سار أشعب في طريقه حتى بلغ مكان القافلة فعلم إنها رحلت بصاحبه فعاد خائبا في غم وجوع لا يدري أين يذهب ولا كيف يجد غذاءه واذا هو برجل من ريف المدينة يسوق حماره وعلى وجهه إمارات السذاجة فقال في نفسه : - ظفرنا والله بصيد سمين .. وأقبل على الريفي صائحا : حياك الله يا أبازيد من أين أقبلت ؟ وأين نزلت ؟ ومتى وافيت ؟ هلم إلى البيت ؟ فوقف الرجل مندهشا يقول : - لست بأبى زيد ولكنى ابوعبيد فقال " أشعب " في صوت المستدرك .. نعم .. لعن الله الشيطان وأبعد النسيان أنسانيك والله طول العهد .. كيف حال أبيك . فقال الرجل : لقد نبت الربيع على قبره ؟ فصاح "أشعب "إنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم ... ومد يده الى صدره يريد ان يمزق قميصه من الجزع فقبض الريفي على يده قائلا : - ( ناشدتك الله ألا تمزقه ) فأظهر " أشعب " التجلد والطاعة وأبقى على ثوبه ثم جذب يد الريفي قائلا : - ( هلم إلى بيتى كى نتغذى أو إلى السوق لنشترى شواء .. نعم السوق أقرب وطعامها أشهى ومشى به إلى حانوت شواء تتصاعد رائحة دخانه شهية ألى الانوف فتحرك فواه البطون . وقال " أشعب " لصاحب الحانوت : فرز لابى زيد من هذا الشواء .. ونظر إلى صحون معروضة وقال ثم زن له من تلك الحلوى واختر له من تلك الاطباق وأنضد عليها أوراق الرقاق ورش عليها شيئا من السكر وماء الورد ليأكله أبوزيد هنيئا . فانحنى الشواء بساطوره على ذلك اللحم الطري وقطع وقدم الى " أشعب " والريفى فجلسا وأكلا حتى استوفيا . فقال أشعب للريفى يا أبا زيد ما أحوجنا إلى ماء مشعشع بالثلج يبرد جوفنا بعد هذه الاكلة النظيفة . فقال الريفى : صدقت فقام أشعب وهو يقول له : اجلس يا أبا زيد ولا تبرح حتى نأتيك بسقاء .. وخرج " أشعب " فائزا بالسلامة ومعدته مملوءة . ومضى النهار وعلم الريفى من إبطاء " أشعب "إنه لن يعود ونفذ صبره من طول الانتظار فقام إلى حماره فلمحه صاحب الحانوت فتعلق بثوبه وقال له : - أين ثمن ما أكلت ؟ فقال الريفى : لقد أكلته ضيفا فلكمه صاحب الحانوت لكمة وثنى عليها بلطحة.. وقال له : ضيفا !! متى كنا دعوناك ؟ هاك فخذ ... وترك عليه الشواء لكما ولطما وهو يقول : أن يا أبا الوقاحة عشرين ... وجعل الريفى يصرخ ويلعن ويصيح : لعن الله ذلك الشيخ المحتال .. لقد قلت له أنا أبوعبيد فقال لي : أنت أبوزيد !!. لعنة الله على أبا زيد