كنا دائمًا ملوك القفشات في الوطن العربي، وما زال العالم ينتظر كل استحقاق انتخابي من أجل أن يرى خفة دم المصريين ومواقفهم الطريفة، فبرغم كل الإحصائيات التي تؤكد أن المصريين يتمتعون بأعلى نسب الأمراض وأعلى نسب الفقر، إلا أنهم يتناسون ذلك في أيام التصويت. فعلى سبيل المثال انتابت عم سيد مسعد؛ عامل النظافة، حالة تشبه الهستيريا من الفرح، واستمر في ترديد جملة " تحيا مصر" بعد أن قام بالتصويت بلجنته بمدرسة الجمعية الإسلامية الخيرية بالسيدة زينب في شارع بورسعيد، وأسرع ضابط الشرطة إلى محاولة تهدئته حتى يتأكد من عدم حدوث مكروه له. وبسؤال عم سيد عن سبب حالة الفرح الشديد التي انتابته قال: "أول مرة أحس إني مصري طبيعي، زيي زي المتعلمين اللي لابسين بدل وكرافتات، فجأة حسيت إني زي ابني اللي في الثانوية العامة"، عم سيد لديه ابنان أحدهما طالب بالثانوية العامة والآخر في المرحلة الابتدائية، ويقطن بمنطقة المرج الجديدة. أما الست "عديلة" لم يمنعها سنها الذي يقترب من ال"90" عاما من الذهاب إلى لجنتها الانتخابية بمدرسة البرهاني بالسيدة زينب، رغم أن الست "عديلة" تقطن بمنطقة "الدراسة" إلا أنها صممت على المجيء إلى السيدة من أجل الإدلاء بصوتها، الست "عديلة" لديها ضمور بعضلات قدميها الاثتنين، وتؤكد ابنتها التي جاءت معها أن حالتهما المادية لم تسمح لهما بالقدوم بتاكسي واستخدما المواصلات العادية، ما ترتب عليه إرهاقهما. وبسؤال الست عديلة: لماذا قدمتِ للتصويت؟ قالت: "أنا عايزة أصوت على انتخابات الرئيس قبل ما أموت". موضحة أن ذلك اليوم يذكرها بوفاة عبد الناصر عندما نزلت مع أبيها له، لذلك فهي لبت نداء "السيسي" وجاءت لتصوت له لأنه يذكرها بنداء عبد الناصر. وإذا كان الانتخاب هو تصويت كل فرد على حدة داخل لجنته، لكن لا مانع من أن يتم لم شمل العائلة والذهاب إلى لجنتهم خارج لجنة مدرسة فتحية بهيج الإعدادية بنات بمنطقة وسط البلد، ترقص "سعاد" هي وأولادها، وأولاد أخيها على أغنية "بشرة خير". وتعود أصول السيدة "سعاد" إلى مركز دراو بأسوان، لكنها تقطن هي وعائلتها بمنطقة وسط البلد، والتي أكدت أنها تقوم بالنزول منذ 25 يناير، وقامت بالتصويت لصالح "السيسي" لأنها ترى أنه سيحقق لها الأمن والأمان وسيحارب الإرهاب. وكالعادة.. في مشهد يتكرر في كل استحقاق انتخابي، يقوم رجال الشرطة والجيش بتقديم كامل تعاونهم مع المواطنين لمساعدتهم في دخول اللجان، والوصول لها، خاصة كبار السن والطاعنين منهم، ويتكرر مشهد الحب والود بين المواطنين العاديين ورجال الأمن على اللجان، ويسعى كلا الطرفين لإظهار الاحترام. واللافت للنظر ظهور قوات أمن نسائية حيث شهدت لجنة مدرسة قصر الدوبارة بالقصر العيني تواجد فتيات الشرطة العسكرية، والذي أكد قائدهم أن تلك أول مرة يقمن بالنزول، وأن عملهم إداري ومكتبي فقط، وقد شهدت اللجنة من داخلها تواجدًا أمنيّا نسائيّا من قبل الشرطة المدنية. وإذا ذكرنا النساء لا نستطيع أن ننكر أنهن في كل مرة يعطين دروسا للعالم أجمع من خلال إصرارهم على الذهاب للجان بأطفالهم، وإن كانوا رضّعًا ليعطوهم أول درس لهم في الديمقراطية والمشاركة الفعالة، وبغض النظر عن كم الانتقادات التي وجهت لهن بسبب تعبيرهن عن فرحهن بالتصويت بالرقص والزغاريد، فدعونا نقول أن هذا "ستايل" خاص بالستات المصرية يميزهن عن باقي سيدات العالم!!! "سوف نحارب الإرهاب حتى الموت" "السيسي رئيسي" عبارتان تم كتباتهما على صورتين ل"السيسي" مرشح الرئاسة من خلال طفلتين بمدرسة محمد فريد التجريبية للغات بالسيدة زينب، ستكون تلك اللحظات في حياتهما فيما بعد من ذكريات الطفولة كأول مشاركة لهما في بناء وطنهما، كالطفلة "جودي" التي تبعت والدها للجنة وصممت أن تضع استمارة التصويت في الصندوق الانتخابي. تحيا مصر عشان ولادك علشان عيلتك عشان مستقبلك انزل ادلي بصوتك".. كانت تلك عبارات الشباب الذين فضلوا أن يتجولوا في مسيرة بشوارع القاهرة على "باص" بدورين لحث الناس على المشاركة في التصويت على اختيار رئيس مصر القادم. "أحمد بلية" شاب عشريني، وهب نفسه اليوم لإسعاد المواطنين أمام مقار لجانهم الانتخابية من خلال بث الأغاني الوطنية خلال التصويت في انتخابات رئاسة الجمهورية، ومن خلال سماعات "صب" كبيرة وميكرفون على عربة تتبع حي الزمالك، قام بلية ببث الأغاني الوطنية والشعبية مثل "بشرة خير" و"تسلم الأيادي". كلهم شاركوا، كلهن شاركن، جميع الأطياف، عدا طيف واحد لم يرد أن يكون له دور.