مدير المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية: تغليظ العقوبة القانونية أفضل السبل للحد من الظاهرة التحرش ليس ظاهرة جديدة على المجتمع المصري بل قديمة ومرتبطة بالثورات علينا ألا نغفل دور الأسرة والمدرسة في تأسيس اللبنة الأولى للنشء بعد حوادث التحرش التي شهدها ميدان التحرير، رمز الثورة المصرية مؤخرًا، وما سببته تلك الحوادث الدنيئة من حالة غليان بالرأى العام والشارع المصرى ومتابعة الشارع المصرى لما ستقرره محكمة جنايات القاهرة في محاكمة 12 ذئبا بشريا من المتهمين في هذه الواقعة، وخاصة بعد مطالبة النيابة بتوقيع الإعدام على هؤلاء المتهمين، كان لنا حوار خاص مع الدكتور نسرين البغدادى مدير المركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية، يكشف المزيد من الحقائق عن التحرش الجنسى في مصر في الفترة الأخيرة والتي زادت بشكل آثار استياء شعبى كبير ودولي، وإلى نص الحوار.. - في البداية.. ماهو مفهوم التحرش ومتى ظهرت أول حالات للتحرش في العالم؟ التحرش حسب تعريف وزارة الأوقاف هو التعرض لأنثى على وجه يخدش الحياء بمحاولة لاستثارة أنثى جنسيا دون رغبتها يشمل اللمس والكلام والمكالمات التليفونية والمجاملات غير البريئة، ويعد الاغتصاب هو آخر مراحل التحرش، وأول ظهور لمفهوم التحرش في القانون في نصوص حقوق الإنسان المدنية كان في الولاياتالمتحدةالأمريكية عام 1969 وفى قانون حقوق الإنسان الكندي عام 1983. - هل التحرش الجنسى ظاهرة جديدة على المجتمع المصري؟ لا.. ليست ظاهرة جديدة في المجتمع المصرى بل هي ظاهرة قديمة وكانت مرتبطة بالثورات ابتداء من ثورة 1919 والتي تؤرخ لدور المرأة الفاعل في بناء المجتمع، ولكن الجديد الذي ظهر في قضية التحرش هو الأسلوب المتبع فيه والذي وصل إلى المنهجية في الأسلوب بمعنى صارت العلانية فيه ركن أساسي علاوة على الجماعية في الفعل. - هل شهدت ثورة 25 يناير حالات للتحرش الجنسى؟ نعم.. هذه حقيقة فخلال مشاركة العنصر النسائى في الثورة وازدياد حدة الموقف وخاصة مع تعرض العديد من الإناث لهجوم منظم ليس فقط لهتك أعراضهن ولكن أيضا الاغتصاب، خلال المظاهرات في محيط ميدان التحرير وأدت هذه الاعتداءات إلى إثارة الرأي العام ووضع قضايا المرأة في دائره الاهتمام. - هل توجد أبعاد سياسية للتحرش بخلاف الأبعاد الاجتماعية؟ هذه حقيقة مؤكدة وتعتبر الانتخابات البرلمانية عام 2005، أحد الأجواء التي تم استخدام التحرش الجنسى كسلاح سياسي، وتم استخدامه لإرهاب الإعلاميات والمرشحات والناشطات سياسيًا للتأثير عليهن وإبعادهن عن الساحة السياسية وظهر كذلك في ثورة 25 يناير، وكشفت مجموعة من الدراسات أن جرائم هتك العرض والتي تمت بمظاهرات ميدان التحرير تختلف عن الملابسات المحيطة بارتكابها عن الجرائم التي ترتكب في الإطار العام للمجتمع، ويتم رصد الناشطات سياسيًا لكسر إرادتهن مع القيام بتصويرهن ونشر هذه الصور. - هل التحرش مرتبط بالملابس الخليعة؟ ليس شرطا بدليل أن أكبر الدول المشددة دينيا يوجد بها معدلات عالية من التحرش مثل أفغانستان بينما تنخفض معدلات التحرش في الدول الأوروبية مثل إيطاليا، على سبيل المثال، تسير النساء بملابس شبه عارية ولا نجد رجلا ينظر إلى أي منهن إيمانا منهم بأن الإنسان له الحرية في السير في الشارع بحرية كاملة وإن كانت الملابس لها دور في الإثارة إلا أنها ليست السبب الأصلي. - لماذا إذن هذا الخلل؟ العملية تكمن في أسلوب حياة وطريقة تفكير وقيم يعيشها أفراد المجتمع تربى فيه مدى احترام الطرف الآخر. - ما هو السبيل للحد من هذه الظاهرة التي تهدد المجتمع؟ إصدار قوانين تنص على تغليظ العقوبة والسرعة في محاكمة المخطئين وتخصيص محاكم للبث في هذه القضايا هو الرادع الأكبر لمنع تكرارها والدليل على ذلك حادث اغتصاب فتاة المعادى والتي تعرضت لاغتصاب جماعى في أتوبيس نقل عام وتم الحكم بالإعدام على الجناة وكذلك حادث مدينة نصر في التسعينيات والتي قتلت فيه سيدة وأبناؤها على يد النقاش في منزلهم وحكم عليه بالإعدام كان نتيجة هذه الأحكام هو جعل المجرمين في الشارع المصرى في حالة خوف وترقب خشية من فعل هذه الجرائم في ظل هذه الأحكام الرادعة. - ما هي الأسباب التي أدت لظهور الجريمة في الفترة الأخيرة؟ البعد عن الأحكام الرادعة والتراخى الأمني وازدياد العنوسة بين الشباب بسبب المصاعب الاقتصادية وما يزيد من المشكلة هو أن المرأة في ظل الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والثقافية في المجتمع المصرى تعيش حالة دائمة من التهديد باستخدام العنف ضدها حيث ينظر إليها بأنها تستحق العنف الواقع عليها كما توجه أصابع الاتهام في جرائم الاغتصاب إلى الضحية ذاتها بسبب سلوكها غير الملائم أو ملابسها غير المناسبة دون النظر إلى المتغيرات الأخرى من بطالة ومخدرات ومسكرات وأصدقاء السوء وهو ما يفسر ارتكاب نحو نصف جرائم الاغتصاب فضلا عن وضع الضحية الذي يمكن الانفراد بها باعتبارها الضعيفة. - كيف نزرع قيم احترام الجنس الآخر؟ الأسرة هي اللبنة الأولى لتنشأة جيل قادر على حمل لواء المجتمع ويأتى دور المدرسة المهم جدًا للتعليم للمساهمة بشكل فعال في تنمية هذه القيم وأيضًا تظل تحت مراقبة الأسرة وكذلك دور الإعلام على اختلاف أشكاله والذي يجب أن يكون على قدر المسئولية في تنمية هذه القيم. - هل فساد السلطة مبرر لانتشار التحرش؟ مدمن المخدرات أول من يبحث عن مبررات لإدمانه كذلك المنحرف يلقى باللوم على فساد المسئولين، وهو أمر غير حقيقى فقد أصبحنا نشكك في كل شيء وهذه ظاهرة غير صحية بل أصبحنا نصدر اليأس وهذا ما يجعل الجو العام غير مهيأ للعمل، وكيف انتظر من مسئول أتى ليفنى نفسه في تسيير أعمال الناس وهو موضع اتهام دائمًا وهذا هو السبب الحقيقى لتفريغ الكفاءات وأصبح المفهوم الأساسى لدينا هو البرىء متهم حتى تثبت براءته ولا يعلم الناس بأن الفساد يبدأ من الموظف الصغير وليس المسئول وفى نفس الوقت نجد هناك من يناشد بالمثالية ويرفعون شعارات القضاء على الفساد والتطهير هؤلاء واهمون وهم أعداء النجاح لأنهم يجيدون النقد ولا يعرفون العمل، فالقضاء على الفساد مستحيل ولكننا نطالب بالحد من انتشاره والعمل على تقليله. - ما هي آخر الإحصاءات الخاصة بالتحرش في مصر؟ المركز القومى أجرى مجموعة من البحوث الميدانية للوقوف على نتائج وإحصاءات التحرش الجنسى ومنها بحث الخبرة بالجريمة حول العالم، والذي تم إجراؤه على الواقع المصرى وأُجرى على عينه قوامها 1000 مفردة 66، 3 % مقابل 33، 7 للذكور بلغت نسبة من تعرضن للجرائم الجنسية، في الحياة العامة خدش حياء وهتك العرض والاغتصاب 20، 7 %، وهى نسبة تعد كبيرة نظرًا لخطورتها على القيم العليا للمجتمع ولم يقم بالتبليغ من هؤلاء سوى نسبة 1، 8 %، في حين بلغ نسبة من تعرضن للشروع في الاغتصاب 4، 5%، أما معظم من تعرضن لتلك الجرائم الجنسية بنسبة 91، 9 % فكانت خدش حياء. وبالنسبة للضحايا، فنجد أن أغلبهم بنسبة 62، 6% في الفئة العمرية الأقل من 20 عامًا، نحو نصفهن كانوا أطفالا أقل من 15 عامًا، ونحو 75% منهن آنسات. ونتائج بحث الاستغلال الجنسى والبغاء في إطار الاتجار بالبشر الذي استهدف المسح الشامل للمحكوم عليهم في جرائم جنسية في السجون المصرية عام 2010، الذين وافقوا على التطبيق الميدانى وعددهم 300 مفردة تشير إلى أنه تعرض لهتك العرض أو الاغتصاب في مقتبل حياتهم 29، 3% من المحكوم عليهم، ومعظم مرتكبى جرائم الاعتياد على ممارسة البغاء قد سبق تعرضهم للتحرش أو الاغتصاب خلال مرحلة مبكرة من العمر. - ما هي مدى العلاقة بين أطفال الشوارع والتحرش الجنسي؟ حول هذا الشأن أُجريت دراسة على عينة قوامها 430 طفلا تشير نتائجه إلى أن الاعتداء الجنسى نحو ثلث عينة الدراسه يمثل الإناث ثلاثة أمثال الذكور – يشكل الغرباء النسبة الغالبة – يشكل الأشخاص الغرباء النسبة الغالبة للذين اعتدوا عليه جنسيا يليهم زملاء الشاع، وتعرض للاعتداء من قبل الأقارب قبل الخروج للشارع نسبة 13، 5%، وكان الجانى فيها أحد الأقارب أو صاحب عمل أو زوج الأم ثم الأب نفسه، وكانت الإناث هن الضحايا في تلك الحالات، بعض فتيات الشارع يتاجرن بزميلاتهن حيث يتقاضين أجورا لتسهيل استغلالهن جنسيًا من جانب الغير بالتحايل والخداع، وتعرض للاتجار لممارسة الدعارة أو الفجور لقاء ربح مادى بنسبه 6، 5 من عينة البحث معظمهم فتيات في الفئة العمرية 15 إلى 18 عامًا، في حين كان الذكور في الفئة العمرية من 11 إلى 15 عامًا. وعن الإحصاءات الجنائية، فتزايدت بلاغات هتك العرض والاغتصاب خلال الأعوام من 2006 – 2011 إلى نحو الضعفين، كما تضاعفت نحو 17 مرة بنسبة 1700% بالنسبة لعام 1996. وبلاغات التعرض لأنثى خلال أعوام 2006 – 2011 أظهرت نتائجه إلى انخفاض معدلاته وبلغ عام 2011 أدنى معدلات للإبلاغ وهو ما يرجع وفقًا للدراسة الشرطية إلى أن أحداث ثوره 25 يناير أظهرت القيم الإيجابية للشعب المصري، وهو ما لم يستمر بعد ذلك نظرًا لحالة الانفلات الأمني. وتشير بلاغات الفعل الفاضح في الطريق العام بين عامى 2006 – 2011 إلى التناقض ويبلغ أدناه عام 2011، وهو ما يتناقض مع بلاغات هتك العرض، ويمكن تفسيره بأن الفعل لم يعد ينال الاستهجان الاجتماعى الذي يدفع إلى تقديم البلاغات بشأنه.