في ظل الأزمات السياسية المتلاحقة للجانب الإيراني الرافض للتخلي عن برنامجه النووي غير السلمي، كشف مركز أطلس الفلسطيني المختص بالدراسات الإسرائيلية عن أن الصراعات التي خلفها التفاوض حول الملف النووي الإيراني مسلسل "صهيو - أمريكي" مفضوح الغرض منه استخدامه كفزاعة لتخويف العالم العربي من "الغول" الصفوي، مبينة أن النظام الإيراني استفاد من تلك "التمثيلية" للتخلص من العقوبات المفروضة عليه والتفرغ للعمل بمنتهي السرية في برنامجها النووي. مركز أطلس الفلسطيني أكد في تقريره على أنه استقي معلوماته من بعض التقارير والمؤلفات التي بدأت في الظهور بشكل مفاجئ خلال الاشهر الماضية، وان الكاتب والمؤرخ الأمريكي "غاريث بورتر" الباحث في القضايا السياسية والأمنية القومية الأمريكية كان على رأس تلك المصادر، مشيرة إلى أن كتابه "أزمة مصطنعة: القصة الغير مروية للتهديد النووي الإيراني" أكد على أن أجهزة استخبارات على رأسها "CIA" الأمريكي والموساد الإسرائيلي كان لهما دور مهم في تأليف أسطورة النووي الإيراني. وأوضح مركز أطلس أن الكتاب يعرض الكثير من الادلة الموثقة التي تثبت وجهة نظرة، مؤكدا على أن المؤرخ الأمريكي كان ضيفا على صحيفة هاآرتس الإسرائيلية خلال حوار مطول حول هذا الملف، وكان الحوار يستخدم بشكل لافت مصطلح "الجمهور الإسرائيلي"، مما يؤكد على أن قضية النووي الإيراني أضحي يشغل الجمهور الإسرائيلي، وأنه يكاد يكون هناك اجماع بين كل المتجادلين في الشارع الإسرائيلي عن اقتراب إيران من امتلاك القنبلة النووية. الغريب أن صحيفة هاأرتس في مقابلتها مع المؤرخ الأمريكي نوهت إلى أن محللين سياسيين اسرائيليين كبار يشاركون في صياغة أسطورة هذا الوحش القادم من بلاد فارس، وكأن الصحفي الإسرائيلي في مقاله يمحور القول حول الرعب الذي أصاب الشارع الإسرائيلي بسبب تركيز المستويين السياسي والإعلامي على موضوع القنبلة النووية الإيرانية والتهديد بالضربة الاستباقية. وتعجب مركز اطلس من لجوء صحيفة هاأرتس لتحليل هذا الكتاب في هذا الوقت تحديدا، ووصفة بالذي "يسبح ضد التيار"، متوقعة أن تكثر وسائل الإعلام الصهيونية من نشر ما يشبه مفهوم هذا الكتاب في العديد من المقالات والاخبار، وذلك للتقدير بأن بوادر دبلوماسية جديدة ربما بدأت تطل برأسها لدى إسرائيل على مشارف الانتهاء من المفاوضات في الملف النووي الإيراني في فيينا، وكما يقول "بورتر" فإن إيران لم تكن تسعى منذ البداية لامتلاك السلاح النووي، ولكنها أسطورة نسجتها أجهزة المخابرات لتحقيق أهداف عجزت عن تحقيقها. وبحسب صحيفة هاارتس الإسرائيلية فإن الكتاب ينقل رسالة السباحة ضد التيار المركزي، خاصة وأن "بورتر" ربما يكون الباحث الوحيد الذي قرأ بعين ثاقبة جميع التقارير الصادرة عن الوكالة الدولية للطاقة النووية في العقد الأخير في النموذج الإيراني، إضافة إلى مقابلة "بورتر" لشخصيات سياسية من الحكومة الأمريكية من مختلف الأجيال، وتحليل أدلة قدمها مسئولون في الكونغرس، والنتيجة كانت، كما تقول الصحيفة، كتاب مفصل وموثق لكل من يهتم بفهم كيف تصاعدت أزمة النووي الإيراني حتى وصلت إلى "سناريوهات الهجوم". فحسب "بورتر" فإن