عيار 21 بالمصنعية بعد الانخفاض.. أسعار الذهب اليوم الجمعة 24 مايو 2024 للبيع والشراء    «العمل» تكشف تفاصيل توفير وظائف زراعية للمصريين باليونان وقبرص دون وسطاء    مصر تُرحِب بقرار "العدل الدولية" فرض تدابير مؤقتة إضافية على إسرائيل    الصين تحذر: رئيسة تايوان تدفع باتجاه الحرب    تزامنا مع كلمة ل نصر الله.. حزب الله يستهدف موقعا إسرائيليا بصاروخين ثقيلين    "بولتيكو": إجراءات روسيا ضد إستونيا تدق جرس الإنذار في دول البلطيق    الأهلي يبدأ مرانه الختامي لمواجهة الترجي في نهائي دوري أبطال إفريقيا غدا    «تجاوز وعدم أدب».. بيان ناري لرابطة النقاد الرياضيين ردًا على تصريحات محمد الشناوي ضد الصحافة المصرية    بث مباشر مباراة الأهلي والزمالك في نهائي دوري سوبر كرة اليد (لحظة بلحظة)    الدبلومات الفنية 2024.. "تعليم القاهرة": تجهيز أعمال الكنترول وتعقيم اللجان    المخرج أشرف فايق: توقعت فوز الفيلم المصري "رفعت عيني للسما" بذهبية مهرجان كان    لمدة 4 ساعات.. قطع المياه عن هضبة الأهرام بالجيزة اليوم    سكرتير عام البحر الأحمر يتفقد حلقة السمك بالميناء ومجمع خدمات الدهار    تحديث بيانات منتسبي جامعة الإسكندرية (صور)    الأمم المتحدة تحذر من انتشار اليأس والجوع بشكل كبير فى غزة    الترقب لعيد الأضحى المبارك: البحث عن الأيام المتبقية    الدفاع الروسية: 67 جنديا أوكرانيا استسلموا خلال أسبوع    بعد جائزة «كان».. طارق الشناوي يوجه رسالة لأسرة فيلم «رفعت عيني للسما»    بعد تلقيه الكيماوي.. محمد عبده يوجه رسالة لجمهوره    أعضاء القافلة الدعوية بالفيوم يؤكدون: أعمال الحج مبنية على حسن الاتباع والتسليم لله    «الرعاية الصحية» تشارك بمحاضرات علمية بالتعاون مع دول عربية ودول حوض البحر المتوسط (تفاصيل)    قوافل جامعة المنوفية تفحص 1153 مريضا بقريتي شرانيس ومنيل جويدة    «العدل الدولية» تحذر: الأوضاع الميدانية تدهورت في قطاع غزة    مباشر مباراة الأهلي ضد الفتح الرباطي في بطولة إفريقيا لكرة السلة ال«BAL»    بعد ظهورها بالشال الفلسطيني.. من هي بيلا حديد المتصدرة التريند؟    فيلم "شقو" يواصل الحفاظ على تصدره المركز الثاني في شباك التذاكر    متي يحل علينا وقفة عرفات وعيد الأضحى 2024؟    مبابي يختتم مسيرته مع باريس سان جيرمان في نهائي كأس فرنسا    المفتي يرد على مزاعم عدم وجود شواهد أثرية تؤكد وجود الرسل    أوقاف القليوبية تنظم قافلة دعوية كبرى وأخرى للواعظات بالخانكة    عائشة بن أحمد تكشف سبب هروبها من الزواج    محافظ أسيوط يتابع مستجدات ملف التصالح في مخالفات البناء    التنمية الصناعية تبحث مطالب مستثمري العاشر من رمضان    التعليم العالي: جهود مكثفة لتقديم تدريبات عملية لطلاب الجامعات بالمراكز البحثية    الأزهر للفتوى يوضح أسماء الكعبة المُشرَّفة وأصل التسمية    أبرزها قانون المنشآت الصحية.. تعرف على ما ناقشه «النواب» خلال أسبوع    الأهلى يكشف حقيقة حضور إنفانتينو نهائى أفريقيا أمام الترجى بالقاهرة    مدير جمعية الإغاثة الطبية بغزة: لا توجد مستشفيات تعمل فى شمال القطاع    اكتشاف فيروس إنفلونزا الطيور H5N1 في الأبقار.. تحذيرات وتحديات    وزارة الداخلية تواصل فعاليات مبادرة "كلنا واحد.. معك