تعليم الإسكندرية تستقبل وفد الوكالة الألمانية    وزير البترول والثروة المعدنية يشهد توقيع اتفاقية اطارية للشراكة مع القطاع الخاص المصري في مشروعات تصنيع الفوسفات    محافظ المنوفية يحيل عدداً من المختصين بالزراعة والوحدة المحلية بالبرانية وجريس للنيابة    شحاته السيد عضواً بتحالف اليونسكو للدراية الإعلامية والمعلوماتية    مساعدة المحتاجين الأبرز .. تعرف على وصية الدكتور أحمد عمر هاشم قبل وفاته    استشهاد 11 فلسطينيًا.. الجيش الإسرائيلي يشن غارات عنيفة على غزة في ذكرى 7 أكتوبر    6 أكتوبر.. أبطال الظل من "الهجان" إلى "مروان"!    الكرملين: تسليم صواريخ "توماهوك" لأوكرانيا تصعيد خطير    مع مناقشة امكانية فسخ عقده .. تعرف علي قيمة الشرط الجزائى في عقد فيريرا مدرب الزمالك    لتطوير منظومة العمل الإداري .. الزمالك يعتمد تشكيل المكتب التنفيذي الجديد بخروج أحمد سليمان ودخول محمد طارق    عقوبات الجولة العاشرة من الدوري المصري    Number 1 برنامج رياضي جديد ل محمد شبانة على CBC بدءًا من الأحد    تعرف علي 3 طرق للتقديم لحج القرعة لعام 2026    رئيس الوزراء يتفقد سير العمل بمشروع حدائق «تلال الفسطاط»    مهرجان جيلنا يكرم الفنان الراحل لطفي لبيب تقديرًا لمسيرته الفنية ويهدى ابنته درعا    حدث بالفعل .. عالم يكتشف فوزه بجائزة نوبل خلال رحلة فى البرية للتخلص من إدمان الهواتف الذكية    نائب وزير الصحة يبحث مع محافظ الغربية سبل تطوير المنظومة الصحية وتخفيف الأعباء عن المرضى بالمحافظة    مدبولي: استضافة مصر لقاءات بين حماس وإسرائيل دليل على قوتنا الإقليمية    هل نستقبل شتاء لم نشهده منذ 20 عاماً؟ .. الأرصاد تُجيب وتكشف حالة الطقس    4 أبراج روحهم في مناخيرهم.. العصبية جزء من شخصيتهم    قبل مغادرته.. البابا تواضروس يُدشّن كنيسة أُنشئت بأمرٍ ملكي في عهد الملك فاروق قبل أكثر من 80 عامًا    بحضور شخصيات عامة وسياسية.. أسماء زعفان تناقش رسالة الدكتوراة في طب الأطفال    لمناقشة عدد من الملفات المهمة.. بدء اجتماع الحكومة الأسبوعي برئاسة الدكتور مصطفى مدبولي    سوق حضارى جديد ببنى مزار للقضاء على الأسواق العشوائية بالمنيا    كشف غموض اقتحام 3 محال تجارية في قنا    فتح باب التسجيل لقبول دفعة جديدة من الدارسين برواق العلوم الشرعية والعربية بالأزهر    وزير الرياضة يطمئن على بعثة منتخب رفع الأثقال المشاركة في بطولة العالم بالنرويج    بيان رسمي من برشلونة بشأن افتتاح ملعب كامب نو    خاص.. كيشو ممنوع من تمثيل أي دولة أخرى غير مصر حتى يناير 2028    توزيع جوائز مسابقة أفضل مقال أو دراسة نقدية حول الأفلام القصيرة جدًا بأكاديمية الفنون.. غدًا    أسماء جلال من كواليس «فيها إيه يعني؟»: «كل واحد يخليه في حاله»    «وهم».. عرض جديد يضيء خشبة المعهد العالي للفنون المسرحية    «بصلي وبصوم وبسرق وعاوزة أكفر عن ذنبي».. أمين الفتوى يجيب    رمضان عبد المعز: الإيمان بأقدار الله يُريح الروح ويُهدي القلب    ما حكم سب الدين عند الغضب؟.. أمين الفتوى يُجيب    محافظ الغربية يفتتح الملعب القانوني الجديد بنادي السنطة بتكلفة 797 ألف جنيه    مجلس جامعة حلوان يستهل جلسته بالوقوف دقيقة حداد على روح رئيس الجامعة الأسبق    تُدشّن مبادرة الكشف المبكر عن أمراض سوء التغذية لطلاب المدارس بالمنوفية..