أكثر من مليون ونصف المليون هو عدد الأطفال السوريين الفارين من نيران الحرب التي اندلعت في بلادهم قبل ثلاث سنوات، فروا بصحبة عائلاتهم من القتل بالرصاص والبراميل المتفجرة، ليواجهوا قتلاً بالجوع، وقتلاً بالمرض، وقتلاً بالجهل، حيث أن الأطفال السوريين الذين بلغت نسبة التحاقهم بالمدارس الابتدائية 97% قبل عام 2011 محققين المعدل الأعلى بين الدول العربية، قد سجلوا التدهور التعليمي الأسوأ والأسرع في تاريخ المنطقة، طبقاً لتقرير صدر عن منظمة اليونيسيف، والذي كشف أيضاً أن حوالى مليوني طفل سوري تتراوح أعمارهم بين 6 و15 سنة أصبحوا خارج غرف الدراسة، وهو ما يعني أن عدد الأطفال الذين لم يعودوا طلاّباً قد زاد مليوناً آخر خلال خمسة أشهر فقط . ولم يقتصر التدهور على المستوى التعليمي للأطفال بالداخل السوري، بل امتد ليشمل الهاربين من النزاع المسلح في دول الجوار " لبنان، تركيا، العراقوالأردن". وقالت الأممالمتحدة في تقريرها الصادر في 25 يونيو 2014 إن أكثر من نصف الأطفال السوريين بالخارج "53%" لا يذهبون إلى المدارس، في حين يعاني الباقون للحصول عليه في المهجر وسط مناخ غير ملائم من الفقر والتهميش، وأحياناً العنصرية. الأردن : يبلغ عدد اللاجئين السوريين بالأردن 608 ألف شخص، بينهم أكثر من 219 ألف طفل طبقاً لتقديرات اليونيسيف، ويقول طارق جاسم أحد اللاجئين السوريين بالأردن إن الوضع التعليمي كان جيداً للأطفال السوريين في بداية الحرب، حيث كان بإمكانهم الالتحاق بالمدارس الأردنية رفقة زملائهم الأردنيين والفلسطينيين، ولكن بتفاقم الأزمة لتشمل جميع أنحاء سوريا تضاعفت أعداد الأطفال اللاجئين بشكل كبير، مما ترتب عليه زيادة العبء على الحكومة الأردنية، وهو ما دفعها إلى تخصيص مدارس بعينها للطلاب السوريين، ولكن يُعاب على هذه المدارس ضعف الكوادر الفنية والتعليمية العاملة بها مما يؤدي إلى التأخر الدراسي للطلاب، وهم الذين يعانون من غياب الرعاية النفسية رغم معاناتهم القاسية، على حد قوله. وأضاف "طارق" أنه في غالب الأحيان لا يتمكن الطالب السوري المتخرج من المرحلة الثانوية من الالتحاق بالمرحلة الجامعية، حيث إنها قد تتكلف رسوماً بآلاف الدولارات، وهو ما لا تقوى عليه العائلات السورية الفقيرة. وقد أعلنت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في يوليو الماضي عن تلقيها لمنحة تبلغ 1.8 مليون دولار أمريكي من مؤسسة سعيد للتنمية، سيتمكن بواسطتها 100 طالب سوري بالأردنولبنان من إكمال دراساتهم الجامعية، وتسعى المفوضية في العام 2014 إلى دعم ما يصل إلى 150 طالباً جامعياً سورياً، على أن يتم تمويل ثلثي الدعم من المنحة، كما جاء ببيان المفوضية الصادر في 18 يوليو2014، والذي أكدت فيه أنها قد ساعدت بالفعل 350,000 طفل سوري على التسجيل بمدارس دول الجوار. لبنان : يكشف تقرير اليونيسيف أن أكثر من 385 ألف طفل سوري قد عبروا الحدود إلى لبنان منذ اندلاع القتال الدامي بين النظام الحاكم والفصائل المعارضة في عام 2011. وأن 90 ألفا فقط من إجمالي عدد الأطفال هم من يتلقون تعليماً في المدارس الحكومية اللبنانية، حيث عملت وزارة التعليم على توفير دورات دراسة مسائية لاستيعاب المزيد منهم، في حين لا تجد عائلات بقية الأطفال خياراً سوى إلحاقهم بالمدارس الخاصة التي تتكلف رسوماً باهظة، وهو ما يشكل عقبة كبيرة في مواجهة اللاجئين، مما دفع بعض الجمعيات الخيرية إلى إقامة مدارس مخصصة للجالية السورية، وذلك في محاولة لتقديم بديل مجاني لطلاب التعليم الأساسي. ويواجه الطلاب السوريون بالمرحلة الثانوية عقبة أخرى، حيث تختلف المناهج اللبنانية عن نظيرتها في سوريا، ويتلقى الطلاب اللبنانيون الرياضيات والعلوم باللغتين الإنجليزية والفرنسية في حين يتلقاها السوريون بالعربية، مما يجعل من العسير على من بدأ تعليمه في سوريا أن يتمه في لبنان. يتحدث الأطفال السوريون عن نوع آخر من المشكلات التي تواجههم وهي السخرية والعبارات العنصرية التي يتعرضون لها أحياناً في أرض المهجر، مما دفع البعض منهم لأن يتمنى العودة إلى بلاده التي تغرق في بحور من الدم. العراق : يتركز اللاجئون السوريون بإقليم كردستان العراق وتقيم الغالبية العظمى منهم في 7 مخيمات هي: دوميز، دار شكران، كوركسك، قوشتبه، حرير، بحركة، ومخيم السليمانية، ويزيد عدد الشباب منهم في المرحلة العمرية بين 15و24 عاماً عن 30 ألف شاب. وقال وسام النجار المدير السابق لمركز "تضامن" لدعم السوريين في مصر واللاجئ بكردستان حالياً أن العقبة الأكبر التي تواجه الطلاب السوريين العرب هي اختلاف اللغة، في حين لا يجد السوريين الأكراد المشقة ذاتها في التعلم، وتظهر مشكلات أخرى مثل العنصرية اتجاه العرب جميعاً وليس السوريون فقط، على حد قوله. وأضاف "النجار" أن حجم العنصرية يتباين من مدرسة لأخرى تبعاً لإدارتها والمستوى الثقافي للطلاب الأكراد وطبيعة تربيتهم، حيث يدافع البعض منهم عن زملاءهم العرب في حال تعرضهم لبعض المضايقات. ويقول وسام أن بوسع الطلاب السوريين بمدن الإقليم أن ينضموا للمدارس الحكومية، وهو ما لا ينطبق على نظراءهم بالمخيمات، والذين يلتحقون بمدارس تابعة لمنظمة اليونيسيف، مؤكداً أن أوضاع اللاجئين السوريين في كردستان العراق هي الأفضل، مقارنةً بحالهم في بقية دول الجوار، كما أن الرعاية التي توفرها حكومة الإقليم والأممالمتحدة تُعد إيجابية بشكل كبير، علي حد تعبيره. ومن جانبه، صرح نائب مسؤول العلاقات الخارجية في حكومة إقليم كردستان، ديندار زيباري في لقاء صحفي أن حكومة كردستان العراق تسعى من أجل التخفيف من معاناة ضيوفها السوريين، وتسمح لهم بالإقامة على أراضيها واستئجار البيوت والعمل. وأشار "زيباري" أن الحكومة أقامت 9 مخيمات لاستقبال السوريين، 4 منهم في أربيل، وواحد في السليمانية، و4 في دهوك، وغالبية اللاجئين من الأطفال بسبب ارتفاع عددهم داخل الأسرة، وأنها وفرت داخل المخيمات مدارس خاصة لتقدّم الخدمات التعليمية للأطفال. وفي سياق متصل، قالت بشرى هالي بوتا، مديرة مكتب مفوضية الأممالمتحدة السامية لشئون اللاجئين في إقليم إربيل، عاصمة كردستان العراق أن حكومة الإقليم قامت بتنظيم دورات تعليمية خاصة باللغة العربية حتى يكون أطفال اللاجئين مستعدين للعام الدراسي الجديد في شهر سبتمبر المقبل. تركيا : أصدرت وزارة التعليم العالي التركية في 28 فبراير 2014 قراراً برد المصروفات التي كان الطلاب السوريون قد قاموا بدفعها للجامعات التركية، حيث أعلنت الوزارة تكفلها بسداد كافة الأقساط الجامعية عنهم من خلال إدراجهم ضمن لائحة " طلاب دول أقرباء تركيا"، ويشمل القرار أيضاً تمتعهم بضمان صحي يسمح لهم بالعلاج المجاني والحصول على الأدوية بأسعار رمزية، وهو ما كان محل تقدير وسط الجالية السورية في تركيا والتي يزيد عددها على 900 ألف نسمة، وكان محيي الدين بنانة وزير التربية والتعليم بالحكومة السورية المؤقتة "المعارضة" قد أعلن في 1 يوليو من العام الجاري أن اعتراف الحكومة التركية بشكل كامل بشهادة الثانوية العامة بفرعيها العلمي والأدبي للعامين 2013 و2014، سيتيح للطلاب السوريين الدراسة في الجامعات التركية بأعداد لا بأس بها، مؤكداً سعيه للحصول على اعتراف مماثل بالشهادة الجامعية. أما عن التعليم بالمدارس فيُقدر عدد الطلاب السوريين في تركيا بستين ألف طالب يدرسون في 55 مدرسة تحت إشراف هيئات سورية، عدد منها قد أخذت تصريحات من مدارس ليبية وعربية، فيما تدرس الأخرى مناهج خاصة بها، في حين يتبع بعضها المناهج السورية القديمة. ويعاني غالبية اللاجئين السوريين من قلة عدد هذه المدارس وبعد مسافتها، إلى جانب التكلفة العالية للدراسة بها والتي قد تصل إلى 100 دولار شهرياً للطالب الواحد، كما يشكو بعض اللاجئين من عقبة اختلاف اللغة، إلى جانب ما يصفونه ب"الشروط التعجيزية" التي تفرضها المدارس التركية لقبول الطلاب السوريين. وبخصوص التعليم المهني فقد أوضح فؤاد أوقطاي، رئيس إدارة الكوارث والطوارئ التركية (AFAD) أن نحو 40 ألف سوري قد تلقوا تعليماً مهنياً وحصلوا على شهادات خاصة في مراكز إيواء اللاجئين السوريين، وذلك ضمن خطة الإدارة في تأهيل كوادر سورية بالمخيمات التي باتت تضم 170 مركز تعليم مهني، وذلك وفقاً لتصريحات في إبريل الماضي.