"حاميها حراميها" أبلغ تعبير عن كل الوقائع التي يفضحها القدر دون بحث أو تنقيب عن حقوق أطفال يتامى ضاعت وسط أفواه مفتوحة لكل من يسعى إلى المتجارة والكسب من ورائهم والكل يسعى للمال وجني الأرباح، ووحدهم الأطفال اليتامى هم المنكوبون. فما بين صرخات مكتومة وبين استغاثات بحق الرحمة والسلام والأمان، يعيش المجتمع في واد والحكومة في واد آخر، أما الأيتام فهم في وادي ثالث ولا معين أو منقذ، فبدلًا من أن تتحول دور الأيتام إلى بيوت للرحمة وإيواء لمن فقد الأهل أو من ألقى به القدر ليكون من ساكني هذه الدور بحثًا عن أسرة لا يعلم عنها شيئًا وعن مجتمع ينظر إليه بعين الرأفة، تتحول هذه الدور إلى غول لكسب الأموال بأسماء اليتامى، ولا تكتفِ بذلك بل اتخذ مسئولي الدور من هؤلاء الأطفال وسيلة لتفريع كبتهم النفسي والجسدي والمجتمعي. وأصبح العنف النفسي والجسدي هو أسلوب المعاملة وصيغة الحوار بين مسئولي الدور أو العاملين والقائمين عليها وبين ساكينيها من الأطفال الأيتام فاقدي الأهل، ولا رادع لهم، إلا من كان القدر حليفهم، فتعرف وسائل الإعلام طريقه فيفتضح أمره فتتحرك مؤسسات الدولة. فلا يتحرك أحد إلا بعد افتضاح أمر الدار، ويظل الأطفال معذبين إلى أن يسمع أحد بصرخاتهم إن لم يكونوا قد فقدوا القدرة على الصراخ والشكوى من شدة معاناتهم النفسية والجسدية. وتعد واقعة دار أيتام مكةالمكرمة مثالًا حيًا على ذلك، ولن تكون الأخيرة وفقًا لما جاء على لسان عادل بدوي رئيس الجمعية المصرية لمساعدة الأحداث، حيث قال: إن الأطفال الأيتام والأطفال بلا مأوى في خطر يهدد مستقبلهم وحياتهم في ظل الإزدياد المضطرد في مستويات العنف ضد الأطفال، كما أن هناك حالات تدني رهيب لحالة الأطفال الأيتام ببعض جمعيات الأيتام حتى وصل الآمر في بعض الحالات إلى انتهاك براءة الأطفال وهتك أعرضهم عنوة تارة، والتنكيل بهم وتعذيبهم بوحشية وقسوة تارة أخرى. وأكد بدوي على أنه من المتوقع تكرار تلك الوقائع مرة أخرى وبشكل أفظع وأسوأ مما سبق طالما كان هناك تجاهل من جانب الدولة ومؤسساتها الذي يكاد يكون متعمد أحيانًا. كما أن واقعة تعذيب الأطفال في دار مكة ليست الأولى فمنذ ما يقرب من ثلاثة أشهر تعرض أطفال بإحدى دور الأيتام بمنطقة السيدة زينب للتعذيب على يد المشرف سواء بالضرب أو الحرق أو التجويع، وعندما افتضح أمرهم ما كان من مديري الدار سوى تبرير ذلك بأنها أمراض جلدية، إلا أن وزارة التضامن الاجتماعي قامت بسحب تراخيص الدار وإغلاقه، وتم نقل الأطفال إلى دار أخرى. ولم تتحرك وزارة التضامن الاجتماعي في واقعة دار السيدة زينب إلا بعد أن تداولت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي وقائع ضرب وتجويع وحرق للأطفال اليتامى في هذه الدار، في الوقت الذي أعلنت فيه وزيرة التضامن الاجتماعي اتخاذ إجراءات صارمة من شأنها الردع لكافة الدور المخالفة، مشيدة بدرو الإعلام في فضح تلك الوقائع. وأعلنت وقتها غادة والي وزيرة التضامن الاجتماعي، أن الوزارة تكثف من دورها الرقابي على دور الرعاية حفاظًا على صحة وحياة أطفالنا. ولم يتوقف الأمر على حد التعذيب، بل وصل إلى الاعتداء الجنسي، فشهدت بعض دور الأيتام تعديًا جنسيًا على الأطفال، فبدلًا من حماية عرضهم وإعطائهم السلام النفسي والاجتماعي تحول القائمون والمسئولون عن الدار إلى مغتصبيهم وانضموا إلى فئة متحرشي ومغتصبي الشارع. كما لن يتناسى أحد مخالفات دار المعادي ووقائع تعذيب لمجموعة من الأطفال بهذه الدار باستخدام آلة حادة، كما أعلن المجلس القومي للطفولة عن مخالفات ووقائع تعذيب دار أيتام ليلة القدر. وما أن أدرك مؤسسات الدولة ذلك حتى فاقت من غفلتها لتتخذ الإجراءات القانونية بعد وقوع الكارثة وافتضاح الأمر ودون ذلك لم يتحرك أحد. فتقول عزة العشماوي الأمين العام للمجلس القومي للأمومة والطفولة إن التعاون بين مؤسسات الدولة لا يزال ضعيفًا وأن معظم الجهات المعنية بقضايا الطفولة والأمومة تعمل في جزر منعزلة وبدون تنسيق فيما بينها وهو ما يوجِد ازدواجية ولا يحقق نتائج ملمومسة وسريعة على أرض الواقع خاصة في قضايا تحتاج إلى تحرك سريع مثل إغاثة الأطفال. وقررت وزارة التضامن الاجتماعي نقل الأطفال إلى دار أخرى ومعاقبة المتورطين، ليظل نفس السؤال إلى متى ستظل مؤسسات الدولة تتحرك بعد وقوع الأذى على مثل هؤلاء الأطفال فاقدي الأهلية في أشد الحاجة إلى الرعاية والرحمة وتحقيق كل احتياجاتهم الأساسية؟ للأطفال حقوق وللمسئولين التزام.