في كل مكان" وتوجه قافلة إنسانية وطبية بجنوب سيناء    أول جمعة بعد الإعدادية.. الحياة تدب في شواطئ عروس البحر المتوسط- صور    بالأسماء.. إصابة 10 عمال في حريق مطعم بالشرقية    الإفتاء: الترجي والحلف بالنبي وآل البيت والكعبة جائز شرعًا في هذه الحالة    "العد التنازلي".. تاريخ عيد الاضحي 2024 في السعودية وموعد يوم عرفة 1445    الشرطة الإسبانية تعلن جنسيات ضحايا حادث انهيار مبنى في مايوركا    وزير الري: إفريقيا قدمت رؤية مشتركة لتحقيق مستقبل آمن للمياه    تعشق البطيخ؟- احذر تناوله في هذا الوقت    أبرزها التشكيك في الأديان.. «الأزهر العالمي للفلك» و«الثقافي القبطي» يناقشان مجموعة من القضايا    11 مليون جنيه.. الأمن يضبط مرتكبي جرائم الاتجار بالنقد الأجنبي    الإسكان تتابع جهود قطاع المرافق لتعظيم الاستفادة من الحماة المنتجة من محطات معالجة الصرف الصحي    الأكاديمية العسكرية المصرية تنظم زيارة لطلبة الكلية البحرية لمستشفى أهل مصر لعلاج الحروق    الإسكان: تشغيل 50 كم من مشروع ازدواج طريق «سيوة / مطروح» بطول 300 كم    رئيس الأركان يتفقد أحد الأنشطة التدريبية بالقوات البحرية    "التروسيكل وقع في المخر".. 9 مصابين إثر حادث بالصف    "تائه وكأنه ناشئ".. إبراهيم سعيد ينتقد أداء عبدالله السعيد في لقاء فيوتشر    النشرة المرورية.. سيولة فى حركة السيارات على محاور القاهرة والجيزة    حظك اليوم برج العقرب 24_5_2024 مهنيا وعاطفيا..تصل لمناصب عليا    مدرب الزمالك السابق.. يكشف نقاط القوة والضعف لدى الأهلي والترجي التونسي قبل نهائي دوري أبطال إفريقيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عمل بلا انقطاع.. وإخلاص بلا نظير.. والنتيجة محل سؤال حتى الآن محلب.. بلا مخلب لا ينام إلا أربع ساعات فقط.. ويبدأ عمله بعد صلاة الفجر ويستمر حتى منتصف الليل
نشر في البوابة يوم 18 - 11 - 2014

يعيش هو وزوجته بمفردهما فى شقته بالمعادى.. ويستشير صديقه عصام ناصف فى كل قراراته
يحرص على زيارة والدته أسبوعيًا طلبًا لدعائها ولا يتركها إلا بعد أن يفضفض معها وكأنه لا يزال طفلًا صغيرًا
يبدو متجهمًا طوال الوقت لا يضحك إلا نادرًا وهى «سمة الزاهدين».. ولا ينظر إلى الأرض فهو «لا يخفض أنفه إلا لله فقط»
بعض رجاله المقربين يسعون الآن للقفز فوق كرسيه.. و3 وزراء يقدمون أنفسهم ل«السيسى» بطرق مختلفة
لا يمتلك قوة تمكنه من بسط سيطرته على كل ما يخص عمله.. والإنجازات التى ينتظرها المصريون لا تتحقق ب«بالنوايا الحسنة»
تغاضينا عن «عورات الحكومة» فكثير من الوزراء يجب أن يحاكموا.. وليس معنى أننا فى حالة حرب أن نترك المقصرين والفاشلين
«شيال الهموم».. هذا هو التوصيف الوحيد الذى يقفز أمام عينى وأنا أتابع المهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء.. فالرجل يعمل بلا انقطاع، لا ينام إلا أربع ساعات فقط، يستيقظ لصلاة الفجر، وبعد أن ينتهى من صلاته، يجلس ليراجع عددا من التقارير المهمة التى يصطحبها كل يوم وهو عائد إلى بيته، وبعد أن ينتهى منها ويسجل ملاحظاته، يتصل بحراسته ليخبرهم بنزوله ووجهته فى الأيام التى لا يبدأ عمله من مكتبه بمجلس الوزراء.. يدخل فى دوامة العمل، التى لا يخرج منها إلا فى الثانية عشرة مساء.