صور    «فوائد بالجملة».. ماذا يحدث لجسمك عند تناول كوب من الشاي الأخضر في الصباح؟    وزير الخارجية يلتقي رئيس الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحري    بورسعيد الدولية لحفظ القرآن الكريم: أحمد عمر هاشم خدم كتاب الله وساند المسابقة    "المستشار هشام قطب" يدعو لتفعيل نظام المساعدة القانونية لغير القادرين ماليًا    هشام عطوة يهنئ المخرج خالد جلال بتجديد تكليفه رئيسًا لقطاع المسرح    بسبب معاكسة فتاة.. إصابة شخصين في مشاجرة بالأسلحة البيضاء في أوسيم    سكرتير عام المنيا يتابع معدلات تنفيذ المشروعات التنموية    مدبولي يوجه بتوفير التغذية الكهربائية للمشروعات الزراعية الكبرى    اليونيسيف: أطفال غزة يعيشون رعبا ينبغي ألا يواجهه أي طفل    قطاع الأمن الاقتصادي يضبط 2691 قضية متنوعة خلال 24 ساعة    مواقيت الصلاه اليوم الثلاثاء 7 اكتوبر 2025 فى المنيا    كيروش: مواجهة قطر صعبة.. ونطمح للانتصار في بداية مشوار التأهل    الأهلي يحيل ملف ثلاثي الفريق إلى لجنة التخطيط لحسم مصيرهم    محافظ بورسعيد للطلاب: عليكم بالتمسك بالأخلاق الحميدة التي يرسخها الأزهر الشريف    أغلقوا المدرسة قبل موعدها، تحويل العاملين بابتدائية قومبانية لوقين بالبحيرة للتحقيق    وكيل صحة بني سويف يشيد بدور التمريض: العمود الفقري للمنظومة الصحية    ضبط 99 ألف مخالفة مرورية متنوعة خلال 24 ساعة    ضبط قضايا إتجار بالنقد الأجنبي بقيمة 5 ملايين جنيه خلال 24 ساعة    وزير الخارجية: نثق في قدرة الرئيس ترامب على تنفيذ خطة غزة    أسعار اللحوم الحمراء اليوم الثلاثاء 7 أكتوبر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثقافة التصوف تكتسب مذاقا خاصا في شهر رمضان
نشر في البوابة يوم 09 - 07 - 2014

تكتسب ثقافة التصوف مذاقا خاصا في شهر رمضان الفضيل فيما تطرح هذه الثقافة العديد من الأسئلة بقدر ماتقدم إجابات يمكن أن تؤسس لحوار جاد حول قضايا تهم البشرفي كل مكان.
وفي شهر رمضان تحفل الصحف ووسائل الاعلام المصرية والعربية بعديد النفحات الصوفية والمقالات والطروحات التي تتناول الطرق الصوفية بأقلام مثقفين مصريين وعرب وأسماء رموز وأعلام التصوف مثل محيي الدين بن عربي وجلال الدين الرومي والحلاج وابن الفارض ورابعة العدوية وابو الحسن الشاذلي وابو العباس المرسي والسيد البدوي وصولا لعبد الحليم محمود ومحمد متولي الشعراوي وأحمد الطيب.
وإذا كان المعنيون بالتصوف يذكرون بالحقيقة التى تقول إن "الذين تركوا بصمات واضحة وثابتة فى الثقافة الإسلامية هم العلماء الذين جمعوا بين قلب الصوفى وعقل الفيلسوف لأن القلوب ترطب حسابات العقول ولأن العقول تضبط خطرات القلوب"، فإن هذه الحقيقة دالة على أهمية المزج مابين القواعد العلمية الذوقية والمصطلحات الفنية المشتقة من صميم التجربة الوجدانية الصوفية المتميزة .
