في اليوم ال675 من حرب الإبادة على غزة، أُسدل الستار على فصل جديد من فصول استهداف الحقيقة، حين قضى مراسلا قناة الجزيرة أنس الشريف ومحمد قريقع، إلى جانب مصوريهما إبراهيم ظاهر ومحمد نوفل، وسائق الطاقم محمد نوفل، في قصف إسرائيلي استهدف خيمة مخصصة للصحفيين أمام مستشفى الشفاء غرب مدينة غزة مساء الأحد. الغارة، التي أصابت قلب التغطية الميدانية، خلفت أيضاً إصابات في صفوف صحفيين آخرين بينهم محمد صبح. جيش الاحتلال الإسرائيلي أقر صراحة باستهداف أنس الشريف، وذهب أبعد من ذلك باتهامه بأنه "قيادي في حركة حماس متنكر بصفة صحفي" ومسؤول عن "تنسيق هجمات صاروخية"، زاعماً أن العملية نُفذت بذخيرة دقيقة ووفق إجراءات تهدف – حسب قوله – إلى تقليل الأضرار على المدنيين. هذه الرواية قوبلت برفض قاطع من شبكة الجزيرة، التي وصفت ما جرى بأنه "اغتيال متعمد" و"هجوم سافر على حرية الصحافة"، معتبرة أن قتل أحد أشجع مراسلي غزة وزملائه "محاولة يائسة لإسكات الأصوات" قبل أي تحرك عسكري على الأرض. حياة أنس الشريف أنس الشريف، الذي وُلد في مخيم جباليا عام 1996، لم يكن مجرد مراسل؛ بل كان شاهدًا على الوجع الفلسطيني وناقلًا لأدق تفاصيله منذ اندلاع الحرب في أكتوبر 2023. فقد والده في قصف على منزل العائلة في ديسمبر/كانون الأول من العام نفسه، وواصل عمله رغم المخاطر التي أحاطت بزملائه، فغطى اغتيال إسماعيل الغول ورامي الريفي، ولم يتوقف عن بث مشاهد مباشرة من مواقع القصف وخطوط التماس. وصيته، التي نشرها حسابه الموثق على منصة "إكس" فجر الاثنين، كانت رسالة وداع صادقة ومؤلمة: "هذه وصيتي ورسالتي الأخيرة، إن وصلَتكم كلماتي هذه، فاعلموا أن إسرائيل قد نجحت في قتلي وإسكات صوتي... عشت الألم بكل تفاصيله، وذقت الوجع والفقد مراراً، ورغم ذلك لم أتوانَ يوماً عن نقل الحقيقة كما هي، بلا تزوير أو تحريف". اتهامات الاحتلال للشريف لم تكن جديدة؛ فقد سبق للناطق باسمه، أفخاي أدرعي، أن وصفه في أغسطس/آب 2024 بأنه يغطّي "أنشطة حماس والجهاد الإسلامي"، واتهمه في يوليو/تموز 2025 بأنه "أحد ستة صحفيين تابعين لفصائل مسلحة"، وهي مزاعم رفضتها الجزيرة معتبرة إياها تحريضاً مباشراً. لجنة حماية الصحفيين، ومنظمات دولية، كانت قد حذرت مراراً من تهديدات علنية ضد الشريف، ورأت فيها خرقاً للقانون الدولي الإنساني الذي يحظر استهداف الصحفيين باعتبارهم مدنيين. حتى نهاية يوليو 2025، بلغ عدد الصحفيين الذين قُتلوا منذ بداية الحرب 232، ما يجعل من اغتيال الشريف وزملائه حلقة دامية في سلسلة متصاعدة من الاعتداءات على العمل الصحفي في غزة. ورغم كل ذلك، ظل الشريف متمسكاً برسالته حتى لحظاته الأخيرة، مؤكداً: "لن أصمت... صوتي سيبقى شاهداً على كل جريمة، حتى تتوقف هذه الحرب".