الأجندة السياسية لصناع القرار في الولاياتالمتحدة (قبل دخول إسرائيل في الصورة) هي التي أدت إلى اندلاع أزمة النووي الإيراني، وأن نقطة التحول الأساسية جرت مع انهيار الإمبراطورية السوفيتية وانتهاء الحرب الباردة، الأمر الذي مهد الطريق ل "ايجاد مبرر" ل CIA، والحل الذي وجده الأمريكيون للاستمرار في ضخ الموارد للمؤسسة، هو إيجاد تهديد جديد ممثل في "أسلحة الدمار الشامل" باعتبارة مصطلح غامض في حد ذاته، إضافة إلى مصطلح "الإرهاب"، وكانت إيران التي صعدت فجأة على رأس جدول التهديدات، هي التهديد الذي أنقذ ال CIA، لتقوية الأعضاء الفرسان الجدد للمؤسسة، والذين شغلوا مناصب رفيعة في الحكومة، وعلى رأسهم الأيديولوجيين: "ديك تشيني" و"بول وولفويتز" و"جون بولتون"، هؤلاء الذين بدءوا رحلة نزع الشرعية عن الجمهورية الإسلامية الإيرانية بهدف إسقاط النظام. وثائق مفصلة وعلاقات مع رهائن وفي أحد فصول الكتاب يشن "بورتر" هجومًا مدعمًا بالأدلة المكثفة ويقول أن سياسات أمريكا وإسرائيل في الموضوع الإيراني تنبع من المصالح السياسية والمؤسساتية، وليس بالضرورة من تشريح متزن للحقائق حول معنى أن التطوير الإيراني النووي مبني على إشراف الوكالة الدولية، وعلى أساس مفهوم الدفاع لدى إيران، ووفق "بورتر"، فلم يجرِ تشريح منتظم للأهداف الإيرانية في المجال النووي، وصانعو القرار في أمريكا وإسرائيل لم يقدموا ردًا للسؤال: لماذا تتشبث إيران بجميع تصريحاتها ومن خلال القنوات الدبلوماسية أنها لا تنوي تطوير أو امتلاك سلاح نووي؟، وفي خلفية المفاوضات في أمريكا، وحتى 2007 وفي إسرائيل إلى اليوم، ما تزال بديهية نووية غامضة وغير مفهومة تقول "إيران توشك على امتلاك القنبلة النووية"، وفي مسار أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم لم يجد "بورتر" ولا الوكالة الدولية أي دليل على ذلك. وفيما يتعلق بالمسار الآخر، والذي يتطرق اليه كتاب "بورتر"، ولكن بشكل أقل، قوله "من المهم أن نتذكر أن إيران تعهدت للوكالة الدولية أنها لن تبني مفاعلًا لعزل البلوتونيوم إلى جانب مصنع المياه الثقيلة في أراك، وانه لا يوجد لديها مثل هذا المفاعل، ومن دون مفاعل عزل البلوتونيوم لا يمكن إنتاج البلوتونيوم المستخدم في القنبلة النووية أو من بقايا الوقود المستخدم في مفاعل أراك"، ومع تجميد البناء في المفاعل الذي لم يكتمل بعد، وهو خاضع للرقابة الدولية، وقد صرح مسئولون إيرانيون علانية خلال المفاوضات مع القوى الكبرى عن استعدادهم أن يجروا تعديلات على المفاعل لكي يبددوا المخاوف. يضيف بورتر: "إن أسطورة النووي الإيراني حازت على تصديق كبير لأن أحدًا لم يتحداها، في حين أنه وطوال سنوات عثرت على عدد من الحقائق المهمة، التي لم تتوافق مع الأسطورة، ورأيت أيضًا أنني أنا الصحفي الوحيد الذي يقتفى أثر الدلائل والشهادات في القضية عن قرب، لذلك فعليّ أن أؤلف كتابًا حول الموضوع". "التقديرات الاستخباراتية الأمريكية عام 2007 قد انفصلت تمامًا عن تقديرات (2001-2005) والتي تقول إن إيران تطور برنامجًا نوويًا ايرانيًا، وبدلًا من هذا التقدير في العام 2007 كان التقدير أنه من الممكن الإقرار، وبدرجة