وفيما تحمل كلمات الكاتب والروائي المصري محمد جبريل بجريدة المساء القاهرية في شهر رمضان أنفاسا صوفية محببة وكذلك بعض مختارات بهاء جاهين في جريدة الاهرام، فإن هناك العديد من الكتب التي صدرت لكتاب معاصرين عن ثقافة التصوف والصوفية المحلقين بالحب للخالق الواحد الأحد في هذا الكون وقد تكشف بعض هذه الكتب عن جوانب طريفة مثل علاقة المتصوفة بالموسيقى.
وفي كتاب "كتب وناس" يقول الكاتب والروائي الراحل خيري شلبي إن تحرر الموسيقى الغنائية المصرية من الروح التركية بدأ بشكل مكثف في اوائل القرن العشرين على ايدي الطرق الصوفية موضحا، أن هذه الطرق استخدمت الموسيقى عن وعي عميق يحكمه دور مقصود.
وحسب رؤية خيري شلبي فإن الطرق الصوفية أعادت الموسيقى إلى أصولها كعنصر فاعل في توصيل الذاكرين الى مرتبة الوجد الصوفي ووضعوا مقامات شهيرة وقسموا هذه المقامات تبعا لمراحل بلوغ الوجد الصوفي.
وكان المنشد في حلقات الذكر يمسك بمفاتيح أجساد الذاكرين تبعا لقوة موهبته الصوتية ودرجة ثرائه النغمي فينفض الأجساد نفضا :يحولهم على أوتاره الصوتية إلى ريش في مهب الريح ولم تكن جهود المنشدين-كما يؤكد خيري شلبي-نابعة من فراغ أو قائمة على اجتهاد عشوائي يتصادف نجاحه إنما هناك أكبر رصيد علمي موسيقي في التاريخ العربي الحديث سكت عنه المؤرخون لسبب أو لآخر ذلك هو رصيد "جماعة اخوان الصفا".
وهذه الجماعة كانت تضم لفيفا من خيرة كبار المثقفين والأدباء ولاسيما ذوي الميول الصوفية وكلهم كانوا على درجة عالية جدا من الثقافة الرفيعة والتقدم العلمي المذهل في الفلسفة والرياضة والفلك والطبيعة والكيمياء وعلوم اللغة والتفسير والحديث وقبل ذلك علم الكلام وهي شخصيات من طراز ابي حيان التوحيدي.
ومن يقرأ رسائل اخوان الصفا يفاجأ بأن رسالتهم في الموسيقى رسالة فذة حتى أن الكاتب الراحل خيري شلبي وصفها بأنها لم يسبق لها مثيل في الدقة العلمية والوصول باللغة العربية الى مرحلة من الشفافية استطاعت به تقنين مالايخضع لقانون.
رسالة "اخوان الصفا" عن الموسيقى-كما قال الكاتب الراحل خيري شلبي- كانت ولاتزال أهم مصدر لدراسة هذا الفن واستلهامه ابداعيا ومما لاشك فيه أن تلاميذهم ومريديهم ودروايشهم من الأجيال التالية قد ورثوا هذا العلم واضافوا إليه وابدعوا من خلاله ووظفوه في خدمة الروح الانسانية وتهذيب النفوس اعظم توظيف.
وللصوفي الشهير محيي الدين بن عربي قول مأثور ضمن رسالة كاملة من مأثوراته حيث يقول :"كل فن لايخدم علما لايعول عليه" وفي ضوء هذه المقولة يتبين أن إبداع الصوفية في الموسيقى كان يخدم علم الموسيقى.
ومن عباءة المنشدين خرج الذين طوروا الغناء العربي ووصلوا به إلى ذروة عالية من القدرة على التأثير القوي في الوجدان حتى أن الذين نبغوا في الغناء الدنيوي هم اولئك الذين هضموا المقامات الصوفية واستوعبوا تجلياتها كابرا عن كابر كما يقول التعبير العربي الشهير ومعظمهم كان يعمل في بطانات المنشدين القدامى ثم أصبحوا بدورهم أعلاما لهم بطاناتهم الخاص التي يتخرج فيها أعلام جدد، فليس صدفة اذن أن أعلام فن الموسيقى والغناء في مصر في اوائل القرن العشرين واواسطه كانوا شيوخا ومنشدين مثل الشيخ محمد عبد الرحيم المسلوب والشيخ درويش الحريري والشيخ يوسف المنيلاوي والشيخ محمود صبح والشيخ ابو العلا محمد والشيخ علي محمود والشيخ زكريا احمد والشيخ سيد درويش.
