أنجبت المدينة الباسلة بورسعيد الكثير من الأبطال الذين شهد لهم التاريخ بجسارتهم في المشاهد البطولية وكان من بين هؤلاء العميد يسري عمارة الذي شارك في حرب أكتوبر 1973 وارتبطت شهرته بتصديه وكتيبته للواء مدرع إسرائيلي بقيادة عساف ياجوري؛ حيث قام بأسره ليصبح "عمارة" أول ضابط مصري يقوم بأسر قائد إسرائيلي في رتبة "ياجوري"، وتقديرًا لتاريخه استمر بالخدمة في القوات المسلحة المصرية وتدرج بالمناصب العسكرية حتى خروجه للمعاش. فكان ولازال "عمارة" هو البطل الذي أسر عساف ياجوري أشهر أسير إسرائيلي في حرب أكتوبر، كما سبق له الاشتراك مع أسرة التشكيل في حرب الاستنزاف وأسر أول ضابط إسرائيلي واسمه (دان افيدان شمعون). وبلقاء "البوابة نيوز" مع العميد يسري عمارة قال لنا: إن والده أرسل له ولزملائه خطابًا في أثناء حرب الاستنزاف عام 1970 يطالبه فيه بتطهير الجبهة من العدو الإسرائيلي، ويتمنى أن تكون روحهم مرتفعة كما عاهدهم. وأكد عمارة أن الخطاب كان بمثابة أمر ليس من والدي بل من شعب مصر إلى جنوده الأوفياء وقرأه كل زملائي وزاد من عزيمتهم، مشيرًا إلى أنه مازال يحتفظ بالخطاب ليقرأه الأجيال القادمة ويعرفون كيف حرر أباؤهم وأجدادهم الوطن ليحافظوا على أرضه ويبنوه. وأوضح أن الخطاب جاء فيه: "إلى الملازم أول يسري أحمد عمارة، بعد السلام، أرجو أن تكون الحال عندكم على أحسن ما يجب ونتمنى، وأن تكونوا على أتم الاستعداد للقضاء على الصهاينة اللئام وتطهير أرض العروبة من دنسهم ورجسهم وأن تكون روحكم عالية وثقتكم في الله كاملة كما عهدناكم من قبل، والحالة عندنا فهي الحمد لله طيبة من جميع النواحي ولم يتوف أحد وليس هناك مرضى بل الجميع في أحسن صحة وأسعد حال ويتمنون لك ولأخوتك الرابضين على خط النار كل سعادة وسرور ويرجون المولى الكريم أن يهيئ لكم أسباب النصر وأن يؤيدكم بعون منه إنه نعم المولى ونعم النصير". وفي البداية سرد لنا قصة التحاقه بالقوات المسلحة قائلاً: تخرجت من الثانوية العامة سنة 65/66 وكان نفسي أن أكون مهندسًا زراعيًا، ولكن المجموع الذي حصلت عليه أجبرني على الالتحاق بالكلية الجوية، والتحقت بها في 26/11/1966، ومضيت بها سنة كاملة حتى أبلغني الدكتور خلال الكشف الدوري بأنني سوف أصيب بمرض في عيني بعد سن الأربعين ولا يمكنني أن أطير بأي من الطائرات، وتم نقلي إلى الكلية الحربية وقمت بالانضمام إلى الدفعة سنة 66 حربية وتخرجت في سنة 69 والتحقت بكتيبة 961 مشاة التابعة للواء 119 الفرقة الثانية وكانت متواجدة بجنوب الإسماعيلية. وعن ذكريات "عمارة" بحرب الاستنزاف قال لنا: إنه رأى العديد من المآسي بسبب الأسلحة القديمة التي كانوا يحملونها؛ هذا إضافة إلى انهيار الجنود والضباط الذين أتوا من حرب اليمن، ولم يكن أمامنا غير أن نقوم بالضرب وفتح النيران على الجنود