رغم تنوع القوى العالمية بين دول كبيرة وغنية وأخرى ذات نفوذ واسع، يبقى هناك بلد وحيد اتفقت عليه الشعوب كأيقونة للتاريخ والحضارة: مصر، التي استحقت عن جدارة لقب "أم الدنيا". لكن ما أصل هذا اللقب؟ وما الذي يجعل مصر تتمتع بهذه المكانة الفريدة تاريخيًا، دينيًا، جغرافيًا، واقتصاديًا؟
منذ آلاف السنين، وتحديدًا في عهد المصريين القدماء، برزت مصر كأول دولة مركزية منظمة في التاريخ، كانت السباقة في تأسيس أول جيش، وكتابة أول القوانين، وابتكار الكتابة الهيروغليفية. ويؤكد العديد من المؤرخين والباحثين أن الحضارة المصرية القديمة لم تكن فقط الأقدم، بل كانت المعلم الأول لباقي الحضارات في مفهوم الدولة ونظام الحكم، ولهذا قيل إن "مصر هي الأصل، والباقي فروع".
مكانة خاصة في التاريخ الإسلامي لم تتوقف عظمة مصر عند حدود التاريخ القديم، بل استمرت مكانتها بارزة في التاريخ الإسلامي، وتنسب إلى الصحابي عمرو بن العاص، فاتح مصر، مقولة شهيرة: "مصر خزانة الأرض، ومن أراد الدنيا فعليه بمصر، ومن أراد الآخرة فعليه بمصر." كلمات تختصر قيمة هذا البلد الذي لم يكن فقط أرضًا للرزق، بل أرضًا للبركة والخير على مر العصور.
موقع استراتيجي في قلب العالم جغرافيًا، تقف مصر على مفترق طرق بين ثلاث قارات: آسيا، إفريقيا، وأوروبا. موقعها الاستراتيجي جعلها بوابة العبور بين الشرق والغرب، والشمال والجنوب، ما منحها أهمية محورية في حركة التجارة والسياسة عبر التاريخ.
اقتصاد قائم على النهر والتربة والإنسان منذ عصور الفراعنة، عرفت مصر بأنها "سلة غذاء العالم"، نهر النيل وهبها أرضًا خصبة، وحضارة اعتمدت على الزراعة والتجارة بشكل أساسي، ولا تزال مصر حتى اليوم من الدول الزراعية والصناعية الرائدة في المنطقة.
حضارة لا تنقطع... بل تتجدد ما يميز مصر عن غيرها من الحضارات الكبرى أنها لم تسقط أبدًا، بل تحوّلت وتطورت عبر العصور. من الحضارة الفرعونية إلى القبطية، ثم الإسلامية، وصولًا إلى الدولة الحديثة، حافظت مصر على دورها الثقافي والحضاري دون انقطاع. وهذا الاستمرارية في العطاء الحضاري عبر آلاف السنين تُعد دليلًا حيًا على أن "مصر ليست مجرد بلد... بل أصل الدنيا وأمها."
اللقب مسؤولية قبل أن يكون فخرًا لقب "أم الدنيا" ليس مجرد كلمات نرددها، بل هو شهادة من التاريخ، وأمانة في أعناقنا جميعًا. مصر لا تنتظر أن يُقال عنها إنها عظيمة... فالعظمة محفورة في اسمها، ومكتوبة في جدران معابدها، ومغروسة في وجدان كل من يعرف التاريخ.