ومن هنا لم يكن من الغريب أن يلفت عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين للأهمية الثقافية لفنون التلاوة والتجويد والانشاد والموسيقى على وجه العموم كتشكيل للزمان وهو مجال اسهم فيه المتصوفة بالكثير بقدر ماتتوزع اسهاماتهم الثقافية على مجلات عدة وبعضها لايخلو من تداخل وتشابك مثل مجالات البلاغة والفن والجمال.
وكما في نشوة الصبا تبدع اللغة أجمل الأشياء فإن الصوفية الحقة وهي تحمل المتعة الروحية والراحة والسلوى من آلام الحياة تقترن ايضا بالتفاؤل والايجابية فيما سيبقى دور الطرق الصوفية في نشر الاسلام بافريقيا وآسيا محفورا بحروف من مجد في الذاكرة الايمانية للأمة.
وتجليات المشاعر الصوفية قد تجعل بعض الناس من اصحاب الأذواق الرفيعة يحسون بالحقيقة كما لو كانت شيئا ماديا وعندئذ تختلط المادة بالمجرد فاذا بهؤلاء الذين لايتصورون المجرد يبصرونه ويلمسونه وقد انزاح الفاصل بين المجرد والمادي.
وللكلمة عند الصوفية مجد وأي مجد, ولعل فهم ثقافة التصوف يفدم اجابة لسؤال مثل :"كيف يمكن لكلمة بفضل ماتعنيه من شكل وموسيقى وعلاقة بغيرها من الكلمات ان تكون صاحبة شخصية ككائن حي وقوة سحرية بقدر ماتعبر عن نفس إنسانية"؟!.
وثمة حاجة أيضا لفهم الأسس الفلسفية للمتصوفة والتنظير المعرفى - الوجداني لحقيقة السجال بين "أهل الظاهر وأهل الباطن" فيما يؤكد أصحاب الأقلام من المتصوفة على أنه "من الخطأ تناول المسألة وكأن هناك منافاة حقيقية بين أهل الحق من كلا الجانبين" .
ويقول الدكتور حسن الشافعى رئيس مجمع اللغة العربية ومستشار الامام الأكبر شيخ الأزهر الشريف :"الأزهر تعانق منذ ثمانية قرون مع الصوفية لما تمثله من قيم روحية واخلاقية"، موضحا أن "التصوف الحق قوة بالمعنى الاجتماعى".
وقد يكون أحد أسباب الالتباسات في العلاقة بين التصوف والشريعة أو بين مايسمى "بأهل الحقيقة وأهل الشريعة" أن "البعض من المتصوفة يتحدث عن التصوف بصورة جعلت الآخرين يظنون خطأ أنه دين آخر داخل الدين فنفروا وتخوفوا منه" وثمة اتفاق على أن هؤلاء الذين اساءوا للتصوف من داخله "لم يأخذوا منه إلا اسمه ورسمه" مع تأكيدات واجبة على أن "الصوفى الحق هو الذى كملت لديه التربية النبوية والأخلاقية تماما كما أنه لاتصوف بلا تشرع".
وحسب تقديرات الدكتور عبد الهادى القصبى رئيس المجلس الأعلى للطرق الصوفية فى مصر فإن عدد المتصوفة على مستوى العالم ككل فى ضوء البيانات المتاحة يصل إلى 200 مليون شخص فيما ينوه الدكتور احمد شمس الدين الحجاجى الأستاذ بجامعة القاهرة بانخراط العديد من المتصوفة المصريين فى الأنشطة الثورية ذات الطابع الوطنى.
وإذا كان الدكتور حسن الشافعى قد ذهب إلى أن "التصوف الحقيقى هو أقوى القوى الاجتماعية فى العالم الاسلامى" فإن هناك حاجة ماسة لتأمل الصورة الحقيقية للصوفية بكل زواياها وعمقها التاريخى واستخدام أدوات معرفية عربية - إسلامية فى التفسير والتحليل والتنظير بدلا من الاعتماد المخجل على أدوات الباحثين فى الغرب ناهيك عن أن هذه التبعية تؤدى لمزيد من الهيمنة الغربية والتشوهات البنيوية والضلال المعرفى وهى مسألة مختلفة عن التواصل المطلوب والانفتاح المنشود من موقع الندية لا التبعية وبادراك اصيل للحقيقة المتمثلة فى أن أى نص يتكون أصلا فى مجال ثقافى هو بدوره جزء من بنية مجتمع.
