أمام كل رأس يقطعه أمير داعش يظهر 100 ملحد يرفع شعار «لا أثر لربكم ولا ملائكته ولا جنته» صاحب رسالة «لماذا أنا ملحد؟» فى بداية القرن قال إنه لا يفرق عن المؤمن المتصوف.. وملحد فى 2014 يعرض «مؤخرته» على "فيس بوك" لممارسة اللواط «المواطنون المؤمنون» طاردوا ملحدا شابا وزوجته فى الإسكندرية كما يفعل «المواطنون الشرفاء» مع نشطاء ثورة يناير الأزهر يخصص أكثر من مليون جنيه للإنفاق على مؤتمر لمواجهة الإلحاد.. والطيب يعتبرهم التهديد الأول للأمة دار الإفتاء نظمت حوارات مع شباب الملحدين ولم تشترط عليهم «التوبة».. و«الجفرى» ناقشهم فى فلسفة الإيمان «استيقظ يا صديقى أنت حر، لا يوجد شىء فى السماء، إنها فارغة، إلا من الكواكب والمجرات، وصل العلم بنا إلى 13.7 مليار سنة لم نجد أثرا لربكم ولا ملائكته ولا جنته وناره، إلى متى سنظل فى هذا الاستعباد للأوهام؟».. بهذه العبارة صدّرت مجلة «الملحدون العرب» افتتاحية أحد أعدادها الأخيرة، وهى المجلة التى يحررها تجمع من الملحدين الجدد عبر شبكة الإنترنت. اللافت أن هذه الكلمات تؤكد حقيقة أن الإنسان يبحث عن ربه منذ بداية الخليقة يبتكر ويبدع فى تصوره ومعجزاته، تلك هى الراحة النفسية التى تسكن إليها الروح عندما تخضع لإله، نوع من الأمان، كان الإنسان القديم يصنعه قبل نزول الأديان السماوية ومعرفة الناس للوحى، فالله مرادف للقوة الكامنة فى روح كل إنسان، رغبة قوية دفعت الإنسان القديم للسعى لاكتشاف خالقه، كان هدفها الأول الوصول إلى العدل والأمان وضمان الاستمرارية فى حياة أخرى، ربما تكون أسعد وأفضل، وهذه السعادة لا ضامن لها إلا المعجزات الإلهية والقدرات الخارقة للآلهة القديمة وللإله الواحد، بعد ظهور الأديان السماوية، هذه الفكرة أيدها جميع العلماء والفلاسفة الذين لم يتمكنوا من الوصول إلى معرفة الله أو إلى مكان استقرار الروح، يقول أفلاطون: «إن العالم آية فى الجمال والنظام ولا يمكن أن يكون هذا نتيجة علل اتفاقية، بل هو صنع عاقل توخى الخير ورتب كل شىء عن قصد». واجهت المجتمعات الإسلامية ظاهرة الإلحاد منذ الظهور الأول للدين الإسلامى، عقب وفاة النبى محمد وحتى اليوم، إلا أن انتشار هذه الظاهرة تتحكم فيها عوامل عديدة، أهمها قوة الدولة وثقة المواطنين فيها، وازدهارها اقتصاديا وثقافيا وحضاريا، ففى الماضى بدأت أول موجة ارتداد عن الإسلام وواجهتها الدولة بقوة، عندما رأت أنها تمثل خطرا على مشروع الدولة الإسلامية ولم تجد صعوبة فى مواجهتها، أما فى الوقت الحالى فقد أصبح الإلحاد يمثل خطرا كبيرا على الأمة الإسلامية، كما يردد دائما علماء الأزهر، نتيجة ما يشهده العالم العربى والإسلامى من صراعات وتأخر فى مستوى أبنائه العلمى والثقافى. الآن أصبح أمام كل رأس يقطعها أمير داعش يظهر مائة ملحد، لأن الشطط أيضا من أهم الأسباب فى انتشار الإلحاد، ولأن المغالاة والفهم الخاطئ لنصوص الشرع أثرت كثيرا فى انتشار الإلحاد، كما أثرت على درجة قبول الملحد للجدل والمناقشة فى فكرته وأصبح الملحد شخصا سيئ الخلق والأسلوب، دائم توجيه السب والشتائم للأديان وللدين الإسلامى، الملحدون الجدد يحملون كرها خاصا للمسلمين اليوم بعيدا عن رفضهم لفكرة وجود الله. أثرت فى ذلك تطورات العصر وانهيار القيم والأخلاق التى غيرت صورة الملحد من رجل مثقف مجادل، يسعى لتقديم وجهة نظره فى العقيدة وفى الإله برقى، إلى (عيل تافه) يتشدق بالإلحاد ويوجه إساءات متكررة للإسلام، يؤكد ذلك ما حدث فى أزمة الرسالة التى كتبها الدكتور إسماعيل أدهم، تحت عنوان: «لماذا أنا ملحد؟»، والتى قال فيها: «ما كانت دهشتى وعجبى أنى وجدت نفسى أسعد حالا وأكثر اطمئنانا من حالتى حينما كنت أغالب نفسى للاحتفاظ بمعتقد دينى، فأنا ملحد ونفسى ساكنة لهذا الإلحاد ومرتاحة إليه فأنا لا أفترق من هذه الناحية عن المؤمن المتصوف فى إيمانه». هذه السطور تكفى لكشف ما كان يتمتع به هؤلاء من فهم لثقافة الاختلاف، عندما رد عليه الدكتور أحمد زكى أبو شادى فى رسالة أخرى سمّاها: «لماذا أنا مؤمن؟»