أصدرت وزارة الدفاع تفاصيل شهادة رئيسة وزراء الكيان الصهيوني جولدا مائير إلى لجنة "أغرانات"، والتي أنشئت في نوفمبر عام 1973، للتحقيق في القصور الذي تصرف به الجيش الإسرائيلي خلال حرب أكتوبر الذي أفضى إلى هزيمة مفجعة، وذلك بعد أربعين عامًا على حرب السادس من أكتوبر الذي تطلق عليه سلطات الاحتلال حرب "يوم الغفران"، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 2500 جندي الإسرائيلي. بدأت مائير تلك شهادتها قائلة: " ليس أشق على نفسي من الكتابة عن يوم "كيبور" وعندما حققت اللجنة في القرارات التي اتخذتها قيادة الجيش الإسرائيلي في الفترة التي سبقت مفاجئة كل من مصر وسوريا، فوجئ الجميع بكم الأخطاء. وقالت جولدا مائير: " أعتقد أن العنوان الرئيسي لما حدث لنا عشية يوم الغفران يمكن تلخيصه في كلمة واحدة (الخطايا) " واصفة ذلك اليوم باستشراء الأرق والقلق عشية الحرب، كما ذكرت مائير خلافها مع القادة العسكريين حول استدعاء الاحتياط. وأضافت مائير: " ليست مسألة أني كنت أعرف أفضل من الجميع، ولكن المسألة لماذا صرخت بأعلي صوت؟ أيها السادة، دعونا نستدعي قوات الاحتياط "، بينما قالت اللجنة أنها تخشى أن تتسبب عملية الاستدعاء تلك للاحتياطي في اعتقاد الجيوش العربية أن الجيش الإسرائيلي يستعد لهجوم وبعد ذلك تقوم بضرب إسرائيل. وقالت مائير، التي كانت على رأس الحكومة الإسرائيلية وقت حرب 73، ردا على سؤال حول شعورها قبل الحرب بدءًا من صباح يوم الجمعة، 5 أكتوبر، أي قبل يوم من هجوم الجيوش العربية: "لم أشعر بالهدوء صباح يوم الجمعة بالطبع". وأكدت أنها أصيبت بالتوتر منذ الثالث من أكتوبر، عندما قيل لها إن عائلات المستشارين الروس وموظفي السفارة قد نقلوا جوًّا من مصر وسوريا إلى بلادهم. لكن الصحف الإسرائيلية وصفت شهادة مائير التي وجدت نفسها لأول مرة مسئولة عن اتخاذ القرارات العسكرية الرئيسية؛ بأنها "غير مؤكدة" رغبة في التقليل من تأثيرها السلبي. وتصف قرارها بأنها لم تأمر بضربة استباقية لمصر وسوريا عندما بدا لها أن الحرب وشيكة، قائلة إنها كانت تشعر بالقلق من عدم توفر دعم الأميركيان الكامل إذا قامت بهذه الضربة الاستباقية، وأنها تخشى أن الجيش الإسرائيلي لم يكن يمتلك إمدادات كافية لتنفيذ مثل هذا الهجوم. ومن ضمن هذه الخطايا ما أكدته التقارير العسكرية الإسرائيلية حول تقدير المخابرات الحربية الإسرائيلية لقدرات الجيشين المصري والسوري، حيث الاجتماع مع رئيس المخابرات العسكرية خلص إلى أن إسرائيل لا تواجه أي خطر من قبل الجيشين العربيين (المصري والسوري)، وعلى الجبهة الجنوبية لا يتعدى الوضع أكثر من المناوشات المصرية. وقالت رئيسة وزراء إسرائيل للجنة المشكلة للتحقيق في حرب أكتوبر: "كنت أعرف وتعلمون الآن أيضًا أن هذه الضربة الاستباقية كانت الافضل، ربما أمكن القول بالتأكيد أن بعض الأولاد كانوا سيظلون على قيد الحياة، لكنني لا أعرف إذا قمنا بتلك الضربة كم من أولاد آخرين كانوا سيموتون بسبب نقص المعدات". وعن يوم 6 أكتوبر في الرابعة صباحا كتبت مائير: "كان هذا اليوم هو اليوم الوحيد الذي خذلتنا فيه قدرتنا على التعبئة"، ثم تلا ذلك الاجتماع اجتماعًا آخر لمائير مع الحكومة الإسرائيلية بعد أن وردت لها تقارير عن قرب حدوث هجوم مصري/ سوري، دخل السكرتير العسكري على مائير في تمام الساعدة الثانية ظهرًا ليبلغها بدء الهجوم، حيث تقول مائير: "سمعنا صوت صفارات الإنذار في تل أبيب، وبدأت الحرب". ثم تستطرد في اعترافاتها: "كان التفوق علينا ساحقًا.. من الناحية العددية سواء في الأسلحة أو الدبابات أو الطائرات أو الرجال". وعن اليوم الثاني للحرب قالت مائير: "لا أظنني سأنسى هذا اليوم الذي سمعت فيه أسوأ التقديرات المتشائمة! ففي عصر يوم 7 أكتوبر، عاد ديان من إحدى جولاته على الجبهة وطلب مقابلتي على الفور، ليبلغني برأيه بأن الموقف في سيناء قد وصل إلى درجة من السوء تحتم علينا أن نقوم بانسحاب جذري وإقامة خط دفاع جديد، وقد استمعت إليه في فزع". ومن بين ما اعترفت به جولدا مائير تقديم موشى ديان وزير الدفاع آنذاك استقالته 3 مرات، أولها يوم 7 أكتوبر ثاني أيام الحرب، ثم مرة ثانية قبل قرار وقف إطلاق النار الثاني، والثالثة بعد صدور قرار لجنة "أجرانات". وفي مذكراتها عن يوم 10 أكتوبر، أكدت أنها قامت بالاستنجاد بالحليف الأمريكي عن طريق السفير الإسرائيلي في واشنطن إذ قالت: "أين الجسر الجوي لإنقاذنا، ولماذا لم يبدأ حتى الآن؟ وجاء رد السفير: لا يمكنني أن أكلم أحدًا الآن، فالوقت ما زال مبكرًا. ثم صرخت فيه قائلة: لا يهمني كم الساعة الآن! اطلب هنري كيسنجر حالًا! نحن في حاجة للنجدة الآن! لأنها قد تكون متأخرة جدًا غدًا! وعندما بدأت عملية السلام بمبادرات الرئيس المصري أنور السادات؛ ذكرت مائير في مذكراتها أنها تراودها الشكوك حول مبادرات السلام التي أطلقها الرئيس آنذاك، مؤكدة أنها لم تأخذها على محمل الجد كزعيم. في شهادتها، وصفت مائير كيف لم يطلعها رئيس الموساد على معلومة بعد اجتماع عاجل مع مصدر استخباراتي كبير قبل الحرب، وأن الأخبار الواردة من الاستخبارات العسكرية يوم الجمعة في الساعة 5:30 صباحًا أكدت أن السوريين كانوا يخططون للوصول إليها واغتيالها ما اعتبرته دليلا على القصور في جهاز المخابرات الإسرائيلي. وتتمثل أهمية مذكرات جولدا مائير في كونها كانت من أشرس القادة الاسرائيليين ضد العرب، واعتلت سدة الحكم في إسرائيل في توقيت حرج جدًّا وفي وقت حاسم من الصراع العربي الإسرائيلي.