وإذ يدرك الغرب أن التصوف جزء حيوى فى نسيج العالم الاسلامى ومن ثم فهو أحد العوامل المؤثرة فى تشكيل الخطاب الثقافى والعلاقات الدولية فاللافت بالفعل أن التصوف الاسلامى أمسى موضع دراسات متعددة فى جامعات الغرب وتتردد هناك مصطلحات مثل سياسات التصوف وانعكاساتها على الأوضاع فى منطقة الشرق الاوسط كما تتردد أسماء الطرق والجماعات الصوفية فى هذه الدراسات مثل النقشبندية والجيلانية والقادرية.
ومن الذى بمقدوره أن ينكر دور الحركات الصوفية فى نشر الاسلام فى افريقيا وبآسيا الوسطى ووصولا لنهر الفولجا فى روسيا وحتى تخوم الصين وأن الصوفية فى جوهرها كما أشار الامام ابو حامد الغزالى منذ القرن الحادى عشر الميلادى هى علاقة بالغة الخصوصية بين العبد والرب؟!.
ويمكن الانطلاق من هذا التوصيف للقول بأن التصوف الحق يوسع من نطاق الحرية الانسانية ويخدم قضية الحرية فى مواجهة كل اشكال الطغيان فيما لايجوز تناسي أن أحد الاسئلة الكبرى لثقافة التصوف كجزء من التقاليد المعرفية الاسلامية ككل وهو :"كيف السبيل للمعرفة الحقة وماالذى نستطيعه ويجوز لنا معرفته كبشر؟".
فالتصوف الحق ثورة انسانية تماما كما ان عملية النمو الروحى بكل مجاهداتها ومجالداتها هى اختيار للانسان بكامل حريته وملء ارادته ولايجوز فرضها من خارج الانسان ولاموضع فيها لنفاق أو مراءاة ومن ثم فهى "عملية ديمقراطية تماما".
ويضع الدكتور حسن الشافعى رئيس مجمع اللغة العربية وأحد رموز تيار التصوف المعاصر فى مصر يده على نقطة بالغة الأهمية بقوله إن "التغيير الثورى إن اقتصر على الجانب السياسى فلن يحل المشكلة الأساسية..فالتغيير لابد وان يكون اخلاقيا".
فالعلاقة بين الصوفية وطلب الحق والحقيقة وثيقة للغاية بقدر ماتصب فى مجرى ثورة العقل والضمير والوجدان وتؤسس لمزيد من ثقافة السؤال وتشد بالفضول المعرفى باحثين غربيين للكتابة عن مصر المتصوفة.
وفى دراسة مستفيضة للرؤية النقدية لابن خلدون للصوفية على مستوى الخطاب والفلسفة والسياسة-اظهر الباحث جيمس ونستون موريس المتخصص فى الفلسفة الاسلامية والحاصل على الدكتوراه فى لغات وحضارات الشرق الأدنى من جامعة هارفارد اهتماما كبيرا بالجوانب والأبعاد الاجتماعية-السياسية والمعرفية للصوفية مؤكدا على أن التصوف كان بمثابة المعين الصافى والمنجم الثرى للعديد من التجليات والصيغ الابداعية البعيدة الأثر فى الثقافة والحياة بالعالم الاسلامى .
وهكذا لم يكن من الغريب أو المدهش أن يقف مفكر فى حجم وقامة ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع امام التصوف بالتأمل والتحليل عبر الابحار فى هذه الموجات الابداعية المتشابكة والمعبرة عن الابعاد الثقافية للتصوف بجذوره العميقة فى الوجدان العربى-الاسلامى.
وعلى طريق المعرفة، ولج مفكرون مصريون وعرب من ابواب ثقافة التصوف ساعين للنهل من هذا العالم الثرى وتحتفظ الذاكرة الثقافية العربية باسهامات جليلة لأستاذ الفلسفة الراحل الدكتور عبد الرحمن بدوى صاحب كتاب "شهيدة العشق الالهى".