، وبيّن فيها أن إلحاد أدهم وسخطه على الأديان أمر بعيد عن مبدأ الحرية. الآن الأمور اختلفت كثيرا، فعلى سبيل المثال، عرض أحد الملحدين صورة مؤخرته لممارسة اللواط على صفحة «منتدى الملحدين العرب» بشبكة «فيسبوك» قائلا: «من يشترك معى فى هز عرش الرحمن الذى يكبت رغباتنا؟»، معتبرا أن ما فعله نوع من رفض الدين، وآخرون اتخذوا لأنفسهم مخالفين من عامة الشعب فتجد الواحد منهم دائما مبادرا باستفزاز العامة بسبه للدين الإسلامى ولله وللرسل، الأمر الذى يزيد من الاحتقان بين الجانبين وأصبحت المواجهات حتمية بين الطرفين. هذه المواجهات تتم دائما بطريقين: الأول وهو الأكثر خطرا، وهى المواجهة الشعبية من قبل المواطنين المؤمنون والتى تسير دائما على نهج «المواطنين الشرفاء» الذين يخرجون لمواجهة النشطاء السياسيين المعارضين للسلطة، وقد كانت واقعة ضرب وسب الملحد أحمد حرقان وزوجته آخر نتائج جولات هذه المواجهة، وربما كان القتل أيضا متوقعا أن يكون مصير حرقان وزوجته عندما تعرف عليه بعض المواطنين بعد ظهوره مع الإعلامى تونى خليفة وإعلان إلحاده، وقام الرجل بالاعتداء عليه بمشاركة المواطنين الذين اصطحبوه إلى قسم الشرطة وتم الاعتداء عليه هناك والتنكيل به وبزوجته التى كادت تفقد جنينها. هذه الطريقة تظهر كيفية تعامل الدولة مع هذه الظاهرة، فهى لم تعتمد طريقة جادة فى مواجهة الإلحاد، واعتبرته خطرا داهما، بالرغم من أن نصوص الدستور تكفل حرية الاعتقاد لكن «ما للدستور للدستور وما للناس للناس». تعتبر النظرة الدونية التى تعامل بها علماء الأزهر ورجال الدين باستثناء بعض منهم سببا رئيسيا فى انتشار هذه الظاهرة، فالأزهر يعتبر خطر الإلحاد جسيما، ويخصص له برنامجا خاصا لمواجهته وميزانية كبيرة، شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب لم يترك مؤتمرا أو مناسبة إلا وهاجم فيها الإلحاد، وكأن الملحدين أصبحوا التهديد الأول لهذه الأمة، دائما نجده مرددا أن الإلحاد هو الانحراف عن الحق إلى الباطل وعن الهدى إلى الضلال وعن الاستقامة إلى الاعوجاج وعن الأديان إلى الشرك والكفر والمادية والقول بالصدفة، ويتهم الملحدين بأنهم أذيال الغرب فى المنطقة العربية. الطيب قال إن أغلب حالات الإلحاد ناتجة عن هوس بالحالة وليست اقتناعا وحذرا من خطرهم على شباب الإسلام، وأشار إلى أن هذه الظاهرة تدل على جهل صاحبها وأن هؤلاء ممولين من قبل مؤسسات وجمعيات لتفتيت الأمة ومحاربة الدين، الطيب اتهم أيضا نظرية «داروين» فى الترويج للإلحاد، واتهمهم بأنهم «قساة القلوب» يتبعون طريقة الغرب فى نشر إلحادهم، أيضا لم يشر شيخ الأزهر فى كل أحاديثه عن الإلحاد إلى الحوار مع الشباب الملحد ودحض أفكاره ومناقشته بلغة العلم التى يتحدثها، إلا مرة واحدة خلال كلمته فى إحدى الاحتفاليات بليلة القدر قال فيها: إن الأزهر مستعد للحوار مع الشباب. علماء المسلمين تركوا الطائفية والتشدد والفقر والجهل، وتوجهوا لمحاربة الإلحاد بعقد المؤتمرات ذات الميزانية المرتفعة جدا وأرهقوا أنفسهم فى دراسات وأبحاث علمية تواجه الإلحاد، وتركوا الفقراء، تركوا البسطاء ممن يدفعهم ضيق الحال والفقر إلى الانتحار والكفر وتوجهوا للإلحاد، تركوا مشروعهم التنويرى ونشر الوسطية لمحاربة الإلحاد. الأكثر بؤسا أن يعلن الأزهر خلال هذه الأيام التى تشهد فيها مصر والعالم العربى أزمات سياسية ودينية وطائفية عديدة، عن عقد مؤتمر لمواجهة الإلحاد والإرهاب، المؤتمر الذى تبلغ تكلفته أكثر من مليون جنيه مصرى لم يتعرض لأزمات الأزهر وطلابه ولا للمشكلات السياسية وارتكز فى محاوره على كيفية مواجهة داعش والملحدين. ربما تكون دار الإفتاء هى الجهة الوحيدة التى بادرت بالحوار مع الشباب الملحد من قبل عدد من الباحثين فيها على رأسهم الدكتور أسامة الأزهرى والدكتور إبراهيم نجم، الذى قام بعمل حوارات داخل وخارج مصر وبخاصة فى الولاياتالمتحدة من خلال تواجده كمدير للمركز الثقافى الإسلامى الأمريكى، أيضا الحبيب على الجفرى قام بمحاولة للحوار مع هؤلاء الشباب.. كل هذه الحوارات كانت غير مشروطة لا علاقة لها بفكرة التوبة أو التخلى عن الإلحاد، لكنها مناقشات اتسمت بطابع فلسفى، بعيدا عن التجريح أو الطعن فى العقيدة الإسلامية.