يبدو أن الإمام محمد عبده الذي أثمرت في حديقة أفكاره مبادئ تحرير المرأة، وسعد زغلول الذي مهد لظهور كتاب "تحرير المرأة"، وقاسم أمين صاحب الكتاب، ولطفي السيد أستاذ الجيل، وصفية زغلول أم المصريين، وهدى شعراوي، وسيزا نبراوي، وسهير القلماوي، ودرية شفيق، وأمينة السعيد.. يبدو أن هؤلاء العمالقة حينما نادوا بتحرير المرأة وجاهدوا وتحملوا من النقد والتهم في سبيل ذلك ما لا يطيقه إلا أصحاب النفوس الرفيعة.. يبدو أنهم لم يدركوا أن تحرير المرأة يستلزم تحرير الرجل أولًا من أفكاره الذكورية ومن نظرته لنفسه عندما يتعامل مع المرأة باعتباره (فحلًا) وأنها – أي المرأة - مجرد ( لحم رخيص) يحق له أن يأكله نيئًا. الحق أقول لكم إن تحرير الرجل من كل الأفكار السلبية بحق المرأة والسالبة لحقوقها في العيش كإنسان لا ينبغي لأي من كان التعرض لها ولو بالنظر( لا أولى ولا ثانية) هو الضمانة الحقيقية لتحقيق كل الأهداف النبيلة التي نادى بها كل المستنيرين عبر تاريخنا المصري الحديث. فليس من المعقول أن ننادي بحرية المرأة في ارتداء ما تريد أو أن تعمل بأي وظيفة حتى وإن تطلبت منها العودة إلى بيتها في وقت متأخر، ونحن نعرف أن هناك كلابًا مسعورة وذئابًا تنتظرها لتنقض عليها. وهنا لا أطالب بالحجاب للمرأة مثلًا أو عدم اشتغالها بأي وظيفة تتطلب عودتها إلى بيتها في وقت متأخر من الليل، بل على العكس تمامًا ولكن في ظل هذا السعار الذكوري لابد من خلق منظمات رسمية و غير رسمية للعمل بجد على تحرير الرجل من كل الأفكار المريضة وصوره الذهنية للمرأة . على الجانب الآخر لابد من توافر مناخ أمني لحماية النساء من المجرمين الذين تعج بهم شوارعنا ومواصلاتنا العامة، لابد من خلق مناخ تعليمي وثقافي يعرف الرجل بواجباته تجاه أفراد مجتمعه وأنه مسئول أخلاقيًا واجتماعيًا تجاه أي تصرف شائن بحق أي إنسان ذكر كان أو أنثى. لابد من استعادة الحضارة المصرية وبثها في روح هؤلاء لتحل محل ثقافة الصحراء التي جلبت لنا كل صنوف الجهل والتخلف. ينبغي على الدولة أن تُعيد بناء الإنسان المصري الذي دمرته الثقافات البدوية الوافدة بريحها المسموم وقضى على روحه الفساد والقهر والقمع. ينبغي على الفنون أن تقدم المرأة بوصفها إنسانًا وشريكًا في هذا العالم وليست مجرد سلعة مغوية لجلب مزيد من الزبائن وراغبي المتعة. ينبغي إعادة تسمية ميدان التحرير الذي شهد أفظع جرائم التحرش والاغتصاب وقتل الروح باسمه القديم (ميدان الإسماعيلية) ليتذكر الجميع أن المرأة لم تتحرر بعد ولم تحصل على أبسط حقوقها في ظل مجتمع ذكوري. المشوار طويل لتحرير عنصري المجتمع (المرأة والرجل) لكن علينا أن نبدأ.. علينا أن نخطو خطوتنا الأولى نحو الحضارة والمثل السامية.