وكان الاديب المصرى الراحل الدكتور زكى مبارك قد قدم للمكتبة العربية كتاب "بين التصوف والأدب" كما قدم الامام الأكبر الراحل وشيخ الجامع الأزهر الدكتور عبد الحليم محمود سلسلة غنية من كتب التصوف والثقافة الصوفية فيما ابحر صاحب نوبل وهرم الرواية المصرية والعربية نجيب محفوظ فى التصوف ضمن بحاره الابداعية كما يتبدى على وجه الخصوص فى رواية "ليالى الف ليلة".
واوضح الباحث جيمس موريس أن العقدين الأخيرين شهدا اهتماما غير عادى على مستوى دوائر البحث فى الغرب بأعمال الشيخ الأكبر للصوفية محيى الدين بن عربى بل انه يصف هذا الجهد البحثى "بالجهد المتعدد الجنسيات لمؤرخين ومثقفين وباحثين فى تخصصات مختلفة بما يعبر عن حقيقة تعدد ابداعات بن عربى فى حقول ومجالات مختلفة من بينها الشعر.
وذهب موريس إلى أن المحور الأساسى فى فكر محيى الدين بن عربى ومفسريه وشارحيه هو الشمول المطلق لعمليات وانشطة الحياة الروحية الانسانية ونموها والضاربة بجذورها فى أعماق وعى كل انسان او "الطاقة المطمورة".
واللافت أن هناك تيارا مؤثرا فى الدوائر الثقافية الغربية المعنية بالشرق انكب منذ زمن بعيد على تقصى ودراسة الانجازات الابداعية للتصوف الاسلامى وانعكاساتها على الحياة اليومية للعرب والمسلمين فيما ينوه موريس فى دراسته التى نشرتها دورية جامعة هارفارد الأمريكية المرموقة بأن هذا الاهتمام يعكس فهما للحقيقة المتمثلة فى أن هذه التجليات الابداعية لثقافة التصوف نهضت بدور بالغ الأهمية فى تشكيل تصورات ومفاهيم كتلة هائلة من سكان العالم الإسلامى.
وأعاد الباحث جيمس موريس للأذهان أن هذه الموجات الابداعية للثقافة الصوفية امتدت بعيدا منذ زمن بعيد حتى الصين واندونيسيا فضلا عن آسيا الوسطى وجنوب آسيا، كما أنها كانت حاضرة فى التجليات الثقافية المميزة للامبراطوريتين العثمانية والصفوية بل إنها أثرت بعمق على المغول الذين اهتدوا للاسلام بعد أن عاثوا فسادا فى الأرض.
وفيما يشدد جيمس موريس فى دراسته على أن الفترة التى عاش فيها ابن خلدون فى القاهرة المملوكية كانت فترة قاهرية خصبة للتأويلات الفكرية والثقافية الصوفية فالأمر ذاته ينطبق على بلاد المغرب التى جاء منها ابن خلدون ليحل ضيفا كريما على مصر المحروسة .
ويقول جيمس موريس فى سياق دراسته وتناوله للمشروع الفلسفى والسياسى لابن خلدون ومواقفه حيال الصوفية ورؤاه المغايرة لرؤى محيى الدين بن عربى إن التقاليد الفكرية للثقافة الاسلامية سمحت وتسمح بالخلاف والاختلاف كما أن هذه التقاليد العريقة تسمح دائما بالاجتهادات المتعددة طالما كان مناطها مصلحة الأمة والعباد ومادامت تتوسل بسبل المعرفة وصولا للحق مبديا اعجابا كبيرا بثراء المناقشات بين اتجاهات متعددة وتعدد الطرق للوصول للحقيقة والتى أفضت بدورها لثراء الثقافة الاسلامية.
وإذا كانت الثقافة الصوفية فى احد معانيها قراءة مجاهدة للذات والوجود ثم الكتابة او الشهادة بعد هذه القراءة فان تلك الثقافة لها مذاقها المحبب دوما في شهر رمضان ونفحاته المباركة.ما أروع قلب ينهل من شهد المحبة ويذوب عشقا وشوقا لحبيب ليس كمثله حبيب..ماأروعه من قال :"ليس العجب من حبي لك وأنا عبد فقير..وإنما العجب من حبك لي وأنت الملك القدير".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.