أعلنت الحكومة السورية، الثلاثاء، وقفًا كاملًا لإطلاق النار في محافظة السويداء جنوب البلاد، بعد يومين من الاشتباكات العنيفة التي اندلعت بين أبناء الطائفة الدرزية وعشائر بدوية، وأسفرت عن مقتل أكثر من 100 شخص، في واحدة من أكثر موجات العنف الطائفي دموية في البلاد خلال الفترة الانتقالية. وأعلن وزير الدفاع السوري، مرهف أبو قسرة، عبر بيان نُشر على منصة "إكس"، عن التوصل إلى اتفاق تهدئة مع وجهاء مدينة السويداء، مؤكدًا "وقفًا تامًا لإطلاق النار"، وبدء انتشار وحدات من الشرطة العسكرية لمراقبة الوضع ومحاسبة من وصفهم ب"مخترقي النظام العام". وأضاف: "سنتعامل فقط مع مصادر النيران والهجمات المباشرة من قبل الجماعات الخارجة عن القانون"، مشيرًا إلى أن الشرطة العسكرية ستسلم الأحياء لاحقًا لقوات الأمن الداخلي عقب استكمال عمليات التمشيط. في السياق ذاته، ذكرت وكالة الأنباء الرسمية السورية (سانا) أن الجيش بدأ بسحب المعدات الثقيلة من السويداء تمهيدًا لنقل السيطرة الأمنية لقوات وزارة الداخلية. وجاءت هذه التطورات عقب اندلاع مواجهات مسلحة يوم الأحد بين أفراد من الطائفة الدرزية ومجموعات بدوية في حي المقوس بمدينة السويداء، إثر سلسلة من عمليات الخطف المتبادلة. وتوسعت رقعة العنف بحلول يوم الاثنين، ما دفع القوات الحكومية إلى التدخل لاحتواء الموقف. المرصد السوري لحقوق الإنسان من جانبها، أفادت "المرصد السوري لحقوق الإنسان" ومقره بريطانيا، أن عدد القتلى ارتفع إلى 116 شخصًا، بينهم 64 من أهالي السويداء، من ضمنهم امرأتان وطفلان، فيما توزعت بقية الحصيلة بين أبناء العشائر البدوية وعناصر من الأجهزة الأمنية. وعلى الرغم من ترحيب قيادات درزية محلية بانتشار قوى الأمن الداخلي في السويداء ودعوتهم للفصائل المسلحة إلى التعاون وتسليم أسلحتهم، فإن المرجع الروحي للطائفة الدرزية، الشيخ حكمت الهجري، أعلن تبرؤه من هذا الموقف، معتبرًا أن البيان صدر تحت "ضغوط دولية" وأنه "مفروض من دمشق"، واتهم الحكومة بخرق الهدنة، داعيًا أبناء الطائفة إلى المقاومة. وقال الهجري: "نواجه حرب إبادة شاملة، وعلينا التصدي لهذه الحملة الهمجية بكل الوسائل المتاحة." في تطور لافت، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت أنهما أمرا الجيش الإسرائيلي باستهداف قوات النظام السوري التي دخلت السويداء، مؤكدين أن هذا الانتشار يمثل "خرقًا لسياسة نزع السلاح" المتفق عليها في الجنوب السوري، محذرين من تهديدات محتملة لإسرائيل. وأفادت مصادر عسكرية إسرائيلية أنها نفذت ضربات استهدفت آليات للجيش السوري في المنطقة. خلفية المشهد تشهد سوريا موجات متكررة من العنف الطائفي منذ الإطاحة بالرئيس السابق بشار الأسد على يد فصائل منشقة عن هيئة تحرير الشام (HTS) أواخر العام الماضي، وهي جماعة كانت سابقًا تابعة لتنظيم القاعدة، وأزالتها الولاياتالمتحدة هذا الشهر من قائمتها للمنظمات الإرهابية. هذه الأحداث الدامية تهدد بإعاقة مسار المرحلة الانتقالية في سوريا. ففي الشهر الماضي، شهدت العاصمة دمشق تفجيرًا انتحاريًا استهدف كنيسة، كما اندلعت اشتباكات في ضاحية جرمانا بين دروز وسنة على خلفية مقطع فيديو مثير للجدل. وفي مارس الماضي، تسببت معارك بين مليشيات موالية للأسد وقوات الحكومة الجديدة في سلسلة من عمليات الثأر، استهدفت الطائفة العلوية في محافظتي اللاذقية وطرطوس، وأسفرت – بحسب تحقيق لوكالة "رويترز" – عن مقتل نحو 1500 علوي بمشاركة ما لا يقل عن 12 فصيلًا يعمل حاليًا تحت سلطة الحكومة. الرئيس السوري الحالي، أحمد الشرع، القائد السابق لهيئة تحرير الشام خلال الحرب الأهلية، دعا إلى نبذ الطائفية وتحقيق الوحدة، وأمر بفتح تحقيق في مجازر مارس، مُمددًا عمل اللجنة المعنية لثلاثة أشهر إضافية في أبريل الماضي.