إخلاص محلب فى عمله ليس محل شك ولا جدل ولا سؤال، لكن يبقى السؤال حول الجدوى من كل هذا الجهد، ويحاصره الاستفهام حول طاقته النفسية التى تجعله يتحمل كل هذه الضغوط، فهو لا يقابل إلا الكوارث ولا يسمع أخبارا إلا عن الأزمات.. وهى أحداث من المؤكد أنها محبطة، لكن الإحباط لا يعرف طريقا له فهو مقاتل من طراز رفيع.
كان محلب هو الرجل المناسب فى المرحلة التى دخل فيها مكتبه فى رئاسة الوزراء.
طريقه إلى الوزارة حكاية طويلة أعتقد أنها تستحق أن تروى.
بعد 25 يناير كان يخشى أن يزج باسمه فى أى قضية من قضايا الفساد، أو البلاغات التى انهالت على رأس كل من عمل مع نظام مبارك، لكن فعليا لم يرد اسمه فى أى بلاغ، ولم يطالب أحد بالتحقيق معه.
كان محلب واضحا جدا مع نفسه، لوح له البعض بتورطه فى قضية القصور الرئاسية، لكنه كان يقول دائما إنه عمل لدى دولة، ولم يعمل فى يوم من الأيام لصالح نظام أو شخص، ولذلك كان مطئمنا لسلامة موقفه.
لم يكن محلب محبوبا من نظام مبارك على الإطلاق، ناصبه محمد إبراهيم سليمان وزير الإسكان الشهير العداء، وكثيرا ما دس له لدى مبارك.. والمفاجأة أن مبارك كان يعرف بعد ذلك أن سليمان لا يقول الحقيقة، وأنه يريد أن يطيح بمحلب من المقاولين العرب، لكنه أيضا لم يتدخل لإنصافه.
عندما كان عصام شرف رئيسا للوزراء خرجت تسريبات بأنه سيطيح بمحلب من شركة المقاولون العرب، خرجت مظاهرات عديدة من كل فروع الشركة تقريبا للاحتجاج على القرار الذى لم يصدر بعد، بل أضرب العاملون فى فرع الإسكندرية عن العمل، وكان القرار أن محلب لن يخرج من الشركة أبدا.
بعد هذه الواقعة كان محلب من الشخصيات التى مال إليها المشير طنطاوى الذى كان يدير شئون البلاد، وبالفعل عرض المجلس العسكرى على محلب الوزارة أكثر من مرة، لكنه كان يرفض، لأنه بخبرته العملية، كان يعرف أن الأرض ليست ثابتة، وأن كل من يظهرون على المسرح، سيتم حرقهم تماما، فرفض المنصب، واكتفى بموقعه التنفيذى فى شركته.
عندما صعد محمد مرسى إلى الرئاسة أدرك محلب أن الأجواء السوداء ستكون المسيطرة، وأن الجماعة ستنتقم من الجميع فسافر إلى السعودية، وقرر أن يبقى هناك بعيدا عن أنياب جماعة قاتلة ومهلكة.
يقولون إنهم عندما تحدثوا إلى محلب بعد ثورة 30 يونيو، وطلبوا منه أن يتولى وزارة الإسكان فى وزارة حازم الببلاوى، أنه اشترط عليهم أن تغلق قضية القصور الرئاسية، أو على الأقل تنزع صفحته من بين أوراقها، وهو ما لم يكن صحيحا بالمرة، كل ما فعله أنه استجاب لنداء الوطن الحقيقى، وبعد ساعات كان هنا فى مصر.
بعد أن أنهت وزارة حازم الببلاوى عددا من الملفات الأمنية وعلى رأسها ملف رابعة العدوية، كانت الحاجة ملحة إلى حكومة عمل، حكومة تنزل إلى الشارع لتباشر مصالح الناس على الطبيعة، حكومة يكون لها إنجاز ميدانى، ولم يكن إلا إبراهيم محلب الرجل المناسب فى المكان المناسب والمهمة المناسبة أيضا.
قبل حكومة حازم الببلاوى، لم يكن السيسى يعرف إبراهيم محلب بشكل شخصى، لم يجلسا إلى بعضهما البعض، ولم يتعرفا على أفكار كل منهما.. لكن وبحكم تواجدهما معا فى الوزارة اقتربا أكثر، بل واكتشفا أن هناك سمات مشتركة كثيرة تجمع بينهما.