أمنية عالية، أن إيران أوقفت العمل على السلاح النووي، ومن المعروف أن حكومة بوش وإسرائيل عارضوا هذا الاستنتاج لأن اتهام إيران بتطوير السلاح النووي من شأنه أن يعطي غطاءً للتهديد بالهجوم عليها، لذلك فإن هذا الاستنتاج ترك الخيار العسكري خارج الإمكان بالنسبة لحكومتي بوش وأوباما". يقول "بورتر" أن الرئيس الإيراني الحالي حسن روحاني، هو الذي كان في نفس تلك المرحلة منسق سياسة إيران النووية أقنع القائد الأعلى للثورة خامنئي بالإعلان أن كل نشاط يتعلق بالسلاح النووي غير قانوني وغير موافق لتعاليم الإسلام، بهدف إجبار الباحثين للكف عن العمل في قضية السلاح، وأن فهمًا صحيحًا لهذه القصة مهم وضروري للفهم الدقيق للسياسة النووية الإيرانية". وثائق ملفقة وحول الوثائق المسربة يقول "بورتر": "لقد خصصت فصلًا كاملًا لوثائق اللاب توب الغامض، وأوضحت أن المخابرات الإسرائيلية فبركت الأدلة ونقلتها لتنظيم إرهابي اسمه "المجاهدين" بهدف إيصالها إلى المخابرات الالمانية منتصف عام 2004، ومما يؤكد حقيقة أن الوثائق كاذبة هو الخطأ الأساسي في سلسلة التحقيقات، والتي تظهر الجهود لضبط وموائمة سلاح نووي للصاروخ الإيراني المتوسط المدى "شهاب 3"، والذي أهملته إيران في العام 2000 لصالح نموذج مطور أنتج عام 2004، وأحد المؤشرات أن مصدر الوثائق هو إسرائيل، خاصة وأن المجاهدين تنظيم غير مؤهل بما يكفي لإنتاج كل هذا الكم من الوثائق، وبالطبع فإن التاريخ المعروف من علاقات العمل بين التنظيم الإرهابي والمخابرات في إسرائيل مهم بنفس المستوى للحقيقة التي وصفها الأمين العام السابق لوكالة الطاقة الذرية الدولية محمد البرادعي في كتابه، وبعده مباشرة مررت إسرائيل مباشرة للوكالة الدولية سلسلة طويلة من التقارير المخابراتية (2008-2009) وثائق تقول أن إيران عملت على تطوير السلاح النووي بعد العام 2003". وحول مفاعل أراك يقول "بورتر": "الضعف المركزي في الزعم أن المفاعل في أراك هو برنامج إيراني على طريق البلوتونيوم، وصولا للقنبلة هو بسيط، فإيران قد وافقت على ترتيبات في إطارها لا يمكنها أبدًا أن تسيطر على البلوتونيوم، الذي سينتج في المفاعل، وبمعنى آخر فإن كل البلوتونيوم سينقل إلى دولة أخرى، وهناك سبب وجيه آخر أن أراك ليس التهديد الذي يحاولون ادعائه، فمصنع لعزل البلوتونيوم يتطلب أعمال بناء ضخمة لا يمكن اخفائها". وحول المفاوضات القائمة حاليًا بين الدول العظمى وإيران يبدي "بورتر" تشاؤمه "لأن حكومة أوباما، والمتأثرة بالأسطورة، والتي تثق بنفسها من أنها قادرة على الضغط على إيران، التي يفترضون أنها ضعيفة بسبب العقوبات، تخطط أن تطلب من إيران أن تبقي في حوزتها فقط عدة آلاف من أجهزة الطرد المركزي، التي يبلغ عددها نحو 19 ألف جهاز، ولسنوات طويلة قادمة، هذا الطلب مبني على أساس تقديرهم أن بالإمكان تقطيع إيران، وهو مفهوم معزول تمامًا عن الواقع، وهو وبكل وضوح يقوي إمكانية تحطم الاتفاق، إيران لا تستطيع، ولن توافق على، التنازل عن قدرتها تزويد المفاعلات الكثيرة بالوقود النووي، وحسب رأيي؛ فإن مثل هذا الطلب سيؤدي إلى ارتفاع مستوى التوترات، إلا إذا غيروه بصورة حقيقية".