من خلوته الروحية، دعا البابا تواضروس الثاني، جموع المواطنين المصريين الأقباط، إلى مشاركة أشقائهم المسلمين الصيام بالأمس الجمعة،ووسط الصدام، تنفرج أسارير الوطن من تلك النفحة الصوفية البابوية، عودة الروح، التضامن الروحي، شجي أصوات الأذان يتناغم مع ألحان أجراس الكنائس، الله اكبر.. الله محبة. اتسع ميدان التحرير بما ضاق به صدر الوطن، حيث رفع متظاهرون أمس لافتة في الميدان تتعانق فيها كلمتا “,”مسلمسيحي“,”، حيث حرف الميم لا ينتهي إلا ليبدأ مجددًا، في إشارة إلى وحدة المصريين. يقول يوسف شفيق، مدرس: طول عمرنا شعب واحد، بنصوم مع بعض، ولكن رمضان السنة دي يذكرني برمضان أيام حرب التحرير 1973، يلتقط الحديث موريس صدقي، مهندس: “,”حاربت 1973 وكنا لا نتغذى ونحتفظ بالوجبة حتى نفطر سويًا“,”. وتضيف مارلين مينا، طالبة: “,”كنا في الكنائس بنعمل إفطار الوحدة الوطنية، ولكن هذا أول إفطار وطني“,”، ضحك أحمد مختار، طالب، قائلًا: “,”إفطار وطني وتفويض مقبول “,” . المصريون يصومون 406 أيام في العام أعتقد أنه لا يوجد شعب في العالم يتميز عن الشعب المصري في علاقته بالصوم، فنجد وفق كتاب - فقه السنة- العبادات، المجلد الأول: أن المسلمين يصومون بالإضافة إلى شهر رمضان المعظم: ثلاثة أيام في شهر شعبان (13-14-15) ووقفة عرفات يزيدون اختياريًا إلى عشرة أيام، وفي شوال الستة أيام البيض، وأول ونصف والسابع والعشرين من رجب، بالإضافة إلى (104) أيام اختياريًا، وهي الاثنين والخميس ليصل الإجمالي ما بين (147) يومًا يزيد اختياريًا إلى (201) يوم، أما الأقباط فيصومون خمسة وخمسين يومًا هي الصيام الكبير، وثلاثة أيام واثنين وأربعين يومًا الصيام الصغير، وأربعين يومًا هي صيام الرسل، وخمسة عشر يومًا هي صيام السيدة العذراء، من الممكن أن يزيدوا اختياريًا إلى واحد وعشرين يومًا، إضافة إلى الأربعاء والجمعة إلى (256) يومًا كل عام واختياريًا (266) يومًا في العام. ومن ثم نجد أن إجمالي صوم المصريين (406) أيام في العام، وفي حالة الزيادات التطوعية تصل إلى (467) يومًا من (365) يومًا هي أيام السنة، أي أن الشعب المصري تتجاوز فيه سنة الصيام أيام العام بأكثر من 100 يوم! ولم يدرس أحد هذه العلاقة بين المصريين والصيام من منظور حضاري واجتماعي. تركت ميدان التحرير تسبقني نفحات هذا الشعب العظيم، وعلاقته برمضان والصيام، ورمضان من “,”عين جالوت“,” والانتصار على التتار 656هجرية إلى حرب أكتوبر1973، وصولًا ل 26 يوليو2013، هل حب المصريين للصيام ارتبط بتكرار شدة المظالم، التي وقعت عليهم على مر العصور فلم يعد أمامهم من ملاذ آمن سوى اللجوء لله سبحانه وتعالى؟ أم أن قيم الحرمان النسبي والتحديات الجسورة الاجتماعية دفعتهم إلى ازدياد قدرتهم في الانقطاع عن الطعام.. كل هذه الأسئلة المشروعة وما يمكن أن يضاف لها من ارتباط الصوم روحيًا ودينيًا وحضاريًا بالهوية المصرية، فالمصريون المسلمون من أهل السنة، ولكنهم يصومون عاشوراء ويحبون آل البيت ويتقربون من الأعتاب، والصيام كذلك ليس سرًا من أسرار الكنيسة القبطية، لكنه يرقى في الحياة الروحية للأقباط إلى مرتبة السر، الله اكبر.. الله محبة .