فى كثير من اجتماعات مجلس الوزراء، كان رجال الحكومة يحصلون على استراحة لتناول غدائهم، ينصرفون ولا يبقى فى القاعة إلا محلب والسيسى، كل منهما يكون صائما، دخلا فى مناقشات طويلة، تعرف السيسى على محلب عن قرب، جمعتهما الصلاة فى مجلس الوزراء كثيرا، وكان طبيعيا أن يبقى السيسى على محلب رئيسا للوزراء، فهو يثق فيه ثقة عمياء ويعتمد عليه تماما.
فى السابعة صباحا، وأحيانا فى الثامنة يتلقى محلب اتصالا من السيسى، فى مرات عديدة يكون الاتصال من مكتب الرئيس، ثم يتم تحويل المكالمة، وفى مرات قليلة يتصل السيسى مباشرة بمحلب من تليفونه الخاص، فهناك ملفات لا تتحمل التأخير، ولا تحويل التليفونات بين الرئيس ورئيس وزرائه، وخلال اليوم يتم الاتصال أكثر من مرة، حتى أنك تعتقد أن السيسى ومحلب فى خلية نحل لا يكفان عن العمل.
ولأن الشارع هو الأساس عند محلب، فعدد الجولات التى قام بها إلى المحافظات حتى الآن رغم شهوره المعدودة فى الوزارة، يمكن أن يزيد على عدد جولات كل رؤساء حكومات مصر فى عهد مبارك للمحافظات، قد تكون الأحداث الإرهابية وحوادث الطرق والمصائب التى لا تخطر على بال هى سبب جرجرة محلب إلى كل أنحاء مصر، لكن فى النهاية الرجل يقوم بكل ما عليه دون تقصير.
هذه المهام الثقيلة لا تحجب عنى جوانب كثيرة فى شخصية المهندس إبراهيم محلب.
يعيش رئيس وزراء مصر وزوجته بمفردهما فى شقته بالمعادى، له ولدان مهندسان ولهما عملهما الخاص، حيث يمتلكان شركات مقاولات ضخمة، صديقه المقرب هو المهندس عصام ناصف رئيس شركة المقاولون العرب للاستثمار، وما لا يعرفه الكثيرون أن عصام يكاد يكون المستشار الخفى لمحلب، يعود إليه فى كل قراراته، ويستشيره فى كل ما يقدم عليه، وهو الآن مستشاره فى عمله السياسى والتنفيذى، لكنه لا يتجاوز حدوده كصديق.
ولأنه يثق فيه جدا فقد باشر محلب مشاوراته لتشكيل حكومته الأولى من مقر المقاولون العرب للاستثمار، ثقة فى أن كل ما يدور فى الشركة من مشاورات ومناقشات سيظل حبيس الجدران ولن يتسرب إلى أحد.
صديق محلب الثانى والمقرب جدا منه أيضا، هو محمد محسن صلاح الدين رئيس شركة المقاولون العرب.. فى الشهور الأخيرة حدث ما يشبه الجفوة بينهما، فعندما خرج محلب من وزارة الإسكان إلى رئاسة الحكومة، اعتقد أنه سيكون خليفته فى وزارة الإسكان، لكن محلب خيب ظنه واختار مصطفى مدبولى وهو أحد المقربين أيضا من محلب، لكنى أعتقد أن هذه الجفوة زالت الآن، أو على الأقل خفت كثيرا.
علاقة محلب بوالدته تجعلنا ننظر إليه نظرة خاصة، فهو يحرص على زيارتها أسبوعيا رغم أنها تعيش فى أكتوبر، ولا ينسى موعد زيارتها مهما كانت مشاغله، يطلب دعاءها، ولا يتركها إلا بعد أن يفضفض معها، وكأنه لا يزال طفلا صغيرا، يبحث عن الأمان فى أحضان أمه.
الطابع الدينى هو الغالب على شخصية إبراهيم محلب، ولم يكن غريبا أن يكون رحيما بكل من يعمل معه، العاملون إلى جواره فى مجلس الوزراء يحبونه بدرجة كبيرة، فهو لا يتعالى على أحد، صحيح أنه كان يرهقهم كثيرا عندما كان يحضر إلى المجلس يوم الجمعة ليباشر عمله، حيث كانوا يتواجدون جميعا، إلا أنهم افتقدوا العمل هذا اليوم إلى جواره، بعد أن أصبح يدير العمل يوم الجمعة من بيته، ولم يعد يذهب إلى مكتبه فى يوم الإجازة إلا إذا كان هناك ما يستدعى ذلك.
