية في الثغرة، من خلال الخطة (شامل)، وكانت قادرة على إبادة هذه القوات خلال بضع ساعات بعد أن تغلق شريان إمدادها من الشرق، فأجابه كيسنجر "نحن نعلم ذلك ولكن أمريكا لن تسمح به لأن ذلك يعنى هزيمة السلاح الأمريكى، ودعنا نحل المشكلة بفك الاشتباك بينكم على مراحل"، وهو ما حدث بالفعل، واستعادت مصر جزءًا غاليا من أراضيها وهو سيناء وبجهود أبنائها العسكريين والدبلوماسيين الشرفاء.