الإسرائيليين ولكن لم يكن هناك أوامر بضرب النيران، مشيرًا إلى إنه رغم الأوامر إلا أننا قمنا بضرب النيران على الإسرائيليين خلال رقصهم على الضفة الأخرى. وأردف البطل البورسعيدي عن ذكرياته بحرب الاستنزاف قائلاً: إنه في يوم 29/12/1966 قام قائد الكتيبة عبدالله عمران بتنفيذ دورية تقوم بضبط أسير إسرائيلي، وكان أول أسير إسرائيلي واسمه "دان شامون" وهو أحد أبطال المصارعة بجنوب إسرائيل يصل إلى الضفة المصرية، وتم نقله إلى الخنادق وتمت معاملته بالحسنى واستدعينا الطبيب لعلاجه. وأضاف الضابط المصري "عمارة" أنه عندما سأله الأسير الإسرائيلي عن اسمه قال له: أنا اسمي جمال عبدالناصر، وقام بعدها بتشغيل الإذاعة المصرية، وأجبرته على استماع الراديو المصري الذي أعلن عن أسر أحد الجنود في تمام الساعة الخامسة والنصف، وأعقبها إعلان الإذاعة الإسرائيلية عن خطف أحد الجنود الإسرائيلي خلال دورية مصرية قامت بالمرور خلف العدو وأسره. وعن حرب أكتوبر 73 أشار "عمارة" إلى أن قائد الكتيبة وصل واجتمع بنا وقال لنا بالحرف إنه في تمام الساعة السادسة سوف نقوم بأخذ حقوقنا، أو أن نذهب إلى بيوتنا، ولم نصدق كلامه لأننا سمعنا الكلام الكثير عن الحرب، وضحكنا جميعا، مشيرا إلى إن قائد الكتيبة قام بتوزيع بلح وكوب من الشاي، وابلغنا الجنود في تمام الساعة الواحدة والنصف عن ميعاد الحرب ولم يصدقوا حتى قام الطيران المصري بعبور القنال ولم يكن أمامنا إلا أن نكبر ونقول الله أكبر وقمنا بالعبور عبر لنش مدني تم الاستحواذ عليه. وتابع قائلا "لم يكن خلال ثلاثة أيام إلا أن نقوم بقتل من يقف أمامنا"، حتى قمنا بمحاصرة منطقة الفردان التي كانت من أهم الحصون الإسرائيلية، ومنعنا الإمدادات وقمنا بتركها وتركنا المكان، مضيفا أنه تم إبلاغ قائد الكتيبة إن إسرائيل تقوم بتجهيز قوات من ناحية الفردان وسوف تقوم بإبعاد الجنود ويقومون بقطع طريق (الإسماعيلية – القاهرة)، ودخول العاصمة؛ حيث قامت ثلاث كتائب بمحاصرة هذه الإمدادات وقمنا بتدمير الجزء الأكبر من مدرعات العدو، وكان مخصصًا لي عربة جيب كان عليها سلاح آلي كبير. وعن أسره لقائد اللواء الإسرائيلي قال إنه خلال تواجده على ظهر أحد المراكب شعر بسقوط الدماء من جسمه وحينها لاحظ وجود أحد جنود العدو مختبئا؛ فقاموا بأسره ومن معه، وتوجهوا إلى المستشفى العسكري بالقاهرة، ولم يعرف من هو الضابط الذي تم أسره. وأوضح "عمارة" أنه عندما قام اللواء بتوزيع جوابات شكر على المتواجدين، علم أنه أسر عساف ياجورى "قائد اللواء المدرع"، مضيفا أنه ظل محتفظا بالمسدس الخاص بالضابط والبدلة خاصته، وأنهى حديثه أنه خلال السنة الماضية قام بتسليم المحتويات التي أخذها والمحتفظ بها منذ انتهاء الحرب إلى القوات المسلحة والتي قامت بوضعها في القلعة داخل القاعة الخاصة بحرب أكتوبر.