الدين فى حياة إبراهيم محلب منحه سمة أعتقد أن كثيرين لا يلتفتون لها فى شخصيته، فهو يبدو طوال الوقت متجهما، ربما تعتقد أن ذلك بحكم الظروف الصعبة التى تمر بها مصر، فمواكب الأحزان التى يسير فيها كل يوم لا تمنحه الفرصة ليضحك، لكنها سمة الزاهدين دائما، لا يضحكون كثيرا.
لكن الأهم من عدم الضحك، أن محلب يتطلع برأسه إلى أعلى دائما، راقبه وهو يقف فى أى مؤتمر صحفى، تجده ينظر معظم الوقت إلى أعلى، التفسير ليس من عندى، ولكن من عنده هو، فهو عندما يقف إلى جوار مسئول فى مؤتمر صحفى أو غيره لا ينظر إلى الأرض، لأنه – كما قال نصا: لا يخفض أنفه إلا لله فقط.
تدينه منحه طابع التواضع، بعد أن أنهى اجتماعه مع محافظ أسيوط فى الثانية عشرة مساء، صعد إلى غرفته فى الاستراحة، استبدل ملابسه، أخذ حماما سريعا، ونزل إلى الشارع وهو يرتدى بنطلون جينز وقميص بنص كم، وتجول فى شوارع مدينة أسيوط دون حراسة، استوقف أحد الشباب، سأله عن أحواله، ولما استنكر الشاب، أخبره محلب بأنه رئيس الوزراء ليتحول استنكار الشاب إلى دهشة ثم إلى حالة من الإعجاب بالرجل الثانى فى مصر، الذى يتجول فى الشوارع دون حراسة ليعرف بنفسه ما الذى يشكو منه الناس.
ما فعله محلب فى أسيوط يفعله كثيرا، لا أقصد تجوله فى الشوارع دون حراسة، فهو أيضا مستهدف، لكن أقصد اعتماده على مصادر مختلفة لجمع المعلومات عما يحدث فى الشارع المصرى، فهو لا يكتفى بالتقارير التى تأتيه من الجهات الأمنية، ولا يثق فى كثير من التقارير التى تأتيه عبر مسارات مختلفة، ولكنه يحب أن يجمع معلومات بنفسه، على الأقل ليستريح ضميره وهو يأخذ أى قرار.
لماذ أقول كل هذا الكلام؟
لماذا أتعرض لتفاصيل صغيرة فى حياة إبراهيم محلب؟
الإجابة ببساطة، أننى أبحث عن الحالة التى يمكن أن يتم تسجيلها باسم محلب فى الحياة السياسية المصرية، أن يكون لدينا رئيس وزراء بكل هذا القدر من الإخلاص فى العمل، وبكل هذا الدأب فى بذل الجهد، لكن فى النهاية تحيط بنا المشاكل من كل جانب، لا نتحرك إلى الأمام إلا بقدر هزيل للغاية، لا يتناسب ورغبة مجتمع فى أن ينهض بعد ثورتين عظيمتين.
يمكن أن نقول كلاما كثيرا، فالتنظيم الإرهابى وحلفاؤه لا يمنحان الحكومة فرصة للعمل، الضغوط الدولية كثيرة، فهم يريدون أن يخنقوا مصر بكل الطرق، والدول التى كانت تمنح بسخاء بدأت تغل يدها، والشائعات تحاصر الحكومة من كل مكان، والتهديدات الداخلية تحاصر رئيس الوزراء ورجاله، ولذلك فهم لا يستطيعون أن يحققوا كل ما يريدون ويخططون له.
يمكن أن يكون كل هذا صحيحا تماما، لكنه ليس السبب الوحيد لحالة الأداء الباهت الذى أصبح عليه محلب، فهو فى النهاية أحد ضحايا حالة الارتباك الكبيرة التى تعيشها مصر الآن، ولا يسلم منها أحد على الإطلاق، فالكل فيها سواء.
