في الوقت الذي توجه فيه المقاتلات الأمريكية ضرباتها لمواقع "تنظيم الدولة الإسلامية في في العراقوسوريا" (داعش) في شمال العراق ، اختار عدد من الدول الأوروبية من بينها بريطانياوإيطالياوألمانيا ودولة التشيكوألبانيا التركيز بصفة رئيسية على تزويد المقاتلين الأكراد بالأسلحة التي يحتاجون إليها في عملياتهم الحربية لصد هجمات التنظيم. وقد تلقى المقاتلون الأكراد العراقيون الذين يخوضون حربا ضد تنظيم "داعش"، مساعدات عسكرية وتسليح في صورة تبرعات من أوروبا تتأرجح بين عتاد ومعدات ألمانية صالحة لتسليح لواء كامل ، بالإضافة إلى سلاح يعود إلى الحقبة السوفيتية جرى الاستيلاء عليه منذ أكثر من 20 عاما أثناء الحرب الصربية. وتبدو ألمانيا الدولة الأكثر سخاء في هذا السباق الأوروبي ، إذ قامت بشحن ما يقرب من 80 طناً من العتاد في الخامس من سبتمبر الماضي، على متن طائرة شحن عسكرية من طراز " أنتونوف إيه إن – 124" التي حطت رحالها في أربيل شمالي العراق بعد توقفها في العاصمة بغداد للخضوع لإجراءات تفتيش لازمة من جانب الحكومة العراقية. ضمت الشحنة الأولى خوذات هجومية، وأجهزة لاسلكية، ومناظير، وسترات وقائية، وأجهزة كشف ألغام ومعادت ، وفي السابع من سبتمبر، شرع خبيران عسكريان ألمانيان في تدريب 33 من عناصر قوات البشمركة الكردية على استخدام تلك الأجهزة. وتواصلت عمليات تسليم الأسلحة والمركبات الألمانية سرا في الفترة من 22 إلى 28 سبتمبر الماضى ، حسبما صرح متحدث وزارة الدفاع الألمانية ، واشتملت تلك الشحنات على بنادق هجومية ومدافع آلية، وقاذفات البازوكا وعربات جند وشاحنات عسكرية. وصرحت وزارة الدفاع الألمانية بأنها تعتقد أن الأسلحة المقدمة كهبة للأكراد العراقيين كافية لتسليح أعداد تتراوح ما بين 4 و5 آلاف من مقاتلي البشمركة ، مشيرة إلى أن التدريبات على استخدام قاذفات الميلان المضادة للدبابات ستنظم على الأراضي الألمانية. ويرى البروفيسور في المعهد الملكي للخدمات المتحدة لدراسات الدفاع والأمن في لندن، تريفور تايلور، أن ألمانيا تخلت عن ترددها المعهود ، قائلاً "إنه عنصر مهم ولافت للنظر أن نرى استعداد ألمانيا للانخراط في الأمر، إذا قورن بترددها المعتاد". بينما اعتبر محلل شئون الشرق الأوسط في مركز الدراسات الدولية في روما، جابريلي لاكوفينو، أن الدافع الألماني ربما يبتعد بأهدافه عن ساحات القتال ، قائلاً "إن الألمان قرروا الدخول على وجه السرعة، فربما يكون الأمر بمنزلة عرض بالمضي قدما في علاقات مع الأكراد في ظل عهد جديد يظلله مستقبل الاستثمارات والتجارة". وكانت المملكة المتحدة أعلنت في وقت سابق عن نوايها لتقديم كميات، لم تحددها، من المدافع الثقيلة والذخائر للعراق بقيمة 1.6 مليون جنيه استرليني (بما يعادل 2.5 مليون دولار أمريكي) في سبتمبر، وقد أشار وزير الدفاع البريطاني مايكل فالون، إلى أن شحنة التسليح تعد تبرعا "أوليا" للعراق. وقبل شهرين ، كشفت حكومة دولة التشيك عن موافقتها على تسليم فائض متوافر لديها من دخائر عسكرية ومدافع محمولة للأكراد العراقيين ، فيما قالت بلغاريا إنها تخطط لإرسال تسليح وعتاد ، وأعلنت ألبانيا أيضا أنها سترسل مدافع ورشاشات كلاشينكوف ، وذخائر وقنابل وصواريخ للمدافع والقاذفات. وتعد أنظمة التسليح