في خطوة فسرت على نطاق واسع بأنها إعلان مواجهة تجارية، فجر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أزمة جديدة بفرض رسوم جمركية ضخمة بنسبة 30% على واردات الاتحاد الأوروبي، تبدأ مطلع أغسطس. القرار لم يكن مجرد خلاف اقتصادي، بل هز أركان النظام التجاري العالمي، وأجبر بروكسل على التحرك الفوري بين التهديد بالرد والبحث عن شركاء بديلين. في وقت تتراجع فيه الثقة في السياسات الأمريكية، يتجه الاتحاد الأوروبي وحلفاء آخرون إلى إعادة صياغة خريطة التحالفات التجارية، في محاولة لتقليل الاعتماد على واشنطن وبناء توازن جديد يحفظ مصالحهم الاقتصادية.
موقف الاتحاد الأوروبي أعلنت أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية، استعداد الاتحاد للإبقاء على القناة التفاوضية مفتوحة قبل 1 أغسطس، مع التهديد بإجراءات مضادة إذا فشلت المفاوضات. ودعا أنطونيو كوستا، رئيس المجلس الأوروبي، إلى تعزيز التجارة الحرة، محذرًا من آثار الضرائب التي تضر بالازدهار ووظائف المواطنين في كلا الجانبين .
خسائر محتملة ومخاوف اقتصادية توقعت تقارير اقتصادية أن تؤدي الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة إلى تراجع الناتج المحلي للاتحاد الأوروبي بنسبة تتراوح بين 0.2% و0.4%، نتيجة انخفاض الصادرات وتعطّل سلاسل التوريد. كما خفضت مؤسسات مالية كبرى مثل Goldman Sachs وJPMorgan توقعاتها لنمو اقتصاد منطقة اليورو في عام 2025 إلى نحو 0.7% أو أقل، مشيرة إلى احتمال ارتفاع التضخم وتراجع أرباح الشركات الأوروبية بسبب هذه التطورات.
خطة فون دير لاين: نظام عالمي بدون واشنطن؟ بدأ الاتحاد الأوروبي في تعزيز تحالفاته التجارية مع دول مثل إندونيسيا، الهند، جنوب أفريقيا، كندا، وبريطانيا، بهدف تنويع الشركاء وتقليل الاعتماد على السوق الأمريكية. وفي خطوة طموحة، اقترحت أورسولا فون دير لاين توسيع التعاون التجاري مع دول اتفاقية الشراكة الشاملة والمترقية عبر المحيط الهادئ (CPTPP)، والتي تضم دولًا مثل اليابان وفيتنام، سعيًا لبناء نظام تجاري عالمي أكثر توازنًا وتعددًا في الأقطاب.
تصاعد التحدي التجاري بين أوروبا وأمريكا يرى بعض الدبلوماسيين الأوروبيين أن ترامب يستخدم الرسوم كأداة ضغط سياسي لانتزاع تنازلات سريعة من شركائه، وهو ما عبر عنه أحد المسؤولين بوصفه "تحريكًا كاملًا لأعمدة المرمى" – أي تغيير قواعد اللعبة في منتصفها. في المقابل، يتبنى الاتحاد الأوروبي نهجًا مزدوجًا: السعي لاستمرار الحوار من جهة، مع إعداد حزمة إجراءات ردعية قوية من جهة أخرى، تضمن له موقع تفاوضي صلب. تشمل هذه الإجراءات خطة لفرض رسوم انتقامية على سلع أمريكية بقيمة تصل إلى 93 مليار يورو، مما قد يشكل عامل ردع فعال قبل سريان القرار الأمريكي. وقد اشتدت الدعوات داخل البرلمان الأوروبي لرد فوري؛ حيث وصف برلمانيون مثل برند لانيغ القرار الأمريكي بأنه "استفزازي وعدواني"، مطالبين بإظهار قوة أوروبية موحّدة. كما دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى "الدفاع عن المصالح الأوروبية بحزم"، بينما أكد وزير المالية الألماني لارس كلينغبايل أن الاتحاد "يجب أن يكون مستعدًا لإجراءات حاسمة" إذا فشلت جهود التهدئة الدبلوماسية. كل هذه المؤشرات تؤكد أن المشهد التجاري العالمي مقبل على مرحلة مواجهة حقيقية، قد تعيد رسم خريطة التحالفات التجارية بعيدًا عن واشنطن.
الاقتصاد العالمي يتغير.. من التبعية إلى التنويع لم تكن الرسوم الجمركية الأمريكية مجرد قرار اقتصادي، بل بمثابة زلزال سياسي أثر على الثقة في النظام التجاري الدولي. كما أن الرد الأوروبي لا يقتصر على نفي التهديدات بل يشكل إعلانًا عن استراتيجية اقتصادية جديدة هدفها، التنويع التجاري، وتأسيس شراكات بعيدة عن الاعتماد الأحادي، واستعداد لرد متناسق ومؤثر، والحفاظ على التفاوض كخيار رئيسي بديل للصدام الاقتصادي.