زار محلب إحدى المحافظات، وعاد غاضبا جدا، قرر أن يقوم بتغيير المحافظ، عرض الأمر على الرئيس عبدالفتاح السيسى، لكنه لم يستجب لما أراده، وقال له: ليس معقولا أن نعمل حركة محافظات من أجل تغيير محافظ واحد، لننتظر حتى حركة المحافظين الشاملة، ومرت الأيام ولم تتم حركة المحافظين، فى ظل شائعات أنه تم التدخل من أجل حماية المحافظ الذى غضب عليه محلب.
هناك عدد من الوزراء يعانى محلب من أدائهم، لكنه فيما يبدو لا يقدر على تغييرهم، لظروف خارجة عن إرادته، ولأنه رجل أمين مع نفسه، فإنه يحمل نفسه جزءا من المسئولية، فهو لا يترك الوزراء يواجهون غضب الشارع وحده، لكن هذه المسئولية كثيرا ما توقعه فى الزلل.
بعد الأزمات الكثيرة التى كان وزير التعليم محمود أبوالنصر طرفا فيها، صرح محلب تصريحا غريبا، فهو لا يريد أن يتحدث مع الوزير، لأن حالته النفسية سيئة ولا يتحمل حالة الهجوم عليه، بل إنه تدخل من أجل منع الهجوم عليه فى أحد البرامج الفضائية.
يمكن أن تقول إن محلب يحمى وزراءه، لا يريد أن يقدمهم كباش فداء تحت أقدام الرأى العام.. لكن ما يجرى فى الكواليس يقول إننا أمام أزمة حقيقية، والسبب فيها شخصية رئيس الوزراء.
لا يهتم محلب إلا بالعمل، يبذل أقصى طاقته فيه، لكنه لا يلتفت إلى أن هناك فى وزارته ومن بين رجاله المقربين من يسعون الآن للقفز فوق كرسيه، أعلم أنه يدرك أنه ليس مخلدا، ويمكن أن يترك كرسى الوزارة اليوم أو غدا، لكنه لا يدرك أن ثلاثة وزراء بالتحديد يقدمون أنفسهم للسيسى بطرق مختلفة حتى يحصلوا على رضاه، بل إنهم يروجون فى جلساتهم الخاصة ولدى أصدقائهم أنهم القادمون إلى منصب رئيس الوزراء.
لن أتحدث عن حرب أو معارك أو صراع على المنصب، ولكنى فقط أشير إلى أن الأمور ليست مستقرة بما يكفى، وأن هناك الكثير من أوقات الوزراء يضيع فى نسج خطط للمستقبل، رغم أن حاضرهم لم يستقر بعد.
لقد قبلنا هذه الحكومة.. فهى جزء من اختيار لرئيس أبقى عليها، وعزز موقفها، وهو ما يصرفنا كثيرا عن تتبع عوراتها وهى كثيرة، فكثير من الوزراء يجب أن يحاكموا، أن يقفوا بين يدى العدالة، فليس معنى أننا فى حالة حرب أن نترك المقصرين والفاشلين بحجة أن الأمر لا يحتمل الآن.
يمكن أن أقبل فى شخصية إبراهيم محلب أى وكل شىء، متدين، متواضع، قريب من موظفيه، يحبهم ويحبونه، لكن ما لا يمكن أن يقبله أحد أن يكون رئيس الوزراء بلا مخلب، بلا قوة تمكنه من أن يبسط سيطرته على كل ما يخص عمله، فالإنجازات التى ينتظرها المصريون لا يمكن أن تتم بالنوايا الحسنة.
يدرك محلب أنه أخذ كثيرا من حالة الزخم التى تحيط بالسيسى، فوجوده فى السلطة حجب كثيرا وجود رئيس الوزراء، فلا يهتم أحد بما يفعله، ولا تحيط به الأضواء، بل لا يسأل أحد كثيرا عنه، لكن الآن لم يعد شىء كما كان، الجميع يعانى، انكشف الغطاء حتى عن حالة الزخم التى تمتع بها السيسى طويلا، فانكشف الغطاء عن الجميع.. وأصبح محلب ومن معه يواجهون مصيرهم وحدهم.
يستمد محلب من تدينه وإيمانه بالله طاقة روحية هائلة، لا تجعله ينهار تحت الضربات التى يتعرض لها كل يوم.. يمكن أن يخرج من الحكومة وهو محتفظ بقدرته على أن يعمل ويحلم ويتفاءل.. لكن حتما ستترك الأزمات التى مر بها ندوبا على روحه.. أرجو من الله أن يحفظه منها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.