التي تعود للعهد السوفيتي مناسبة وملائمة تماما للمقاتلين الأكراد الذين اعتادوا منذ فترة على استخدام مثل تلك الأسلحة ولا سيما الكلاشينكوف ، وقالت الحكومة الألبانية إنها قررت مشاركتها بموجب اتفاقاتها المبرمة مع الاتحاد الأوروبي وشركاء حلف شمال الأطلنطي "الناتو". غير أن كبير الباحثين في برنامج صفقات وإنتاج السلاح في معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام، بيتر ويزيمان، أثار عددا من الشكوك بشأن تلك الإسهامات والمشاركات الأوروبية في الحرب ضد "داعش" قائلاً "ألبانيا لديها كميات كبيرة من الأسلحة التي تعود للحقبة السوفيتية وهي أسلحة تحوم حولها مخاوف وشكوك بشأن حالتها وصلاحيتها، وذلك في أعقاب شحن الولاياتالمتحدة لذخائر ألبانية إلى أفغانستان التي تبين أنها منتجة منذ 40 عاما وغير صالحة للاستخدام". كما أبدى "ويزيمان" تشككه ومخاوفه من سقوط مثل تلك الأسلحة والذخائر في أيدي قوات أخرى عن طريق الخطأ، مشيراً إلى أن "الوحيدة كانت ألمانيا التي أعلنت علنا أنها سترسل مراقبين لها لمتابعة العتاد. سقطت الأسلحة في أيدي الغير (داعش) في سورياوالعراق ، هل بوسعنا التيقن من أن الأكراد لن يفقدوها (لمصلحة داعش) كما فعل العراقيون؟". وأضاف أن "المحاربين استولوا على دبابات "إم 1" وتركوها وراء ظهورهم غير أنهم استحوذوا على المركبات المصفحة الخفيفة". من جانبه ، فند البروفيسور في المعهد الملكي للخدمات المتحدة لدراسات الدفاع والأمن في لندن، تريفور تايلور، تلك الشكوك والمخاوف التي تكتف عملية تسليح قوات البشمركة في صراعها ضد قوات تنظيم الدولة الإسلامية معتبرا أن المسألة في شمالي العراق تستحق المخاطرة ، قائلاً "منذ 2003 ، كانت منطقة الأكراد الأكثر استقرارا وتطورا وتنمية في العراق، لذا فإن المخاطرة مقبولة". أما بالنسبة لإيطاليا ، فكانت صاحبة أكبر تبرع غير معتاد لأكراد العراق حيث أرسلت روما في سبتمبر، طائرة شحن عسكرية من طراز "سي-130 جيه" إلى العراق ومنها إلى أربيل ، وكان على متنها شحنة أسلحة قيتمها 1.9 مليون يورو (بما يساوي نحو 2.4 مليون دولار أمريكي) ، وضمت مدافع آلية وذخائر من مستودعات القوات الإيطالية. ومن بين الشحنة أيضاً راجمات صواريخ وذخائر وأسلحة آلية تم مصادرتها من سفينة حوصرت في عام 1994 في إطار الحظر الذي فرضته قوات الناتو على شحن أسلحة للمقاتلين الصرب أثناء حرب البلقان. كانت إيطاليا قد رصدت السفينة "جاردان إكسبريس" وبتفتيشها تم العثور على شحنة أسلحة ضمت رشاشات كلاشينكوف وذخائر، وهي الشحنة التي صادرتها روما وظلت في مستودعات يديرها حلف الناتو في جزيرة سيرديني. يعتقد أن بعض تلك الأسلحة جرى تمريرها إلى الثوار الليبيين أثناء ثورتهم ضد النظام الليبي السابق بقيادة معمر القذافي في 2011. ويكشف جياناندريا جاياني، رئيس تحرير مجلة "أناليسي ديفيسا" الإيطالية المتخصصة في الشئون الدفاعية، سر تسليم روما لقاذفات مضادة للدبابات للثوار الليبيين قائلاً "على ما يبدو أن الليبيين تسلموا قاذفات "إيه تي – 4" المضادة للدبابات، لكن إيطاليا رفضت تسليم الأكراد أسلحة مضادة للدبابات رغم طلبهم الحصول عليها. ربما يكون سبب الرفض يعود إلى الجوانب الحساسة التي تكتنف الأمر من جانب الأتراك أو العراقيين".